تمهيد: يعتبر خالد بودريف من أهم الشعراء الشباب في المنطقة الشرقية من المغرب الأقصى، ويتميز عن شعرائها بكتابة الشعر العمودي المتناظر الشطرين والملتزم بصرامة الوزن الخليلي. وبهذا يكون خالد بودريف من مؤسسي المدرسة الشعرية التراثية في شعر المنطقة؛ لأن جل شعرائها المعاصرين قد مالوا إما إلى كتابة شعر التفعيلة وإما إلى كتابة الشعر المنثور. وما يلاحظ على المبدع الصاعد خالد بودريف أنه شاعر كلاسيكي يمتح من الذاكرة التراثية الشعرية أشكالها الهيكلية وأنماطها البنائية، وينهل من أصول البيان الشعري العربي القديم أساليبه وصوره البلاغية ولغته الفخمة الجزلة وأوزانه الخليلية محاكاة وامتصاصا ومعارضة وتناصا قصد السير بالشعر العربي بالمنطقة الشرقية إلى آفاق شعرية واسعة من التخييل والإبداع والحفاظ على أصول الشعر العربي الحقيقية قصد التواصل مع القارئ العربي الذي تعود على الموسيقا الشعرية المتناظرة المعهودة في الشعر العربي الموروث. هذا، وقد جسد الشاعر في ديوانه الأول " إبحار في ذاكرة القلب" معاناته الذاتية والوجدانية إلى جانب تشخيص معاناة الإنسان المغربي بصفة خاصة والإنسان العربي بصفة عامة، منطلقا في ذلك من الهدي النبوي إلى شعر الطفل مرورا بالفحميات والشعر الوطني والقومي. إذا، ماهي خصوصيات ديوان" إبحار في ذاكرة القلب" للشاعر خالد بودريف من حيث الدلالة والصياغة والوظيفة؟ أ- سيرة الشاعر: ولد خالد بودريف في مدينة جرادة بالمنطقة الشرقية من المغرب الأقصى سنة 1977م ، وقد أظهر كفاءة متميزة في دراساته الجامعية التي انتهت بحصوله على الإجازة في القانون العام ، تخصص إدارة داخلية. وقد مارس خالد بودريف كتابة الشعر منذ وقت مبكر، وعايش جميع الأحداث والتناقضات الجدلية التي عرفها المغرب في عقد الثمانين وعقد التسعين وسنوات الألفية الثالثة، ولاسيما قضية تسريح عمال جرادة التي أثارت الرأي العام المغربي. وقد تأثر الشاعر كثيرا بوفاة أبيه الذي أهلكه سليكوز مناجم جرادة وفحمها القاتل الذي جعله عرضة الاستغلال والتسويف حتى بعد مماته. هذا، وقد شارك خالد بودريف في مجموعة من الملتقيات والأمسيات والمسابقات الشعرية ، وخرج منها مظفرا بالعديد من الجوائز التي تشيد بنباهته وفحولته الشعرية وكفائته المتميزة في قرض الشعر الخليلي في زمن تخلى فيه المبدعون عن هذا القالب الشعري العمودي؛ لما يثيره من صعوبة على مستوى الصياغة والنسج الشاعري، وما يتطلبه من معرفة موسوعية شاملة بعلوم الآلة من عروض ونحو وبلاغة ولغة وقافية. زد على ذلك، أن الشاعر الشاب خالد بودريف قرأ الكثير من نصوص الشعر العربي القديم بصفة عامة وديوان المتنبي بصفة خاصة. وفي نفس الوقت كان منفتحا على تيارات الشعر المغربي الحديث والمعاصر على وجه العموم وشعر المنطقة الشرقية على وجه الخصوص. ويعد ديوان" إبحار في ذاكرة القلب" أول ديوان شعري يصدر للشاعر في طبعته الأولى سنة 2008م، وقد استند فيه إلى الإيقاع الخليلي والشكل السككي المتناظر في التعبير عن مواضيعه ذات المناحي الذاتية والموضوعية. ب- المستوى الدلالي: تناول الشاعر خالد بودريف في ديوانه الشعري الأول :" إبحار في ذاكرة القلب" تيمات دلالية ذاتية وموضوعية، على الرغم من كون العنوان الاسمي يوحي بالأجواء الرومانسية القائمة على المناجاة العاطفية (الحب)، والتغني بالطبيعة ( إبحار/البحر)، والارتكان إلى الحركة عبر السفر الوجداني والواقعي والتخييلي، وتفتيق الذاكرة الزمنية عن طريق الاستعادة وكتابة الماضي وإشهاده على الحاضر بكل أفراحه وأتراحه، بأناته وآماله. ويتسم هذا العنوان بالتجريد الذاتي الوجداني وبالاستعارة الموحية القائمة على المجاز والخرق المدهش الموغل في الرمزية والغوص في المعاني العميقة. ويبدو العنوان من حيث التركيب بسيطا قائما على خاصية الحذف(حذف المبتدإ الذي يمكن تقديره بهذا)، وبساطة الجملة التي تستند بدورها إلى ركنين أساسين وهما: الركن الاسمي الإسنادي والركن الحرفي الإضافي. هذا، وقد نوع الشاعر في مواضيع ديوانه الشعري الأول منتقلا من الذاتي إلى الغيري، ومن المحلي والوطني إلى القومي والإنساني على غرار معظم الشعراء العرب خاصة الذين يكتبون القصيدة العمودية ويحترمون صرامة الوزن الخليلي. ومن المواضيع والأغراض الشعرية التي تطرق إليها الشاعر نذكر القضايا الدلالية التالية: 1- المديح النبوي: من المعروف أن المديح النبوي من أهم الأغراض الشعرية التي اختارها الشعراء للتعبير عن حبهم للنبي( صلعم) وإبداء عواطفهم الذاتية والوجدانية تجاه الرسول (ص) الذي أخرج البشرية من الظلمات إلى النور بفضل القرآن الكريم. وغالبا ما تتركب القصيدة النبوية من استهلال عاطفي أو غزلي يتشوق الشاعر فيه إلى محبوبته أو يسترسل فيه دموع الحب للذات المعشوقة صوفيا. وبعد ذلك ينتقل الشاعر إلى إبراز سيرة الرسول (ص) ومدحه وتعداد مناقبه الفاضلة وذكر منجزاته ومعجزاته ليختم القصيدة بالسلام عليه أوالدعاء له. ومن الشعراء الذين اشتهروا بالمديح النبوي قديما نذكر : كعب بن زهير والشريف الرضي والبويصيري وابن نباتة والفشتالي ولسان الدين بن الخطيب وعبد المالك بن المرحل والقاضي عياض، ومن الشعراء المحدثين نستحضر إبراهيم اليازجي وأحمد سامي البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وإسماعيل زويريق وآخرين. ولشاعرنا خالد بودريف قصيدة نبوية طويلة دالية الروي يستفتحها بمقطع شعري يناجي فيه الرب طالبا منه الرحمة و الغفران والنجاة من العقاب بسبب كثرة الذنوب والمعاصي التي اقترفها: يارب جد لي من الغفران والمدد واغفر خطاياي حيث الذنب بالعدد يامن حفظت الكتاب في مكانته احفظ عظامي من الإضراء في اللحد وارفق بحالي فإني خائف وجل كل يسير إليك اليوم أو بغد يا من خلقت فؤادي في جوارحه ارحم ذليلا أتاك اليوم في كمد ويتخلص الشاعر بعد هذا الخوف من لقاء الله والوجل من العقاب الرباني والتذلل إليه طمعا في التوبة والعفو الإلهي إلى مدح النبي (صلعم) ذاكرا سيرته الخالدة ونشأته بين اليتم والمعاناة والجوع إلى أن اصطفاه الله تعالى رسولا للعالمين، مع تصوير مكانته الجليلة عند الناس وما أسداه للعرب بصفة خاصة وللبرية بصفة عامة، دون أن ينسى تعداد مناقبه الحميدة وشمائله الحميدة وخلقته النورانية البهية ومزاياه الأخلاقية التي شرفت وكملت بفضل القرآن الكريم على غرار شعراء المديح النبوي كالبويصري وأحمد شوقي والبارودي وإسماعيل زويريق في مطولته الشعرية " على النهج" : مامن عظيم قد استوت محاسنه كما استوت لمحمد على الرغد طابت معايشه الكبرى بآخرة وطاب عيشه في الدنيا بلا حسد هذا وقد كملت له الشمائل في عز وإن جيء بالنقصان لم يرد ما شانه اليتم يوما أو أهانه أو قال الفواحش في خصم على النكد يطوي ليال من الجوع الخصيم ولم يعرف بطعمه إلا الصبر بالجلد معظم عند دنيا الناس في عظم مكرم عند رب العرش في الأبد إذاً، يسكب الشاعر في هذه القصيدة النبوية المولدية كؤوس الحب للذات الربانية مستخدما في ذلك رموز العرفان واللغة اللدنية وصيغ التبتل والمناجاة الذاتية وصيغ التمجيد للرسول (صلعم) لنسج سيرة نبوية تجمع بين الصبر في المعاناة والفوز برضى الله وإنقاذ البشرية من مهاوي الضلال والهلاك والسير بها نحو آفاق الهداية الربانية المشرقة. 2- التغني بالذات والوجدان: صاغ الشاعر مجموعة من القصائد الذاتية الوجدانية ذات الطابع الرومانسي كقصيدة ( همزة الوصل) ، و" دالية فحول الشعراء" ، و" أحداق وأقداح"، و" شتاء القلب صيف" و" واسطة العقد الفريد" للتعبير عن عاطفة الحب وتجاربه الرومانسية العاشقة التي تتأرجح بين الوصال والفراق. ومن أهم القصائد الغزلية الرومانسية نجد قصيدته (مرايا القلب) التي يتغنى فيها بالحب ومفعول العشق وميله التجاذبي بين الوصال والفراق، والفوز بالمحبوب والتعثر في الهوى إخفاقا وفشلا. ويسرد الشاعر في ديوانه الشعري تجربته الرومانسية الشبابية التي أعلن فيها ميلاد حبه الذي يسكن في ذاته بين أضلع الشوق وأحشاء الفؤاد الطافح بمشاعر اللوعة والوجد والحنين والوله الشديد، والارتماء بين أحضان المعشوقة المدللة العنيدة التي تحسن لغة الكر والفر، ولغة الوصل والفصل، ولغة القرب والهجر، بينما الشاعر يتعذب حالا ويتمزق قلبا، ويضنى لهفا : لقلب قد هوى إلا انكسارا ألا يتصدع القلب اختيارا حبيبك إن أتاك أتيت شوقا وفارقت كل العوالم والديارا صبئت عن الشواغل في اشتغال بحب ظل يمهلك العثارا فإن تتعثر الأقدام يوما تقوى القلب بالحجب اضطرارا فيسندك ذاك هذا في وصال ترتب عنه أن نلت القرارا وجادك الغيث حبك ماتراه بقلبك من هوى سكن القفارا كأنه أنت فيه وأنت منه وموتك فيه شيء لايمارى وكنت صفاء قلبه حين يهوى وكل فؤاده حين استدارا ويتغنى الشاعر أيضا في قصيدته الرائعة (الطيف المكنون) بحبيته المعشوقة التي تحولت إلى طيف لاشعوري يتراقص أما مخيلة الشاعر الكئيب، بعد أن صارت حياة الشاعر بسبب لوعة الجوى والهوى كمدا وهما صارخا ينتاب العاشق الولهان أثناء الليل الدامس ، إذ يتحول الحب إلى داء معضل ينخر جسد الشاعر كداء بودلير وحزن لامارتين وعشق ألفرد دوموسيه. كما يصور الشاعر حالة الحصار الذي شنته عليه حبيبته في وقت الدجى والشاعر يعاني من الوحدة والغربة الذاتية والمكانية ومن العزلة القاتلة والنوى المضني. بيد أن هذا العشق سرعان ما يصبح فراقا وبعدا يتحول إلى سموم لادغة تترك الشاعر يسهر على هواها وطيفها المتخيل بين أنات الليل الحزين وآهاته المترنحة : حاصرتني بين أضلاعي همومي واستباحت كل نجم من نجومي حاصرتني ثم قالت أنت ملكي أيها المسجور في برج الغيوم مالك استسلمت في ساح الهوى من غير حرب أو بلاء بالحسوم هل نسيت الضيم من داء النوى أم ذلك العجز المحلى بالسموم أم تراك العاشق المعشوق في لي لاك دون الناس أو دون العموم بعدما أدمنت كأسي من هواها غاب كأسي نافرا بعد اللزوم ما أنا من رسمها البالي أنادي طيفها المكنون من بين الرسوم ويفرغ الشاعر في قصيدته (إبحار في ذاكرة القلب) لواعجه الوجدانية وبرحاء داء الحب الذي أنهك قلبه ، وأسقمه بالشوق والحنين إلى معشوقته، وأتعبه بليالي التلذذ بذكريات الماضي السعيد، إذ حبال الوصال معقودة، وألوية الحب مشدودة، وأسرار الهوى مذكورة. أما اليوم ، فالشاعر يعاني من البين والفراق والألم وخيبة التذكر إلى أن تحول إلى عاشق مصاب بعلة الهوى وداء الحب، يرجو الله أن يصف له دواء ينجيه من كرب العشق ورزاياه المنتشية: إذا رمشت بجفن ساء حالي وذابت بعدها كل الليالي كان صفاءها نور ونار وبينهما سراب من رمالي على شغف من الإبحار أفنى على تلك التي أرخت حبالي بشاطئ بحرها شمس وورد وسنبلة بها حب الوصال أكاد أرى عظامي من ثيابي وأحشائي تقول لها تبالي سواء كنت نجما أو سديفا فهذا الرحب قيد للرجال تماسك كل جزء من جبيني وناثره الشذى بعد الدلال إذا حاولت نسيان المواضي تردد عمق قلبي بالخوالي ويصب الشاعر كذلك أقداح المعاناة والهموم التي تختلط بدموع الهوى والإخفاق أو بدموع الظفر بالحب والهوى. وإذا ترفعت نفس الشاعر كبرياء وأنفة أسقطها الحب تذللا وبكاء وأودى بها إلى الجنون والهلاك والموت الأخير: سلوت بمن بدا لك في سكون وليس لغيرك الحب استشارا وقد تبكي بدمع دون ماء وقد يبكي الهوى فيك انتصارا وقد تتلون الأيام زهرا وقد يجني الحبيب لك اعتذارا وإن شمخ الفؤاد بكبر نفس جمعت على الفؤاد لظى ونارا 3- وصف الطبيعة: لم تقتصر أشعار خالد بودريف على ماهو ديني وماهو وجداني عاطفي، بل يغمس ريشته الشعرية أيضا في حبر الطبيعة لينقل لنا مفاتن الطبيعة وقوامها الجميل ، وتصويرها في مشاهد فنية رائعة كعادة الشعراء الرومانسيين الذين انبهروا بجمال الطبيعة وسحر تقاسيمها وروعة بهائها . ومن أهم قصائد الشاعر في وصف الطبيعة قصيدته المعنونة ب (جنان تنغير) التي يصف فيها طبيعة مدينة تنغير التي تقع بجبال الأطلس المتوسط شمال مدينة ورزازات. وقد كان الشاعر موفقا في وصفه عندما شخص تنغير وأنسنها مجازا وتصويرا، وأنطق مظاهر الطبيعة من جبال ورياض وأشجار ووديان ومبان وأكواخ وطلول دارسة كشاعر عربي قديم يقلد فيها امرأ القيس أو ذا الرمة وهو يقف على الديار ويبكيها. ويذكرنا الشاعر في وصفه هذا الذي يجمع بين عبق التراث وحداثة التجربة بالمدرسة الكلاسيكية أو بالإحيائية الشعرية الحديثة كما عند أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومحمود سامي البارودي ومعروف الرصافي. وعليه، يشبه الشاعر تنغير بزغاريد البلابل التي تشنف الأسماع بألحانها الساحرة، ويرصد لنا سحر الرياض والجنان المزدهية بالنخيل والزيتون ، ويصف خرير المياه التي تشبه الدموع الجارية في المآقي، وينقل لنا مشاهد الصحراء بأطلالها الأصيلة وهجيرها المتقد الذي يزيد تنغير جمالا وحسنا وانتعاشا: غردت تنغير تغريد البلابل شنفت أصواتها سمع السنابل شنفت تنغير أمراسا كبابل بالزغاريد التي تسبي القبائل روضة تزهو بهاء في جنان تحمل القاصي إليها بالمحامل جب طريق الواح ياصديقي إن ذوق التين والزيتون هائل تسمع الماء المصفى العذب فيها يرتمي كالراح في كاس الجداول 4- الفحميات: من المعلوم أن جرادة، المدينة التي عاش الشاعر بين أحضانها قرا وهجيرا، هي مدينة الفحم الحجري بامتياز، وقد أودى هذا الفحم بالكثير من العمال الذين قتلهم السيليكوز بروائحه المميتة انطباعا واستنشاقا وتلويثا للرئة الإنسانية وخنقا للتنفس البشري، ناهيك عن الاستغلال الذي لحق العمال من قبل أرباب الشركة والظلم الذي تعرضوا له بعد إغلاق المنجم تعسفا وحيفا بسبب سياسة الطرد التي اتبعها المالكون في شأنهم واحدا تلو الآخر، ومات الكثير من العمال غبنا ولم يحصلوا على حقوقهم ورواتبهم والتعويضات التي يستحقونها بعد الأعوام الكثيرة من العمل المتفاني داخل المناجم، وأصبح الأولاد عرضة الفقر والجوع والتيه والبطالة القاتلة، وشاعرنا اليتيم أحد أولئك الذين لحقهم الغبن القاهر والظلم المتسلط الذي استشرى أواره في المغرب المعاصر يوما بعد يوم . وقد تناولت الرواية المغربية في المنطقة الشرقية هذا الوضع المضني كما في رواية " يوم الاقتراع " لمحمد بنعلي، ورواية " سيرة للعته والجنون" لجلول قاسمي. ومن القصائد التي تنتمي إلى الفحميات تائيته المعنونة بخاصية المفارقة والفكاهة الملونة بالباروديا والمأساة الضاحكة أو مايسمى في المسرح بالكوميديا الصادمة، وهذا العنوان هو: ( فسيفساء الفحم) الذي يصور الشاعر عبره معاناته السوداء ومعاناة الناس الذين قدموا أرواحهم واسترخصوها فداء لهذا الفحم الأسود القاتل: رأى الفحم فيما رأى في الفئات فقال خذوا معدني بالممات وصلوا على قبركم بالبنات ومدوا بنينا إلي فآت وقولوا لمن يبتغيني دلالا أنا لست خبا فأعطي هباتي وقولوا لمن باع روحه مالا لدي كنوز فهاك وهات فمن رادني فليغامر ليلقى سباتا جميلا فقبري سباتي ومن حاشني رهبة يبتغيها حياة فبعض الردى من حياتي وفي كل فج بعثت رغيفا يساوي السواد الذي من صفاتي فمنها رئات عليها سوادي وأطمع فيما نجا من رئات ومنها سعال وربو وضيق فما السيلكوز سوى من دعاتي ولو أغلقوا منجمي لن أبالي فمادمت فحما فعندي قضاتي ومادمت فحما، فعندي حماة ومادمت فحما فعندي كماتي فهذا سبيلي الذي فيه حظي فإما بقائي وإما مماتي ويصور الشاعر في قصيدته" ملح الفحم" معاناة الشباب من أثر الفحم الحجري وانعكاسه السلبي على المدينة الساكنة بعد أن كانت تدب حيوية وحركة: لملح الفحم قادتنا الهضاب فهان على طريقتنا العذاب وهذا الملح أفحم كل قدر فشاب على ذرارينا الشباب هو المستحكم الفاشي فينا لملح الفحم ترتهن الرقاب فمن سجن المدينة في فراغ وقزمها فناداها اكتئاب 5- قصائد الأطفال: يكتب الشاعر خالد بودريف مجموعة من القصائد الشعرية للكبار والصغار على حد سواء، و يندرج شعره للصغار فيما يسمى بأدب الأطفال، وهو قليل في المنطقة الشرقية، ومن الشعراء الذين كتبوا في هذا الشأن نذكر محمد علي الرباوي ومحمد لقاح وجميل حمداوي في ديوانه الشعري: " ليحيا السلام"، ويعقبهم خالد بودريف بقصائده الموجهة للطفل وخاصة قصيدته " هل تسمعون؟" التي يتغنى فيها بالغابة ويدعو الأطفال إلى الاعتناء بها وحمايتها لأهميتها الكبيرة في حياة الإنسان: هل تسمعوني غابتي تحترق حزني عليها لو تراني ترق هذا كلامها لكم اسمعوا عل الذي يصغي لها يستفيق أنا غابة تجري عيوني بدمعكم وتنمو زهوري من تعاليم حبكم وكتب الشاعر مجموعة من القصائد الطفيلية التي يركز فيها على الطبيعة من باب النصح والإرشاد والتوجيه في شكل أناشيد غنائية يسهل حفظها وترديدها من قبل التلاميذ كما في قصيدة " روابي الماء"، و" أغنية الشجر الأخضر"، و" الندى المعكوس"، و"أغنية ضد التلوث". 6- التغني بالشعر: يتغنى خالد بودريف بشعره الذي تتجاذبه الظروف آهات وأفراحا، آمالا وآلاما، مستوحيا تجربة المتنبي التناصية ليقيم حوارا داخليا بينه وبين الشعر في أرق الليل الداجي مجسدا تعثرات القريض والبلايا التي يلقاها في مساره الفني و التخييلي منتشيا بقصص الحب والغرام ، ومفتتنا بجمال الطبيعة برياضها الخلابة وجنانها الساحرة. بيد أن الشعر قد آل اليوم إلى أداة لتجسيد الاغتراب الذاتي والمكاني، وريشة لاستقطار الدموع واستجلاب النواح لرثاء الإنسان العربي وما وصلت إليه الأمة من اضمحلال وانحلال وتخلف آسن: مابال شعري تمطى عن رواحله واستأثرت به أنواء بساحله واستقبل النوء دون ري من عجل كالروض يسقى بطل دون وابله كأنه استوزر الأقلام في شغف فاستسلم الحبر نهرا في معاقله هذا القريض رياض قد نما عجبا فاستبدل القبح حسنا في مقابله ثلاثة هم إن استعجلت مجمعهم أدركت أن التأني في عواجله أنا وشعري وليلي حين فاجأها قيس بمزنة حب من هواطله 7- تيمة الوطن: يتجاوز الشاعر همومه الذاتية والمحلية إلى معانقة قضايا الوطن والأمة كما يتجلى ذلك في قصيدته " فخر الوطن الراقي"، التي أشاد فيها الشاعر بالعاهل المغربي مادحا إياه بشتى الأوصاف الجليلة ذاكرا منجزاته التي خصصها لخدمة الشعب وخاصة المعوزين والفقراء والمظلومين. كما اعتبر الشاعر أبا الحسن فخرا للوطن وأساس الرقي والازدهار والتنمية الحقيقية: أبا الحسن استفردت بالمجد عاليا ومن في المعالي مثلك اليوم ساميا تساميت بالإكرام والجود بانيا على وطن أحكمت سدا وحاميا ومثلك في الخلق الثريا محمد بسيره في الأمجاد يلقى الضواريا ولا يرتجي إلا كمالا لشعبه ويسمو بأبراج الكمال العواليا بأيد علينا فضل وجودة تكرم في قرب تكرم نائيا زكي موصول بكل شمائل نقي يواسي المعدمين الخواليا زعيم تعجبنا لكم أعجز النهى يحكم في الإصدار أمرا مواتيا لقد كان الشاعر وطنيا في أعماقه صادقا في شعوره عندما أسبغ على أبي الحسن صفات النبل والشهامة ؛ لكونه رجلا لايحب سوى العمل الميداني المثمر والممارسة التطبيقية التي تنفع الشعب وترفع من مستواه المعيشي وتجعل المغرب من الدول السائرة في طريق النمو، وذلك عبر خلق ورشات التنمية التي تستهدف الانتعاش الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. ويمكن إدراج هذه القصيدة أيضا ضمن القصيدة المدحية التي يعدد فيها الشاعر مناقب الممدوح وشعوره تجاهه انطلاقا من الأعمال التي ينجزها في الواقع لصالح الشعب والوطن. 8- تيمة الأمة: قلنا سابقا: إن الشاعر في ديوانه الشعري لم يكتف بذاته وشعره ووجدانه وهمومه الذاتية وقضاياه المحلية والوطنية، بل كان شاعرا قوميا يتغنى بهموم الأمة العربية الإسلامية ولاسيما في قصيدته البائية" لو أنني...!" التي تذكرنا بقصيدة أبي تمام التي مطلعها: السيف أصدق إنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب ومن هنا، يعاتب الشاعر في قصيدته الأمة العربية التي أودى بها الانحطاط والتخلف والعبث والتسيب إلى مهاوي الانهيار والسقوط والاضمحلال: لو أنني كنت أوراقا من العنب أو كنت زمجرة في صرخة النعب أو صخرة من جبال الألب أو سمكا في اليم يعترك الأمواج بالسبب أو كنت أبراج نجم عند منزلة حيث النجوم تداريها بلا حجب أما وأني لهذا الإنس منتمي فالخطب أدهى من الأكوان والشهب لأن كل الموازين استوت سلفا في الكون إلا موازينا لدى العرب ويستعيد الشاعر تاريخ الأندلس في قصيدته" فسيفساء الأندلس" ليشيد بحضارة العرب في الأندلس بعد أن فرطوا فيها بسبب الصراعات والإحن والأحقاد: بأندلس مستجمع العلم والأدب بأندلس مستنبت الفكر والأدب موشحة الأعمى التطيلي زفرة وشهقة أغصان مذهبة العصب وعودك يازرياب شوق ونسمة يشنف آذانا ويطرب من طرب وينعى الشاعر في قصيدة " همزية القهر" حالة الإنسان العربي الذي يعاني من القهر والتسلط والعسف، ناهيك عن إحساسه المقيت بالعبودية والخوف والجبن من بطش الأنظمة السياسية المستبدة القاهرة. ويحمّل الشاعر الإنسان العربي مسؤولية هذا الوضع المقيت ؛ لكونه ارتضى حياة النوم والكسل والخمول، واتخذ التواكل السلبي سبيلا في حياته، متقاعسا عن النضال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وها هي أمتنا العربية قد أضحت اليوم ذليلة مستعبدة تعاني من الهوان، أنفتها ملطخة بالخزي والعار، والأعداء يقذفونها من حقير إلى آخر إهانة و ازدراء واستغلالا وقتلا وتدميرا: لبسنا شباب الجواري والإماء وأكفان رمز من الشهداء نعيناه فينا ونحن جناة قتلناه شنقا بصمت العزاء نثرناه نثرا منيعا فصيحا قرأناه شعرا على الشعراء ونبكي بذكر الخوالي صباحا ونلعب ألعابا بالمساء رقصنا على نغمة السكر ليلا كشطحة ذكر بشرط الغناء فهلل فينا قميص الشقاء ورتل فينا كتاب الرثاء يتبين لنا من خلال هذا العرض الدلالي أن الشاعر خالد بودريف بقي أسير الذاكرة الشعرية القديمة يستلهم تناصيا أشعار الفحول من الشعراء العرب الأقدمين كطرفة بن العبد والمتنبي وأبي تمام وامرئ القيس وأبي البقاء الرندي ، كما تحيلنا قصائد الديوان على ذاكرة شعرية وثقافية غنية ودسمة حبلى بالأعلام والشعراء كابن عبد ربه صاحب العقد الفريد والأعشى صناجة العرب وشعراء المعلقات وشعراء الغزل العربي ولسان الدين بن الخطيب في موشحاته الزاهية، كما يستمد الشاعر معانيه من التراث تارة ومن الحاضر الشعري تارة أخرى. وعلى الرغم من كون الشاعر قد صاغ مواضيعه في قالب تراثي إحيائي ينم عن مدى كفاءة الشاعر وقدرته على تطويع الشعر العمودي والعروض الخليلي، فإنه أبدع مواضيع شعرية جديدة كموضوع الفحميات الذي تفوق فيه أيما تفوق ، واستطاع أن يلتقط تعاريجه الدلالية بريشة تنفطر حزنا وكمدا. وتظهر لنا قصائد الشاعر أن خالد بودريف مولع بشعر المتنبي في جزالته وفحولته وحكمته ، ولاسيما أنه يحاكي في قصيدته " فخر الوطن الراقي" يائية المتنبي ويعارضها . وإليكم بعض أبيات يائية المتنبي: وتعجبني رجلاك في النعل وإنني رأيتك ذا نعل إذا كنت حافيا فإن كنت لا خيرا أفدت، فإنني أفدت بلحظي مشفريك الملاهيا ومثلك يؤتى من بلاد بعيدة ليضحك ربات الحداد البواكيا. وعليه، يستحق الشاب خالد بودريف بكل جدارة واستحقاق لقب متنبي الجهة الشرقية من المغرب الأقصى لتعامله الجيد مع نصوص المتنبي التي يصهرها في ديوانه الشعري تأثرا وامتصاصا وحوارا. ج- المستوى الفني والجمالي: تنبني قصائد الديوان على نظام الشطرين ووحدة الروي والقافية وصرامة الوزن الخليلي واستعمال القالب السككي المتوازي بصريا من خلال التأرجح بين البياض والسواد، وقد تأثر الشاعر في بناء قصائده بخصائص العمود الشعر العربي القديم ومعاييره السبعة التي حددها المرزوقي في مقدمة ديوان الحماسة لأبي تمام الشاعر العباسي المشهور. هذا، وتتنوع قصائد الديوان من حيث الهيكلة، فهناك قصائد في شكل موشحات، وقصائد عمودية متناظرة الشطرين، وأناشيد الأطفال. وتستند القصائد الشعرية إلى بناء موحد بسبب استقلالية هذه القصائد بموضوع واحد واتسامها بالوحدة الموضوعية والعضوية. كما توجد في الديوان بعض القصائد التي تتعدد مواضيعها كالقصيدة المولدية التي مدح فيها الشاعر النبي (صلعم) وهي تحت عنوان" إشراقات نورانية في مدح خير البرية". كما تتسم هذه القصائد أيضا بالاتساق والانسجام والتعالق اللغوي والتركيبي والتضام الدلالي والبلاغي. وفيما يخص الإيقاع الخارجي، فقد نظم الشاعر قريضه على بحور شعرية خليلية ، ونورد قصائد الديوان مع بحورها وقوافيها: 1- إشراقات نورانية في مدح خير البرية: بحر البسيط، القافية مطلقة موصولة رويها الدال؛ 2- همزية القصر، البحر المتقارب، قافية مطلقة موصولة مردوفة، رويها الهمزة؛ 3- فسيفساء الأندلس، البحر الطويل، القافية مقيدة بسكون، رويها الباء؛ 4- لو أنني!، البحر البسيط، القافية مطلقة موصولة رويها الباء؛ 5- فخر الوطن الراقي، البحر الطويل، القافية مطلقة موصولة مؤسسة دخيلة رويها الياء؛ 6- واسطة العقد الفريد، البحر الطويل، القافية مطلقة موصولة رويها اللام؛ 7- شتاء القلب صيف، البحر الرمل، القافية مقيدة بالسكون رويها الهاء؛ 8- أحداق وأقداح، البحر الطويل، القافية المطلقة الموصولة المردوفة رويها الحاء؛ 9- أغنية ضد التلوث، البحر الطويل، القافية مطلقة موصولة رويها اللام؛ 10- دالية فحول الشعراء، البحر البسيط، القافية مطلقة موصولة رويها الدال؛ 11- همزة الوصل، البحر الوافر، القافية مطلقة موصولة مردوفة، رويها اللام؛ 12- إبحار في ذاكرة القلب، البحر المتقارب، القافية مطلقة موصولة مردوفة، رويها اللام؛ 13- الجلساء الثلاثة، البحر البسيط، القافية مطلقة موصولة مؤسسة دخيلة رويها اللام؛ 14- ملح الفحم، البحر الوافر، القافية مطلقة موصولة مردوفة، رويها الباء؛ 15- الندى المعكوس، البحر الخفيف، القافية مطلقة موصولة مردوفة رويها اللام؛ 16- أغنية الشجر الأخضر، البحر الرمل والبحر المتقارب، القافية متنوعة الروي؛ 17- روابي الماء، البحر الطويل والبحر الوافر، تنويع القوافي؛ 18- هل تسمعوني، البحر السريع، القافية متنوعة في قالب موشح؛ 19- فسيفساء الفحم، البحر المتقارب، القافية مطلقة موصولة مردوفة رويها التاء؛ 20- جنان تنغير، البحر الرمل، القافية مقيدة بسكون رويها اللام؛ 21- مرايا القلب، البحر الوافر؛ القافية مطلقة موصولة مردوفة رويها الراء؛ 22- الطيف المكنون، البحر الرمل، القافية مطلقة موصولة مردوفة، رويها اللام. وهكذا نستنتج بأن الشاعر قد شغّل بحورا خليلية صافية وبحورا مركبة ومتنوعة الإيقاعات والقوافي، فقد استعمل الشاعر الطويل 6 مرات، والبسيط 4 مرات، والوافر 4 مرات، والرمل: 4 مرات، والمتقارب: 3 مرات، والخفيف: مرة واحدة، والسريع مرة واحدة. ويميل الشاعر، حسب هذا الإحصاء الذي أوردناه، إلى استعمال البحور الطويلة كالبحر الطويل والبحر البسيط والبحر الوافر، ويعني هذا أن الشاعر قد بقي حبيس الذاكرة الشعرية القديمة متأثرا في ذلك بالمتنبي الذي كان يميل كثيرا إلى تشغيل البحور الطويلة النفس التي تنسجم مع الأغراض الشعرية الجادة كالمدح النبوي والمدح الشخصي والغزل والوصف. ومن حيث الإيقاع الداخلي، يستعمل الشاعر التصريع في البيت الأول في معظم القصائد الشعرية والتكرار الصوتي واللفظي والتركيبي للتأكيد والإثبات والتنغيم الموسيقي الهرموني إلى جانب ظاهرة المماثلة والتدوير في القصيدة التي تتضمن البحر الخفيف. ويلاحظ أن الشاعر يوحد بحوره الخليلية تارة وينوعها مزجا تارة أخرى، كما يزاوج بين القافية المطلقة والقافية المقيدة بسكون، كما يجمع أيضا بين القافية الموحدة والقافية المتنوعة الروي. ويكثر الشاعر من اللام والدال والراء على غرار الشعر العربي القديم ، أي إن قوافيه تعد من النوع الذّلل التي يستعملها الشاعر العربي كثيرا في التعبير عن تجاربه الذاتية والموضوعية. وتمتاز لغة الشاعر بالجزالة وقوة الصياغة ومتانة السبك واستعمال اللغة التراثية القحة والغريبة ، لذا نجد الشاعر يكثر من الهوامش في أسفل القصائد لشرح الكلمات الصعبة. وقد دفعت المعارضة ومحاكاة القصائد الشعرية شاعرنا لاستعمال اللغة التراثية التي تميل إلى الصعوبة والإغراب، وهذا يتطلب قارئا ملما بالشعر العربي القديم وعارفا بلغته القحة الأصيلة وبأجوائه التناصية والإحالية. ومن حقول هذه اللغة الشعرية دلاليا نذكر: حقل الذات وحقل الدين وحقل الوطن وحقل الأمة وحقل المعاناة. وفيما يتعلق بالتركيب فقد زاوج الشاعر بين الجمل الفعلية الدالة على الحركة والتوتر والتنوع الزمني ، والجمل الاسمية الدالة على الثبات والتأكيد ، كما زاوج الشاعر بين جمل خبرية تقريرية وجمل إنشائية موحية تتنوع من حيث الاستفهام والنفي والشرط والنداء والتمني... ومن ناحية أخرى، يستخدم الشاعر صورا شعرية قائمة على التشبيه والاستعارة والكناية والمجاز، ولكن بطريقة حسية مألوفة لاتخرج عن خاصية الصورة الشعرية كما في عمود الشعر العربي كمناسبة المستعار للمستعار له واقتراب المشبه من المشبه، كما أن هذه الصور الشعرية مستهلكة في شعرنا العربي القديم مادامت تنتمي إلى نفس البيئة، وهي بيئة الذاكرة التراثية والإحيائية الشعرية الأصيلة. كما تمتاز الاستعارة بالأنسنة والتشخيص المجازي الحسي كما في هذا النموذج الشعري: حاصرتني بين أضلاعي همومي واستباحت كل نجم من نجومي ومن التشابيه الحسية التي نلفيها لدى الشاعر وهي مطروقة في الذاكرة الشعرية الموروثة: تسمع الماء المصفى العذب فيها يرتمي كالراح في كأس الجداول يرتمي كالدمع رقراقا نقيا من لهوب قد أفاضت كالهوامل وينتقل الشاعر تداوليا من ضمير الأنا للتعبير عن تجربته الرومانسية الذاتية والوجدانية إلى ضمائر الغير من مخاطب وغائب لنقل تجارب الآخرين بواسطة أغراض شعرية كالمدح والإرشاد والتوجيه وتجسيد المعاناة القومية والإنسانية. خاتمة: نستنتج مما سبق بأن خالد بودريف يمثل المدرسة الشعرية التراثية في المنطقة الشرقية من المغرب الأقصى؛ لأنه استطاع أن يتمثل قوالب المدرسة البيانية الشعرية القديمة وخصائص عمود الشعر العربي القديم. ويجوز لنا أن نلقبه بالفعل بمتنبي المنطقة الشرقية ؛ لكونه توفق في استلهام ذاكرة المتنبي وامتصاص تجربته الفنية ومعارضة بعض قصائد الشعرية ، علاوة على اختلاق أجواءها التخييلية ومحاكاة صوره الشعرية البلاغية وتمثل مضامينها الدلالية والاستعانة ببحورها الخليلية بطريقة ذكية قائمة على التفاعل البناء والتناص الحواري والاستنساخ الجمالي المعلل . وأهم جديد لدى الشاعر خالد بودريف هو تناوله لموضوع الفحميات بسبب ارتباطه ببيئته الفحمية السوداء؛ مما انعكس ذلك سلبا على ذاتية الشاعر ووجدانه الرومانسي. كما يعد خالد بودريف من الشعراء المعدودين في المنطقة الشرقية الذين كتبوا للطفل أناشيد الطبيعة بصيغ شعرية متنوعة قابلة للتنغيم والتلحين والتطويع الموسيقي.