تؤكد الأرقام التي أعلنت عنها المندوبية السامية للتخطيط، بخصوص خريجي التكوين المهني، أن القاعدة تظل هي ارتفاع نسب البطالة في صفوفهم، مقارنة مع خريجي التعليم العالي، في الوقت الذي يفترض فيه حاجة الاقتصاد المغربي لهذه الفئة، خاصة في مجالات الصناعة والتجهيزات والنقل والخدمات والفلاحة... غير أن الإحصائيات تؤكد واقعاً آخر. فحسب المندوبية السامية، تصل نسبة البطالة بين خريجي التكوين المهني، إلى 24,5 في المئة، بينما تصل لدى خريجي التعليم العالي، إلى 16 في المئة، ويشتغل 33 في المئة من خريجي التكوين، في مناصب شغل لا علاقة لها بمؤهلاتهم. وقد سبق للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أن أثار إشكالية عدم ملاءمة التكوين المهني لسوق الشغل، معتبراً أن الأمر يتطلب إصلاحات عميقة في مناهج التكوين وفي بنية المؤسسات وفي العلاقات مع المقاولات، مما يؤكد الأرقام التي نشرتها المندوبية السامية، والتي تعني أن كل الخطاب الذي تم ترويجه بخصوص هذا النوع من التكوين، كبديل لمشكلة الهدر المدرسي، غير صحيح، ولا يقدم أجوبة مقنعة للشباب الذين تفرض عليهم الظروف اللجوء للتكوين المهني. وبالإضافة إلى أن منهجية التعامل مع التكوين المهني، كملجأ لبطالة مقنّعةٍ، والتستر على المشاكل الحقيقية للتعليم وأسباب الهدر المدرسي، فإن مسؤولية المقاولات قائمة أيضاً، حيث تلجأ العديد منها إلى تشغيل عمال ومستخدمين، لا تكوين مهني علمي لهم، مقابل أجور زهيدة، وهذا ما ينعكس في جودة المنتوج الذي تقدم، كما أن جزءاً غير يسير منها لا يعتمد الكفاءات العلمية والتقنية في أنشطته وفي علاقته بالسوق... وبصفة عامة فإن الأرقام التي قدمتها المندوبية، تكشف عن خلل بنيوي في سوق الشغل بالمغرب، وهو ما يطابق المعطيات التي يقدمها الخبراء، إذ يشيرون إلى أنه بالرغم من الزيادة التي تسجلها معدلات النمو، إلا أن الاقتصاد المغربي لم يخلق سوى 50 ألف منصب شغل سنويا، في الخمس سنوات الأخيرة، بينما كان يصل خلال السنوات السابقة، ابتداء من سنة 2000، إلى 150 ألف منصب شغل، سنوياً. فالنموذج التنموي الحالي، يطور اقتصاداً في مختلف القطاعات، لكنه لا ينعكس على سوق الشغل، فالشركات تحقق الأرباح والأبناك والمؤسسات المالية، تضاعف مداخيلها، والطبقة المهيمنة على هذه القطاعات تزداد غنى، لكن الفئات الأخرى المتواضعة الدخل، وخاصة الشباب، تعاني من أزمة الفقر والبطالة.