على دول العالم أن تنتبه، فهي لا تدرك حقيقة الأمور، وتعتقد أن هناك وصفات سحرية تحتفظ بها بعض الدول الغنية من شأنها أن توقف فوراً انتشار فيروس »إيبولا« في غرب أفريقيا. فهل يظن البعض أن عناصر الأمن في مطار لوس أنجلوس مثلاً يمكنهم النظر في عيني مسافر ورؤية الإصابة، ومنع دخوله إلى الأراضي الأمريكية؟ أم هل تصدقون الروائي »دان براون« الذي وصف على نحو غريب »منظمة الصحة العالمية« بأن لديها طائرة نقل عسكرية خاصة من طراز »سي 5-إيه« وفرقة تدخل سريع ضد الأمراض يمكنها التوجه إلى مناطق انتشار الفيروسات وحماية العالم من العدوى؟ أفيقوا أيها المغيبون . فما يجري في غرب أفريقيا لا يجدي معه وصف »براون« السخيف. وقد حذر زميلي في مجلس العلاقات الخارجية »جون كامبل«، وهو السفير الأمي ريكي السابق لدى نيجيريا،من أن انتشار الفيروس داخل مدينة »لاجوس« -التي يبلغ تعداد سكانها 22 مليوناً سرعان ما سيحول هذا الوضع إلى أزمة عالمية، بفعل الفوضى والكثافة السكانية وسرعة انتقال الفيروس ليس فقط في تلك المدينة ولكن في عشرات المدن الأخرى داخل دولة نيجيريا الكبيرة الغنية بالنفط. ثم أضف إلى مفردات السيناريو النيجيري، الحرب الأهلية والانتخابات الوطنية، وإرهابيي »بوكو حرام«، وإضراب الأطباء في أنحاء البلاد، وكلها مخاطر حقيقية وجارية. وفي داخل الولاياتالمتحدة، يركز السياسيون والقلقون من انتشار المرض وكثير من وسائل الإعلام على العقاقير واللقاحات التي يتم تجريبها على الحيوانات، وعلى أساليب منع دخول الفيروس عن طريق الحجْر الصحي للمسافرين وإجراء الفحوص في المطارات. ولكن دعونا نكن واضحين، فلم تثبت على الإطلاق فعالية أي عقار أو لقاح للاستخدام البشري ضد فيروس »إيبولا«. وحتى الآن لم يتعافَ سوى شخص واحد هو »كينت برانتلي« بعد تناوله أحد أبرز ثلاثة عقاقير مفترضة لعلاج الفيروس، ولكن ما من دليل على أن هذا الدواء كان له دور فعلي في تحسن حالته. ولم يجتز أي من اللقاحات المحتملة المرحلة الأولى للسلامة في التجارب على البشر، وإن كان من المقرر دخول عقارين على الأقل هذه المرحلة قبل دجنبر المقبل. غير أن المرحلة الأولى هي أسرع وأسهل جزء من تجارب اللقاحات الجديدة، وستكون المرحلتان التاليتان من التجارب السريرية التي تهدف إلى إثبات جدوى اللقاحين صعبة، إن لم يثبت أنه يستحيل تنفيذهما لأسباب تتعلق بالسلامة والأخلاقية المهنية. وإذا أصبح أحد اللقاحات جاهزاً للاستخدام في أفريقيا خلال العام المقبل، فإن مثل هذا الإجراء سيتخذ من دون وجود دليل مسبق على أن هذا اللقاح يجدي نفعاً، وفي المقابل سيتطلب ذلك توعية شعبية واسعة النطاق لضمان أن الأشخاص الذين يتناولون اللقاح لا يغيرون سلوكياتهم الحذرة بطريقة تجعلهم عرضة للفيروس نتيجة اعتقاد خاطئ بأنه أصبحت لديهم مناعة ضد »إيبولا«. ويعني ذلك، أننا أصبحنا في صراع طويل جداً مع مرض فتاك، قتل حتى الآن ما يربو على 50 في المئة ممن تأكدت إصابتهم معملياً، وربما أكثر من 70 في المئة من الأشخاص المصابين في ليبيريا وسيراليون وغينيا. وتكافح نيجيريا في الوقت الراهن للتأكد من أن الفيروس لم ينتقل من أحد الأشخاص الذين أصيبوا بالعدوى عن طريق المسافر الليبيري »باتريك ساوير«. وقد مات بالفعل شخصان حتى الآن ممن تعاملوا مع «ساوير». وقد زادت هذه الجهود يوم الأربعاء الماضي، عندما أعلنت السلطات الصحية النيجيرية أن الممرضة التي كانت تعالج »ساوير« فرت من الحجْر الصحي في لاغوس وسافرت إلى مدينة »إنوجو«، التي يبلغ تعداد سكانها حسب إحصاءات عام 2006، نحو ثلاثة ملايين نسمة. وعلى رغم أن أعراض المرض لم تظهر على الممرضة حتى الآن، لكن فترة حضانة الفيروس التي تصل إلى 21 يوماً لم تنقض بعد. ومنذ بدء انتشار »إيبولا« في مارس، أفادت تقارير كثيرة عن عزل حالات مصابة بالمرض بين مسافرين إلى دول أخرى. وحتى الآن لم تسفر أي من هذه الحالات عن انتقال العدوى إلى آخرين، على نحو يؤسس لوجود بؤر وباء. ولكن بينما أكتب هذا المقال، يُعتقد أن هناك حالة وجدت في جوهانسبورج، التي تعتبر أكبر مدن جنوب أفريقيا، وحالة أخرى كان مشتبهاً بها توفيت في مدينة جدة السعودية، الأمر الذي دفع المملكة إلى إصدار تحذيرات خاصة بشأن فيروس »إيبولا« خلال موسم الحج المقبل. ولكن أي شيء يتعين على المجتمع الدولي فعله كي يدرك حقيقة المرض ويتمكن من مكافحته؟ بداية وقبل كل شيء، لابد من تقدير وتوفير الاحتياجات المطلوبة في الدول الثلاث المبتلاة بالفيروس. وبينما يأمل الناس في الحصول على وصفات سحرية، لا يعمل موظفو الرعاية الصحية في هوليود، وإنما يعملون في بعض من أفقر الأماكن على الأرض. وقبل ظهور »إيبولا«، كانت هذه الدول تنفق أقل من 100 دولار للفرد سنوياً على الرعاية الصحية، في حين ينفق الأمريكيون أكثر من هذا المبلغ سنوياً على الأسبرين. ولابد أن ننصت جميعاً إلى توسلات وآلام موظفي الرعاية الصحية الشجعان الذين شاهدو الفيروس يحصد أرواح أكثر من 80 في المئة من زملائهم منذ بداية الأزمة. وفي 8 غشت الجاري، أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ في مواجهة وباء »إيبولا«. وفي هذا الإعلان، أشارت المنظمة إلى ضرورة تحرك الحكومات المحلية، مثل إقامة مناطق حجر صحية، وكذلك أيضاً ضرورة الحشد العالمي للموارد الطبية. وحذرت المنظمة مراراً وتكراراً من أن هذا الوباء يمكن أن يستمر لمدة تتراوح بين ستة أشهر إلى عام على الأقل. عن «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس» (*) كاتبة ومحللة سياسية أمريكية