” في سنة 2010، فقدت ابنتي التي لم تتجاوز بعد 13 سنة في حادثة سير تسبب فيها سائق مخمور. تصوروا أن تفقد أم ابنتها في هذه السن ..” هكذا تحدثت حفيدة الزعيم التحرري نيلسون منديلا زوليكا منديلا، سفيرة السلامة المرورية لدى الفيدرالية الدولية للسيارات، خلال المنتدى الإفريقي للسلامة الطرقية الذي انطلقت أشغاله بمراكش يوم الثلاثاء 13 نونبر الجاري، محدثة تعاطفا كبيرا من قبل المشاركين الذين لم يستطع بعضهم التحكم في دموعه جراء التأثر البالغ بتفاصيل هذه المأساة. وقالت حفيدة نيلسون منديلا إن تفاصيل هذا الحادث المؤلم ما زالت تمزق دواخلها، وأنها لم تتخلص قط من هذا الجرح القاسي الذي ما زالت تعانيه، بسبب تهور سائق غير مسؤول. وتوجهت إلى الحاضرين قائلة ” إن حوادث الطرق تخطف من الناس أطفالهم، وهي مأساة نواجهها في طرقنا إلى اليوم، ولم نستطع أن نضع لها حدا.” وطالبت زوليكا منديلا الحكومات الإفريقية بالتحرك العاجل، لإيقاف نزيف الطرق، ومواجهة هذا التهديد الدائم التي يتربص بحياة الأبرياء. مؤكدة أن الطرق في إفريقيا هي الأكثر فتكا وخطرا على المستوى العالمي. وشددت حفيدة منديلا على ضرورة تجاوز الحكومات الإفريقية لعجزها في مواجهة حوادث المرور، مطالبة بإيلاء أهمية قصوى لإنجاز طرق تستجيب لمعايير السلامة، ووضع برامج استباقية تتيح ضمان سلامة أكبر لدى مستعملي الطريق، مع التصدي لكل الظواهر التي تضاعف درجة المخاطر بها. وطالبت المتحدثة ببذل المزيد من الجهود لتغيير الذهنيات والسلوكات من أجل إرساء ثقافة مرورية لدى مواطني إفريقيا، تحقق بشكل متكامل السلامة الطرقية وتحمي من نزيف الأرواح، معتبرة أن إفريقيا تتوفر على هامش مهم لإحداث التغييرات اللازمة وإرساء الأنظمة الملائمة لتحسين ظروف استعمال الطرق بما يتجاوب مع معايير السلامة والعمل على خلق إطار إفريقي للتفكير والبحث حول المواضيع المتعلقة بالسلامة الطرقية. ويهدف المنتدى الإفريقي للسلامة الطرقية الذي ينعقد تحت شعار “السلامة الطرقية بإفريقيا رافعة للتنمية المستدامة” إلى تعزيز الالتزام بالسلامة الطرقية في إفريقيا لتحقيق أهداف عقد العمل من أجل السلامة على الطرق للأمم المتحدة 20112020 و العمل على برمجة لقاءات بين المؤسسات والمنظمات الحكومية والخبراء والفاعلين الاقتصاديين والمقاولات العامة والخاصة والمنظمات غير الحكومية بالقارة الإفريقية العاملة في مجال السلامة الطرقية والنهوض بالتعاون بين البلدان الإفريقية في مجال السلامة الطرقية وتبادل الخبرات والتجارب الرائدة بشأن السلامة الطرقية في القارة الإفريقية والتحفيز على الاستثمار في مختلف القطاعات المتعلقة بالسلامة الطرقية ودراسة آليات خلق مرصد إفريقي للسلامة الطرقية وسبل تفعيله. ووفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية لسنة 2015 حول وضعية السلامة الطرقية عبر العالم، يلقى حوالي 1.25 مليون شخص حتفهم سنويا جراء حوادث السير، رغم التقدم المحرز في هذا المجال. فبالرغم من الزيادة المتسارعة لعدد العربات ذات المحرك في جميع أنحاء العالم وارتفاع الكثافة السكانية، سجل عدد القتلى على الطرق استقرارا مما يشير إلى أن إجراءات السلامة الطرقية في السنوات الأخيرة مكنت من إنقاذ حياة الكثيرين. كما تشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن مستعملي الطريق في جميع أنحاء العالم لا يتمتعون بنفس مستوى الحماية. ولا يزال خطر الوفاة بسبب حوادث السير رهينا بمكان عيش الأشخاص وبنمط تنقلاتهم. وتظل هناك فجوة عميقة تفصل بين البلدان مرتفعة الدخل والبلدان منخفضة أو متوسطة الدخل التي تسجل فيها حوالي 90 في المئة من الوفيات الناجمة عن حوادث السير، في حين أنها لا تتوفر سوى على 54 في المئة من المركبات على الصعيد العالمي. وتسجل أوروبا، لا سيما في أغنى بلدانها، أدنى نسب الوفيات على الطرق للفرد، حيث يبلغ عدد القتلى 6 لكل 000 100 نسمة، في الوقت الذي تشهد فيه إفريقيا أعلى المعدلات بحوالي 26.6 قتيلا لكل 000 100 نسمة. علاوة على ذلك، تعد إفريقيا المنطقة الأكثر خطرا في العالم بالنسبة لفئة مستعملي الطريق عديمي الحماية، لا سيما الراجلين وراكبي الدراجات بمعدل 43٪ من ضحايا حوادث السير، في حين يصل هذا المعدل فقط إلى 26٪ في جميع أنحاء العالم. وقد دعت الأممالمتحدة من خلال عقد العمل من أجل السلامة الطرقية (2011-2020) البلدان إلى تنفيذ تدابير ملموسة لجعل طرقها أكثر أمانا. وعلى الصعيد الإفريقي أيضا، وضعت خطة عمل قارية خلال اجتماع للخبراء الذي عقدته اللجنة الاقتصادية لأفريقيا والاتحاد الإفريقي في أديس أبابا، بإثيوبيا، في نونبر2011. ومع متم العشرية، وعلى الرغم من أن بعض البلدان أحرزت تقدما كبيرا، إلا أن وضعية السلامة الطرقية في إفريقيا ما تزال مقلقة. ومع ذلك، تتوفر القارة الإفريقية على هامش مهم جدا من أجل تحسين السلامة الطرقية وإنقاذ المزيد من الأرواح. وباعتبارها قارة تزخر بمؤهلات اقتصادية هائلة توجهها نحو مسار التنمية الاقتصادية، فإن انعدام السلامة الطرقية لا يجب أن يؤثر سلبا على هذه الإمكانيات، مما يستدعي وضع استراتيجية مستدامة للسلامة الطرقية في القارة الإفريقية.