في فقرة التكريمات يتضمن البرنامج العام لمهرجان زاكورة الدولي للفيلم عبر الصحراء في نسخته 15 من 13 إلى 17 دجنبر الجاري تكريما للممثلة المغربية المتميزة السعدية لاديب، التي تزيد تجربتها في التشخيص عن العقدين من الزمان، حيث لايمكن للمتتبع اليقظ والعارف بمشهدنا السمعي البصري إلا أن يقف وقفة إجلال واحترام لجيل من الممثلات والممثلين المغاربة الشباب الذين استطاعوا في وقت وجيز أن يفرضوا وجودهم بقوة وتمكن في ساحة التشخيص المسرحي والسينمائي والتلفزيوني ببلادنا ، سلاحهم في ذلك موهبة فذة معززة بتكوين نظري أكاديمي رصين وممارسة ميدانية إلى جانب جيل من الرواد كان له الفضل الكبير في تعبيد الطريق ووضع اللبنات الأولى لفن التشخيص على الركح وأمام الكاميرات وخلف ميكروفونات الإذاعة . من بين هؤلاء يحضر إسم الممثلة الأمازيغية السعدية لاديب، التي لفتت إليها الأنظار منذ أول فيلم سينمائي شاركت فيه، وهي طالبة في السنة الثانية بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط ، إلى جانب المتألقة راوية (فاطمة هرندي) والمتألق الراحل محمد بصطاوي وغيرهما، مع المخرج القيدوم محمد أومولود العبازي في فيلمه الروائي الطويل «كنوز الأطلس» (1997)، وبعده إلى جانب الممثل الكبير محمد مفتاح في الفيلم القصير»سبقت رؤيته»(1999)، الذي يعتبر باكورة الأعمال السينمائية لزوجها الممثل والمخرج المسرحي والسينمائي والتلفزيوني عزيز السالمي. فمن عمل فني لآخر استطاعت هذه الفنانة الرقيقة، المتخرجة من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط سنة 1997 والمستفيدة من دورات تدريبية بالمغرب ومصر وفرنسا والحاصلة على دبلوم الدراسات الجامعية العامة في الفلسفة، أن ترسخ أقدامها في تربة فن التشخيص بثبات وثقة في الذات إلى أن أصبحت، رغم قلة أعمالها، وجها مألوفا ومحبوبا لا يمكن للمتلقي المغربي أو الأجنبي أن ينساه بسرعة بعد مشاهدتها في السينما والمسرح والتلفزيون. السر في ذلك يرجع إلى كون حضورها كممثلة في السينما والمسرح والتلفزيون يكون في غالب الأحيان حضورا قويا من خلال تشخيص تلقائي وصادق يظهر إلى أي حد هي متمكنة من أدواتها التعبيرية بحركات جسدها وقسمات وجهها وبكلامها ونظراتها وغير ذلك. لقد أظهرت السعدية لاديب في أعمال كثيرة قدرة كبيرة على تقمص أدوار شخصيات متنوعة(المرأة المقهورة والمغلوبة على أمرها / المرأة القوية / المرأة المتحررة والمتمردة على الطابوهات…)، وهي أدوار مركبة في غالب الأحيان، مع النفاذ إلى أعماقها السيكولوجية والإحاطة بشروطها السوسيولوجية. فمن من عشاق السينما لا يذكر أدوار السعدية لاديب في أفلام»قصة وردة»(2000) لمجيد رشيش و»شفاه الصمت»(2003) لحسن بنجلون و»ظل الموت»(2003) لمحمد مفتكر و»ريح البحر»(2007) لعبد الحي العراقي و»شوفني»(2007 ) لعمر مولدويرة و»حجاب الحب»(2009) لعزيز السالمي و»البراق»(2009) لمحمد مفتكر و»ملاك» (2012) لعبد السلام الكلاعي و»دموع الرمال» (2018) من إخراج زوجها عزيز السالمي؟ ومن منا لا يذكر أعمالها التلفزيونية مع ياسين فنان في المسلسلين الناجحين «وعدي» في جزئيه الأول سنة 2015 والثاني سنة 2016 و»بنات لالة منانة» (ج1 / 2012 وج2 / 2013) ومع ليلى التريكي في مسلسل «ماريا نصار»(2009).. وفي أفلام حميد بناني»وهم في المرآة»(2000) ولطيف لحلو»حيط الرمل» (2003) و ليلى التريكي «مطاردة»(2004) وعزيز السالمي «معطف أبي» (2005) و»بنت الشيخة» (2009) وعبد الرحيم مجد «شمس الليل»(2009) وغيرها .. ؟ ومن من متتبعي الحركة المسرحية لا يعرف صولاتها وجولاتها مع فرقة « طاكون « والمسرحيات الناجحة التي شاركت فيها إلى جانب زميلاتها سامية أقريو وهند السعديدي ونورا الصقلي و لطيفة أحرار وممثلات وممثلين آخرين … (« بنات لالة منانة « و « حراز عويشة « و « مرسول الحب « كنماذج) … ؟ لم تكن إذن لجن تحكيم المهرجان الوطني للمسرح والمهرجان الوطني للفيلم بعيدة عن الموضوعية عندما منحت الممثلة لاديب عدة مرات جوائز أحسن تشخيص ، من بينها جائزة أحسن تشخيص نسائي مناصفة مع ماجدولين الإدريسي عن أدائهما المتميز في فيلم المخرج المتألق محمد مفتكر « البراق « في دورة 2010 لمهرجان طنجة الوطني للفيلم . إن المكانة المرموقة التي أصبحت تتبوؤها السعدية لاديب في سلم التشخيص ببلادنا جاءت نتيجة مثابرة وعمل دؤوب ومستمر وانتقاء عقلاني وصارم للأدوار التي تضيف الجديد إلى فيلموغرافيتها وريبرتوارها المسرحي . ولعل صراحتها وجديتها ومناقشتها للأدوار المعروضة عليها وعدم التفريط في حقوقها المادية والمعنوية ورفضها للأدوار المتشابهة هي الأمور التي رفعتها إلى مصاف كبار الممثلات والممثلين رغم قلة أعمالها في السينما والتلفزيون على سبيل الحصر وذلك لأن العبرة ليست بالكم وإنما بالكيف ، فكم من دور خلد صاحبه في تاريخ التشخيص السينمائي بغض النظر عن حجمه ومدته الزمانية، والسعدية لاديب كانت دوما متألقة في جل أدوارها ، ولهذا من حقها علينا أن نكرمها وهي في أوج عطائها وأن نحتفي بتجربتها الفنية الثرية وذلك لأن هذا التكريم وهذا الإحتفاء لن يزيداها إلا تألقا وتقديرا للمسؤولية الفنية الملقاة على عاتقها .