ماتيس في طنجة" رواية للكاتب الجزائري عبد القادر جميعي. وهو روائي في رصيده العديد من الروايات: تخييم، محطة الشمال، الأنف على الزجاج، لحظة نسيان. وهي روايات منشورة عند واحدة من أهم دور النشر الفرنسية. تحكي "ماتيس في طنجة"، وهي من الصنف البيوغرافي، عن زيارة ماتيس لطنجة سنة 1912 رفقة زوجته "إميلي"، تحت وابل من المطر، الذي سبق نور طنجة الذي سيجده ماتيس دون نظير. سيكتشف الفنان العبقري ألوان المدينة ومناظرها وسكانها الذين في أغلبيتهم مغاربة وإسبان ويهود. لكنه سيجد غيابا كبيرا للعنصر الأنثوي الذي يعتبره ضروريا لعمله الفني. وهذا العمل الأدبي هو عبارة عن رسالة طويلة، عنوانها الأصلي "زهرة في الشرفة"، وهو مقتبس عن لوحة لماتيس، وزهرة هي عاهرة في طنجة فرضت نفسها على الخيال الخلّاق... المدينة صغيرة مثل الغرفة 35 حيث رائحة الصمغ وزيت الكتان القوية قد نفذت إلى أغطيتك. يمكن أن نقوم بجولة سريعة. تلتقي ضباطا من البحرية بلباسهم الجميل، سيارات لامعة، عربات تجرها جيّاد بخصلات شعر، سماسرة مهندمون، حاضنات إنجليزيات ومظاهر ثروة أمريكية منحدرة من بيوت مترفة مثل الأعشاش على الهضاب. أنت الرجل الكتوم وقليل الكلام، لم تختر المجيء إلى هنا لتشاهد هذا المشهد أو لإجراء محادثات مع المقيمين الأجانب. ليس من أجل التنكر في سائح مندهش أو نعسان، متقلّب أو متقزز. ما يهمك هم ناس هذا البلد الذين تحترمهم. لوازمك في يدك، تنطلق إذن في البحث عن الأمكنة، والأجواء، والملابس، والعطور، والأصوات التي تساعدك على الرسم. تتقدم أيضا وسط روائح الأزهار، والحور، والملح، وسفافيد اللحم، وشربة الفول، والبخور، والكيف، والصمغ، وطبعا، رائحة البحر الذي يتنفس بالقرب منك. ومثلما في "ليل" أو "سانت-كانتان"، الروائح الكريهة موجودة أيضا. الأزبال حُملت على ظهور البغال والنظافة في الغالب ليست كاملة. طوال رحلتك البحرية إلى الجزائر، أسرّيت إلى"مانغان" بأنك واع بأن عليك أن تقضي عدة سنوات في هذا البلد المغاربي من أجل "استخلاص شيء جديد وبأنه لا يمكن أخذ لوحة الألوان ولوازمها والشروع في الرسم". وأنا طفل، نادرا ما كنت أذهب إلى مركز المدينة، إلا إذا ذهبت رفقة أمي لزيارة طبيب أو لمرافقتها كما قلت وسط "مونت-دي-بيتي". وأنا أراها تضع الدواء الذي يجعلني قابلا للظهور والعصبية التي يبدو أنها تخنقها تحت حجابها، كنت أشعر بارتباك بأن هذه الدكاكين وهذه الشوارع، مثل "ألزاس-لورين" أو "أرزو"، بأروقتها الأنيقة ليست لمثلنا. ورغم ذلك كنا نقطن، منذ سنوات طويلة، مع كثير من الأوروبيين في حي "سيتي بوتي" هذا الذي تعلمت فيه بسرعة الحديث باللغة الفرنسية. كنت أحيانا تتسكع على واحدة من الطرق الرئيسية في طنجة، شارع باستور، بمحلاته الجميلة، ومطاعمه، وعماراته الحديثة ومصارفه بلافتاتها الدولية. كنت في بعض المرات تجلس في مقهى لتقرأ "رسومات"، الجريدة الفرنسية الأولى التي كانت تنشر صورا فوتوغرافية، قبل أن تذهب ليلا، ربما، إلى السينما أو للعب البليار. وكما هي العادة، أنت ممدد على السرير، في الثامنة مساء على أبعد تقدير. كان جدي هو الآخر، رغم أنه ينام في القيلولة، ينام باكرا. باستثناء رمضان الذي كان يسهر فيه معنا، على ضوء الشموع أو السراج ذو الأنبوب الزجاجي الحارق والخزّان النحاسي الواسع الفوهة مثل إبريق. بعد تناول وجبة أكثر غنى من المعتاد، نجتمع في القاعة الكبرى حيث تتردد، مثلما في بيت طفولتك، الرائحة العذبة للشمع الذائب، ورائحة البنزين الأكثر حدة، ورائحة الفتيل الذي يصعد منه الدخان أحيانا.