أول ملاحظة نسجلها على مجموعة " هيهات " ، ( 1) هو اقتصارها على نصوص محدودة بالمقارنة مع مجاميع سابقة للكاتب . لكنها تبرز نضجا كبيرا ، ووعيا جادا ، سواء على مستوى التناول، أو التوظيف ، والتضمين . نصوص كتبت بحنكة كبيرة، تؤكد ترسخ التجربة بخطى حثيثة على درب الكتابة المدركة لآليات اشتغالها . فاللجوء إلى كتابة قصص تنطلق مسبقا من الاستيعاب الكبير لنظرية القصة فهما ، يعمق المنظور الذي يراعي المتعة ، والصنعة في ذات الوقت . لأن القارئ قد يتفاجأ لضمور المجموعة من حيث الكم ، لكن "هيهات" هي تجربة تحمل في طياتها لعب، وتوظيف مغاير ، يرتكز بشكل كبير على الانفتاح الأجناسي، وتداخله ، وفي نفس الوقت تتوزع نصوصها مسارات منفتحة على قوالب كتابة قصصية متنوعة ، تروم الحفاظ في مجملها على لحمة الحكاية التي قد تبدو أحيانا مندسة في ثنايا سرد ، تارة على لسان السارد، وأخرى على لسان الكاتب القلق، أو شخوص نصوصه المتمردة، أو المتمنعة ، أو المبهمة الملامح . فهي ترسم بشكل واضح الحدود الفاصلة بين الحلم، والواقع ، الحقيقة ، والخيال . لكنها تتحول إلى مجرد شهود على فظاعة واقع معاصر، تتناص أحداثه مع أكثر من جنس تعبيري : ( شعر / أسطورة / قصص القرآن) ضمن ما يعرف بالميتاقصة ، في محاولة لتفجير النمط الكلاسيكي للقصة، ونزوحها نحو تجريب بقدر ما يبرز اغتراب الشخوص ، وانتقاد الحكاية ( أحيانا) ، تدل على مكر الكتابة وخداع القارئ . فالكاتب من خلال نصوص متعددة سيؤشر على انسحابه ايضا والسارد ،" وسارده " وتنصلهما مما يسرد ، أو تورطه المباشر في اللعب من خلال العمل على تحقيق أمنياته ، ضمن مناورة تبرز جماليات مختلفة في تناول الكتابة القصصية . كالايهام بالتوقف ، أو الضجر ، ، أو الاحتباس والحيرة ..وهو يخرق مواثيقه مع القارئ المفترض ، طالبا منه اتمام النص ، أو كتابة نهاية بالصيغة التي يراها مناسبة . كما أن فتح مسارب داخل الحكاية الواحدة ، لم يكن يشكل هاجسا للكاتب والسارد معا، وهما يكسران المسافة بين الحدث ، والشخوص، والسرد بالتضمين السلس لمجموعة من القصائد الشعرية ، أومقطوعات شعبية، أو الاعلان عن مواقف خاصة تغيب كل حياد لهما ، ضمن الدخول في مغامرة توظيف الميتاقصة عن وعي ، أو تجريب يعود بالحكاية إلى نبعها الأول ، كي تخلق تجددها خارج تربتها . فالتناص يشمل المواقف ، والخيال ، والأحداث التي تنتج من خلال الارتكاز على توازي لأكثر من حكاية أحيانا ، بخلق المتاهة ، أو الفجوة التي تبدد انتظار القارئ ، وتعصف به بشكل رهيب. فلعبة الكتابة تبدو من خلال نصوص محمد الشايب ، مفرطة الجرعات في الرفض للقالب المتعارف عليه. وهي تبحث عن ممكنات تحققها ضمن سياقات متجددة ، بحثا عن توافق مع القارئ نفسه . 1) التناص والتداخل الأجناسي لعل المثير في نص " ريح يوسف " ص 5 هو التوظيف السلس للتناص القرآني في أبعد حدوه ، توظيف بقدر ما ينفتح على فظاعة الواقع ، يخلق انفتاحا رهيبا على تداخل أجناسي " شعر ، قصص القرآن .." " ف"الكتابة ، إذن منفى للشعراء ، كما يقول بول زومتور ، لذلك فالشعر يتوق دائما إلى الخروج من اللغة بحثا عن الحضور المحض ، أي الانثيال الشفاهي بكل جدليته وحرارته وتلقائيته بعيدا عن الكتابة التي تحجب هذا التوق وتقمعه "(2) وسرد ضمن بوتقة حوار النصوص وانعكاسها في مرايا مكسرة ، ستجعل من الميتاسرد دافعا لتحكي القصة أحداثها بنفسها ، وقد تحولت مؤثثات المكان نفسه. فإذا كانت الأحداث مستلهمة من روح القص القرآني ، وتحكي عن خيانة الإخوة للأمانة ، فإن يوسف المعاصر من خلال الحوار، وضمن جزء من الرؤيا سينكأ جراح القص حد النزيف ، يتحول السارد إلى يوسف آخر يرى نفسه داخله ، يبكي ويصيح " ورأيتني أنا أيضا ، أبكي شخصا عزيزا اسمه يوسف .... الموت يأتي على كل من يحمل اسم يوسف ..بكيت وصرخت " ص 5 فأحداث النص تتوزعها مسارات داخل القصيدة المضمنة كانفتاح على أكثر من جنس سردي، لدلالة على الحدث الواحد " يوسف في المدينة / رحل كل من يلبس هذا الاسم / ويبقى الاخوة / يغمرون القسوة "ص 5 سنلمس أن تفاصيل القصة الأولى ، بقدر ما ستحول يوسف إلى مجرد شاهد على فظاعة الواقع، محاورا ليوسف الذي لم يشارك الاخوة في الجريمة، ويتنصل من كل صفة النبوة أو الخطيئة " أخوك الذي لا يشبهك ، ولا يشبه الاخوة ، لا أنا رأيت أحد عشر كوكبا ..ولا أنا شاركت الإخوة في الجرم" ص 6 . يوسف المعاصر ، سيطوله تبخيس الذات إلى حدود قصوى ، وهو يتحول إلى حشرة / شجرة لا تراوح مكانها، لكنه تحول إلى ذئب تسري عليه تهمة القتل . فالنص سينفتح داخل متاهة الحكي من خلال فتح كوة فيه، بالتحول إلى فقيه يلهث وراء جنازة يوسف آخر ، شخص دائم التنقل وقد اتعبه فراغ السفر . تائه في فضاءات أثيرة لمدن مغربية " كل الأماكن شاحبة ..اسمك مفقود في كل مكان في ..كراج علال ، كما في ..باب الأحد ..في الهديم كما في الجنازات " ص 7 إنه صدى يوسف الحامل لصدى إخوة، ووجع إنساني " تعبت من زرعي ، ومن حصادي ، وتعبت من ذهابي ..أحلام أخيك سمعة المحيطات لكن حظه عاثر " ص 7 سنلاحظ أن النسج الموازي على تفاصيل قصة يوسف ، ما يفتأ أن يعلن نهاية وقد بلغ الحدث ذروته بتوظيف رؤيا العزيز ، فإن يوسف المعاصر ستطوح به الرؤيا بإصرار بغيض ، وصمت ساحر " ولما وجدت نفسي تحت فيء الداليات ، ورأيت العناقيد تمد نحوي قطفت وأخذت أعصر خمرا " ص 8 كما أن لقاء يوسف واستفساره عن بلد البطل، سيكشف فظاعة القسوة التي يعاني منها ..وبالتالي استمرارها في زمن الحلم إلى نقطة اللا عودة ، دلالة على استمرار المكر، والخداع، والخيانة . " حينذاك أن منبه . ..البورطابل ، معلنا حلول السابعة ، فصحوت وقلبي يركض كمهرة جامحة " ص 8 . فبقدر ما تبرز النهاية عنف اللحظة وجبروتها ، تؤشر على اغتراب الذات الحالمة، وعزلتها في سفر الواقع المريع . وهي تكشف عن مكنون القلب والحنايا . وبقدر ما يتناص نص " شجرة التفاح " ص 29 مع الخطيئة الأولى للبشرية ، والشجرة المحرمة ، وقصة الشفاعة من خلال الآثار العديدة التي أطرت النص كالتحذير من الاقتراب منها ، واللعنة التي تلف تربتها ، والهالة التي اكتسبتها إنطلاقا من حكاية صاحبها " السي العربي الفقيه" وكدا الحراسة المضروبة عليها . إحالات ستبرز بنوع من الايحاء ، ما يثير في نفسية البطل من لذة ، ومحاولاته المتكررة للوصول إليها ، وسرقة تفاحها .ليستفيق على مؤشرات أخرى دالة على أنسنة الشجرة ، التي كانت تساعده على الوصول إلى تفاحها ، وهي تمد أغصانها أو" تدلي تفاحها . وبدت كأنها تشير إليه بالاقتراب وتومئ أن حارسها غائب " ص 30 إن الارتكاز على هذه المعطيات ، سيحول التفاحة رمزيا لفتاة حبيسة مكان مقابل لمنزل السارد، مضروب عليها حراسة مشددة ، وأنها في مثل سنه ، غرست يوم ولد ، حسب تصريح الجدة . بالإضافة إلى العطش الذي يسكنها " كلما اقترب من الشجرة فرأى عطشا شديدا يسكنها وفهم أن هذا العطش لن يبدده سوى القطاف وقد زاد ذلك من عطشه وجعله يتفاقم أكثر . وإذا كان البطل قد تحقق له القطاف فيما مضى، وهو صغير . فإن هذه الذكرى بقدر ما سكنت أعماقه ، أججت محاولاته عندما كبر ، وخلقت لديه هاجس العودة في سن أخرى، مع ما كان يضعه من اعتبارات للظروف ، والمحيط ، والأخلاق ، محاولة ستبرز حوارا داخليا حادا ، رسم من خلاله العديد من الخطط بغية تكرار المحاولة برز من خلال عامل الزمن المدسوس بعناية في النص يقول السارد " وهو يجر خطواته المرتبكة رأى السابعة تتثاءب في معصمه .." ص 30 زمن سيتكرر مفعول الاستمرار ، وطول أمد الانتظار " قههقت الثامنة في معصمه ضاقت به أرجاء المنزل ارتج توازنه " ص 32 وهو ما يبرز صراعا نفسيا ، وتأجيج ظمأ في الصدر ، لن يغتاله سوى الاصرار على المحاولة التي باءت بالفشل . " خرج مسرعا فإذا به يجد الحارس أمام الباب الحديدي واقفا يحرس الشجرة و الزقاق وينغل بأهل الحي " ص 32 شجرة التفاح إبطال لتكرار الخطيئة للمرة الثانية وفتح لآفاق النص على تعدد المحاولات المحتملة والتوثب الذي يظل حاضرا وهو يلف ذات البطل والسارد معا . أما نص " فاكهة الممشى " ، فهو مناورة سردية تحمل في طياتها أكثر من نفس ، وإحالة على أكثر من تناص، فحضور القريض بين ثنايا هذه النصوص ، تفنحها بشكل دقيق على تداخل أخر، يروم تذويب الحدود بين أكثر من جنس حد التماهي، والمزاوجة بين السعر والنثر " لاتتم باعتبارهما جنسين متباعدين لكل منهما خصائصه التي تحصنه ، وتقوي عزلته عن الآخر ، فالنثر هنا توصيف لا يحيل إلى الجنس ، بل إلى سلوك اللغة وحيوة الأداء في النص نثرا كان أم شعرا "(3). فلا يمكن اقتفاء المعنى دون العبور عبر جسر الشعر الوامض ، المليء بدلالات رابطة بين أنفاس مستقطعة ، بحثا عن حقيقة غائبة ، ستبرز إلى الوجود أن الشيخ المفعم بالوهن ، والذي ظل يسير رفقة السارد بحثا عن فاكهة الممشى، لم يكن سوى السارد نفسه ، وتقنية القرين هذه ستخلق انبهارا سرديا من مشاهداته في مدينة رفضت أن ترحل عنه ، وهو يسوق مشاهداته وينقل تفاصيل عيش سكانها بهدوئها الصباحي، وصخبها المسائي . لكونها لا تريد أن تطلق صراخه وهو القادم إليها عبر النهر ، والدهشة ، والحزن، يردد كلاما مبهما فأصبح مندهشا من وضعها " قلت وقال وقالت قلنا جميعا ..لماذا هي المدينة هكذا ؟ " ص 19 إن السؤال المفتاح الذي سيغير مجرى الحدث من مشاهدة واصفة للخارج إلى وضع المحتار بأسئلة الداخل ، بين وجه المدينة الغارق في عرائها وحقيقتها الموغلة في الوحشة والبؤس المسائي هناك أكثر من سبب للحزن " من أين يأتي كل هذا الحزن ؟ " ص 19 فالبحث عن تبديد الحزن هو فاكهة الممشى التي عرت عن كنه الحقيقة المتوارية في الذات واللا أدرية التي لفت علمه وهو منساق مستسلم يردد أن " هناك أكثر من سبب للحزن. فهل كان هناك سبب للحزن ؟ 2) الكتابة وتوظيف المتاسرد في نص " طريق الكلام " ص 45 ، نلمس تداخل نصين يعملان على بناء حدث مشترك ، يتربع كل منهما على عرش الحكي ، والكلام الفردي، دون خلق حكاية مشتركة ، تجعل القارئ يلمس من خلالها تجاوب الشخصيتين . بحيث أن الحدث يضحى حدثين، وقصتين تمشيان في طريق الكلام، دون أن تتماسا بشكل يمنح الحكاية المشتركة معنى ما . هذا التوازي يبرز في الواقع رغبة الكاتب في اللعب على تضمين أكثر من قصة، تعري كل منها واقعا معينا ، ومعاناة خاصة بكل شخص، أو شخصان لا يشتركان سوى في فضاء واحد " الشارع"، الذي أبرز غرابتهما ، وهوسهما في التفريغ عما يجول بداخلهما ، دون تفاعل يذكر . وهذا النزوح نحو التغريب بقدر ما يبرز عبثية البطلين، يحولهما لكيانين يحترقان داخليا دون رغبة في فتح مسارات الداخل نفسه ، على تقاطعات مشتركة ، أو الانصات لبعضهما البعض . إن هذا التوظيف بقدر ما ينزع عن شخوص النص تفاعلهما ، يضعهما على قدم المساواة في طريق صامت ، كغريبين يفضيان بما احتبس بداخلهما ، كدلالة عل الافتقاد ، والحزن ، والحيرة ، والتيه . يقول السارد " قالت : اسكن الان وحيدة مشتته بين العمل، والقراءة ، والتيه في الشوارع .. قال : كل يوم أذهب إلى عملي منهكا وأعود منهكا أشاهد أفلاما شتى واستمع إلى الأغاني وأشرب الكؤوس لا أنام حتى يصيح الديك " ص 45 إننا نشعر بنشاز الأحداث ، وهي تغرد داخل عوالمها الخاصة ، وتسرد حكايات مآسيها بتفاصيلها المملة ، المعبرة عن عدم المواساة ، أو الاحساس بالآخر. وكأنه تواطؤ لن يبرز إلا في نهاية النص كدليل على التمرد ، وعدم الاكتراث بما حولهما معا يقول السارد " قالت : لماذا لا نخلع كل الهموم ، ونخرج عراة كما ولدتنا الأمهات / قال : لم لا ؟ ..والقلب ما زال فيه متسع وأمطار الأغاني لا تتوقف عن الهطول " ص 47 وهي بداية للمسير نحو المجهول بجنون عارم ، وكأن الحوار الذي دار بينهما كان نوعا من الهذيان الدال على مجرد في ايقاف ليل أكثر فتنة ، وروعة غير عابئان ، يمشيان عاريان ، وقد اشتعلت الأضواء بداخلهما . إن البناء في النص بقدر ما أطره تجريب، وخروج عن مقومات الكتابة القصصية الكلاسيكية ، عمل على تهريب الحدث للبحث عنه خارج سياق الحكاية ، لإجبار القارئ على التدخل للربط بين مكونات النص ، وأحداثه الداخلية . هذا الوضع تم بتواطئ من شخوص النص والسارد . لكن هذا الاشتغال ضمن ما يعرف بالميتاقصة . هل قدم جديدا على مستوى الكتابة القصصية ؟ وهل أضاف إليها شيئا آخر ؟ ف"الميتاسرد هو كذبة مزدوجة، فكثير من قوة جماليات الرواية ، يكمن في طبيعتها المتناقضة، تقدم الرواية نفسها كخيال ملئ بالحيوية يقوده صدق محتمل مقنع، وتأخذ الرواية شكلها حقًا في رسم الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال . الميتاسرد ببساطة هو الإمتداد الطبيعي لهدف الرواية الأساسي، حكي خيالي يمكنه ان يكون مقنعًا لدرجة ان يخدعنا ونقبله كحقيقة " (4) إن الجواب على هذا السؤال ، نلمسه في محاولة الكاتب تقديم منظوره الخاص ، إلى الكتابة القصصية الرامية إلى تفجير الحكاية . بل ونسفها ، وتغريب الشخصان ومسخهما ، من خلال مسخ هويتهما ، واسميهما :( قال / قالت ) للدلالة على بؤس واقعهما معا، وهذيانهما الذي ترجمه النشاز، وغياب التواصل وكأنهما كانا يتحدثان مع نفسيهما ، أو مع شخصين أخرين غير مرئيين . وهو ما جعل الحوار يبرز تداخلا، وغموضا جعل منهما كيانين غريبين ، معزولين بالقوة . إنه تشريح نفسي للنص ، يحاول القاص محمد الشايب من خلاله اللعب في إطار التجريب الواعي بأدوات دقيقة ، عملت على طرح المادة القصصية الخام أمام القارئ، وأرغمته على التصرف فيها بمحض إرادته . فهذا الحكي المتوازي بقدر ما يخلق تناصا على مستوى الحكايتين ، يجعلنا حائرين أحيانا في رسم الحدود بين الصدق والكذب ، الحقيقة ، والخيال داخل النص القصصي .أو التعرف على النية المغرضة للكاتب، والسارد نفسه . وكانهما يمارسان ضغطا مقصودا لجعل الشخوص في وضع حرج أمام المتلقي. فالحكاية وإن بدت قد تم البحث لها عن نهاية ، أو حل لعقدتها . فإنها ظلت مفتوحة على تيه الشخوص في نفس الفضاء، وفي طريق بطله "الكلام" الذي أفرغ الحوار من ماهيته ، دون القدرة على تذويب المسافة الوهمية بينهما . بحيث استمر السير والسرد دون توقف ، دلالة على فراغ ، ودوران في نفس الحيز الصغير جدا من النص . في نص ليلة المجنون ص 49 تأخذ الحكاية حيزها الضيق ضمن فراغ بين اليقظة ،والنوم من خلال طلب البطل من السارد كتابة قصته ، وهو ما يضع شخص النص في مكان قوة وبالتالي يجعل الكاتب في موقف ضعف ، واستسلام . بل حيرة أبرزت نوعا من الاجبار " فعبد السلام" المتشرد الذي ظل وفيا لجنونه ، وحريته ، ومظهره البائس في فضاءات المدينة ، منطويا على اسراره ، محتضنا صمته في تيه ابيض. سيخلق من تحركاته المتعددة داخل النص ، حكايته الأخرى التي بقدر ما أبرزت عجز الكاتب ، انكتبت بقوة اندفاعه ، ووفائه لمساره اليومي في الشوارع ، والأزقة ، لتبرز بقوة داخل الضريح صدفة . وهو يلتهم جسد فتاة مصابة بمس ، وكأنها حسب السارد " سقطت عليه من السماء " ص 50 بعدما أودعها ذويها بالداخل كي " يغادر الجن الجسد المسكون "ص 50 ما أبرز فظاعة المنطق الشعبي للمرض النفسي، وبالتالي وسائل البحث عن طرق علاجه . ليلة المجنون ، هي تعرية للواقع، والتفكير ، والاعتقاد الخرافي ، ومحاولة للكشف عن بنية اجتماعية متخلفة في تعاملها مع المرض ، وبالتالي عكست من منظور السارد .منظورا آخر ، لنوع من الكتابة تحت الطلب ، حيث يغيب الانسياب، والاسترسال ، والحرية ، والخيال ، من خلال اقتفاء الحدث الواقعي ، وتصوير وحيثياته ، وتفاصيله الدقيقة ، وأنفاسه المتعددة. و يجعلنا في الواقع، أمام تصور قبلي، يضع الحدث ومقوماته كهدف لابلاغ رسائل ، أو مواقف . والنص يبني لبناته بنفسه ، من خلال فعل مطاردة لصيقة لمجنون تعتبر تحركاته اليومية بحد ذاتها حكايات مترابطة ، ترتسم معالمها بمجرد انتقاله من فضاء لآخر . وإن كان السارد قد حاول نفي هذا الطرح من خلال إصراره على تبات وضع المجنون، وحالته " هذا المجنون الذي ظل وفيا للونه ولا يغيره و لا يبدله ، صاحبنا هو نفسه كل الناس تتبدل وهو باق دوما في صباغته ، لا يخضع أبدا لتقلبات الفصول وتغيرات الزمن وطوارئه " ص 49 وسيبرز هم الكتابة القصصية بكل عنفوانه ، وتفاصيله المؤرقة، ضمن فضاء لعبة التخييل المليء بحوارات سارد قلق ، وبطلة جامحة ، ومتمنعة ترفض البقاء ضمن أحداث النص . وقد تحولت إلى شخص قاس ، مليء بالدهشة " لكنها ظلت هاربة ومتنقلة وزلقة " ص 10 إن تحقق أمنية الكتاب، والسارد معا بتحول طامو القصة، لم يكن سهلا كي تخرج من صلب الخيال ، ومن مفازات السطور ، كي تحتضن جمالها وتهيم بهويتها الجديدة في دروب الحياة . هو انتصار لشطر فقط " ومع ذلك انتصر الشطر المطالب بالحياة ، فخرجت طامو من بين السطور، وصارت امرأة تجري الدماء في عروقها ، ولها قلب ينبض ، وتفاح يصبو كل مرة إلى القطاف ، وحضن طافح بالحياة وشيء مستعل ص 11 وحسب الأستاذ محمد بوعزة " يخضع الميتا قصص ..لتشكيل مميز حيث أنه لا يحضر بكيفية نظرية مجردة مجاورة لبنيات النص التشكيلية ، إنه يمثل بنية نصية محايثة مشيدة للنص القصصي " (5) هذا الخروج سيصطدم بمعيقات الاستمرار التي حلم بها الكاتب، والسارد معا ،و "طامو الجديدة التي تتمنى الارتماء في أحضانها ...تمسك مكنسة وتكنس الأزبال ، وجهها كئيب وعيناها ذابلتان " ص 22 إن استحالة تحقق خيال الكاتب وانكساره إزاء واقع ، بقدر ما زين الورق طلعتها، أبرز الواقع مأساتها ، وبؤسها الكبير، لتقرر العودة ثانية إلى صلب الحكاية ، وبالتالي التبدد في أعماق السطور، وهي تعود إلى خيال الكاتب وحلمه، وتنأى بعيدا .يقول السارد " انطلقت كالسهم ، فولجت غابة ملونة ..تتوغل في أعماق السطور . حاولت اللحاق بها بعدما تسلحت بسلاحي وتزودت بزادي لكن هيهات ...هيهات ..ه..ي..ه..ا..ت.."ص 13 وتتداخل في نص " نرجس القصة ،بالأسطورة، بالاعتقاد الشعبي، داخل بؤرة الحلم . فالمزج بين أسطورة " نرسيس " كدلالة على الأنانية والاعجاب بالذات سيوازيه توظيف لأسطورة " عائشة قنديشة " المحلية بالمنظور إلى سلوك النهر وفيضانه، وتقديم القرابين له ، وهو اعتقاد ساد لذا شعوب مختلف الحضارات التي سكنت على ضفاف الأنهار الكبرى . فنرجس في هذا النص ، بطله الغياب بامتياز . ينقش الزمن من مخلفات انتظار مسترجعة أحداثها ، من طفولة السارد .من خلال اختفاء فتاة أثناء مرحلة الدراسة، لتعود من خلال الحلم ذات شباب وهو يقلص المسافة بين حضور ، وغياب ، غياب في ماضيه ابتلعت فيه أمواج النهر الهادئة فتاة على حين غرة ، وحضور من خلال العودة في الحلم يقول السارد " بدت في الحلم شاسعة العينين على خدها تفاح وفي ثغرها عسل وعلى صدرها زهر رمان يتفتح ، وفي ضفيرتها يكر سرب من الأفراس المجنونة " ص 16 سنلمس توظيفا لأنفاس شعرية داخل المجموعة، وضمن نصوص تعلن رغبتها الجامحة في التجريب ، والتداخل الأجناسي المقصود " وانفلتت من موج الدهشة التي ابتلعتني ، ثم قلت لها شعرا نسيته بعد اليقظة " ص 16 غير أن تشكيل النص في الأصل هو مزج بين الشعر والسرد . يقول واصفا الفتاة " كأنها أنشودة فرت من شفاهنا أو رذاذ جميل محاه الهجير مرت كصباح العيد مسرعة غير عابئة بفرحنا الصغير كالسلوى ذابت فبكى الفصل وهاجت الدمعات .." ص 15 إن هذا التوظيف بقدر ما يقف على حدود الميتاقصة ، يعلن عن وعي المغامرة في تجريب يهدف إلى تحويل صدر النص إلى ذاكرة أخرى لأحداث حرينة ، تعود بالحكاية إلى نبعها الأول ، وهي تتناسل .بالقوة في مساحة بياض راعف ، من رحلة البحث عن نرجس متعقبا خيوط أمل واهنة ، وشخوصا لفهم جنون وهم يرافقون امرأة غريبة الأطوار نحو سبو، لتخبرهم بزمن طفو جسد الغريقة ، فوجدوها " ترفل بأزهار النرجس " ص 17 إن التناص بقدر ما يهيمن، يتموضع في مسافة بين الحلم ، واليقظة عبر الاقتيات من الذاكرة، والأسطورة، والحكاية. وهي ترتحق من ألم دفين ، وذكريات عبرت الفؤاد والروح ، لحب قديم . سيبرزها حلم السارد المتواري خلف بطل النص، .وتعلن عن تجريب رهيب لا نغفل دوافعه ، وحيثياته . لكنه من خلال النص، يبرز كتعامل جديد مع نصوص دقيقة في كتابتها ، وحبكتها السردية . يقول الأستاذ احمد بوزفور ' "" التجريب .يحقق نصوصا جديدة تماما تفاجئ الكاتب نفسه ، وهو يحرصنا على أن نخطط، ونبرمج ، ونفكر ،ونثور، ونغامر ، ثم ننتهي إلى نهايات أخرى غير ما خططنا له . ...التجريب نتيجة ، وليس سببا . اعني أننا لا نعرف ونحن نكتب ، الاطار النظري الذي نكتب فيه . نحن نحرص فقط على الصدق ، والدقة ، والجمال ."(6) فكتابة محمد الشايب تجعل النصوص في ظاهرها رصدا لمعاناة شخوص بسيطة، تصارع قدرها ، وزمنها ، لكنها في العمق ورشات اشتغال، ومرايا متحركة تعكس تفاصيل، ووقائع وهي تعري عن انتظارات ، وفظاعات أكبر . كما أنها تعمل بسلاسة توريط قارئها ضمن مدار تجريب، وإقحام في لعبة سرد سيكون فيها ضحية لمؤامرة محبوكة على مقاسه ، وقد أحس بضبابية الرؤية ، وتشتت الأحداث التي تبدو غير متناسقة أحيانا ، ومتغيرة بوثيرة سريعة . وبشخوص أحيانا ممسوخة . وهو ما يعسر مهمة الاختراق نحو العمق الخفي ، حيث تتربع الحكاية التجريبية على عرشها مزهوة ، مع المحافظة على خصوصية وسمت نصوص المجموعة بتداخل أجناسي ، وتوظيف متعدد .كما أن معالم المكان هي الأخرى لم تحافظ على بريقها كمؤثث أثير للحكاية الأصلية، بقدر ما عرفت هي الأخرى تغيرا متواليا ، وتحولا في الكثير من سينوغرافيتها ، كمحاولة للارتقاء بها من صورة لاخرى . هذا التقطيع والتحويل بقدر ما مسخ الملامح الأصلية للمكان ، والشخوص ، ساهم في تأزيم الحدث للانفتاح على مكونات الداخل الرهيبة ، سواء للسارد ، أو للشخوص النص كذلك . وهو ما يبرز نوعا من التغريب ، لا تمحوه تحولات النص المفتوح ، بل تزيد في تأزيم أحداثه ، وتشعبها بحثا عن نهايات ما . إنها لعبة الكتابة ذاتها المفرطة الجرعات ، الرافضة للكائن ، باحثة عن ممكن تحققها خارج سياقات نصية أصلية ، أو بحثا عن أخرى متجددة بتجدد الحكاية مع كل قراءة تبعا لنهايتها المفترضة، والتي أوكلت للقارئ كما هو الامر في نص " الحب المشتت" ص 23 . إنها رحلة البحث ، أو سفر ضمن حيز ضيق ، وصغير لا يبرح ذاته ( أمام مرآة / داخل غرفة / حانة / أو من خلال التحديق في صورة ..) فالمتحول في النص علامات أيقونية دالة على اغتراب ، وأنسنة ، ومعاني أشياء فاقدة لخصوصيتها، ومميزاتها ،ضمن سفر تتوزعه الذات المتأملة، والمنشغلة . إنها لوعة الكتابة ، وقد حملت بدلالات أبعد من معانيها، وأحداثها البسيطة التي ألفنا وتيرتها ، لنصطدم بمحاولة الكاتب وتهريب النص ضمن قالب متجدد ، يضخ فيه دماء جديدة ، فالتمرد على القالب، هم ضاج بالتحولات ، والمسخ والغرابة ، وتداخل أكثر من جنس أدبي .فالسارد بقدر ما انطلق من الجزء إلى الكل لوصف الحدثين معا ، جسر بينهما بمقطع شعري لضمان انتقال سلس ، وفتح مسار ا ثانيا لشخوصه وهو ما يبرز كتابة القصة لذاتها، من خلال منحها هوية جديدة وتهريبها للواقع الجديد ، وقد صرح السارد بذلك " الزمن قادر على أن يفعل فينا كل شيء ، نحن جميعا معرضون للتحويل بل أحيانا للمسخ ، هل تتفق معي ، أيها القارئ ؟ أرجوك إسأل نفسك دع عنك حكاية الفيلم وزينة والاخضر ...وهذه القصة التي أحاول كتابتها هكذا " ص 24 إن هذه المناورة ، ستعمق من حيرة القارئ ، وشخوص النص . تتعرض للتحول بل لمسخ رهيب ، من خلال إبراز حيرة الكاتب نفسه . يقول " أنا مثلا أقف أمام المرآة تارة ، وأختلي بنفسي تارة ..أحاول أن أرى نفسي بنفسي "، كل مرة أجدني كيانا معينا " ص 24 وهو طرح سيعاد تأكيده بقوة " كلنا معرضون للتحول وأحيانا للمسخ ، وأنا وأنت والآخرون ونجمة " ص 25 كما أن الجمع بين شتات النصين ، بقدر ما أبرز عدم إقناع أحيانا ، أبرز استحالة وعدم رضى في الوقت نفسه ، " هذي سنواتي تمضي مسرعة وهذا أنا مفقود وسط فيافي الأيام أريد أن أعثر على هنيهة رحيمة فألوذ بصدر دافئ وأسترجع أنفاسي " ص 26 إن هذا التيه هو الدافع، والمنطلق في الكتابة التي تنحى نحو المسخ، والتحول ، وبالتالي الاستسلام لواقع الأمر ، وتفويض الأمر للقارئ ، من خلال الخطاب الميتاسردي ، سواء داخل أحداث النص ، أو في نهايته " أيها القارئ إن كنت تصر على إنهائها فاركب عمار السرد ولك واسع الخيال " ، كدعوة مفتوحة على بياض وتوقف انفعالي بغيض 3) المكان يبرز المكان في نص "حين هطلت علينا برشلونة" ص 33 بتفاصيله الملفوفة بالقلق ، والخوف، والحزن . مكان في جنة محلوم بها على الدوام ، لكنها تتحول إلى جحيم للباحثين عن السعادة في فردوس مفقود ." فالوعي بالمكان ، يولد من رحم الوعي الشمولي بالفضاءات والحلم بإنسانية كونية "(7) هكذا تبرز صورة برشلونة، وشوارعها ، ومؤثثات فضائها بدء من "وسط شارع " الرمبيلا..المكتظ بالسياح ' ص 33 وصولا إلى تمثال " كريستوف كلومبوس وهو يشير بيده إلى العالم الجديد " ص 35 إن الطرح الذي يتبناه الكاتب في النص ، بقدر ما خلف خلخلة لأبرز هاجس المهاجر ، الذي لم يكن يظن أن أرض أوربا التي كانت فيما مضى نقطة انطلاق نحو العالم الجديد ، هي نفس المكان الذي سيتحول إلى نقطة وصول للمهاجرين الجدد . من هنا يبرز شخصي عزيز وعائشة " اللذان وصلا إلى اسبانيا بطريقتين مختلفتين ، من خلال الحديث عن تفاصيل الهروب من الوطن . هروب بقدر ما سيحقق أحلام البعض سيحول أحلام الأخر إلى انتظار وترقب . فإذا كان عزيز قد وصل داخل محرك سيارة مهاجر شرعي ، ولا تزال وضعيته القانونية معلقة . فإن عائشة اختارت الزواج برجل يكبرها سنا للحصول على أوراق إقامتها . إن هذه النهاية ستدفع السارد إلى العودة إلى الوراء زمنا بعيدا ، لرصد أحلام بطليه وطموحاتهما : فعائشة الشاعرة صديقة عزيز كانت " لا تحيد عن الشعر ..وكانت ..تسخر من السياسيين " وعزيز كان متيما بالسياسة والنضال داخل الجامعة . سيبرز عزيز كشخص فشل في الحب كما فشل في الحياة ، وعائشة اختارت قدرها عن طواعية . وستبرز بر شلونة كمدينة للمهاجرين من مختلف أرجاء العالم ، ومدينة تعج بالمتناقضات وسط تدفق بشري ..وحلقات المهرجين ، والمغنين ، والبهلوانيين والأكشاك ، والمطاعم ، المكتظة " ص 36 " فبلاصا ر يا ل "ساحة تكتظ بالسياح .. وعلى الطوار يرقصون ويغنون ويشربون الخمر ويدخنون الحشيش والسجائر " ص 36 فبرشلونة حسب السارد فضاء عجيب به " مهرجون..مغنون ..رسامون ..عاهرات شواذ ..بوليس متنكر ، لصوص ، عشاق " ص 36 "فالمكان هو " الحلبة التي تتصادى فيها العوامل ، وتتجسد عبرها الأحداث والمرايا التي تنقش على مفهومها أثار الصراع ، بين الذات والذوات المزيفة، من أجل الالتحام بموضوع ما ، يسقطه الكائن الخارج نصي ( الكاتب ) على الكائن الورقي العريق ( البطل) مثل قدر يلازمه ولايفارقه إلا بانتهاء فعل القراءة " (8) فنص " حين هطلت برشلونة " هو محاولة للربط بين تفاصيل ماض مشرق وحاضر مأزوم، دفع بالسارد إلى التيه بين دروب المدينة الضيقة، هروبا من مطر مفاجئ لينتهي به المطاف في حانة دون أن يشعر بذلك " لا ذنب لي تماما ، ماذا فعلت لأفترض ، أفترض فقط ، أني ولجت مقهى وأنا أمسح حبات المطر عن رأسي فطلبت شرابا " ص 39 فالتفاصيل تؤكذ اشتغال القاص محمد الشايب في هذا النص كذلك على الميتاقص وتبرز تجلياتها ضمن " إقتحام المولف( "لنصه) معبرا عن صوته الخاص وذلك من خلال طرائق عديدة تستحضر التعاليق والهوامش ، ومخاطبة القارىء ومحاورة النقاد والناشرين وطرح تساؤلات وزرع التشكيكات " (9) في أكثر من نص وهو يتواطؤ مع سارده وشخوص نصه المنخرطين في البحث في ثنايا الحكاية الأصلية وهي تنفتح على قلق السؤال وكأن العلاقة بين الكتابة القصصية والشخصية القصصية تتنامى على أرضية تفتح نافذة للإطلالة منا على سيرة الكاتب . تفاصيل المكان تبرز من خلال نص " استقرار " ص 41 والذي كان في صلب قصة خلاف السارد وأبناء عمومته ، وسنلمس كيف تم رصد الأمكنة من خلال السفر عبر الحافلة يقول " تمضي بين دواوير وقرى السهل الصعب" ص 41 القنيطرة ، خميس ارميلة ..وسط قبائل بني احسن ، بلقصيري ، قرية أولاد موسى ، المقبرة ، الحوافات ، الجمعة مركز الدرك السوق ، القيادة ، الجماعة القروية ، المدرسة ، المقاهي ، السواقي / حقول القصب ... فالمكان هنا لا يدل على أزمة نفسية ، أوموقف فكري قابل للتطوير لكنه " كيان مادي يشكل جزء هاما من التاريخ الخاص (بهذا العمل) إلا أنه ليس الأرضية التي تتوزع على خارطتها الأحداث ..وإنما هو ذلك المكان الذي يستحيل الفن" ( الكتابة القصصية الخاصة بالنص ) بدونه أن يسمى فنا "( 10) كما لجأ إلى توظيف اللغة العامية المغربية ضمن حوار ومعاني وأمثلة ، بالاضافة إلى تضمين قصيدة الغابة المشهورة في فن العيطة " ان استحضار هذا الكم الهائل من الأمكنة ، يبرز سفرا وحشيا ، وشوقا وفي ذات الآن قلقا وغضبا من نزاعات عائلية ، أبرزت المكان وأصحابه في وضع احتضار وفقر مدقع . يقول الساردعن قرية والده " أولاد موسى ..كان له كل شيئ ..وبذر كل شيئ .كانت له الآرض والزوجة والأولاد والفرس ، فخان الجميع ولم يخلص إلا للكرم والليل ووجود الحسناوات وطبول الهيت . ضيع الآرض وشتت الشمل" ومات غريبا " ص 42 إن الرحيل عن القرية كان منذ وفاة الأب "لم يأت إلى القرية منذ أن شيعتم أباك الهادي " ص 47 إنها وحشة السفر الطويل ، والقلق المليئ بالمواجع ، والذكريات المريرة ، التي تجعل من الالتقاط وسيلة للإدراك الحسي ، والنفسي لتفاصيل المكان "الذي يتحول إلى بعد جمالي من أبعاد النص السردي لما يمنحه من إمكانية الغوص في اعماق البنية الخفية والمتخفية في احشاء النص وأجوائه ورصد تفاعلاته وتناقضاته "( 11) عموما استطاع القاص محمد الشايب تقديم نصوصه الجدية بشكل مغاير تماما لما ألفناه في كتاباته ، من خلال انفتاحه على التجريب ، والاشتغال على الميتاقص، وتوظيف التناص ، وتضمين الحكاية ، والاشتغال على الأسطورة ، أمر فتحها على مواقف متعددة ، ونهايات مفتوحة على بياض أحيانا . وهذا الاشتغال هو اشتغال عن وعي ، وفهم لقوانين لعبة الكتابة القصصية ، وتمكن من مضاربها ، وتحكم في خيوطها بثقة كبيرة . فالنصوص على قلتها قدمت لنا مادة دسمة للاشتغال الذي لا ندعي في نهاية المطاف الالمام بكل جوانبه ، بل نتمنى أن يتم الاشتغال المعمق عليها ، لما فيها من خبايا لم يكشف عن أسرارها بعد.