استضاف النادي الثقافي والفني وأساتذة وأطر الإدارة وتلاميذ مؤسسة ثانوية الشيخ محمد المكي الناصري التأهيلية بتطوان، الشاعر المغربي عبد الكريم الطبال. مساء يوم الجمعة 16/12/2011 . اللقاء يندرج ضمن الأنشطة الثقافية والتربوية التي رسمها النادي الثقافي بتنسيق وتعاون مع المؤسسة، برسم الدخول الثقافي والتربوي لهذه السنة. وقد شارك في هذا اللقاء الهام إلى جانب الشاعر، الأستاذ حسن اليملاحي والأستاذة فاطمة الميموني. بعد كلمة السيد مدير المؤسسة التي شكر عبرها عبد الكريم الطبال، وكذا الحضور والأساتذة وجمعية آباء وأولياء تلاميذ المؤسسة الذين أبدوا استعدادا ملحوظا للانخراط في كل المبادرات الثقافية؛ تناولت التلميذة مريم أبرنوس الكلمة متحدثة بالنيابة عن تلاميذ المؤسسة، فشكرت اللجنة التنظيمية على كل المجهودات التي بذلتها في سبيل إخراج هذا اللقاء الذي يشكل حدثا بالنسبة للتلاميذ. كما لم تفتها الفرصة للترحيب بالشاعر المغربي عبد الكريم الطبال. أما الشاعرة المغربية فاطمة الميموني فقد اعتبرت أن التجربة الشعرية لدى الشاعر المغربي عبد الكريم الطبال تحتاج إلى أكثر من وقفة نقدية لاستكناه بعدها الجمالي والفني، مشيرة في السياق نفسه إلى المكانة الرمزية التي يشغلها الشاعر في مدونة الشعر المغربي والعربي وكذا إلى أن تلقي شعر الطبال ما زال يقابل في ميدان البحث والدراسات النقدية بحضور واسع، وأضافت أن اللقاء فرصة للاطلاع عن مواقفه بخصوص أسئلة الشعر والحياة. وفي سياق ورقته النقدية التي طرحها القاص حسن اليملاحي والتي تناولت تجربة الكتابة لدى الطبال، أبرز الصعوبات التي تعترض القارىء، خاصة لما يتعلق الأمر بكتابة أصيلة وضاربة بجذورها في المشهد الشعري المغربي،كما لفت انتباه الحاضرين إلى الإصدار السردي الأخير للطبال الذي وسمه بعنوان»فراشات هاربة». وأكد أن الرجوع إلى هذه السيرة أمر ضروري من شأنه أن يساهم في استلهام تجربة الكتابة لدى الطبال من خلال بعض المحكيات التي تتضمنها سيرته الذاتية؛ خاصة البدايات الأولى. عبد الكريم الطبال كاتبا سيريا فبخصوص عمله السردي» فراشات هاربة»، فضل اليملاحي التوقف عند العنوان، مبديا ما يشكله من أهمية تساعد على فهم المتن العام ككل. وعن دلالته أكد أن الأمر لا يتعلق بفراشات هاربة كما يبدو من ظاهر القراءة الأولى، ولكن الأمر يتعلق بأحوال هاربة وطفولة مستعادة، مستحضرا ما قاله الطبال في كتابه بالصفحة السادسة»فهو من أجل أن يظل في بؤرة الحياة، يحاول بكل حاسة فيه القبض على ناصية الأحوال الهاربة». أما بخصوص المتن الحكائي فقد انتهى اليملاحي إلى قراءة الكتاب وفق التقسيم الفني الذي اختاره الكاتب وقد جاء على النحو التالي: العقبة الأولى إذ يتحدث من خلالها الطبال عن الحياة الأولى، أي مرحلة الطفولة ومن داخلها أفصح عن طبيعة ونوعية علاقة الطفل بالأصدقاء وفضاء الغدير، وكذا عن جلسات المساء التي تتخللها محكيات مدهشة. والعلاقة الحميمية التي تربطه بالأم والأب وما كانت تنتهي به هذه العلاقة من عقاب نتيجة بعض ما كان يصدر من تصرفات الطفل «كريمو». كما تحكي السيرة عن علاقته بالقط الأشهب، وكذا الكُتَّاب الذي التحق به وقد كان سببا في تغيير حياة السارد. الحرب والسلام وهي مرحلة ستتيح لعبد الكريم الطبال اكتشاف العالم الخارجي والفضاءات المكونة له، وكذا بعض الألعاب التي ينخرط فيها عبد الكريم على سبيل المثال: الحومة السينيما وكذا بعض الألعاب التي ينخرط فيها عبد الكريم على سبيل المثال لعبة كرة القدم، ولعبة الحرب. كما سيتاح له ارتياد الكتاب القرآني ومجالس الذكر والتصوف، إضافة إلى المعهد الديني الذي سيفتح له فيما بعد اكتشاف معالم الوطنية وتاريخ المغرب والاستقلال. الرحلة الصعبة وهي محطة مشرقة في حياة عبد الكريم إذ سيكتشف من خلالها وجوده من خلال السفر خارج المدينة وإلى أمكنة متعددة نذكر منها فاس، طنجة ،صفرو..... مع الإشارة إلى ما تخلل هذه المرحلة من انفتاح على عالم القراءة والكتابة. إلا أن أهم ما سيميز هذه المحطة هو فقدان الكاتب لوالده، و كذا مأساة الواقع في الوطن العربي من خلال نكبة فلسطين، ونفي الملك محمد الخامس, لتنتهي بحصول عبد الكريم على الإجازة بعد محطات حافلة ومشرقة بالحياة. وفي معرض حديثه عن الجوانب الفنية في السيرة، أشار حسن اليملاحي إلى أن هذا المنجز السردي يتداخل نصيا بالشعر وبمتون أخرى. مبينا ما حققه هذا التداخل من جمالية على مستوى هندسة وطوبوغرافية النص. أما على مستوى الوظيفة فقد أكد أن هذا الالتماس الذي توسل به عبد الكريم إنما يروم تحقيق المتعة لدى القارىء وإبعاد أجواء الرتابة التي تحصل لديه مع بعض الأعمال. من جهة أخرى، اعتبر أن الأسلوب الذي جاءت به السيرة يجمع بين السردية والشعرية الشيء الذي جعل منها فضاء للمتعة والتشويق، ومجالا لطرح جملة من الأسئلة النقدية بخصوص هذا العمل الذي لا شك أنه سيحقق إضافات لمدونة السرد المغربي. وفي سياق الحديث عن الأسلوب، أشار اليملاحي إلى أن الطبال اعتمد في سيرته أسلوب السرد بضمير الغائب وضمير المتكلم، مبديا أن هذا الأسلوب إنما يعكس رؤية السرد لد ى الكاتب، موضحا أنها سمة بلاغية فتحت آفاقا سردية أمام الكاتب لإضفاء طابع التنويع على عمله وكذا تفادي الإحراج أمام القارئ خاصة لما يتعلق الأمر ببعض المواقف والمغامرات العاطفية أو ما شابهها. وفي النهاية أكد اليملاحي أن» فراشات هاربة» رائعة سردية بمبناها ومعناها تستوجب قراءة تأملية للوقوف عند بعض المعالم الجمالية التي تتميز بها. عبد الكريم الطبال شاعرا وعن تجربته الشعرية، فقد قرأها اليملاحي من خلال الإصدار الشعري الأخير لعبد الكريم الطبال الذي حمل عنوان» من كتاب الرمل»، وهو كتاب يقع في81 صفحة من الحجم المتوسط، صدر ضمن منشورات بيت الشعر في المغرب، برسم سنة 2011. أما بخصوص الخطاب الشعري عند الطبال فقد أبرز اليملاحي أنه يتسم بالتعدد من حيث صور الذات والتلفظ الشعري في الديوان. وهي سمة قادته إلى حصر هذه الصور الفنية في: صورة الذات الشاعرة: وتمثلها القصائد: في المدينة، كتابة،خطأ،أنا. صورة الشاعر العاشق: وتتجلى في القصائد: أنت،جنون،ماء. صورة الشاعر الإنسان: وتتمظهر في القصائد: دعاء، الطيب، هناك، المفرد. صورة الشاعر الصوفي: وتتجلى في القصائد: عابد، ملائكة، دعاء، سماء. وقال إن هذه الصور بقدر ما تفتح أمام القارىء جملة من النوافذ لاستنشاق هواء شعري أنيق، تكشف له عن مساحة تسمح له بالتعرف عن بعض معالم حياة الشاعر في علاقتها بمحيطاتها الخارجية والداخلية. وخلص اليملاحي إلى القول إن هذه الصور البلاغية، سمة تميز بنية الخطاب الشعري لدى الشاعر الطبال، كما تكشف عن مواقع التلفظ الشعري لديه، وتعكس في ذات الأمر حالات ومدى دينامية الحركة الشعرية للشاعر ودفقته الشعورية. وفي ختام اللقاء توجهت الأستاذة فاطمة بكلمة شكر إلى الشاعر عبد الكريم الطبال على قبوله دعوة اللقاء، مذكرة بالرمزية التي يشغلها الشاعر في ذاكرة التلقي والقراءة، و تألقه في المشهد الشعري المغربي والعربي، متمنية أن يتجدد اللقاء مرة أخرى مع الشاعر. ودعت جمهور تلاميذ المؤسسة إلى الاهتمام بالشعر لأنه فرصة تسمح لنا بالانخراط في أسئلة الإبداع. من جهته، وفي معرض كلمته سرد الشاعر الطبال قصته مع الشعر، معتبرا أن الشعر في دمه وفي حياته. وعن البداية قال: إنها انطلقت منذ زمن بعيد، وبالضبط لما كان طالبا، حينما كتب قصيدة وأرسلها إلى «الأنيس» ففرح وقال في نفسه إنه في بداية الطريق. وأضاف أنه ما زال يخطو برفقة القصيدة إلى آخر الحياة ولن يتخلف عن السفر معها إلى كل آفاقها وسمواتها غير المحدودة، داعيا الشعراء إلى مسايرة الزمن الشعري الخالد. وبعد قراءة الشاعر لبعض أشعاره الجميلة نذكر منها قصيدة»خطأ» و»قال طفل» وشذرات شعرية أخرى،اختتم الحفل بإهداء الشاعر» لوحة جميلة» مساهمة من أحد أولياء تلاميذ مؤسسة الشيخ محمد المكي الناصري، ليقام بعد ذلك حفل شاي على شرف الشاعر المغربي عبد الكريم الطبال.