عشية تنصيب ترامب.. وكالة الاستخبارات الأمريكية تنشر خريطة المغرب كاملة على موقعها الرسمي    لنقل 90 أسيرا فلسطينيا.. حافلات الصليب الأحمر تصل سجن عوفر    الرجاء يغادر دوري أبطال إفريقيا رغم الانتصار على مانييما    تعبئة شاملة لتقديم الدعم والمساعدة للمواطنين لمواجهة موجة البرد التي تعرفها عدة مناطق في المغرب    مسيرة وطنية حاشدة رفضا لقانون الإضراب والتقاعد    دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في قطاع غزة بتأخير حوالى ثلاث ساعات    خلية أزمة في وزارة الخارجية لتتبع إختفاء 4 سائقين مغاربة في منطقة خطيرة بين النيجر وبوركينافاصو    نيجيريا.. ارتفاع حصيلة ضحايا انفجار صهريج للوقود إلى 86 قتيلا    الدكتور كريم بلمقدم ل «الاتحاد الاشتراكي «: نتبرأ من الإضرار بمصالح المرضى و»الصحة العمومية» تعيش أزمة حقيقية    الجولة 91 من الدوري الاحترافي الأول .. نهضة الزمامرة يضغط على نهضة بركان ويقرب شباب المحمدية من الهبوط    كشف عنها المكتب الوطني للسكك الحديدية : توقع تسجيل رقم معاملات قياسي يتجاوز 5 مليارات درهم ونقل 57 مليون مسافر سنة 2025    ولاية أمن الدار البيضاء توضح ما جاء في محتوى فيديو يضم تصريح سيدة بتعرضها لاعتداء جسدي    توقيف سائق سيارة أجرة للاشتباه في تورطه في نقل مشروبات كحولية للزبائن    إبداع النساء المغربيات في أطباق البسطيلة المغربية يبهر العالم    تسليم الأسيرات الإسرائيليات الثلاث للصليب الأحمر الدولي بغزة    موانئ جنوب إسبانيا تتوحد لمواجهة المنافسة القوية لميناء طنجة المتوسط    ترامب يجمّد الإثنين حظر "تيك توك"    إدارة سجن العيون توضح بخصوص ادعاءات تعرض نزيل للضرب    البطولة: المغرب الفاسي ينجو من الهزيمة أمام حسنية أكادير بتعادل مثير في الدقيقة الأخيرة    لارتيست يعود بأغنية «بوهالي» تمهيداً لإطلاق ألبومه المرتقب «سوليداد»    «إيقاعات الأطلس المتوسط» تسحر جمهور الرباط بتراث غني وفنانين متميزين    مسيرة وطنية في مراكش تندد بالفساد وتطالب بمحاسبة المتورطين في نهب المال العام    بالصدى : بوحمرون .. وما بعده    فريق كوري يبتكر شبكة عصبية لقراءة نوايا البشر من موجات الدماغ    مراكش تحتضن مهرجان السينما والتاريخ    جبهة الدفاع عن الحق في ممارسة الاضراب "تجتاح" شوارع الرباط في رسالة واضحة للحكومة (صور)    توقعات أحوال الطقس ليومه الأحد    مهرجان مراكش للكتاب الإنجليزي: حفل تسليم النسخة الأولى من جائزة "كوستا غولدكس"    اختفاء أربعة سائقين مغاربة في ظروف غامضة ببوركينافاسو    الاستعراض والسياقة الخطيرة يقودان متورطين للمتابعة القضائية    وائل جسار يعايد مي حريري ويتمنى لها الشفاء    توقيف متورطين في سياقة دراجات نارية بشكل متهور واستعراضي    بنيعيش: العلاقات بين المغرب وإسبانيا مبنية على المصالح الاستراتيجية المشتركة    زيادة جديدة في ثمن الغازوال والبنزين بالمغرب..    أزمة التباين بين الأقوال والأفعال..    تقرير: الطاقة المتجددة ركيزة أساسية للتحول الاقتصادي المغربي    زياش يطالب غطلة سراي بمستحقاته المالية بعد اتفاقه مع الفتح السعودي    الإصابة تغيب أوناحي عن الديربي    إسدال الستار على فعاليات الدورة ال3 من المهرجان المغربي للموسيقى الأندلسية    بالدي يشتكي من إساءات عنصرية    عودة آلاف النازحين الفلسطنيين إلى منازلهم في غزة مع بدء وقف إطلاق النار    تعزية ومواساة في وفاة والدة السيد ميلود بلفضيل نائب رئيس مجلس جماعة تزطوطين    انسحاب اليميني المتطرف بن غفير وحزبه "القوة اليهودية" من ائتلاف نتانياهو احتجاجا على اتفاق غزة    إنشاء مجموعة عمل مغربية – ألمانية حول الأغذية والزراعة    المغرب يدخل غمار تصنيع الشاحنات وتصديرها للأسواق الأوروبية والإفريقية    أفضل وجهة في العالم لقضاء شهر العسل    د.الحسن عبيابة يتساءل: ماهي الحكومة التي ستشرف على الإنتخابات المقبلة ؟    حفل ضخم في "جوي أووردز" بالرياض    توقيف المشتبه به في طعن نجم بوليوود سيف علي خان    أيوب مولوع يرفع قيمته التسويقية    باحثون يدعون إلى تقوية الحماية القانونية لحراس الأمن الخاص في المغرب    الجزائر.. فيروس ينتشر ويملأ مستشفيات البلاد بالمرضى    "بوحمرون" يجلب قلق ساكنة طنجة.. مسؤولون: الوضع تحت السيطرة    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«تغيير الإسلام» .. محطات خالدة للتيار الإصلاحي في التاريخ الإسلامي
المفكر الإسلامي مالك شبل يدحض في كتابه الجديد الأطروحات التي تتهم الإسلام بالجمود
نشر في المساء يوم 04 - 03 - 2013

أصدر الأنثربولوجي والمفكر الإسلامي مالك شبل مطلع العام الجاري كتابا جديدا اختار له عنوانا مثيرا:
«تغيير الإسلام: معجم مصلحين مسلمين من الأصول إلى أيامنا الراهنة». ويلفت نظر المتلقي، منذ البداية، إقدام الكاتب على اختيار كلمة «تغيير» محل «إصلاح»، التي اعتيد على توظيفها في هذا المجال، علما بأن كلمتي «تغيير» و«إصلاح» صارتا في الوقت الراهن من بين أكثر الألفاظ تداولا في العالم العربي منذ هبت عليه رياح الربيع العربي قبل أزيد من سنتين. ويستعرض هذا الكتاب مجمل الأعلام الإصلاحيين والتيارات التجديدية في الإسلام عبر التاريخ الإسلامي.
في غمرة الحديث عن التغيير في كل شيء. وفي ظرفية وجد فيها لفظ التغيير طريقه إلى قائمة أكثر المصطلحات تداولا وتبنيا في العالم العربي، اختار المفكر الشهير مالك شبل إصدار كتاب جديد ينتصر لدوره لفكر التغيير على الأقل على مستوى العنوان: «تغيير الإسلام: معجم مصلحين مسلمين من الأصول إلى أيامنا الراهنة».
وقد أعلن رسميا عن طرح الكتاب الجديد لمالك شبل في المكتبات في 30 يناير الماضي عن دار النشر «ألبين ميشال». ورغم أنه ليس متاحا على نطاق واسع، فإن وسائل الإعلام الدولية أولت له اهتماما كبيرا ونشرت بشكل مكثف أبرز مقاطعه. كما نشرت عنه بعيد أقل من أربعة أسابيع من صدوره مقالات نقدية لمضامينه، مما جعله حدث مطلع العام الجديد في مجال التأليف الإسلامي باللغة الفرنسية.
ووعيا منه بإمكانية أن يثير العنوان الذي اختاره لكتابه الجديد ردود فعل سلبية لكونه يتحدث عن تغيير الإسلام، وليس التغيير في الإسلام، أو من وجهة نظر الإسلام أو رؤية إسلامية، على اختلاف التعبيرات، فإ ن مالك شبل اختار أن يضيف إلى العنوان الرئيس عنوانا آخر فرعيا يتضح من خلاله أن التغيير يعني الإصلاح في هذا المقام.
أكثر من ذلك ارتأى مالك شبل أن يبدأ كلمة مقتضبة عن الكتاب على ظهر غلافه بنفي الجمود عن الإسلام وإقرار صفة التطور ومواكبة العصر لديه بفضل مجهودات العلماء والمفكرين الإصلاحيين الذين يحفل بهم التاريخ الإسلامي.
وقد استهل شبل هذه الكلمة بالتذكير: «لا يتوقف الحديث عن «إصلاح الإسلام» كما لو أن لإسلام ظل دائما مجمدا على حال واحدة». ويؤكد المفكر نفسه منذ البداية أن تصورا من هذا القبيل لا يخدم سوى مصلحة الأصوليين. وبعد ذلك، يجزم بالحاجة إلى التغيير والإصلاح على مدار الدهر. «ما فتئ الإسلام يتجدد ويوضع تحت المجهر عبر أصوات المفكرين وعلماء الدين» يوضح شبل.
الانتصار للإصلاح
يعتبر هذا الكتاب الجديد انتصارا حقيقيا لكبار المفكرين، الذين تشبعوا بالقناعات الإصلاحية وعملوا على ترسخيها في الفكر الإسلامي والواقع المعيش للأمة، وخلدوا أسماءهم بمداد من ذهب في تاريخ الأمة. وهنا، يعترف مالك شبل بكونه لا يستعرض سير جميع المصلحين الذين جادت بهم الأرحام في العالم الإسلامي، غير أنه يؤكد أنه يستحضر أعظمهم أثرا وأبقاهم ذكرا وأنسبهم للرسائل المراد إيصالها إلى المسلمين عموما، ونخبهم بشكل خاص، في القرن الواحد والعشرين، وفي ظرفية صار فيها التغيير والإصلاح مفهومين رائجين على نطاق واسع في العالم الإسلامي، خصوصا في شقه العربي.
ومنذ الوهلة الأولى أيضا، ينتصر شبل لسمة أساسية في الوجوه والتيارات الإصلاحية التي يحفل بها التاريخ الإسلامي. وتتمثل هذه السمة في «التعددية» إلى حدود مثيرة حقا للانتباه وجديرة بالاهتمام، وفق شبل. فقد عرف العالم الإسلامي منذ ظهور الإسلام تيارات إصلاحية عدة ليبرالية وحداثية، وأخرى قائمة على أسس فلسفية، إضافة إلى موجة معاكسة تدفع في اتجاه العودة إلى «الإسلام الأصولي». وعلى هذا الأساس، لا يخلو أي معجم للإصلاحيين في التاريخ الإسلامي من وجوه فكرية تعكس هذا التعدد. وعلى سبيل المثال، لا يمكن أن يخلو هذا المعجم من اسم الأستاذ الجامعي والمفكر التقدمي محمد أركون، المتوفى حديثا بالمغرب. ومن غير المنصف أيضا ألا يرد في المعجم نفسه ذكر لمؤسسي تيارات إيديولوجية إسلامية معاصرة مثل الإسلام السياسي والوهابية والصوفية، وإن كانت هذه التيارات تقف على النقيض من الحداثة ومحاولات التحديث، بل تدخل معها في بعض الأحيان في مواجهات وصراعات.
استعراض شامل
يمتاز هذا الكتاب/المعجم الجديد كذلك باعتماده مقاربة شمولية لمعالجة قضية الإصلاح في التاريخ الإسلامي في الزمن والمكان. فعلاوة على الاستعراض التاريخي للتيارات الإصلاحية وزعمائها، سردا وتحليلا، ينفتح الإصدار الجديد أيضا على الاجتهادات والتيارات الإصلاحية التي عرفتها دول إسلامية غير عربية، مثل الهند، وتركيا، وأندونيسيا، ودول من آسيا الوسطى، وإيران، وباكستان. وجديد الكتاب، في هذا المجال، إثارته أسماء علماء ومفكرين مسلمين تبنوا الإصلاح في القارة الأمريكية كذلك، وهو مجال جغرافي يندر ذكره في مثل هذه المصنفات. وفي خضم كل هذه التيارات الإصلاحية التي يختلط فيها الوازع الديني بالهاجس السياسي، وكثير منها متباعد على مستوى زمن البروز ومكان الظهور، ينبري مالك شبل، منذ الوهلة الأولى أيضا، لتأكيد انتصاره لليبرالية.
وقد أثار هذا الحرص على إبراز تعددية التيارات والمذاهب الإصلاحية في العالم الإسلامي عبر تاريخ الإسلام الممتد على 14 قرنا انتباه الصحافي الفرنسي فانسو جيري، فكتب مقالا نشره بجريدة «ليبيراسيون» الفرنسية تحدث فيه بإسهاب عن هذه التعددية «المثيرة»، على حد وصفه، التي يتميز بها الفكر الإسلامي في شقه الإصلاحي، انطلاقا من كتاب «تغيير الإسلام».
ولم يتردد جيري في الاعتراف بأن هذه التعددية في حد ذاتها إرث هام ينبغي فهمه، إضافة إلى الحاجة الماسة إلى الإقرار بالدور الذي لعبه المفكرون وعلماء الدين الذين تجرؤوا على التعبير عن أفكار إصلاحية وعملوا على تجديد الفكر الإسلامي. وهذا المعجم وثيقة اعتراف بتلك المجهودات.
وبما أن شبل مَوْقع نفسه في صف الليبرالية، فلم يكن غريبا أن يكون أكثر وفاء للتيارات الإصلاحية الإسلامية ذات النزعة التجديدية، ويكون في الآن ذاته أكثر نفورا، أو على الأقل، أكثر تحفظا، عندما يتعلق الأمر بتيارات أخرى تتبنى أفكارا أصولية.
قضية ذات راهنية
لا يدعي مالك شبل أن الموضوع الذي يثيره في كتابه الجديد قضية جديدة في الفكر الإسلامي . إذ يقر بأن همَّ الإصلاح أو التجديد، وبلغة عنوان الكتاب «التغيير»، كان دائم الحضور في الأدب الإسلامي على امتداد التاريخ الإسلامي. غير أن هذا الكتاب يكتسي أهمية خاصة يستمدها من الظرفية التي صدر فيها، والتي تتسم بعودة قوية للحديث عن الإصلاح والتجديد، الذي ساد في العالم العربي والإسلامي بقوة في العقود الماضية، خصوصا في الفترة التي تعرف باسم «النهضة»، غير أن الحديث عنه في العصر الراهن يرتبط بهاجس التغيير ويختلف كليا عن السعي إلى الجواب الذي أرق علماء النهضة ومفكريها، والناجم بالأساس عما يمكن وصفه بالصدمة الحضارية: «لماذا تقدم الغرب وتأخر الشرق؟»
ويحاول مالك شبل في كتابه الجديد تسليط الضوء على السيرورة التاريخية التي تندرج فيها التيارات الإصلاحية وخصوصيات كل واحد منها انطلاقا من سيرة مؤسسيها ومنظريها. غير أن الكتاب لا يتوقف فقط عند التأخير أو الترجمة لأعلام التوجهات الإصلاحية في الإسلام، بل يأخذ بعين الاعتبار تحول قضية الإصلاح إلى موضوع الساعة في العالم الإسلامي، خصوصا المنطقة العربية التي تهب عليها رياح الربيع العربي منذ أزيد من سنتين. ولهذه الاعتبارات، كانت السمة الأولى لكتاب «تغيير الإسلام»: تقديم معلومة دقيقة وواضحة وقوية وموثوق منها.
ويتمتع الكتاب كذلك بخاصية ثانية، وقف عندها محللون ونقاد اطلعوا على الكتاب مطولا، وتتعلق بدحض التصورات الخاطئة والأحكام المسبقة المنتشرة على نطاق واسع بالعالم. في هذا المجال، يكذب شبل، عبر استعراض التوجهات والتيارات الإصلاحية التي عرفها التاريخ الإسلامي في تعدديتها وتنوعها وامتداداتها في الزمان والمكان. ويتخذ هذا المعطى التاريخي والفكري والعلمي دليلا وحجة لدحض أقوال الذين يتهمون الإسلام بالجمود والعجز عن التجدد ومواكبة المستجدات. وقد أنجز هذا الأمر بنجاح رغم توزع التيارات الإصلاحية على مساحة جغرافية تمتد من المحيط الأطلسي إلى أقصى آسيا، واهتمام الكتاب أيضا بأعلام الإصلاح المسلمين في القارة الأمريكية.
الترجمة المبتكرة
يتوفر هذا الكتاب على ترجمات لأزيد من 220 عالما ومفكرا وحركة روحية ودينية. وقد حرص شبل على تضمين كتابه الجديد قسما يندر مثله في الترجمات والمصنفات المشابهة. فقد اختتم «تغيير الإسلام» بفصل خاص يستعرض بشكل مقتضب الأعلام المصلحين في تاريخ الإسلام والحركات الروحية والدينية، والتيارات التجديدية والإصلاحية. وقد ورد هذا الفصل على شكل تركيب/ملخص لكل هذه التطورات على نحو يمكن من تكوين رؤية عن التجدد الدائم للفكر الإسلامي والدورة الزمنية لبروز أعلام الإصلاح وحركات التجديد. وفي هذا الأمر أيضا رد مفحم على القائلين بجمود الفكر الإسلامي وعدم قابليته للتجديد والتحديث.
أعد شبل لكتابه أيضا فهرسا فريدا من نوعه يقوم على فكرة مبتكرة ترتكز على إتاحة الفرصة للقارئ للبحث بسهولة بالغة، وفي آن واحد، عن علم من أعلام الإصلاح والتيارات والحركات الإصلاحية. وهذه سمة أخرى في الكتاب الجديد لمالك شبل. ففي السابق، اعتاد العرب والمسلمون، بشكل عام، إصدار كتب تتناول رواد الإصلاح وحدهم دون أن يميزوهم عن التيارات الإصلاحية أو العكس، بأن يتم رصد هذه التيارات وحصر الحديث عن الأعلام المعنيين بالتيارات التجديدية المتحدث عنها كلما اقتضى الحال ذلك، وهو ما يعسر مهمة الباحث عن تعريف أو ترجمة دقيقة لعلم معين لكونه قد يأتي ذكره أكثر من مرة، ولا يلقى حظه من التعريف والاهتمام، وهي مشكلة أفلح مالك شبل في إيجاد حل لها في كتابه الجديد. أكثر من ذلك، يعمد شبل في ختام كل ترجمة لتيار معين أو علم من الأعلام إلى الإحالة على مصادر أخرى لمن أراد من القراء الاطلاع على مزيد من المعطيات والمعارف. وقد أكد شبل على أنه حرص على أن تكون الكتب التي يحيل عليها في كتابه الجديد متاحة للعموم ما أمكن ذلك.
ويتطرق «تغيير الإسلام» أيضا لجميع مراحل التاريخ الإسلامي، من فجر الإسلام إلى الصراعات ذات الصبغة السياسية والدينية التي أعقبت انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه، إضافة إلى التطور التدريجي لعلوم القرآن بالموازاة مع اتساع رقعة انتشار الإسلام، إلى حين عصر النهضة، الذي تشكل فيه الوعي/الإدراك بالفوارق الحاصلة في التنمية بين الدول المستعمرة والبلدان الاستعمارية، وبروز سؤال النهضة المحير: لماذا تقدم الغرب وتأخر الشرق؟، وصولا إلى العصر الراهن الذي صار فيه التغيير أو ألإصلاح من المفاهيم الأكثر تداولا في العالم العربي والإسلامي على جميع المستويات، بما فيها السياسية والدينية.
من يتنازع الإصلاح؟
يعود هذا الكتاب إلى دراسة السياقات والظرفيات التي تعالت فيها أصوات مفكرين إسلاميين، يصفهم شبل ب«الحداثيين»، مطالبين بضرورة تحديث وتجديد الإسلام من أجل تمكين المجتمعات الإسلامية من الخروج من الجمود التي تعاني منه والتطلع للرقي والازدهار. يقف شبل عند القراءات التي اقترحها هؤلاء المصلحون للقرآن من أجل تأكيد وجهات نظرهم التي تلتقي، جميعها تقريبا، عند السعي إلى دحض الأفكار الشائعة عن تعارض التطلع للتقدم وإعمال العقل وتفعيل الإصلاحات مع الرسالة النبوية الشريفة. والواقع أن شبل نفسه يسعى، وفق أولى القراءات النقدية ذات التوجه الحداثي لكتابه الجديد، إلى الانتصار لهذه الفكرة أيضا في العصر الراهن، مما يعني أن معركة تفنيد الأفكار سالفة الذكر لا تزال مستمرة إلى حدود الساعة.
ويعتبر مالك شبل أن قضية الإصلاح في الإسلام ظلت على امتداد تاريخ المسلمين قضية ذات راهنية. وفي هذا الإطار يخلص في ختام كتابه إلى تنازع توجهين اثنين للأصوات الإصلاحية الإسلامية الراهنة. يتمثل التوجه الأول، وفق شبل، في الفئة التي تعتبر أن الله أبدعنا كطائفة مكتملة لا عوج فيها، وبالتالي لا حاجة لها إلى الإصلاح، فهي في غنى كذلك عن أي تجديد أو تغيير، لأن ذلك قد يمس بكمالها. ويؤكد شبل، في هذا الكتاب، أن الذين يتبنون هذه الأطروحة يخلطون بين «الإسلام المذهبي والإسلام التاريخي»، ويكون الهدف من مساعي هذه الفئة إلى إصلاح الإسلام وتطهيره وتمنيعه ضد أي توجه إصلاحي يعاكس ما بات يعرف بالإسلام الأصولي.
أما التوجه الثاني، فيتمثل في التيارات الحداثية التي تسعى، حسب مالك شبل دائما، إلى الوقوف في وجه تأثيرات الغرب وحداثته.

مالك شبل.. مفكر أعلن النضال من أجل «إسلام الأنوار»

استطاع مالك شبل، الأنثربولوجي والفيلسوف والمحلل النفساني والمفكر، أن يفرض نفسه في العقدين الأخيرين كأحد أبرز المفكرين في الإسلام الواضعين حالة المسلمين فكريا وثقافيا تحت المجهر والمعروفين على نطاق واسع.
ينفرد مالك شبل عن كثير من الباحثين والمؤلفين في هذا المجال الذي يعد غاية في الحساسة لدى كثير من المسلمين بأكثر من صفة تجعل كتاباته محل مناقشة وجدال وسجالا، بل محط انتقاد في بعض الحالات أيضا.
فكما سبقت الإشارة في المقال الرئيس، لا يتردد هذا المفكر في وصف نفسه بالمفكر التقدمي والليبرالي. وهذان وصفان جرا عليه الكثير من الانتقادات من قبل بعض من يخالفه هذه القناعات.
ففي نظر الكثيرين في العالم العربي والإسلامي، يعتبر هذا الإفصاح الصريح عن القناعات والتوجهات الفكرية إعلانا صريحا عن الأهداف التي يسعى الكاتب إلى تحقيقها عبر التأليف والتصنيف الغزير عن الإسلام والفكر الإسلامي.
غير أن مالك شبل استطاع أن ينتزع لنفسه اعترافا كبيرا بالتميز في هذا المجال. وقد حفلت مؤلفاته بجرأة كبيرة، مدعومة بقناعاته وتوجهاته الفكرية، وأكسبته صيتا هاما بلغ أوجه عند إعلانه تخصصه في النضال من أجل تحقيق ما أطلق عليه «إسلام الأنوار».
وقد صدرت لهذا المفكر في العقدين الأخيرين العديد من الكتب والمعاجم، باللغة الفرنسية طبعا، المصنفة في مجال الفكر الإسلامي، ولقيت إقبالا كبيرا، نذكر منها «إعلان من أجل إسلام الأنوار»، الذي صدر في سنة 2004 عن دار النشر «فيارد»، و«معجم رموز مسلمة»، الصادر في 1995 عن دار النشر «ألبين ميشال»، وهي المؤسسة نفسها التي تولت نشر كتابه الجديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.