تعتبر عطالة خريجي مؤسسات التعليم العالي إحدى الإشكاليات الكبرى التي تواجه المنظومة التعليمية في المغرب، وتعبّر عن خلل في تلك المنظومة، التي لا يستطيع خرّيجوها الاندماج في الحياة المهنية، كما تعبّر عن خلل في علاقة الجامعة المغربية بمحيطها الاقتصادي والاجتماعي، وانفصالها عن حاجيات هذا المحيط. وبالرغم من أن الجامعة المغربية خضعت خلال السنوات الأخيرة للإصلاح، الذي بقيت سنتين فقط على انتهائه، فإن إشكالية بطالة الخريجين لا زالت تشكل إحدى أكبر الإشكالات العويصة التي تواجه صانع القرار التربوي المغربي. 29% نسبة الخريجين المعطّلين ففي سنة ,2007 بلغت نسبة البطالة في صفوف خريجي التعليم العالي نحو 4,23%، حيث بلغت هذه النسبة في صفوف خريجي الكليات ذات الاستقطاب المفتوح نحو 2,29% سنة ,2007 وامتدّت الظاهرة إلى خريجي المدارس العليا حيث سجّلت ما نسبته 5,5% خلال السنة ذاتها. وذلك استنادا إلى معطيات البحث حول التشغيل الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط. وبينما اعتبرت لطيفة العبيدة، الوزيرة المكلفة بالتعليم المدرسي، في جوابها بمجلس المستشارين أخيرا، أن نسبة البطالة تراجعت عما كانت عليه من قبل، حيث انخفضت النسب المذكورة على التوالي من من 7,31% سنة ,2003 إلى 4,23% سنة ,2007 ومن 7,39% سنة ,2003 إلى 2,29% سنة ,2007 ومن 1,6% إلى 5,5% خلال نفس الفترة. إذ أرجعت ذلك إلى استيعاب المحيط الاقتصادي للموارد البشرية ذات التكوين العالي نتيجة تزايد حجم الاستثمار في القطاعات العمومية والخاصة. تساءل زهير الخيار، أستاذ الاقتصاد بجامعة الحسن الأول بسطات، عن معنى البطالة أولا، وقال إن هذه الأرقام تحتاج إلى نقاش حولها، ولا يمكن التسليم بها هكذا، مشيرا بذلك إلى أن هذا مفهوم البطالة اليوم في المغرب يحتاج إلى نقاش حيوي، وأكد الخيار أنه أثناء احتساب معدل بطالة خريجي الجامعات المغربية، يجب أن ننتبه معه إلى ذلك الخرّيج الجامعة الذي يعمل عملا موسميا هل يعدّ ضمن الفئة العاطلة عن العمل أم لا ؟، وبين يؤكد الواقع أن هاته الفئة الواسعة هي بدون عمل، ما دام عملها غير قارّ ولا تحصّل دخلا قارّا وثابتا، نبّه الخيار إلى أن الحكومة تصنّفهم ضمن فئة العاملين الذين لا يبحثون عن عمل. وهو تعارض واقع يحتاج إلى رفع الخلاف حوله، لتحرير الكلام حول نسبة البطالة في صفوف الخرّيجين الجامعيين. أين الخلل؟ إذا كانت الوزيرة قد عزت هذا الإشكال القوي إلى إشكالية الملاءمة، لكون نسبة البطالة من خريجي التعليم العالي تبقى مرتفعة (4,23% سنة 2007)، في الوقت الذي تشكو فيه المقاولات الصناعية ومقاولات التصدير من ندرة الأطر المؤهلة. حيث أكدت أن ملاءمة التكوينات العليا لحاجيات الاقتصاد الوطني موضوع يستأثر باهتمام الوزارة، حيث عملت على اعتماد الهندسة البيداغوجية الجديدة LMD (الإجازة والماستر والدكتوراه) في جميع المؤسسات ذات الاستقطاب المفتوح. كما اعتمدت 1136 مسلكا وطنيا على مستوى مؤسسات التعليم العالي، منها 47% مسلكا مهنيا تهم مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، كما أعدت برنامجا لتفعيل مبادرة 10000 مهندس في أفق ,2010 وآخر لـتفعيل برنامج التكوين في المهن الجديدة Offshoring حيث ستساهم الجامعات بتكوين أكثر من 6000 من الأطر العليا في المهن الجديدة في أفق ,2010/2009 وبرنامج آخر لـتكوين 10000 إطار في الهندسة الاجتماعية لتأطير المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، فضلا عن إعداد برنامج التكوين في إطار المبادرة الحكومية المتعلقة بتكوين 300,3 طبيب كل سنة في أفق .2020 إلا أن الأستاذ الجامعي زهير الخيار، اعتبر أن الإصلاح الجامعي لم يخفّف لحد الآن من حدة بطالة الخريجين، وأكد أن طبيعة الهندسة البيداغوجية جعلت التكوين سطحيا، واضطرت الأستاذ الجامعي إلى تدريس مداخيل المواد وليس جوهرها، وهو ما جعل المستوى المعرفي والمهاري للطالب في تراجع مستمر مقارنة بما كان عليه من قبل، وهو تراجع ملفت للنظر، يقول المتحدث، يزيد ضعف المستوى في الثانوي منه، نظرا لانتشار الساعات الإضافية وما إلى ذلك. وإذا كانت طبيعة التكوين في الجامعة غير ملائمة لسوق الشغل، وهو خطاب كلاسيكي يقول الخيار، فإن قضية الملاءمة لا يجب أن نضخم منها، إذ لا بد أن نتساءل عن فرص الشغل التي يوفرها الاقتصاد الوطني أين هي؟ منبها إلى أنه الإحصاءات المتحدث عنها لا تتجاوز 14 ألف منصب شغل، وهو رقم ضئيل جدّا مقارنة بعدد الخرّيجين سنويا من الجامعات. ونبه الخيار إلى الآثار السلبية للتكوينات المهنية التي باتت التوجه الجديد للحكومة، حيث بدأت الجامعة تنحو نحو منحى التكوين الخاص، في أن المطلوب من الجامعة هو التكوين النظري العلمي، فوظيفة الجامعة هي تخريج العلماء وليس تخريج تقنيين محدودي النظر والأفق، وأكد الخيار إن هذه التكوينات ذات المنحى المهني، أضحت تفرز عطالة متخصصة، بدأت تنتشر، نظرا للمستوى المتدني لأصحابها؟ وهي أكبر كارثية على الجامعة وخرّيجيها. وأضاف الخيار أن برامج التكوين المعلنة فضلا عن أنها لم تخفّف من حدة البطالة، فإن المستوى التكويني لأصحابها متدنّي، ولا يمكّنهم من الولوج إلى السوق. النظام القديم أفضل بناء على ذلك، يدعو زهير الخيار إلى إعادة النظر في النظام التعليمي ككل، ويرى أن العودة إلى النظام القديم أفضل من الجديد، ذلك أن النظام البيداغوجي يشكل عنصر ضغط على الأستاذ الجامعي، الذي يضطر إلى تلقين الطالب أوليات العلوم، وليس جوهرها وإشكالاتها الحقيقية، وهو ما يؤثر على المستوى المعرفي والمهاراتي، ويعوق الخريجين عن الاندماج في سوق الشغل، مؤكدا على ان دور الجامعة ووظيفتها أولا هي العلم والمعرفة، وليس المهننة. على خلاف ذلك، أعلنت الوزارة الوصية أن معالجة الاختلال الموجود بين الجامعة وسوق الشغل، تتمثل في السير قدما نحو العمل من أجل توسيع المسالك المهنية في المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح التي تعاني أكثر من مشاكل إدماج الخريجين في سوق الشغل، وتوجيه نسب كبيرة من الطلبة إلى المسالك العلمية والتقنية وإلى المسالك الواعدة من قبيل مسالك الهندسة والتجارة والتسيير ومسالك الأطر المتوسطة في ميدان التكنولوجيا وتقنيات الإعلام والتواصل.