صدق في الأداء وحضور فني لافت لايمكن للمتتبع اليقظ والعارف لمشهدنا السمعي البصري ألا يقف وقفة إجلال واحترام لجيل من الممثلات والممثلين المغاربة الشباب استطاعوا في وقت وجيز أن يفرضوا وجودهم بقوة وتمكن في ساحة التشخيص المسرحي والسينمائي والتلفزيوني ببلادنا ، سلاحهم في ذلك موهبة فذة معززة بتكوين نظري أكاديمي رصين وممارسة ميدانية إلى جانب جيل من الرواد كان له الفضل الكبير في تعبيد الطريق ووضع اللبنات الأولى لفن التشخيص على الركح وأمام الكاميرات وخلف ميكروفونات الإذاعة . من بين هؤلاء يحضر إسم الممثلة الأمازيغية الشابة السعدية لاديب ، التي لفتت إليها الأنظار منذ أعمالها الأولى في السينما إلى جانب المتألقة راوية ( فاطمة هرندي ) والمتألق محمد بصطاوي وغيرهما ، مع القيدوم محمد أومولود العبازي في فيلمه الروائي الطويل " كنوز الأطلس أو إلى جانب الممثل الكبير محمد مفتاح في الفيلم القصير " سبقت رؤيته " (1999) ، الذي يعتبر باكورة الأعمال السينمائية لزوجها الممثل والمخرج المسرحي والسينمائي الدكتور عزيز السالمي . فمن عمل لآخر استطاعت هذه الفنانة الرقيقة المتخرجة من المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط أن ترسخ أقدامها في تربة فن التشخيص بثبات وثقة في الذات إلى أن أصبحت ، رغم قلة أعمالها ، وجها مألوفا ومحبوبا لا يمكن للمتلقي المغربي أو الأجنبي أن ينساه بسرعة بعد مشاهدتها في السينما والمسرح والتلفزيون . لماذا؟ ببساطة لأن حضورها كممثلة يكون في غالب الأحيان حضورا قويا من خلال تشخيص تلقائي وصادق يظهر إلى أي حد هي متمكنة من أدواتها التعبيرية بحركات جسدها وقسمات وجهها وبكلامها ونظراتها وغير ذلك . لقد أظهرت في أعمال كثيرة قدرة كبيرة على تقمص أدوار شخصيات متنوعة ( المرأة المقهورة المغلوبة على أمرها / المرأة القوية / المرأة المتحررة والمتمردة على الطابوهات ... ) وفي غالب الأحيان مركبة ، مع النفوذ إلى أعماقها السيكولوجية والإحاطة بشروطا السوسيولوجية . فمن من عشاق السينما لا يذكر أدوارها في أفلام " قصة وردة " (2000) لمجيد رشيش و " شفاه الصمت " لحسن بنجلون و " ظل الموت " (2003) لمحمد مفتكر و " ريح البحر " لعبد الحي العراقي و " شوفني " (2007 ) لعمر مولدويرة و " حجاب الحب " لعزيز السالمي و " البراق " (2009) لمحمد مفتكر ؟ ومن منا لا يذكر أعمالها التلفزيونية مع ليلى التريكي في مسلسل " ماريا نصار " وفي أفلام حميد بناني " وهم في المرآة " ولطيف لحلو " حيط الرمل " و عزيز السالمي " معطف أبي " و " بنت الشيخة " وعبد الرحيم مجد " شمس الليل " وغيرها ؟ لم تكن إذن لجن تحكيم المهرجان الوطني للمسرح والمهرجان الوطني للسينما بعيدة عن الموضوعية عندما منحتها عدة مرات جوائز أحسن تشخيص ، كانت آخرها جائزة أحسن تشخيص نسائي مناصفة مع ماجدولين الإدريسي عن أدائهما المتميز في فيلم المخرج المتألق محمد مفتكر " البراق " في دورة 2010 لمهرجان طنجة الوطني للفيلم . إن المكانة المرموقة التي أصبحت تتبوؤها السعدية لاديب في سلم التشخيص ببلادنا جاءت نتيجة مثابرة وعمل دؤوب ومستمر وانتقاء عقلاني وصارم للأدوار التي تضيف الجديد إلى فيلموغرافيتها وريبرتوارها المسرحي . ولعل صراحتها وجديتها ومناقشتها للأدوار المعروضة عليها وعدم التفريط في حقوقها المادية والمعنوية ورفضها للأدوار المتشابهة هي الأمور التي رفعتها إلى مصاف كبار الممثلات والممثلين رغم قلة أعمالها في السينما والتلفزيون على سبيل الحصر وذلك لأن العبرة ليست بالكم وإنما بالكيف ، فكم من دور خلد صاحبه في تاريخ التشخيص السينمائي بغض النظر عن حجمه ومدته الزمانية ؟ والسعدية لاديب كانت دائما متألقة في جل أدوارها ، ولهذا من حقها علينا أن نكرمها وهي في أوج عطائها وأن نحتفي بتجربتها الفنية الثرية وذلك لأن هذا التكريم وهذا الإحتفاء لن يزيداها إلا تألقا وتقديرا للمسؤولية الفنية الملقاة على عاتقها . فمزيدا من العطاء والتألق ومزيدا من الإحتفاء برموزنا الفنية الصادقة والمتمكنة أحمد سيجلماسي ''الفوانيس السينمائية'' نرجو التفضل بذكر المصدر عند الاستفادة