أوانُ الحب .. أوانُ الحرب عنوانُ رواية للكاتب كريم بلاد، وقد وزع متنها على ثمانية عشر فصلا. صدرت سنة 2014 عن منشورات منتدى الأدب لمبدعي الجنوب . صمم الغلاف محمد نواح . عدد الصفحات 129 صفحة من القطع المتوسط .على ظهر الغلاف صورة الكاتب، ونبذة قصيرة تعرف به ، فهو من مواليد 1977 ببلدة أيت حلوان / إقليمأزيلال. يشتغل منذ سنة 2009 أستاذا للغة العربية بالثانوية التأهيلية مولاي يوسف بأولاد برحيل ، نيابة تارودانت . هذا الشاب الواعد حصل على إجازتين : الأولى سنة 2006، تخصص الأدب العربي من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء ، والثانية سنة 2012 ، تخصص التنشيط الثقافي والمسرحي من جامعة ابن زهر بأكادير. نشر الكاتب كريم بلاد نصوصا سردية وشعرية في عدة منابر وطنية ، كما شارك في مجموعة من التظاهرات الثقافية . له مجموعة شعرية مرقونة تحمل عنوان : ظلال العشق والجنون . عنوان هذه الرواية عبارة عن ثنائية ضدية : الحب / الحرب ، بينما كلمة أوان ، التي تكررت تدل على التزامن بين زمنين : زمن الحب ، وزمن الحرب . هذه الثنائية في العنوان تحيل على أحداث الرواية ، وهي أحداث يتداخل فيها المكونان ، ويتقاطعان. هذه الثنائية يؤطرها الماضي والحاضر: الماضي مقرون بالحب والسلم والأمان ، بحيث كان سكان الدوار يعيشون على إيقاع الفصول، ولا يكدر صفو حياتهم غير الخوف من شح الأمطار، أو بعض المناوشات والمنازعات المتعلقة بالأرض . الحاضر مقرون بالحرب بعد قدوم المعمر الفرنسي ، الذي حط بعدته وعتاده، وعاث من دون شفقة في أرواح الأهالي، ومن دون تمييز بين المقاومين الأشاوس ، وبين الأبرياء من الأطفال، والنساء ، والشيوخ. الحب كمكون يتجلى من خلال قصة عشق بين بناصر، وتِتْريتْ وهي نجمة باللغة العربية، وبين واحليم بطل الرواية ومحبوبته توناروز، ومعناها الأمل في اللسان الأمازيغي ، كما أنها تعني لواحليم أكثر من امرأة . يهمس في أذنها ، وهي في حضنه: "أنت والأرض سيان، بل أنت الأرض كلها يا توناروز. الماء أنت والنبع . أنت الزرع والضرع". ص 61. تبعا لذلك تتحكم في متن الرواية ثنائية أخرى، هي ثنائية الموت والحياة، وذلك من خلال الصراع مع الطبيعة من جهة، ومن جهة أخرى الصراع مع المعمرالغاشم، الذي استباح لنفسه الأرض ، وما عليها ، كم يتضح من خطاب الضابط كونتاراي " أيها الجنود الشجعان ، فرنسا تحبكم .. فرنسا تقبل الجباه منكم .. فرنسا الأمل تنتظر عودتكم سالمين من نهش ثلة من العصابة البرابرة ، غانمين من أرض المغرب الحبيب [...] استعدوا، وافرحوا، وابتهجوا، غنائمكم نسوة حمرة خدودهن تشبه وجه الربيع تغري بالتقبيل ، وبياض أفخاذهن في نصاعة يتهيأ لملمسكم وأيديكم الطاهرة ." ص86/87. الموت يتجسد في السطور الأولى من الرواية من خلال وصف المقبرة المحادية لضريح سيدي علي أومحند بقرية واويزغت . بين تلك القبور رفات واحليم، وهو سبب زيارة السارد للمقبرة ، ووصفها كفضاء ينبئ بما ستؤول إليه صيرورة الأحداث في الرواية ، بحيث سيرخي الموت بقتامته على العديد من فصول الرواية .اختار الكاتب لبطله المقاوم اسما دالا هو واحليم ، لأنه "حليما كان، حليما يكون .. وبين الكونين حياة تروى " ص 7. هذا ما فعله السارد بالضبط ، إذ انطلق من الوقوف على قبر الشهيد ليعود بنا إلى زمن ما قبل ولادته ، بحيث لم يكن قدومه إلى الحياة بالأمر الهين . قضى أبوه بناصر، وأمه تِتْريتْ خمس سنوات في انتظاره كي يعطي لحبهما معنى " مسكين بناصر، قسم سنوات زواجه على أضرحة " أيت حَلْوان " ، و" واويزغت "، و" أيت شْريبو "، و " أيت بوزيد"، و" أَفْدَنُوسْ "، لا يكاد يسمع ببركة ضريح من تلك الأضرحة حتى يبادر إلى حمل الزيارة إليه، قد تكون ذكران الماعز التي ذبحها على أبوابها تجاوزت السبعين ذكرا ، يشتريها من " سوق الفندق " بواويزغت نحيلة مهزولة ، ثم يأتي بها إلى هنا ، يرعاها ويعلفها ويسمنها من أجل سيد من السادات ." ص 14. من فضاء المقبرة بواويزغت حيث ودع السارد رفات الشهيد ينتقل بنا السارد إلى بلدة حلوان كفضاء مهيمن في الرواية ، كما يعود بنا إلى طفولة واحليم الذي «سرعان ما نما كما ينمو غصن شجرة الزيتون، ثم استوى يعجب إناث القرية " ص 52 . ينتمي واحليم إلى سلالة الشجعان كما يحدثنا السارد فهو ابن بناصر الذي قتله جنود المستعمر، وحفيد سعيد أموحا الذي قتل غدرا من طرف الأعداء في زمن السِّيبة . كان هذا الجد زعيم القبيلة، والكل يعرف "ما فعل بزعماء القبائل المجاورة أيام السِّيبة، لم يكن أحد يجرؤ على أن يقترب من حِمى أيت حلوان حينها ." ص 119 . كان أيضا رجل سلم وحكمة، وقد قتل غدرا كما سلف وهو في الطريق للتفاوض مع الجيران الأعداء من أجل السلم والأمان . كان تلك الأيام عصيبة ، بحيث يغيرون بين الحين والآخر، ويقومون بالنهب والسلب وجرائم فظيعة . " كان أحدهم يخطف الرضيع من صدر أمه، ويحمله من قدمه الصغيرة، ثم يلوح به في الهواء، قبل أن يهشم رأسه على صخرة من الصخور، أو على جدع شجرة من الأشجار [...] جُرَّت النسوة واقتدن أسيرات ، تَحوَّلْن إلى إماء بِعْن بأبْخس الأثمان في أسواق النخاسة ." ص24 . واحليم أيضا سيلقى نفس المصير ، بعد أن روَّع المستعمر هو ورفاقه بضربات موجعة. كان رد فعل ضباط وجنود فرنسا شرسا، بحيث نصبت المشانق ، وتم قصف البلدة، وإحراق الغلة والشجر، وانتهى الأمر بالحصار بعد أن توصل الضابط كونتاراي ومساعده "شوفالييه " بأمر الجنرال " بروتال»: حاصروا أيت حلوان، واقطعوا سبلها، وأحيطوا ببيوتها بالسياجات، واجعلوا على بواباتها قناصين مهرة ". ص 123. كانت الورقة الأخيرة للمعمر لكي يسلم واحليم نفسه هي القبض على توناروز زوجته والتنكيل بها تعذيبا واغتصابا من طرف الخائن أدوز والجنود ، لكن برغم كل ذلك لم تفصح عما يريحهم ، فقذفوها بعد ليلة فظيعة إلى كلاب شرسة مزقتها إرَبا . واحليم بعد ن اختفى لم يعرف أحد كيف قتل ، إلا أنهم أدركوا أن واحليم ما يزال حيا بينهم . " كلنا واحليم ، الأرض واحليم ". ص 128 . لعبت الخيانة دورا فيما لحق المقاومة، والأهالي من شرور ، والخائن اختار له السارد اسما دالا هو أدوزْ، ويعني بالأمازيغية الزبالة، كما أن اتسم على مستوى الخُلق والخِلقة بالقبح والذمامة . في الختام هذه الرواية تؤرخ بطريقة فنية وبديعة للمقاومة في بلدة حلوان ، والبلدات المجاورة لها ، مع إعطاء الوصف مساحة كبيرة لنقل الأحداث ، وتقريب الشخوص والفضاء من ذهن القارئ.