أجواء ممطرة في توقعات طقس الإثنين        شبيبة الأندية السينمائية تعقد دورتها التكوينية في طنجة    حزب الله يؤكد مقتل محمد عفيف    الركراكي يختتم استعدادات المنتخب    "أشبال U17" يتعادلون مع التونسيين    الملعب الكبير للحسيمة .. افتتاح ببعد قاري إفريقي    مجلس الشيوخ في البراغواي يدعم سيادة المغرب على صحرائه    رسائل عيد الاستقلال    اختفاء شخصين خلال "رحلة سياحية جبلية" يستنفر السلطات المغربية    مخاوف حول سلامة علب التونة في السوق المغربية بعد تقارير دولية عن التلوث بالزئبق    4 مؤشرات دولية ومحلية تؤكد أن ملف الصحراء اقترب من الحسم    نفق جبل طارق.. حلم الربط بين إفريقيا وأوروبا يصبح حقيقة    مجلس الشيوخ الباراغواياني يؤكد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    داخل قنصلية المغرب بنيويورك.. ياسين عدنان يتحدث عن الغنى الثقافي للمملكة    أسعار اللحوم البيضاء تعود للارتفاع بالمغرب    مسؤول إسباني.. تدخل الفرق المغربية أحدث فارقا كبيرا في جهود الإغاثة بفالنسيا    توقعات أحوال الطقس ليوم الإثنين    قائمة أسماء الشخصيات التي اختارها ترامب لتتولّى مناصب في إدارته    فيضانات إسبانيا.. الجهاز اللوجستي المغربي "ساهم بشكل كبير" في ترميم البنية التحتية المتضررة (مسؤول إسباني)    الدرهم يرتفع مقابل الأورو على خلفية ارتفاع ملحوظ للتداول البنكي وفقا لبنك المغرب    العصبة تُحدد موعد "ديربي البيضاء"    التفاوض حول مشروع القانون التنظيمي للإضراب يقسم النقابات في المغرب    فى الذكرى 21 لرحيل محمّد شكري.. مُحاوراتٌ استرجاعيّة ومُحادثاتٌ استكناهيّة مع صَاحِبِ "الخُبزالحَافي"    خاتمة العلوي تعود ب"شدة وتزول" بعد سنوات من الاعتزال    عدد مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة يبلغ 171 مرفقا    مصرع طفل في تطوان جراء ابتلاعه "كيسا بلاستيكيا"    دنماركية تفوز بمسابقة "ملكة جمال الكون" 2024    المنتخب المغربي يعزز خياراته الهجومية بعودة سفيان رحيمي    تجار القرب يعلنون تكتلهم لمواجهة توغل الشركات الكبرى بالأحياء السكنية    قلة الأطباء والأَسرّة وطول المواعيد.. وزير الصحة يؤكد أن خدمات الطب النفسي بالمغرب تبقى أقل من المطلوب    دراسة علمية: فيتامين "د" يقلل ضغط الدم لدى مرضى السمنة    احباط تهريب 188 ألف قرص مهلوس بميناء طنجة المتوسط    حقوقيون يستنكرون استمرار تعليق رواتب 18 أستاذا رغم الأحكام القضائية    موعد مباراة المغرب ضد ليسوتو بالتصفيات الأفريقية والقنوات الناقلة    بعد الانتصار على الغابون.. المنتخب المغربي يضيف لرصيده 5 نقاط ويقترب من المركز 12 عالميا    المغرب يطلق أول مصنع لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية باستثمار 1.3 مليار دولار    التهراوي: هامش ربح الصيدلي والموزع محدد أساسي لأسعار الأدوية في المغرب    جوليا نشيوات.. من ضابطة استخبارات إلى مستشارة للأمن الداخلي في إدارة ترامب    "ذا تيليغراف": المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا لعام 2024    لفتيت يدعو لمواجهة فوضى وتجاوزات وتدني خدمات سيارات الأجرة على خلفية وضع نهج جديد    إطلاق قنبلتين ضوئيتين قرب منزل نتانياهو    صراعات عائلة السيوفي في الدراما الجديدة المُثيرة "نقطة سودة" يومياً عبر شاشة "5MBC"    الولايات المتحدة.. تعيين كريس رايت وزيرا للطاقة في إدارة ترامب الجديدة    عمور و السعدي يقصان شريط النسخة السابعة لمهرجان الزربية الواوزكيتية        مقتل 65 فلسطينيا في قصف إسرائيلي    جمعية فنون تقدم أحدث إعمالها الفنية و التراثية أغنية " لالة منانة" من أداء المجموعة الموسيقية لأكاديمية ميزينوكس    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    تعهدات في مؤتمر وزاري في جدة بمقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030 (فيديو)    جائزة المغرب للشباب تحتفي بالتميز    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الأثر العربي في التنوير الغربي»

يتحدث لنا المؤلف والمفكر التونسي الفرنسي البارز «عبد الوهاب المؤدب» في هذا الحوارعن الفن العربي الأندلسي الذي جعل أوروبا قبل 1000 سنة تزدهر والفيلسوف «ابن رشد» والشاعر «دانتي» والإمبراطور»فريدريش الثاني».
{ جريدة الزايت: يجب على الكاتب أن يُساعد المتلقي على رؤية ما يُحجب عنه، هذا ما كتبتَه في تحليل للأزمة الإسلامية. إنك مُثقفٌ باريسيُّ أتيتَ من عائلةٍ مسلمةٍ من علماء تونس. حدثنا عنهم و لمن تقوم بالكتابة؟
عبد الوهاب المؤدب: أنا لا أثق في استخدام ضمير «الأنا» لأنه قد يخلتط ب»نحن» كما أن اسمي الشخصي هو «عبد الوهاب» وهذا الاسم يستمد قوته من اللغة العربية وتقاليد الإسلام فهو يعني «عبد اللّه» وبالتالي يؤدي إلى الأصول اللاهوتية في الإسلام: أي الخضوع المطلق لله.
{ جريدة الزايت: كيف كان عالم الطفولة الذي كبرت فيه خلال الخمسينات؟
عبد الوهاب المؤدب: لقد كان الوسط العلماء انذاك لا يزال سليما، ففي سنوات طفولتي تمكنتْ تونس من التطور بشكل هائل وذلك خلال السنوات الأخيرة من التبعية الاستعمارية و حالها في ذلك حال المناطق الأخرى الخاضعة للسيطرة الفرنسية، هذه السنوات التي تم فيها استعادة تخلف مجتمعات العصور الوسطى من الناحية السياسية وكذا الثقافية حيث أقلعت المرأة عن الحجاب وتم تحديث نظام التعليم وتمهيد الطريق إلى المجتمع الاستهلاكي العالمي.
{ جريدة الزايت: هل وضعتكَ خطوة الابتعاد عن منزل الوالدين بمعزل عن الثقافة العربية؟
عبد الوهاب المؤدب: نعم،هو ذاك، لقد قادتني الثورة ضد والدي إلى الكتاب والفلاسفة الفرنسيين مثل: «سارتر» و «كامو» و «بوفوار» الذين كانوا ذائعي الصيت انذاك بين الطلاب في تونس ثم بعد ذلك انتقلت إلى «لاكان» و «دريدا» .
{ جريدة الزايت: هل تجلت لك الثقافة العربية مرة أخرى في العمارة الصقلية للعصور الوسطى ؟
عبد الوهاب المؤدب: أنا لم أرها قطُّ لأنني قمت باكتشاف الاثار الأوروبية القديمة فقط. لقد كان الأثر العربي غير مرئي بالنسبة لي حتى سنة 1968 في باريس ففي تلك السنوات نشأ محيط مفتون بالشرق والصوفية وفي هذه السنوات بالضبط قرأت للفيلسوف والشاعر الصوفي «ابن عربي».
{ جريدة الزايت: يتم الآن نشر كتابك باللغة الألمانية المتضمن لقصائد الحب والذي عنونته ب «قبر ابن عربي»، هذا العنوان يحمل اسم هذا المفكر العربي الذي عاش في العصور الوسطى. لماذا اخترت هذه الشخصية بالذات و ما هي علاقتك ب «ابن عربي»؟
عبد الوهاب المؤدب: لقد كانت له أهمية كبيرة في حياتي و يمكنني الجزم بأنه في فكر»ابن عربي» و كما هو الحال عند «نيتشه» تجتمع «الطاقة الشعرية» و»الميتافيزيقة» باعتبارهما نقدا ل»عصرالتنوير» و من المهم هنا الإشارة إلى أن «يعقوب بوركهارت» و هو واحد من سلالة مؤرخي بازل اعتنق الإسلام بفضل «ابن عربي».
{ جريدة الزايت: هل لعب «ابن عربي» دورا في إعادة البناء هذا؟
عبد الوهاب المؤدب: لا، ليس تماما فأنا لم أسمع في أسرتي عن «ابن عربي» و لو كلمة واحدة لأنهم لم يثقوا به لأنه غير معاصر ولاعقلاني وهذا التصور لا يتفق مع العقل ونفس الأمربالنسبة ل»ديونيسوس»- إلاه الخمر عند اليونان -الذي دفع «نيتشه» للنزوح عن الحداثة وقد حاولت في روايتي «Talismano» مدح «ديونيسوس» و هذا نابع من الخوف من فقدان «الأصولية».
{ جريدة الزايت: إذن يمكن القول بأنكَ تعرفت على «التصوف» من خلال «ما بعد الحداثة؟
عبد الوهاب المؤدب: هناك أوجه تشابه بين فكر»ابن عربي» ونظريات «ما بعد الحداثة» و التحليل النفسي ونظريات «اللغز» و علم «الأجناس»، لقد كان بوسعي أن أرى من خلال «ابن عربي» استمرارية الإسلام في «ما بعد الحداثة» وكذا احترام التنوع ووحدة بنية الفكر.
{ جريدة الزايت: طيب، لقد تم تخصيص معرض «فرانكفورت الألماني» لكُتاب العالم العربي ولكن العديد من الدول العربية لم تشارك في هذا المعرض وقد حضر بعض الكُتاب هذه البلدان بشكل فردي، سؤالي هنا هو : هل يحمل مصطلح «العالم العربي» معنى الان؟
عبد الوهاب المؤدب: إن معرض الكتاب سيُثبت أنه لا معنى له فهناك مجموعة من الدول تُبرز ثقافتها الرسمية إلا أنها تستبعد النقاد ومن هذا المنطلق يمكن للمرء أن يكون قادرا على الخوض في أزمة الإسلام. إن العالم العربي غير واقعي فقد حاولت كل الدول العربية إنشاء دول قومية حديثة وقد كان بإمكان بعض الدول النجاح في ذلك مثل: مصر والجزائرو المغرب ولكن التطورات ذهبت في اتجاهات جد مختلفة كما أنكم تُفصلون بلدانا عن أخرى، صحيح أن هناك أربع قواسم مشتركة قوية وهي اللغة والدين والتاريخ والمنطقة الجغرافية ولكنها ليست قوية بما فيه الكفاية لتشكيل كيان سياسي لذلك تَشكل شيئا سُمِّي ب»الرأي العربي» وقد خلقت وسائل الإعلام في أثناء ذلك «رأيا عاما» رتيبا ضد الخصائص الإقليمية المعروفة.
{ جريدة الزايت: حسب وجهة نظرك، هل السبب في ذلك راجع بالأساس إلى ضعف اللهجات ونقص مرونة اللغة؟
عبد الوهاب المؤدب: نعم، يمكننا قول ذلك لأن اللهجات ضعيفة جدا لكي تصل إلى مستوى المعارضة كما أنه لا توجد لهجة لغة ما مكتوبة و في هذا الإطار أُضيف بأن قداسة الخط المكتوب للقرآن الكريم يُنقص من قيمة اللغة الشفوية وهذا مخالف لتاريخ اللاتينية فقد قام «دانتي» بجعل العامية الخليفة المحلية للاتينية و من تم جعلها لغة أدبية وفي هذا السياق فالطبعة الأولى من»ألف ليلة وليلة» والتي ظهرت في القرن الرابع عشر تضمنت مقاطع عامية و قد ثبت تفوقها على معظم النصوص العربية الحالية من ناحية «قوة التعبير».
{ جريدة الزايت: لقد أنشأتْ كتابة «الإنجيل» تقليدا تأويليا كبيرا فكل كتابة تحتاج تأويلا كما أنه لا توجد أي كلمة لا يمكن إبداء الاعتراض عليها إذن السؤال المطروح هنا هو: هل يستلزم القران في الإسلام في حالة الخلاف تفسيرات أيضاْ؟
عبد الوهاب المؤدب: إن تفسيرات الإسلام جد متنوعة والتقليد التأويلي قوي تاريخيا لدرجة أن المرء يجب أن يأسف للانتصار الحالي للجمود وأُعطيك مثالا: يقول «ابن عربي» أن المسلم يحتاج لقراءة «الإنجيل» ولا بد له من معرفة الكتب الأربعة وأذكر على وجه التحديد «القرآن» و»المزامير» و»كتب موسى الخمسة» و»الإنجيل»، كما يُوصي «ابن عربي» للهروب من التناقضات في القراءة أن يسعى المرء لإيجاد الحلول في الكتب الأخرى كما يُوصي كذلك بالاعتقاد فيما جاء في جميع الكتب إذا كان يتوافق مع العقل. إن مهمة رجال الدين هي الرد على تفسيرات المسلمين المتعددة إلا أن الأزمة الحضارية للإسلام تتمثل في فقدان التقليد ودخول بديل غربي ليحل محله، إننا منحصرون ما بين «الضياع» و»الاستبدال» وبهذا تنتصر «الدوغمائية».
{ جريدة الزايت:: إذن هل نستنج أن وضوح وتوحيد الإسلام الحالي خادع؟
عبد الوهاب المؤدب: لا، سوف أشرح لكِ وجهة نظري، لقد كان «التقليد التأويلي» في الوسط الشيعي دائما أقوى منه في الوسط السني وكان قويا جدا في الوسط الصوفي ولكن هذا التنوع قائم في الواقع بالمعنى السياسي فلا يوجد هناك انطلاقا من المغرب وصولا إلى المملكة العربية السعودية ما يسمى ب»الرغبة المشتركة». نعم، كانت هناك أقلية مسيحية عربية تأمل في نجاح «العروبة السياسية» كما لو كانوا يعرفون مسبقا أن حقوقهم سوف تتعرض للخطر إذا تَقَّوى «الإسلام السياسي».
{ جريدة الزايت: هل لهذا السبب ظهر»الإسلام السياسي»؟
عبد الوهاب المؤدب: لا، ليس بالضبط، لقد أرادت «العروبة» ضمان المساواة بين المواطنين رغم تنوعهم الديني أما بالنسبة للإسلام السياسي الذي نشأ في العشرينات فيرى في الآخر عدوا و من البديهي أن الإسلام وُلد من اللغة العربية ولكن كل واحد منهما لا يدعُ نفسه يُنسب للآخر فمثلا يعيش مسلمون في ماليزيا ليسوا عربا وهم يعملون بالعكس على عدم سرقة هوية رسالة الإسلام من لدن العرب.
{ جريدة الزايت: لقد أظهرت «إشبيلية» و»قصة الأندلس» أن تاريخ الأديان السماوية غير منفصل. هل هذا التصور لن يتكررمرة أخرى ؟
عبد الوهاب المؤدب: إن مدينة «إشبيلية» مكان رمزي لأنها تمثل أسطورة إيجابية تدلُّ على أن الثقافة العربية كانت موجودة على التراب الأوروبي رغم طرد العرب ولغتهم فقد كان الفيلسوف الأندلسي «ابن رشد» في القرن الثاني مدركا بأن تعايش أديان العالم أحدث معجزة حضارية، ففي طفولتي كان يَعرف المرء في تونس الأفراد المنحدرين من عائلة إسبانية لأن هذه الأسر كانت مثقفة وقد اهتم الحكام المسيحيون في جنوب إسبانيا إلى حدود «عصرالتنوير» بالعلماء والفنانين والمهندسين العرب كما أنه في «فن العمارة» تعبير واضح عن التقنية العربية واليهودية والفن عامة و قد امتد ذلك إلى غاية طرد اليهود والعرب من إسبانيا فبعد ذلك أضحى الفن «بسيطا» إن لم أقُل «عدوانياً».
{ جريدة الزايت: جميل، لقد عاش الفيلسوف «ابن رشد» العربي الأوروبي في العصر الوسيط الذي أبدع فيه خلال حياته عالم أفكاره. لماذا هذا الأمر في نظرك؟
عبد الوهاب المؤدب: نعم، بالفعل لقد كان «ابن رشد»عربيا و أوروبيا كما أحاول أن أكون أيضاً، فقد مثل «ابن رشد» الإسلام كجزء من أوروبا وذلك بنفس المستوى والقيمة ل»دانتي» و»غوته». لم ينقل»ابن رشد» فكر «أرسطو» غير المعروف انداك إلى أوروبا فقط بل قام بالتمعن في اللغة العربية والعقيدة الإسلامية في رؤيتها عن العلاقة بين اللغة والعالم و قد كان الأول الذي فكر في الفصل بين الدين والفلسفة وقد ارتبط به «عصرالتنوير» الأوروبي خلال القرن 18 والذي كسر الدعوة إلى الفصل بين الكنيسة والدولة وحرية الفكر، إن «ابن رشد» ببساطة يُمثل «التنوير العربي».
{ جريدة الزايت: ولكن ما علاقة «التنوير العربي» مع وقتنا الحاضر؟
عبد الوهاب المؤدب: هناك علاقات عدة فيمكن للتنوير العربي أن يُذكًّرَ الإسلام بأصله وقد وضع «ابن رشد» كل اختراع إنساني في مِلك البشرية جمعاء. و قد شكلت العلاقة بالآخر و مسألة «الغيرية» القضايا المحورية عند «ابن رشد» فقد تحدث دائما عن «اللاهوت» بمعنى جميع الأديان السماوية وأكد على المساواة بين الجنسين فعندما تم عزل النساء عن العامية كتب «ابن رشد» في تعليق على «أفلاطون» أن هذا التصرف من شأنه تعزيز البؤس الاقتصادي في المدن وقد اقترَحتُ في السياق الأوروبي بمناسبة الذكرى 800 لوفاة «ابن رشد» و قد كان ذلك سنة 1998 جعل تلك السنة «سنة الفيلسوف» ولكن للأسف دون جدوى.
*جريدة الزايت: لقد تحدثتَ عن ميت اخروهو الإمبراطور»فريدريش الثاني» من «هوهنشتاوفن» الطفل الذي أتى من «أبوليا». ماذا يُمكنهُ أن يقول لنا؟
-عبد الوهاب المؤدب: إن أوروبا كبيرة في عيني لأنها تعُطي للأشياء الجديدة قيمة كبيرة و لكنها في نفس الوقت تُعطى نفس القيمة للحديث عن موتاها، فقد تذوق «فريدريش الثاني» إمبراطور صقلية -التي ترك فيها العرب أثرهم- «ابن رشد» وأحب أن يتعلم من ثقافة الشرق كيفية حديث إمبراطوريته وقد ذكرأنه تعرف على الفصل بين الدولة والكنيسة في القدس وعمل على تطبيق هذا النظام المميزفى أوروبا التي عرفت صراعا ضاريا على السلطة بين الامبراطور والبابا وقد عرفت عن هذا الإمبراطور الكثير من كتاب «ارنست كانتروفيش» حول إمبراطور «هونشتاوفن» رغم كل الانتقادات الحادة التي وجهت له.
{ جريدة الزايت: لقد كتبتَ أن الشاعر «دانتي» كان مثل الامبراطور»فريدريش الثاني» فهو شخصية خدمت التاريخ العربي بشكل إيحابي، فلماذا اخترت «دانتي» بالذات؟.
عبد الوهاب المؤدب: إن الأعمال الأدبية ل»دانتي» توجد على نفس الأرضية مع أعمال «ابن رشد» و»ابن عربي» و»ابن سينا» وربما يُعتبر «دانتي» المفكر الأوروبي الأول الذي ضمًّن عمله الشعري موضوعات الدين والسياسة والعلوم والفلسفة. إن الفن في القرن العشرين سواء في أعمال «جيمس جويس» أو»عزرا باوند» مثلا قد ورِث ملامحه و مميزاته من «دانتي» إذ توصًّل «دانتي» نظريا للعلاقة بين الدين والدولة فأدخل العامية في الأدب وفي نفس الوقت أوجد فكرا نظريا حول كيفية تقليص الفجوة بين الكلام والكتاب ولكنه خلال الحرب الأهلية ب»فلورنسا» انحاز إلى الإمبراطور والدولة أي أنه كان ضد الكنيسة فتم نفيه لتصرفه هذا، أما لغة الإسلام فهي «جامدة» وقد أدى عدم الفصل بين المجالين الديني و السياسي بالعالم الإسلامي إلى «التخلف».
{ جريدة الزايت: تُعتبر عدم قدرة الإسلام على مواكبة أوروبا الحديثة إهانة و قد شكل هذا الأمر في نظرك سببا للعنف الحالي فهل يمكن التغلب على مثل هذه الإهانة؟
عبد الوهاب المؤدب: نعم، بكل تأكيد فهناك أمثلة على ذلك وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الملك المسيحي الحكيم «ألفونسو» الذي أراد دون إهانة نرجسية أن يأخذ قيم الثقافات الأخرى ليس لدولته فقط بل لكل لأوروبا فقد الملك «ألفونسو»رجل علم وقوة وثقافة ويعرف أنه بإمكان المرء تعويض تأخره عن طريق التعلم من الآخرين و قد عاش «ألفونسو الحكيم» هذا في «إشبيلية» إذ يرجع إليه الفضل إليه خلال القرن الثالث عشر في ترجمة قصة مجهولة من اللغة العربية من كتاب «السلم» وهذه القصة تُمجد «المذهب الحسي» وتحكي عن تميز المسلمين عن المسيحيين واليهود وجواز التمتع بمسرات الحياة و شكرالله عزوجل على نعمه الخاصة.
*جريدة الزايت: إن قصائدك تنتمي إلى هذا التقليد فهي غنية بالألوان والأصوات والنكهات و الشهوانية الجنسية ولكن أظن أنها مستوحاة أكثر من شوارع المدينة مثل قصائد «بودلير»؟.
عبد الوهاب المؤدب: نعم، هذه هي السخرية الحديثة التي تُشكل نقطة جوهرية في قصائدي وتَكسروتُحافظ على المعاني التقليدية، لقد تم استبدال الإيمان بالله ب»العدمية» فالإنسان لم يعد يمثل المحورولكن النص الشعري الحالي يتوفرعلى القدرة على اكتشاف الجسد و كذا زعزعة المشاعر والتجارب التي تُحدّد العلاقة بين المرئي وغير المرئي و في هذا الخضم يمكن للقصيدة استيعاب التقاليد التي سبقتها.
{ جريدة الزايت: هل تُوجد التقاليد تحت تصرف و إمرة الجميع؟
عبد الوهاب المؤدب: نعم، لما لا، يُمكن لكل شاعر أن يجعل عالم تقاليده تحت التصرف و متاحا للجميع لأنه يقدم عالم أصوله، فقد جدّد ووسّع «غوته» في كتابه «الديوان الشرقي للمؤلف الغربي» انفتاح الأدب الأوروبي من جديد على التقاليد العربية ولكنه فعل ذلك بطريقة علمية فقد حوَّل المعرفة إلى الشعر إلا أن ديوانه لم يكن على صلة به و كما قال «Eckermann» فقد أحس»غوتة» أن ديوانه بمثابة جِلد متغير إلا أن الأمر بالنسبة لي مختلف تماما فأنا لم أشعرأبدا بأن التقاليد العربية شيء متغيِّر، ذلك أن الإسلام لن يُنتزع مني لأنه كالجلد غير الممكن تغييره بالنسبة لي.
{ جريدة الزايت: تُريد أن تُبقي»التنوير العربي» في أوروبا مستيقظا وهذا مشروع أوروبا الذي يجدر بها العمل عليه إلا أن هذا «التنوير الأوروبي» لم يعد مُؤثرا جدا بعد قرون من البربرية. ما هو تصوركَ حول هذا الطرح؟
عبد الوهاب المؤدب: أنا لا أشاطرك الرأي فلا يوجد ثقافة أخرى أولت اهتماما كبيرا ب»الآخر»مثل الثقافة الأوروبية ولكن المؤسف في الأمر أن كل ما أنتجته أوروبا ثبُتَ عدم صحته فقد تم دحض تاريخ «التنوير»عن طريق»الإمبريالية» و»الاستعمار»و»تدمير اليهود» وهذا التفنيد الذاتي لأوروبا وُجهت له انتقادات في نص لجزائري اسمه «حمدان خوجة» باللغة الفرنسية سنة 1834 و تم تكرار هذه الانتقادات من لدن العديد من أعداء الديمقراطية مثل «كارل شميت» وقد كان لأوروبا رد فعل ضد «الهمجية» الأوروبية بتأسيس ديمقراطية جديدة تتفق مع مبادئها الأصلية وهذا يُمكنه أن يُساعد الإسلام على تحرير نفسه من «الإسلام السياسي» ولكن أظن أنه من الناحية السياسية يُمكن لأوروبا أن تُشكّل مثالا وقدوة للآخرين.
{ جريدة الزايت: كيف يُمكن لقارة عجوز ليس لديها الكثير من الأطفال أن تكون مِثالاً؟
عبد الوهاب المؤدب: أنا قصدت هنا أوروبا بلد هجرة والبلد المصمِّم على اختراق الثقافات كما أنه من المهم جدا أن تتقبلوا فكرة الاندماج مع الآخر وإلا فسوف تُصبح أوروبا ك»الجميلة الميتة».
(*) مترجم و باحث
البريد الإلكتروني: [email protected]
حاورته اليزابيث فون (*)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.