يعتبر الراحل مالك شبل أحد الأكاديميين العرب البارزين في فرنسا بالإضافة إلى عبد الوهاب المؤدب وفتحي بن سلامة وعبد الرحيم لمشيشي وآخرين عديدين. وكلهم ينتقدون بشكل جذريّ الجمود الفكري السائد في العالم العربيّ وهيمنة الفكر السلفيّ الأصوليّ عليه بشكل مباشر أو غير مباشر، ظاهر أو مقنّع. وبالتالي فهم يرفضون موقف الكثير من أشباه المثقفين العرب الذين يزعمون أنهم يدافعون عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ثمّ يتحالفون سياسيا من جهة أخرى مع التنظيمات الأصولية الظلامية التي تحتقر هذه القيم بالذات وتدوس عليها. موقف منافق، ازدواجيّ، مكشوف. وهم يرتكبون نفس الخطأ الذي ارتكبه المثقّفون الإيرانيون عندما صفّقوا لثورة الخميني الرجعية ووضعوا أنفسهم في خدمة «الإمام» وكانت النتيجة التي نعرفها... وقد عضّوا أصابعهم ندما بعدئذ ولكن بعد فوات الأوان. لا أزعم هنا أنّ مالك شبل مفكّر قويّ أو راديكاليّ مثل عبد الوهاب المؤدب مثلا. ولكنه يفعل ما يستطيع.. يضاف إلى ذلك أنّ صوته مسموع في المحافل العلمية والسياسية الفرنسية والأوروبية نظرا لألمعيته وانخراطه في تيار التنوير والإصلاح ومحاولة إخراج العرب من محنة التخلف والتزمّت والفهم الخاطئ للدين. فمن هو هذا الباحث الشابّ ؟ وُلد مالك شبل عام 1953 في الجزائر حيث كبر وترعرع وأكمل دراساته الثانوية والعليا في جامعة قسنطينة قبل أن ينتقل إلى باريس عام 1977. وهناك نال شهادة الدكتوراه الأوّلى في علم النفس من جامعة باريس السابعة. وفي عام 1982 نال شهادة دكتوراه ثانية في مجال علم الانتربولوجيا وتاريخ الأديان من نفس الجامعة. وفي عام 1984 نال الدكتوراه الثالثة من معهد العلوم السياسية في باريس. وبالتالي فالرجل متعدّد المشارب والاختصاصات. ونظرا لكلّ هذه الشهادات والمؤهّلات فإنّه عُيّن عام 1995 أستاذا في جامعة السوربون وأصبح مخوّلا بالإشراف على الأطروحات الجامعية للطلاّب. وبالتوازي مع نشاطاته الجامعية فانّ مالك شبل محلّل نفسانيّ أيضا. وقد فتح عيادة في باريس لهذا الغرض حيث ما زال يمارس هذه المهنة. وفي ذات الوقت يُدعى مالك شبل إلى مختلف جامعات العالم لإلقاء المحاضرات. فقد اشتغل أستاذا زائرا في جامعة مراكش بالمغرب وجامعة تونس والجامعات المصرية والجامعات الأميركية الشهيرة من بيركلي إلى ستانفورد إلى سان فرانسيسكو إلى لوس انجيلوس فشيكاغو ونيويورك، إضافة إلى جامعة بروكسيل وسواها في أوروبا.. فالرجل معروف عالميا بصفته أحد أبرز المثقفين العرب والمسلمين العائشين في الغرب والمهتمين بالمسائل الدينية والفكرية والسياسية. وربما لهذا السبب عيّنه رومانو برودي، رئيس المفوضية آنذاك عضوا في لجنة "مجموعة الحكماء" التابعة للاتّحاد الأوروبي. نستنتج من كل ذلك أنّ مالك شبل هو مفكّر ومحلّل نفسانيّ وأستاذ جامعيّ بل وعالم انتربولوجيّ في آن معا. ومؤلفاته مكرّسة للدفاع عن التراث العربيّ الإسلاميّ وتبيان مدى انفتاحه وجرأته إبان العصر الذهبيّ على وجه الخصوص: أي العصر العباسي الأوّل والعصر الفاطميّ والعصر الأندلسيّ. وهو يفتخر بهذا التراث أمام الأوروبيين ويخصص جزءا من وقته لترجمة نصوصه الإبداعية وشرحها والتعليق عليها. ولكنه يعترف بأنّ العالم الإسلاميّ اعتراه الجمود منذ قرون طويلة ولم يعد منفتحا ولا مبدعا كما كان في العصر الكلاسيكيّ. كما يأسف لسيطرة حركات التطرّف والتزمّت على العالم العربيّ في السنوات الأخيرة. ولهذا السبب فإنّه يكرّس مؤلفاته منذ بضع سنوات للدفاع عن إسلام التنوير في الجزائر والعالم العربيّ. ويقول بأنّه أي الإسلام العقلانيّ المستنير، كان موجودا في تراثنا ولكننا نسيناه وتخلينا عنه في عصر الانحطاط. كما يكرّس جهوده للدفاع عن قضية الحرية بكلّ أشكالها: أي الحرية الفكرية والحرية السياسية والحرية الوجودية للإنسان العربي رجلا كان أم امرأة.