يمكن القول إن سنوات 2006 2007 2008، شكلت (المرحلة السوداء) في حرب الطرق بأقاليم الشمال، فرغم تحسين ظروف السير في الطرقات، وارتفاع مستوى شبكة الطرق (السيارة الوطنية) بهذه الأقاليم، إلا أن معدلات الموت على الطرقات تسير في خط تصاعدي مخيف..!!وبلغة الأرقام التي يصعب التشكيك فيها، حصدت حرب الطرق بجهة طنجة وحدها، خلال السنوات الثلاثة الماضية (2006 2008)، أزيد من 10366 ضحية، مابين قتيل وجريح..!! إن بلورة التوجه الحكومي في وقف نزيف قتلى حوادث السير على أرضية الواقع، بالأقاليم الشمالية، لم يحقق سوى نتائج هزيلة، فباستثناء سنتي 2004 و2005، اللتين شهدتا تقلصا في عدد حوادث السير، فإن ضحايا حرب الطرق تتزايد أعدادهم بصورة ملفتة، أعاقت المخطط الاستراتيجي للسلامة الطرقية، الذي انطلق سنة 2004، عن تحقيق الرهانات التي عقدت عليه..!! ويبدو المغرب واحدا من الدول الأكثر تسجيلا لحوادث السير القاتلة، ذلك أن الطرق في بلادنا تقتل 10 أشخاص يوميا، و83 شخصا أسبوعيا، و319 شخصا كل شهر..!! مربع الموت المخيف: لم يشرع المغرب في تطبيق المعايير الدولية للسلامة الطرقية، إلا منذ خمس سنوات، والبرامج التحسيسية التي كانت تنفذ على مدى سنوات، لم تكن في مستوى الأخطار الناجمة عن حرب الطرق، وهذا يعني، بوضوح، أن الحكومات المتعاقبة على تدبير الشأن العام، خاصة في الفترة من 1998 إلى حدود 2002، كانت عاجزة عن مواجهة الارتفاع المضطرد في حوادث السير..!! وعندما اتضح أن حرب الطرق تعد في مقدمة أسباب الوفاة في المغرب، تحركت مؤسسات الدولة، ابتداء من منشور الوزير الأول، ادريس جطو، رقم: 13/ 2005، الصادر بتاريخ: 29 غشت 2005، المتعلق بإعلان يوم 18 فبراير من كل سنة «يوما وطنيا للسلامة الطرقية». ومايلاحظ، هو أن المخططات الجهوية المنبثقة عن التوجهات الحكومية في مجال السلامة الطرقية، تصطدم بجملة من الإكراهات والمعيقات، الأمر الذي يفرغها من مضمونها، وبالتالي يخلق مزيدا من الفرص لتصاعد أعداد ضحايا حوادث السير..!! وفيما يلي المعطيات الرسمية التي تؤكد إخفاق كل الجهود الرامية إلى انتشال جهة طنجة تطوان من (مربع الموت)، الذي دخلت إليه بفعل تزايد حدة حرب الطرق: . في سنة 2006، وفي ظل تطبيق المخطط الاستراتيجي للسلامة الطرقية، سجلت جهة طنجة تطوان حوالي 4072 حادثة سير، في المدارين الحضري والقروي، من نتائجها مئات من القتلى، ومئات من الجرحى..!! كانت السنة التي قبلها (سنة 2005)، عرفت انخفاضا ملحوظا في عدد ضحايا حوادث السير،غير أن كل المجهودات المبذولة لم تتمكن من التحكم في هذه التداعيات، وفي حين كان يفترض أن يستمر هذا الانخفاض، حدث العكس، حيث عادت حرب الطرق لتحصد المزيد من الأرواح..!! . خلال سنة 2007، ستعرف شبكة الطرق بنفس الجهة، وقوع حوالي 4934 حادثة سير، أودت بحياة 287 شخصا، وخلفت 6318 جريحا، من ضمنهم 897 في حالة خطيرة، نسبة مهمة منهم ستلتحق بعالم (الإعاقة)..!! ستبادر الجهات المسؤولة، في إطار تفسير هذا الارتفاع الذي وضع الجهة في المرتبة الثانية، بعد جهة مكناس تافيلالت، في نسبة حوادث السير، بزيادة نسبتها 21 في المائة، إلى تعليق الأسباب والمسببات على شماعة مستعملي الطريق، والحال أن الحالة البنيوية المتردية للطرق الوطنية بالجهة، تعتبر من أهم مسببات حوادث السير المميتة..!! . في سنة 2008، ستعرف حوادث السير بالجهة ارتفاعا مهما، نتج عنه حدوث حوالي 5000 حادثة سير، مابين قتلى وجرحى، بنسبة ارتفاع وصلت إلى 9 في المائة، ليحافظ هذا المحور الطرقي على موقعه المتقدم في قائمة الجهات المغذية لحرب الطرق..!! مرة أخرى سيتم تفسير أسباب هذا (الموت المجاني) بالضغط الحاصل على طرق جهة طنجة تطوان، وتوافد أفراد الجالية المغربية على موانئ الجهة (عبور 2008)، إضافة إلى ارتفاع عدد السياح الذين يعبرون مدن الجهة «بدون معرفة مسبقة بخصوصياتها الجغرافية»، حسب التصريح الذي أدلى به الحسن البختي، المدير الجهوي للتجهيز، لجريدة «الشمال». . خلال السنة الجارية (سنة 2009)، وتحديدا في الربع الأول منها، شهد محور طنجة تطوان، أزيد من 850 حادثة سير، بمعدل 7 حوادث سير في اليوم الواحد، ولقي 100 شخص مصرعهم عبر مجموع هذه الحوادث..!! الأسوأ من ذلك، أن التوقعات الصادرة عن التقارير الرسمية، تشير إلى احتمال تسجيل المحور الطرقي لجهة طنجة تطوان، ارتفاعات ملموسة في عدد قتلى حوادث السير، خلال السنتين المقبلتين (2010 2011)، بسبب ضعف فاعلية ومردودية برامج السلامة الطرقية..!! بالانتقال إلى المحور الطرقي للريف الأوسط، الذي يعاني بشكل أكثر سوءا من تردي الحالة البنيوية للطرق الحضرية، والمسالك القروية، نصطدم بواقع أسود، يشير إلى أنه خلال سنة 2006، وصل عدد ضحايا حوادث السير في الريف الأوسط، إلى 1737،ثم ارتفع هذا العدد الضخم إلى 1771 حادثة سير، سنة 2007، ليواصل الارتفاع سنة 2008، وخلال الربع الأول من السنة الجارية..!! عوامل مغذية لحرب الطرق: إن العوامل الكامنة وراء حرب الطرق في أقاليم الشمال، عامة، وعلى صعيد جهة طنجة تطوان خاصة، هي كثيرة ومتعددة، تتقاسم مسؤوليتها الجسيمة كل الأطراف المعنية بالسلامة الطرقية، في مقدمة هذه العوامل نذكر مايلي: . عدم احترام مقتضيات السلامة الطرقية، التي تنص على الالتزام بالسرعة المحددة، داخل المجالين الحضري والقروي، والتقيد بالعلامات والإشارات المحددة لضوابط السياقة. . ضعف المبادرات المتعلقة باتخاذ اللازم، فيما يخص التشوير الطرقي، عموديا وأفقيا، وخاصة تلك المرتبطة بممرات الراجلين، وعدم تحمل الجماعات المحلية مسؤوليتها في تنظيف الإشارات المرورية الضوئية، وتشذيب الأشجار في الشوارع والمحاج الكبرى للمدن. . عدم فعالية لقاءات التوعية لفائدة السائقين المحترفين بالمحطات الطرقية، وشركات النقل الحضري، والشركات المتخصصة في نقل البضائع. . تزايد معدلات الارتشاء بين بعض أعوان المرور، المفروض فيهم (شرطة ودرك) المحافظة على السلامة الطرقية، لا التشجيع على انتهاكها بواسطة تسلم رشاوي من السائقين المتهورين، الذين لا يلتزمون بقوانين المرور وقواعد السير. . ضعف ثقافة المرور لدى غالبية الراجلين، رغم عمليات التواصل المباشر بهم، التي تتم بتنسيق مع مكونات المجتمع المدني، الهادفة إلى توعية مستعملي الطريق من الراجلين بالالتزام الكامل بمقتضيات السلامة الطرقية. ينضاف إلى كل هذه العوامل، مايلاحظ من سلوكات مخلة بمدونة السير، من قبيل السرعة المفرطة، والتجاوز غيرالقانوني واستعمال المنشطات، وعدم احترام الممرات الخاصة بالراجلين، واستعمال الهواتف المحمولة أثناء السياقة، إلى جانب عوامل تقنية هامة، كالحالة الميكانيكية للسيارات والحافلات والشاحنات، التي تكون في الغالب من أهم أسباب وقوع حوادث سير قاتلة. وإلى جانب ماتسفر عنه حرب الطرق من قتلى وجرحى ومعطوبين ومعوقين، فإنها تعتبر، أيضا، من بين العوامل التي تستنزف المال العام، ذلك أن حوادث السير في المغرب، تكلف ميزانية الدولة مايناهز 11 مليارا من الدراهم، أي مايمثل أكثر من 1.5 في المائة من الناتج الداخلي الخام، المسجل في الظرفية الراهنة..!! أخطار تهدد بلادنا: لقد أضحت حوادث السير، حسب تقرير مشترك عن البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية، من أقوى العوامل المهددة للصحة العامة في بلادنا، بعد مرض السل، وداء فقدان المناعة المكتسبة «الإيدز» وأمراض الجهاز التنفسي..!! وثمة معطيات مخيفة تعمق الشعور بالقلق عند المغاربة، حيث أنه في ظل تسجيل مامجموعه 4000 قتيل من حوادث السير بالمغرب، خلال سنة 2008، تذكر هذه المعطيات أن هذا الرقم المرعب مرشح للارتفاع إلى حدود 5000 قتيل، في أفق سنة 2011، ومايناهز 6000 قتيل، سنة 2014، و7500 قتيل، سنة 2020..!! إن التحديات التي تواجه المغرب، في إطار حرب الطرق، لايمكن كسبها، وبالتالي التقليل من الخسائر البشرية الفادحة، بدون وضع استراتيجية خماسية (2009 2013) أكثر فاعلية ونجاعة، تشترك في صياغتها مختلف الأطراف المعنية بتحسين السلامة الطرقية، ويجري تنفيذها بدقة كاملة، تسمح لنا بوقف هذا النزيف الدموي المتصاعد. تم نشره بتاريخ 2 يونيو 2009