نروم من خلال هذه المقالة، المساهمة في قراءة التغييرات التي قامت بها وزارة التربية الوطنية في صفوف مديري الأكاديميات ونواب الوزارة ، متحرين في ذلك الموضوعية الضرورية التي لا يمكن أن تعمي عن الحقيقة إذا وجدت ، مبتعدين عن المنطق السياسي الذي يغلب الإيديولوجيا كمنهج في رؤية الأشياء ، فلا يراها إلا كما يريد ويضرب حصارا على نفسه حتى لا يواجه بأخطائه. ولهذه الغاية يجدر بنا أن نشير في البداية إلى أننا لا ندعي في ما نرومه امتلاك وصفة جاهزة ، نزعم تقديمها ليتم اعتمادها مستقبلا، أو لتراجع المواقف على أساسها . فنحن ندرك كغيرنا أن تباين المؤهلات والاستعدادات ، وتنوع الخلفيات والمهام المطلوبة ، تجعل مسألة الاختيار محفوفة بالمزالق ، سيما إذا كانت لا تستند إلى معايير أو ضوابط علمية وموضوعية ، أو إذا كانت لا تراعي حاجات وخصوصيات الواقع الذي تستهدفه وضروراته ، مما يجعل الانتقاء محكوما بتغليب التخصص في شخصية المسئول ، على حساب الثقافة والوعي العام بمقتضيات المهمة . إن الاختيار الذي هم كثيرا من مديري الأكاديميات ونواب وزير التربية الوطنية ، كان عليه أن لا يرتكز أساسا على الشخص ومؤهلاته ، في استقلال تام عن المهام المطلوبة أو مناطق التعيين . فالاطلاع الأولي على لائحة المسئولين ، والجهات التي أسندت إليهم مهمة تدبير الشأن التعليمي بها ، يطرح الكثير من الأسئلة والملاحظات ، من مثل أية إمكانيات يملكون لمعالجة مشاكل التعليم بدائرة نفوذهم ، خاصة مشكل التعليم في العالم القروي ، ومشكل تمدرس الفتاة ، ومشكل الهدر المدرسي ، والاختلالات التي يعرفها الزمن المدرسي وزمن التعلمات، وسبل الدعم الاجتماعي والتربوي ، ومشكل فساد القيم في الممارسة التربوية مع استفحال ظاهرة الساعات الخصوصية، وجشع كثير من الأطر التربوية ، ومشكل تكافؤ فرص التعليم بين المناطق ومسألة الجودة ، وكيفية رد الاعتبار للمدرسة العمومية حتى لا تصبح خدمات التعليم ميدانا للتنافس غير الشريف ، ومجالا للكسب غير المشروع ، وغير ذلك من المشاكل ، مما لا تستطيع وزارة التربية الوطنية النهوض بها وحدها ، بل تحتاج إلى استنفار الجهود للتعبئة الاجتماعية حول المدرسة . هذه نماذج من المشاكل التي نرى أن القدرة على الإجابة عنها ، تشكل مواصفات أولى ينبغي أن تطوق الوزارة المسئول بالنهوض بها ، فهل عملت على ذلك ؟ وهل التزم المسئول يوما بتقديم الحساب على أساسها ؟ وهل أدرك وهو مقبل على الترشح أنه قادر عليها ؟ في غياب الأجوبة على ذلك نعتبر أن ما تقوم به الوزارة في صنيعها أشبه بمن عجز عن تنفيذ وصفة الطبيب فاستعاض عنها بتخليطة العطار. أسس الملاحظات ومنطلقاتها يستوجب الإحساس بالمسئولية الوطنية والأخلاقية ، مثلما يستوجب الشعور بضرورة التعبير عن الموقف إزاء قضايا المجتمع ومشاكله ، أن نفصح عن الانطباع الذي خلفه التغيير الذي أجرته وزارة التربية الوطنية في صفوف النواب ومديري الأكاديميات ، إذ إن أفظع مصادرة للحقوق ، هي تلك التي يقوم بها الفرد في حق نفسه ، حين يمتنع عن التعبير عن رأيه في ما جرى ويجري في وطنه . وإذ أعرف أن النبش في ما حصل قد لا يرضي ساستنا قبل المستفيدين من التعيين ، فإن واجب الإدلاء بالشهادة ، ولو لم تطلب ، يعتبر إخراجا للنفس من دائرة ” الساكت عن الحق شيطان أخرس ” . لكل ذلك أبادر فأقول إنه في تاريخ التغييرات التي ما فتئت وزارة التربية الوطنية تقوم بها ، لم ينشغل الرأي العام التعليمي بمثل ما انشغل به في ظل الدستور الجديد ، إذ علق آمالا على الحكومة ، وتوسم فيها أن تأتي بما لا يخيب الانتظارات ، غير أن منطلقاتها ، ومسار البحث الذي اعتمدنه ، والضوابط غير المعلن عنها ، كل ذلك لم يكن ليشي بالجديد ، بل لم تكن في ما قامت به مؤهلة للمجئء بما يتجاوز المألوف والمعتاد ، مثلما يعتقد الباحث والمهتم، إذ تغلفت عملية انتقاء المسئولين في كل مراحلها بالكتمان ، لتجعل الخيال يشطح ويحلق بعيدا ، راسما صورا وهمية ، فاتحا الشهية للشائعات والأقاويل ، لتنتهي بما انتهت به وإليه ، وتدفع كل من حاول السبق في التحليل إلى قراءة تحليلاته ، وبناء ما يلزم من الأحكام عليها ، إقرارا ، أو مراجعة ، أو تغييرا . قراءة في النتائج بعد أن طلعت نتائج البحث إلى الوجود ، وقدمت نفسها للقارئ والمحلل ، وفق سياق زمني ونفسي وموضوعي ، نستسمح المسئولين أن نطرح حولها بعض الأسئلة ، تفضي بنا إلى إبداء بعض الملاحظات ، والأسئلة هي كالآتي : ما الذي تغير أصلا ؟ وفق أية آلية تم هذا التغيير ، بناء على أية اعتبارات أو أسس ؟ لأية مهام ؟ ما مستوى حضور انتظارات الجمهور العام والخاص فيها ؟ أية نتائج حققت ؟لأية آفاق ؟ وفق أية مؤهلات أو مواصفات ؟أية إمكانيات تملك التغييرات لتجاوز الواقع وبناء بديل له ؟ نظريا لا يمكن أن يكون التغيير إلا إيجابيا ، بحكم الرغبة الدائمة لدى كل الأطراف الراغبة في ضخ دماء جديدة في ماكينة التدبير التعليمي المتعددة الأبعاد . غير أن هذا الانتظار كثيرا ما اصطدم بالواقع العصي ، لينقلب إلى تغيير سلبي يفضي إلى تراجعات وينتج نكسات . وهذا ما نلاحظه في كثير من مناطق المغرب ، من خلال تعابير الاحتجاج التي مهما اكتست طابعا قيميا ، فإنها تؤشر على أن الأمور لا تسير في اتجاه يوافق تطلعات الجميع ويرضي طموحهم . والجميع هنا هم مختلف الأطراف المعنية بالتعليم ، حيث ترى أهمية التغيير ، تكمن في قدرته في التقريب بين وجهات نظرها، وتقليص الهوة بين انتظاراتها ، حتى لا يقال النائب أو مدير الأكاديمية على صواب ، والنقابات خاطئة ، أو الجمعية أو الآباء أو الجمهور ، وهو ما اعتاد ضيقو النظر الوصول إليه في أحكامهم . فالمسئول النبيه عندي هو من يملك القدرة على إقناع الجمهور بأطروحته ، المؤهل للدفاع عن مشروعه ، الساعي لتنفيذه ، وليس من يسعى إلى التنفيذ ولو لم يقتنع الآخرون بما يرى . إن الكثير من التغييرات التي حدثت في رقع كثيرة من الوطن ، لم تكن لتأتي بما يتجاوز سلبيات الواقع ، بل بعضها عمق الأزمة ، بفعل افتقار المسئول للمؤهلات الكافية للتدبير، واعتماده فقط سلطة التنفيذ التي حملته إلى المنصب . وكان الوطن هو الخاسر الأكبر ، حين تضاعفت النقط المظلمة في تعليمنا . فهل امتلكت الوزارة ، أو أدواتها التنفيذية ، الجرأة لتقديم تقرير موضوعي عن إنجازاتها في هذه الرقعة من الوطن أو تلك ، وهلا كانت شجاعة لتفتح الأبواب لقراءة التجربة ، لتقول قلصنا الهدر بالنسبة المئوية كذا ، أو رفعنا التحصيل بالنقطة كذا ، أو أنجزنا كذا وكذا … ما نعرفه هو أن عدد أيام الإضراب حين يحل بعض المسئولين ببعض الجهات يزداد ، والزمن المدرسي يتراجع ويختل وتضعف المردودية وتنقص ، لينتقل المسئول إلى جهة أخرى ، تاركا وراءه عبئا ثقيلا تنوء بحمله الجبال . ومع انتقاله تتعمم نتائج تدبيره السيئة . كل هذا ضدا على ملاحظات الفاعلين ، وضدا على واقع الحال أيضا ، حتى لكأني بالجهات الموكول إليها مهمة تدبير الشأن العام ، لا تبالي برأي الجمهور ، وتصر على السير ضد التيار . لماذا لا يقدم المسئولون الحساب ، قبل أن يتم تثبيتهم في مواقعهم ، ولمن لا يبالي بمثل هذا السؤال نقول : ” ستكتب شهادتك وتسأل “ إن تعميم العجز ، حتى لا نقول الفساد ، لن يجعل تعليمنا إلا في تراجع مستمر ، وفي المراتب المتأخرة دوليا ، وإنه مهما صلحت القاطرة ، فلن تقوى على جر العربات المهترئة . وكم من عرباتنا التعليمية متلاشية إلى حد بعيد ، ويصر الموجودون في مواقع القرار على استعمالها . إن مجيئ مديري الأكاديميات والنواب إلى المسئولية ، في غياب مشروع متكامل ومتناسق ومنسجم ، يتعاقدون على إنجازه ويحاسبون ، يجعل الحكم على تجاربهم جزئيا وناقصا ، لأنه يتعامى عن نقصهم وسقطات بعضهم ، ومن ثم يضمن لهم الاستمرارية ، بعيدا عن النقد الموضوعي والمنهجي . وهذا ما يفضي إلى التردي والتراجع ، علما من أنه في كثير من بلدان الدنيا ، وضعت ضوابط لتحمل المسئولية ، أساسها الكفاءة والمردودية ، فضلا عن الاستعداد للتواصل ، والقدرة على الإقناع بالذات وبالمشروع . وتلك لعمري أمور لا تستقيم أبدا في غياب المؤهلات الثقافية الضرورية التي تستوجبها المهمة ، أو في غياب الخبرة اللازمة ذات الصلة ، وكذا في غياب الوعي بحاجات المجتمع وكيفية تحقيقها . لقد انشغل جمهور التربية والمجتمع المغربي عموما منذ مدة غير يسيرة بالتغيير قبل حصوله ، وتابع الجميع عن كثب الآلية المعتمدة في الانتقاء ، حيث مر جميع المترشحين بثلاث مراحل أساسية :أولها دراسة ملفاتهم بعد تقديمها ، وثانيها المثول أمام لجنة ( يعلم الله وحده من شكلها وعلى أي أساس، وكيف اشتغلت وضوابط الاشتغال و….)وتسويق الذات بمختلف أبعادها لكسب القبول ، وثالثا التأشير أو الرفض من طرف الحكومة عبر مجلسها ( ذي الطبيعة السياسية ) . وهي مراحل مراحل تستدعي منا وقفات للبحث عن أجوبة لكثير من الأسئلة التي لا يمكن إلا أن تراود كل مسئول ومهتم بالشأن التعليمي . أول هذه الأسئلة هو لماذا اختفى أو أقصي البعد الأكاديمي في اختيار غالبية المقبولين ، إذ قليل منهم من يحمل شهادة عليا ، بحيث لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة ، خاصة بالنسبة لمديري الأكاديميات الذين أناطت بهم وزارة التربية مهمة الإشراف ومتابعة البحث التربوي ، بما هو بحث علمي أكاديمي ، وهي مهمة تتطلب لغة مشتركة بين المسئول ومرؤوسيه ، وغيابها يجعل المغرب لا يبرح مكانه ، ضمن المجموعة المتخلفة علميا وعمليا على الصعيد الكوني ، خلافا لما يراه وزير التربية المحترم الذي أقسم أن التعليم المغربي في وضع جيد . اللهم إذا كان له مفهوم خاص للجودة ، مخالف لما هو متعارف عليه كونيا ، حيث أبسط عناصرها المساهمة في الحقل العلمي إبداعا وإنتاجا . وهي ظاهرة تكاد أن تنعدم في التعليم القائم على المحافظة والتبعية والخضوع والتنفيذ والتقليد . ثاني الأسئلة هو لماذا الإصرار على تهميش الجانب التربوي، لصالح التدبير التقني والإداري والمالي ، حيث أصبحت المؤسسة التعليمية عبارة عن مقاولة إنتاجية ، أو أشبه بمؤسسة اقتصادية في مفاهيمها ، وآليات تدبيرها وعلاقاتها . فالجميع يتداول لغة الربح والخسارة، والتوازنات ، والعرض والطلب ، والمردودية المباشرة ، والإنتاج والاستهلاك، والمنافسة ، والتاكتيك والإستراتيجية ، وإرضاء الزبون، والاستثمار والتحصيل … في الوقت الذي ضاقت هوامش التفكير في القيم التي يقتضيها بناء الشخصية المغربية، وما تتطلبه من تشبع بروح الإبداع والابتكار ، مع الحفاظ على هويتها الإسلامية والعربية والوطنية. وهذا هو العنوان الأكبر للتربية ، وليس إنتاج كائن استهلاكي ، فاقد لكل مقومات النقد والتمثل الواعي . اللهم إلا إذا أصبحت موضة العصر في البلدان التابعة ، هي التدبير المقاولاتي الذي تنمحي فيه الجوانب الروحية ، وكل ما يرتبط بكيان الإنسان المعنوي ، إذ كيف يعقل أن يتربع على كرسي سلطة التربية ، جهويا أو إقليميا ، من لا يعرف من التربية إلا العناوين ، في وقت يتطلب ذكاء وقادا وفهما عاليا للبرامج والمناهج ، وكيفية بنائها وتصريفها ، والأهداف المنتظرة منها ، ما دامت تتعلق بنوع الإنسان الذي ننشده غذا. وهذا ليس تعجيزا أو مبالغة ، بل هو أمر منسجم مع حجم سلطة القرار ، سيما وأن سياسة تمركز السلط هي التي تحكم جميع النيابات والأكاديميات على الصعيد الوطني ، بحيث رؤساء المصالح لا يمارسون الحد الأدنى من صلاحياتهم ، إذ هم مجرد أدوات منفذة وتابعة . بل إن الكثير من المكاتب التابعة لهم ، يتم سحبها تحت هواجس مختلفة ، يصبح معها النائب أو مدير الأكاديمية الكل في الكل، بالرغم من أن معرفته لا يمكن أن تطال كل جوانب الحياة داخل المرفق الذي يديره . وفي هذا الصدد لنا أن نتساءل ونسائل مختلف الأكاديميات والنيابات على الصعيد الوطني ، كم من الإنجازات التربوية التي حققتها ؟ كم عدد ندواتها التربوية ؟ كم من دراسة أعدتها حول الظواهر والقضايا التربوية ؟ كيف حلت العديد من الإشكالات التي واجهتها على المستوى التربوي ؟ هل تملك رؤية استباقية في مجال تربوي ؟ وما هي عناصر هذه الرؤية ؟ ما مدى إسهامها كمؤسسة في الكشف عن سلبيات المنهاج ؟ كم أقامت من أنشطة إشعاعية استهدفت محيطها ؟ هل لها من مبادرات محلية أو جهوية غير تلك التي تستجيب فيها للتعليمات ومقتضيات المذكرات المركزية ؟ وفي غياب الآليات القانونية والمتبوعة بالمحاسبة هل يملك المسئولون الجدد مشاريع في هذا الباب ، لتسمح للجمهور بمتابعة مستويات إنجازهم ، ليصفق لهم ، أو يساعدهم على ذلك ؟ إن التغييب الممنهج للجانب التربوي وإسناد مهام الإدارة الجهوية أو الإقليمية لأطر تقنية أو اقتصادية ، كما يتبين من الجدولين أدناه : توزيع مديري الأكاديمية بحسب تخصصاتهم وعددهم أطر تربوية أطر غير تربوية مفتش أستاذ مهندس متصرف 8 5 1 2 توزيع النواب بحسب تخصصاتهم وعددهم أطر تربوية أطر غير تربوية مفتش أستاذ مفتش التخطيط مهندس متصرف مفتش اقتصاد ملحق إدارة واقتصاد 30 18 16 3 12 1 2 لا يجد له من تفسير سوى في كون الجانب التربوي يقع في أدنى سلم اهتمامات وزارة التربية ، بالرغم من كونه شرط وجودها . إن اعتماد 41.46 %من الأطر غير التربوية في مهمة نائب و18.75% في مهمة مدير أكاديمية أمر غير مقبول في تقديرنا، ما دامت المشاكل الكبرى التي يشكوها تعليمنا ذات طبيعة تربوية ، ولا يعقل بأي حال أن يكون المسئول عن التربية يعرف أي شيء في مجال تدبيره سوى الجانب التربوي ، اللهم إلا إذا كان الذين تم اختيارهم يملكون تكوينا غير مصرح به . وفي هذه الحالة يلزم الوزارة أن تصرح بذلك في مجال ما تعرض فيه سيرهم ، ليعلم الجميع مؤهلاتهم التربوية ، ويرضونهم كقادة في هذا المجال . ولعل المجال التربوي يحفل بالكثير من الأمثلة للعديد من المواقف التي عبر فيها العديد من النواب عن كونهم لا يعرفون أمور التربية ، لأن ذلك ليس مجال تخصصهم ( كيفية تنفيذ البرامج التربوية، تدبير الزمن المدرسي ، بناء عدة التقويم ، الدعم التربوي، الأنشطة التربوية الموازية ، الأنشطة الثقافية ، وهلم جرا …). لكنهم يفقهون كثيرا في تدبير الميزانيات ومراقبة الحضور والغياب… ثالث هذه الأسئلة هو أية إمكانيات يملك هؤلاء المسئولون الجدد في تقنية التفاوض وتدبير النزاعات ، والعمل التشاركي والتواصل العمودي والأفقي ، ذلك أن أهم المشاكل التي تعرفها العديد من النيابات والأكاديميات ، يعود إلى ضعف في التواصل وتدبير الاختلافات ، باحترام حقوق الآخرين والالتزام معهم ، والاستماع إليهم ، وإشراكهم في الأمر والتشاور معهم ، واعتبار الحقيقة هي ضالة المسئول يلتمسها أنى وجدت ، خلافا لما نشاهده ونسمع به مما يقع في كثير من الجهات والأقاليم ، حيث المشاكل بالجملة ، والتغييرات لا تزيدها إلا تفاقما واستفحالا ، ليظل معها مؤشر جودة التعليم في تراجع مستمر . رابع الأسئلة أو الملاحظات يتمثل في مدى توفر المعينين على تصور تربوي ورؤية واضحة حول ما يتطلبه النهوض بالتعليم ، فهم عملوا لسنوات في قطاع التعليم ، ويفترض أن يكونوا قد راكموا خبرات وتجارب ، لكن هل استطاعوا أن ينتجوا تصورا ويبنوا منظورا ، لتدبير كثير من المشاكل التي ظلت مستعصية على سابقيهم أو يمكن أن تواجههم . ولعل هذه المشاكل أو القضايا في عمومها ، تتمحور حول كيفية تنفيذ السياسة التعليمية للدولة ، مع الحرص على تحقيق الجدوى منها ، من خلال ما يلي : * محاربة الفساد على كل الأصعدة ؛ * محاربة كل أشكال الغش المهني ؛ * محاربة الهدر المدرسي ؛ * الرفع من مستوى التعليم كما وكيفا ؛ * حسن تدبير الموارد البشرية بجعل الجميع يشتغل ومحاربة الموظفين الأشباح ومختلف أشكال الريع؛ * التدبير الجيد لكل فضاءات التعليم ؛ * حسن تدبير الزمن المدرسي وزمن التعلم ؛ * التواصل الجيد مع مختلف الفرقاء والشركاء ، وضمان انخراطهم في النهوض بالتعليم ؛ * خلق مجال أرحب للتعاون بين المدرسة ومحيطها ، بين المدرسة العمومية والخصوصية ، على قاعدة التعاون لخدمة الوطن ، وعلى أساس الالتزام بتحقيق الجودة ؛ * التمثيل الجيد للقطاع أمام مختلف المصالح ، وضمان انخراطها في تدبير الشأن التعليمي.. . فهل للمسئولين الجدد بحكم تخصصاتهم وتجاربهم ومؤهلاتهم العلمية ما يجعلهم ينهضون بهذه المهام ؟ خامس هذه الأسئلة هو هل المديرون والنواب مستعدون للإقامة في مناطق تعيينهم ، للعمل جيدا والبذل أكثر ، أم سيقضون وقتهم في السفر الدائم لتضيع مصالح البلاد والعباد ، وللوزارة أن تقوم ببحث لتدرك كم من النواب والمديرين من مرت سنوات تحملهم المسئولية عبثا في السفر الدائم ، بسبب إكراهات اجتماعية أو شخصية ، دون أن يحاسبوا على ذلك، في الوقت الذي يحاسبون غيرهم، ومع ذلك أنفقوا بسخاء على إقاماتهم الوهمية دون رقيب . كم من مدير أكاديمية كان يقطع يوميا أكثر من 200كيلومتر، وكم من نائب كان يتجاوز ذلك بكثير ، مع ما يترتب عن ذلك من عياء وتعب ، تظهر آثاره على العطاء ، وعلى القدرة على مجابهة كثير من متاعب العمل . فهل من آلية لمراقبة هؤلاء ، أم أن الحكومة التي أشرت على قبولهم قبلت أيضا أن يديروا مؤسساتهم عبر وسائط الاتصال الحديثة التي يمكن أن تتخذ دريعة لمواجهة إدارة القرب ؟ وإذ نكتفي بهذه الأسئلة والملاحظات ، لأن نتائج الاختيار أعلنت وأصبحت قدرا مقدورا ، فإننا لا نرى مانعا من التعبير عن وجهة نظرنا حول المحطة الثانية والثالثة من الاختيار أو المرحلتين ، ذلك أن الشفافية التي كثيرا ما لاكتها ألسن المسئولين والساسة في بلادنا ، لم تكن حاضرة في جميع مراحل اختيار المديرين والنواب ، مثلما لم تكن المباراة قائمة على قاعدة الديمقراطية والإنصاف ، حيث لم تخضع للإشهار المطلوب ، مما يجغلها حكرا على من يعرفون من أين تؤكل الكتف . لم تكن شروطها قائمة على الكفاءة أساسا ، مما يفتح المجال للتأويل ، ويجعل الاعتقاد بكونها كانت وزيعة اعتقادا مشروعا ،. لم يتم إنجازها بالشفافية المطلوبة ، بحيث يعرف ضوابطها حتى غير المترشحين، للثقة في من سيقع عليهم الاختيار ، معاييرها لفها كثير من الغموض ، مسطرة التثبيت والإعفاء لم تبن على معايير واضحة ، وذات خلفية أساسها الكفاءة والمؤهلات والعطاء الواعد ، فضلا عن النزاهة والصدق والأماتة والإنجاز والجدارة . ولعل غياب كل هذه المعطيات ، يجعل النتائج غير مفاجئة لكل مهتم ومتتبع ، باعتبار المقدمات تشي بالنتائج . إنها نتائج كما نعتقد تحكمها حسابات سياسية أساسا ، وكأن المناصب سياسية كذلك ، علما بأن السياسوية هي ما أفسد التعليم وعمق مشاكله . لكل هذه المعطيات والاعتبارات يحق لنا أن نسأل أي جديد حملته هذه التغييرات ؟ وأية آفاق تتجه نحوها ؟ وما مستوى استجابتها لانتظارات المغاربة وأسرة التعليم أساسا ؟ الجواب لا يمكن الجزم أو الدفع به الآن ، بل سنتركه لما يأتي من الأيام ، دون أن ننسى أن نقول لمن كانت مهمنهم الحسم في المرحلة الأخيرة من مراحل المباراة ، أي مهمة التصديق : هل أصبتم في اختياركم ،؟ وهل سيستطيع من اخترتم بحسكم السياسي والوطني أن يعالج أو يتجاوز ما يلي : ü الاحتجاجات الصادرة عن العاملين في القطاع ، والتلاميذ ، وجمعيات الآباء ، والأسر ؛ ü البيانات والبلاغات الصادرة بخصوص المواقف والقضايا والمشاكل الموروثة والطارئة ؛ ü الانتقادات والملاحظات التي تهم سلبيات التجارب السابقة ، ما دمتم اعتبرتم وجهة نظر مسئول واحد أفضل من ساكنة منطقة بكاملها تقريبا ( كأنكم تقولون الأمة تجتمع على ضلال ) ؛ ü انتظارات الشعب المغربي في تعليم قادر على التغلب على تحديات الحاضر والمستقبل ؛ ü الانحرافات التي يعرفها قطاع التعليم ، والمدرسة العمومية أساسا ، في كونها أتاحت هامشا للغنى الفاحش على حساب البؤساء حين تركت عديمي الضمير يبنزونهم بالساعات الخصوصية أمام مرأى ومسمع كل المسئولين ودون محاسبة . في انتظار ذلك لا نملك إلا أن نحكم على أنفسنا بالأمل في المستقبل ، وإن كنا نرى أن ( أمارة الدار على باب الدار ) كما يقول المغاربة . وفق الله من يريد صادقا خيرا بهذه البلاد قولا وفعلا .