تمتلكنا الحيرة , أنا وزملائي في جمعية المحمدية للصحافة والإعلام, ونحن نكتشف في كل مرة نتوصل فيها بدعوة كريمة من طرف أصدقائنا في الاتحاد المصري للإعلام والثقافة الرياضية لحضور ندوة أو لقاء إعلامي في مصر, سحر تلك الجاذبية التي تشدنا وتجعلنا نحلق بفكرنا وأحاسيسنا نحو معانقة أرض مصر.. تكرر الأمر مجددا في شهر مارس الماضي, توصلت جمعيتنا بدعوة لحضور لقاء حول موضوع الصحافة ودورها في تطوير السياحة العربية, طرح رئيس الجمعية الزميل الحبيب محفوظ الأمر على أعضاء الجمعية, فكان رأي الأغلبية عدم السفر إلى مصر.. عجبا, ماذا فعلت فينا صور بعض القنوات التلفزية التي ملأت مخيلاتنا بصور القنابل والأسلحة والجثث والاعتداءات.. عجبا, أليست هي أرض الكنانة التي لم نكن في الجمعية نستطيع مقاومة سحرها ونبحث عن أية فرصة لاستنشاق هواء تربتها؟ ناقشنا الموضوع, راسلنا أصدقاءنا هناك نستفسرهم عن الأوضاع وعن الأحوال.. أسرنا كانت قلقة, ترفض منحنا صك الرضى لسفر يبدو غير آمن العواقب.. لكن, ومع اقتراب شهر أبريل موعد الندوة في مصر, ومع توالي المراسلات الفيسبوكية من طرف أصدقائنا المصريين تدعونا لتجاهل التخوف والقلق وتؤكد وجود الأمان في بلد الحضارة الفرعونية, انبعث في دواخلنا ذلك السحر العجيب الذي يلغي كل شيء إلا رفض دعوة النيل العظيم.. لنحزم حقائبنا يا رفاق, لنا أصدقاء ينتظروننا هناك.. في أرض الكنانة. في مصر, في فندق البارون, صباحا باكرا, أمام فنجان قهوة بالبن المحوج المعطر, أسأل صديقي أحمد شاهين, الإسم المعروف في السياحة المصرية كصاحب مجموعة فنادق البارون المنتشرة في القاهرة والغردقة وشرم الشيخ: مصر حسني مبارك, مصر محمد مرسي, ومصر ما قبل عبد الفتاح السيسي.. كيف هي السياحة في الحقب الثلاث ؟ طبعا, السياحة كانت مزدهرة ومنتعشة في عهد مبارك, يرد أحمد شاهين بكل ثقة, في عهد مرسي تقهقرت وتقزمت, بل وأعدمت تماما.. اليوم, هي تبحث لنفسها عن هواء جديد في ظل أجواء التفاؤل والأمان التي بدأت تسري من جديد في عروقنا وفي شوارعنا.. الأمر صعب جدا, لكننا نجاهد من أجل النهوض, والأمل فيكم أشقاءنا العرب من كل الأقطار العربية أن تثقوا في بلدكم الثاني مصر, فالأجانب العجم مازالوا غير قادرين على الوثوق في مصر. شكرا الزميل أشرف محمود رئيس الاتحاد المصري للإعلام والثقافة الرياضية وباقي الزملاء أعضاء الاتحاد, فبعيدا عن اللقاء - الندوة سبب حضورنا لمصر, أكرمونا ببرنامج حافل لزيارة أجمل وأعرق مناطق ومآثر مصر.. بل, وربما عن عمد, وقصد, فعلها أشرف محمود بخلاف عادته في السنة الماضية حين زرنا مصر وهي في عهد محمد مرسي, حين كان يمنعنا من التنقل في شوارع القاهرة دون مرافقة باقي أعضاء الاتحاد المصري.. في هذه المرة, منحنا «الرايس» أشرف محمود حرية التجول والتنقل ليلا ونهارا ودون مرافقة أو « حراسة» .. الإشارة طبعا فهمنا مغزاها.. ووقفنا ولامسنا حقيقتها ونحن نتجول في كل شوارع وأزقة وحواري القاهرة.. بل كم كنا سعداء ونحن نلامس هواء الآمان والاطمئنان ونحن نتجول في الساعات المتأخرة من الليل ونجلس في مقهى بأحد الشوارع المحاذية لقصر الاتحادية والساعة كانت تقارب الرابعة صباحا.. وكان زميلي جلال كندالي قد التهم كوبا من الزبادي بالعسل, فيما راح سعيد هندي يبحث عن مسجد قريب من المكان لأداء صلاة الفجر, في الوقت الذي كان فيه محمد شروق مستغرقا في التقاط صور فوتوغرافية تؤرخ للمكان والزمان, وصورا لي ولصديقي أحمد شاهين ونحن نناقش تفاصيل حكايات أخرى ستروى في زمن لاحق. يوم الاثنين 21 أبريل, إنه عيد شم النسيم, عيد الربيع, أقدم عيد في العالم وفي تاريخ البشرية.. عيد يمتد لسبع آلاف سنة, ورثه المصريون كما ورثوا الأهرامات والمآثر الفرعونية. في ذلك اليوم, لبيت دعوة لصديقي المصري أحمد نزيه للاحتفال معه ووسط أسرته في بيته بمنطقة حدائق القبة. شقة صغيرة في الطابق الثاني من عمارة تمتد علوا لأربع طوابق, في حارة شعبية بملامح وأجواء مصرية عريقة.. محلات تجارية ومقاهي وبائعي العيش والخبز والفول المدمس يملؤون المكان.. رائحة « الفسيخ» تنبعث من كل البيوت والمنازل.. تقول أماني أم كريم زوجة صديقي أحمد نزيه وأم لأربعة أبناء بنت وثلاث أولاد: في شم النسيم, مستحيل أن تخلو مائدة الأكل في كل بيت مصري من الفسيخ.. هو سمك نضع عليه ملح كثير, ونحتفظ به تحت أشعة الشمس لوقت كبير, رائحة تجعلك تنفر من أكله, لكنه لذيذ.. صدقني يا ضيفنا العزيز.. وصدقني أن كل جيراننا سعداء بوجودك معنا.. آه لقد قلت لهم, لا تزعجوني اليوم.. في بيتنا ضيف.. مغربي. في مصر, الشوارع والحواري وما تعرفه من أمان وأمن, يكذب ما تبثه بعض القنوات التلفزية.. صحيح لم نذهب لسيناء حيث المواجهات بين الجيش والإرهاب على أشدها.. لكن وعموما.. مصر في آمان.. مصر تنتظر ما بعد الانتخابات القادمة.. مصر تتطلع لمرحلة عبدالفتاح السيسي المرشح فوق العادة لقيادة مصر ما بعد الإخوان المسلمين..