"إذا تبادلت مع أحد درهما فرصيد كل منكما سيبقى درهما واحدا، أما إذا تبادلت معه فكرة فسيصبح في رصيد كل منكما فكرتين"، مقولة لأحد أساتذة الاقتصاد الجامعيين في مستهل عرضه حول موضوع التخابر الاقتصادي l?intelligence économique، وهذه المسلمة الاقتصادية اخترقت جدران المدرسة وأصبحت منطقا يؤمن به كل مسؤول في الهرمية التراتبية للتدبير الإداري بما في ذلك المنظومة التربوية، خصوصا بالبلدان التي تجعل من التعليم الشرط الأول والأخير لكل تنمية، لتجاوز ذلك التدبير البيروقراطي الذي يحنط الممارسة الإدارية في نماذج من السلوكات التي عفا عنها الزمن نحو حكامة إدارية تضمن جودته، و هو توجه جديد وجد صداه عند الذين ما فتئ البعض منهم- خصوصا بعد دستور 2011 كأرضية مؤكدة لهذا الطرح- يتغنون به في خطاباتهم كمنهج ومقاربة جديدين لابد أن تمس جذور البنية الذهنية لكل قيادي قصد بنينة تفكيره من جديد على هذا البعد الديمقراطي و تجاوز شرعية مفهوم الكاريزما السلطوية نحو تدبير يؤمن بالتقويض الإرادي للسلطة و جعل تقاسمها مدخلا منهجيا لتحقيق فعالية كل فعل إداري. أمر يتبناه أيضا ? من الناحية النظرية على الأقل- مدبرو أمور التربية الرسميون كمقترب لجعل المدرسة في قلب اهتمام المجتمع المغربي برمته، حيث يسهب البعض من خلال كتاباتهم أن هذه المقاربة/ الإستراتيجية الجديدة هي مقوم أساسي لتدبير أفقي مع جميع الفاعلين، لكونها تجد مرتكزها على أرضية تتجلى في كون مواقع المسؤولية متشبعة بثقافة ربط المسؤولية بالمحاسبة و زرع ثقافة التقويم و المحاسبة و الإيمان بالرأي و الرأي الأخر كقيم لابد أن تجذب شركاء يتحملون إلى جانبهم عبء إصلاح العطب الذي يلمسه أبسط المتتبعين لقياس الهوة الكبيرة بين ما تصرح به مدرستنا من طموحات يبقى غالبيتها شعارات واهية و الواقع الذي يجعلنا في مراتب لا نحسد عليها. و هذه العقلية الجديدة للتدبير الأفقي للفعل التربوي لابد أن تنطبق على نيابات التعليم إذ يفترض فيها تحمل مسؤولية ترجمة رؤية اللاتمركز و أجرأتها على ارض الواقع الترابي لها لتنفيذ سياسة الوزارة في ميدان التعليم بأسلاكه الأولية حتى الثانوية و ذلك بجعل المدرسة في مجالها الترابي إطارا تنصهر كافة المبادرات و أشكال الجهد الفردي و الجماعي لجعلها مدخلا لتنمية حقيقية ترفع من جودة كل جوانب حياة المواطن الذي أثقلته هموم يمكن تلخيص أسبابها في الأمية المتفشية بسبب السياسات التعليمية الاقصائية و اللاديمقراطية، و هذا المطمح يحتم على النيابة كحلقة داخل التنظيم الهرمي في الجهاز التنظيمي للدولة خلق علاقات تواصلية أفقية طبعا مع مختلف المتدخلين قصد استقطابهم و إقناعهم بضرورة اقتسام المسؤولية و الانخراط الواعي للجواب على كل التحديات التي يفرضها الطلب المجتمعي على المدرسة عبر سيرورة/صيرورة لا متناهية، و جعل قضايا المدرسة همّ يتقاسمه جميع المغاربة مع امكانية اتاحة الفرصة لكل الفاعلين طبعا وفق معايير نابعة من الفلسفة المجتمعية المتوافق بخصوصها بغية خلق نقاش جدي قد يفضي إلى تحقيق التكامل و إعداد مشاريع سنكون بانجازها جماعيا قد شرعنا فعليا في وضع اللبنات الأولى للإصلاح المأمول الذي سيكون بداية تنمية مستديمة حقيقية. هذه الطروحات النظرية وغيرها التي حاولنا عرضها انطلاقا من الكتابات المسهبة بخصوص هذا التوجه ربما هي مجرد طروحات تقبض على اللغة في طراوتها لنسج أريج كلماتي يجعلنا نبني قصورا فوق الرمل منذ بداية شعارات إصلاح المنظومة التربوية إلى حدود بداية التقارير الدولية ذات المصداقية في كشف زيف الحقيقة و التأكيد بالملموس أن هذه الخطابات الرنانة و التجارب(إن كانت هناك من مصداقية علمية لتجاربنا التربوية أصلا) مجرد تزيين و تزييف للواقع الذي يصفعنا و يوقظنا من الحلم بشي اسمه مدرسة تقود المشروع المجتمعي في أفق التأسيس الحقيقي للتجربة الديمقراطية، وهو أمر يمكن تأكيده من اتخاذ نيابة افران كعينة باقليم يجمع الجميع- من خلال الحس المشترك طبعا- ان امكانياته هي الأحسن على صعيد التراب الوطني، و التي أصبحت ماشية نحو رفع شعار الخصام بدل الشراكة و التفرقة بدل التعبئة و التعالي بدل التنازل و التفاوض، لكون سياستها الانفرادية جعلت العديد من الشركاء ينفرون من المساهمة في هذا القطاع الحيوي بالاقليم، و هو أمر يؤكده العديد منهم عبر الصحافة والبيانات والنقاشات الرسمية وغيرها (نقابات، جماعات محلية، جمعيات مهنية ومدنية، فاعلون في القطاع.....) لكون القيادة الإدارية للنيابة لازالت متمسكة بالطرق التقليدية و بالمفهوم الكلاسيكي للسلطة و افتقارها في نظرهم لآليات فكرية و معرفية و منهجية تهدف من وراء أفعالها الإدارية والتربوية إلى التعبئة وعقلنة الشأن التربوي كشأن عام عبر أساليب للحوار الديمقراطي الذي يتجاوز التدبير الفردي نحو تقاسم المسؤولية وفق حكامة جيدة يزعم البعض أنها روح الدستور الجديد.!! و لكن لماذا هذا الانغلاق و الانطواء الذي خلق انحباسا في الأوساط التعليمية بالإقليم؟ * ألأن لهذه النيابة فن جديد في الإدارة خارج الأطروحات التي تعتبر روح فلسفة التدبير الإداري ببلادنا ؟ * أم أن هذا الانزواء و الانطواء من طرف النيابة هو الكفيل بحل معضلات التعليم بالإقليم التي تتفاقم يوما بعد يوم، أم هو أمر مرده الافتقار لكفايات تجعلها تخرج من قوقعتها للبحث عن الكمال من خلال التفاعل مع الأخر؟ * أو ليس هذا الافتقار لأشكال القيادة الحكيمة كفيل بأن يحرم المدرسة بالإقليم من التشاور و التفاوض من طرف جميع الشركاء عوض التواضعات و التواطؤات التي قد تفرضها الانتقائية في اختيار الشريك المتماهي مع سياسة النيابة؟ * أم أن الشراكة مع الجميع قد يكلفها كثيرا من الجهد و الوقت و هو أمر فرض الانتقائية و التفاضلية لاختيار الشركاء؟ * و هل هذه القطيعة مع البعض و عدم الاستماع لنبض المدرسة من خلال وجهة نظرهم في صالح المدرسة التي تبحث عن كسب ثقة جميع أفراد المجتمع لإحياء أدوارها في أفق بناء ديمقراطي صحيح؟ * و هل الشراكة من هذه المنطلقات هدف في حد ذاته يعتبرها البعض تأثيثا للمشهد التدبيري ننتقي بموجبه فقط من يعزف سمفونيتنا، أم أنها استراتيجية للتفاوض الدائم بين المتعاقدين بناء على النقد البناء و الرأي و الرأي الأخر وفق تعاقدات جادة و فعالة؟ * أم أن بعض الشركاء غير ناضجين في نظر النيابة و غير مؤهلين لتقاسم همّ التعليم الذي يدفع العديد من أبناء الشعب تبعات سوء تدبيره؟ * في ظل تغييب بعض الشركاء أي مشروعية و مصداقية لمشاريعها في غياب الشفافية، والمحاسبة،والتعامل الديمقراطي، والعدالة و الإنصاف بين جميع الفاعلين، و هل سيقدّر لها النجاح في غياب لمسة محيط المدرسة التي لا ينفي احد دورها لإعداد و انجاز و تتبع هذه المشاريع؟ * و هل أصبح من شيم هذه النيابة ضرب مقتضيات الدستور و بعد ضرب حق بعض المتعلمين في التمدرس( انظر مقالاتنا بالاتحاد الاشتراكي) ليأتي دور الدّوس على مفهوم الحكامة بمفهومه الدستوري ؟ إن كان هناك من مراقبة لعمل النيابة في إطار دولة الحق و القانون فلابد من وضع تدبيرها تحت المجهر للتأكد ما إذا كانت سائرة في تأسيس نموذج بأفكارها الشافية لكل المشاكل، و هي بذلك في غنى عن التبادل لتقوية رصيدها من الأفكار كما يقر منطق المقولة التي ذكرناها في بداية كلامنا، لتكون ربما سائرة في صنع و إبداع طريقة جديدة لمفهوم الحكامة الجيدة بمقاساتها كتجربة يجب تعميمها، أم أن هذا المنطق التفاضلي في الشراكات يحيد عن التوجه الرسمي و يقلب منطق المقولة المشهورة التي تستلهم القياديين الناجحين و تأكيدها من خلال أفعالها الممنهجة: " وحدي قد اذهب بسرعة.. و بعيدا، ولكن مع الشركاء و الفاعلين سنذهب بإيقاع بطيء..؟" مهتم بالحياة التعليمية