«الأميرة سنووايت» عنوان المجموعة القصصية للقاصة المغربية خديجة اليونسي. تقع المجموعة في ستين صفحة من ال حسن اليملاحيقطع المتوسط، وتشتمل على خمسة قصص قصيرة متفاوتة من حيث الطول والقصر.وقد صدرت عن دار فضاءات للنشر عمان في طبعتها الأولى برسم:2016. وسنحاول من خلال هذه القراءة الوقوف عند بعض القضايا التي تطرحها مجموعة سنووايت، وسنبدأ أولا بالعنوان والمتن والحكائي وما يثيره من موضوعات وقضايا نفسية واجتماعية وانتهاء بالخاتمة. في مسألة العنوان: من العنوان إلى الدلالة: «الأميرة سنووايت» عنوان المتن القصصي للقاصة المغربية خديجة اليونسي. ومن خلال تأمل هذا المتن سيجد المتلقي نفسه يطرح بعض الأسئلة حول دواعي اختياره من لدن الكاتبة وكذا ومصدره وخلفياته الفنية والجمالية.ويلاحظ أن المبدعة خديجة اليونسي اقتطفت العنوان من القصة الثانية المعنونة ب»الأميرة سنووايت»،ص:21. والأميرة- كما لا يخفى- اسم علم مؤنث وجمعها أميرات.والأميرة هي من ولدت في بيت الملك ويحيل اسمها على التشريف،أما سنووايت فهو اسم أميرة صغيرة يرتبط في أذهان القراء – خاصة منهم الصغار – بالقصة الخرافية المعنونة ب»الأميرة سنووايت والأقزام السبعة.وفي حال تأمل العنوان وربطه بالنص من الناحية الدلالية فإن المقصود بها هي شخصية الساردة، إنها المعادل الموضوعي لها لأنهما يلتقيان في جملة من السمات الثابتة والمتحولة كما سنرى لاحقا. – في المتن الحكائي: – الذات الأنقوية بين الوصايا والخسارات: تتناول القاصة خديجة اليونسي في القصة الأولى المعنونة ب»غابت نجمة»حكاية شابة لاحظت وهي تنظر إلى المرآة- بعدأن تحسست وجهها- ظهور بقع الكلف.لم تتحمل الفتاة هذا الأمر، فانتقلت إلى النافذة،كانت السماء سوداء وتتوسطها نجمة مضيئة.تذكرت- وهي مستلقية فوق فراشها- طفولتها وكذا ذكرياتها الجميلة .كانت تحب التوت،وهذا الحب جعلها ترتبط بشجرته من دون أي خوف يذكر.وعلى الرغم من تحذيرات والدتها لها من هذه الشجرة والوخز الذي يصيبها نتيجة احتكاكها بها،فالفتاة كثيرا ما كانت تجد نفسها تستسلم لرغبتها لأنها مولعة بالتوت.ومع حلول فصل الصيف مرورا بالخريف والربيع ،ونتيجة العلاقة الحميمة التي باتت تجمعها بالتوت وشجرة العليق، سيتعرض جسدها الفتي للوخز فتنتفض الفتاة من شدة ألم الوخز.وهي ترفع عينيها خارج النافذة لاحظت أن النجمة قد غابت من السماء وبقيت فقط صفحة سوداء. في حال تأمل هذه القصة سنجدها تتحدث بشكل ضمني عن فتاة تفقد عذريتها وتصاب بحمل نتيجة ثقتها العمياء في الشباب. والثعابين هنا يقصد بها دلاليا الشباب الذين كانت تقاسمهم الفتاة اللعب بتلقائية فيما يشير العليق إلى خسارة البنت لعذريتها، أما الكلف فهو علامة لحمل متقدم. هكذا تضيع من الفتاة عذريتها بعد أن استسلمت للعب من غير استيعاب قواعده بعيدا عن وصايا وتحذيرات الأم. الذات والحلم بألون قوس قزح تعالج القصة الثانية العنونة ب»سنووايت» والتي اتخذتها خديجة اليونسي عتبة رئيسية لمتنها الخاص،موضوع الغيرة،غيرة زوجة الملك الثانية من الأميرة التي ولدت من الزوجة الأولى، هذه المرأة تغار من جمالها الساحر ومكانتها في عواطف الملك.وعلى الرغم من التباعد القائم بين الزوجة الثانية وجدة الساردة – فإنها لا تغار من الأميرة فقط لأنهما لا يتفقان في الحلم.وإذا كانت القصة تقف موقفا صريحا من الغيرة وتدعو إلى نبذها بالنظر إلى تأثيرها النفسي على حياة الإنسان،فإنها من جانب آخر تحتفي بذات الساردة وأنثويتها. ويلاحظ أن الكاتبة استدعت شخصية الجدة في هذا النص.والجدة كثيرا ما تم الاحتفاء بها في جملة من النصوص السردية، فالقاصة المغربية ربيعة ريحان مثلا احتفت بهافي المجموعة القصصية المعنونة بكلام ناقص وبالضبط في نص نخب مصالحة إذ تقول فيه:»الآن يبدولي أن الطريق القصير الممتاز الذي يمكن أن أسلكه إلى جدتي للعودة إليها هو معانقتها».ص:101.أما بالنسبة لاستدعاء الجدة في قصة الأميرة سنووايت وتوظيفها سرديا فهي دلاليا حيلة فنية وبلاغية صرفت عبرها الكاتبة جملة من المواقف بخصوص الرجل،الزواج،الكتاب.نقرأ:»متى يأتي الرجل الذي سيزين هذه الأصابع بالذهب؟فأجيبها أنا يا جدتي أريد كتبا».ص:30.ليس من الغريب أن نسجل موقفا متباينا بين الجدة والفتاة.وإذا كان المنظور الأول – الجدة – يختزل العالم في بيت صغير،فإن الثاني ينظر إلى العالم من خلال كل الاتجاهات.تقول الساردة:»لاشك في أن منامي قطعة من قوس قزح لأني حين أستيقظ أجد طعم الألوان عالقا بلساني».ص:30.وفي حال ما إذا استحضر القارئ مسارات هذه القصة إلى جانب توالي أحداثها وما تحيل عليه من دلالات،فإن الأميرة سنووايت هي المعادل الموضوعي للساردة والعكس صحيح بحيث نجدهما يلتقيان في جملة من السمات الثابتة والمتحولة.فإذا كانت الزوجة الثانية تقف حجر عثرة ضد تطلعات الأميرة الصغيرة بما في ذلك حقها في الحياة،فإن الجدة هي الأخرى تقف سدا منيعا ضد تطلعات الساردة وتمارس عليها التشويش وتمنعها من حقها في الحلم والقراءة.بمعنى آخر فإن كلا من الأميرة والساردة يحلمان بممارسة حريتهما والعيش بسلام بعيدا عن أي مضايقات تذكر.إن هيمنة صوت الجدة في القصة لا يختلف عن هيمنة الزوجة الثانية للملك التي ظلت تطارد الأميرة الصغيرة، إنهما يتشابهان ويتداخلان ببعضهما البعض. الذات بين الألم والأنوثة: إذا كان الألم من حيث النوع يأخذ الكثير من المظاهر والتجليات فإن هذه السمة تجعله مختلفا من متن إبداعي إلى آخر إلى الآخر، بيد أن ما يوحده أو يجمعه هو الشعور الذي لا تتذوق طعمه إلا الذات التي تكتوي بناره. في القصة الثالثة الموسومة بعنوان»تفتحي يا وردة» تعالج الساردة موضوع الألم الذي حل بذاتها،فبعد الانتقال إلى المشفى وإجراء بعض الفحوصات الروتينية من لدن الطبيب المداوم ستعرف هذه الأخيرة أن سبب هذا الألم الذي باتت تعيشه ألم النوع العابر،وهو إشارة للتحولات التي تطرأ على الأنثى في لحظات عمرية محددة.نقرأ:»في صباح الغد،عاد الطبيب وشرح لي دون أن تفارق الابتسامة شفتيه كيف أن نوبة الألم العابرة تلك،لم تكن سوى ناقوس صغير ينبهني إلى أن جسدي هذا البرعم الصغير قد بدأ يتفتح».ص:38.إن حرص الكاتبة على ربط الألم رمزيا بالأنوثة ليس عرضيا بل هو بمثابة دعوة لإثارة اهتمام المجتمع بقضايا المرأة وما تتحمله ذاتها من آلام أخرى من أجل إسعاد البشرية.ومن المؤشرات النصية الدالة التي تؤكد هذا القلق تكرار كلمة ألم في النص أكثر من مرة،وبرأيي فإن هذه السمة البلاغية قرينة تزيد من صحة هذه الفرضية.وفي سياق الاحتفاء بالأنوثة نجد المبدعة اليونسي توظف في هذه القصة النهد.نقرأ:»كنت أربط المشد حولهما بقوة،فأحبس رعونتهما وأمنعهما من القفز الطائش فوق صدري».ص:39. ومعلوم أن النهد كثيرا ما يتم النظر إليه في المتون الإبداعية من زوايا متعددة فهو يرمز إلى الأمومة مثلما يرمز إلى الأنوثة.وفي حال تأمل النهد في هذه القصة سيجده القارئ من الناحية الدلالية يرمز إلى الأنوثة مثلما يرمز المشد إلى صمام آمان ووازع رمزي من شأنه أن يكبح جماح الذات،إنه الصمام الذي افتقدته شخصية غابت نجمة التي أحبت التوت من دون أن تعبأ بالثعابين التي تتوارى داخل وخلف أشجاره. الذات بين التخييل والحلم: في القصة الرابعة المعنونة ب»متلبسة بالعطر»تروي الساردة حكاية ولعها بالعطر بعد ما تحسسته وهو ينبعث من موظف.وأمام هذا الافتتان تتخيل هذه الأخيرة حضور هذا الرجل بغية مساعدتها في عملها على غرار مساعدته لها في إصلاح آلة الطباعة،كما تحلم بأنها تسربت إلى غرفته لسرقة زجاجة عطره.في هذا النص القصصي تعتمد الكاتبة التخيل والحلم قاعدة خلفية وفنية لبناء نصها القصصي.وهكذا يمكن الحديث داخل النص عن مكونين: الأول، التخيل: الثاني ، الحلم: وعن الأول،نقرأ:»ومنذ ذلك اليوم،وكلما وجدت صعوبة في فتح العلب والزجاجات في مطبخي،أتخيل صاحب العطر نائما في الغرفة المجاورة،فأذهب إليه وأوقظه برفق،وأطلب منه أن يساعدني».ص:44.إلى جانب أن التخيل من الناحية الدلالية بعكس هاجسا من الهواجس التي تراود الذات من أجل تحقيق رغباتها واستيهاماتها الهاربة ،فإنه في هذا النص يساهم في العملية السردية ويزيد من مساحتها النصية.أما بالنسبة للثاني فنقرأ:»وذات ليلة حلمت أنني أتسلل إلى غرفته بقدمين حافيتين، وأفتح دولاب ثيابه بحذر شديد،ثم أمد يدي إلى الرف العلوي،وأخطف زجاجة عطره الثمين».ص:44.إن الحلم- كما لايخفى- في كثير من الأحوال يرمز في الغالب إلى التطلع والانتقال من حال إلى حال أخرى، وهو هنا يخدم العملية السردية ويضفي عليها طابع التنويع.إن الأمر يتعلق بقضية رغبة وصراع مع الواقع تسعى الذات من خلاله إلى تليبة حاجياتها. ومن مظاهر هذه القضية حرص الكاتبة على عرض الكثير من الأحلام في نصها القصصي نذكر منها: حلم قصة سارقة الشوكلاطة.ص:45 حلم بإنتاج التنبؤات وعرضها للبيع.ص:47 حلم بمرور مدرس الإنجليزية.ص:49. إلى جانب توظيف القاصة المغربية خديجة اليونسي للتخيل والحلم في هذه القصة،فهي من جانب آخر استثمرت قصة»سارقة الشوكلاطة» وأدمجتها في متنها بفنية تنم عن حس جمالي،وهو ما حول معه النص إلى فضاء لتجاور وتعالق الأنواع.والحقيقة فإن هذا التوظيف لا يخلو من أبعاد وغايات فنية من شأنها أن تزيد المتن العام ككل قوة أكثر وفرصة لطرح العديد من الأسئلة التي تخص، استدعاء الحلم إلى جانب التخيل والرهان عليهما في بناء الدلالة ناهيك عن الاستعانة بقصص ودمجها في القصة الأم. وبالانتقال إلى تأمل معمار هذه القصة سنجدها تتضمن قصة على قصة،بمعنى آخر،فإن قصة متلبسة بالعطر حاضنة لقصة سارقة الشوكلاطة التي رأتها الساردة في الحلم. إن الحديث عن هذه التقنية يدفعنا إلى العودة إلى القصة الثانية التي تحمل عنوان»سنووايت» وهي قصة سرعان ما تستدعي قصة خرافية من قصص الأطفال التي تحمل عنوان سنووايت والأقزام السبعة، إذ تعرض فيها خلاصة معاناتها- بالرغم من صغرها- مع زوجة الملك الثانية، وفي نفس الاتجاه تمرر الساردة قصتها مع جدتها التي تريد أن تحد من أنشطتها القرائية وكذا حبها للكتاب وتزج بها في مؤسسة الزواج مستغلة في ذلك سلطتها المعنوية التي تخولها لها الأعراف العائلية.وإذا كانت لكل نص قصصي سماته وخصائصه الفنية،فإن قصة الأميرة سنووايت من حيث البناء هي القصة الإطار التي تفتتح بها العملية السردية لتختم في الأخير بقصة الساردة مع جدتها. الذات بين الفرح والقراءة: في القصة الخامسة التي تحمل عنوان فراشات منوية تحكي الساردة قصة حبها الشديد للحلوى ونبذها للحفلات والمناسبات التي لا ترى فيهما سوى فرصة لاستعراض الثياب وتبادل للمجاملات الفارغة.تقول الساردة:»أنا لا أحب المناسبات التي يتم فيها استعراض الثياب وتبادل المجاملات الرتيبة».ص:55.ومن الملاحظ أن هذه القصة تنطوي على نقد واضح وصريح لطبائع وعادات بعض النساء مثلما تقف ضد تناقضات المجتمع والحروب التي بات يعيشها العالم.ومقابل هذه السخافات تكشف الساردة عن ولعها الشديد بالقراءة،فهي في نظرها أفضل بكثير من الحفلات الرتيبة.نقرأ:»مساء أمس تخلصت من فكرة الذهاب إلى حفل الفرح،وقرأت قصصا لمليكة مستظرف، لطيفة باقا،ولطيفة البصير.كاتبات رائعات».ص:59.في هذه القصة تلفت الكاتبة انتباه القارئ إلى منزلة المرأة- في صورة المرأة الساردة – فهي امرأة كاتبة وقارئة – وعلى الرغم من هذا الاحتفاء والتمجيد فإن هذا لايبعد طابع المجاملات والاستعراضات عن النساء،خاصة المولعات منهن بالحفلات. فهل تسعى مبدعة سنووايت في قصة فراشات منوية إلى ترميم هذه الصورة المختلة للمرأة التي تستعرض الثياب والمجاملات في الحفلات بصورة المرأة التي تنشغل بالكاتبة والقراءة؟ خاتمة: في الختام لا بد من الإقرار بأن مجموعة الأميرة سنووايت للقاصة المغربية خديجة اليونسي تجسد نموذج الكتابة النسائية الناجحة من حيث المبنى والمعنى. فالكاتبة تمكنت من حيث معمار النص من بناء نصوص قصصية تجمع بعضها بين القصة والقصة كما أسلفنا،أما البعض الآخر فيعتمد القصة الواحدة إطارا ينضاف إلى الإطار الأول ليتناول أسئلة الذات الأنثوية والألم والحلم.والحق إن مجموعة اليونسي ترحل بالقارئ إلى عوالم ومواقف وقضايا ممتعة بلغتها الشعرية الشفافة والبليغة وجملها القصيرة وأحداثها الرائعة.إن سنووايت تستوجب المزيد من القراءات والتأملات والربط والتأويل، وذلك لاستكناه بلاغتها الغائبة والاستمتاع بأحداث وكلام وأفعال شخصياتها الرائعة. *خديجة اليونسي، الأميرة سنو وايت، دار فضاءات للنشر عمان، الطبعة: الأولى ،السنة:2016