من أجل مناهضة الإدمان، ومحاولة الحد من تعاطي المخدرات عن طريق فتح نقاش بين الفاعلين القانونيين والجمعويين، وتحسيس الشباب بخطورة هذه الآفة مع حثهم على المشاركة والانخراط في مناهضة الإدمان، انطلقت يوم الأربعاء 05 مارس الأيام التحسيسة لمحاربة المخدرات التي تنظمها جمعية التحدي لمناهضة الفقر والإدمان بوجدة تحت شعار "تحديات التنمية رهينة بمناهضة الإدمان"، والتي ستستمر إلى نهاية شهر يونيو 2014 وستشمل معظم مدن الجهة الشرقية. وقد انطلق برنامج هذه الأيام، والتي ستتضمن فقرات تحسيسية وثقافية ورياضية وفنية، بعرض شريط مصور بث شهادات لشباب مدمن ولأسر عانت وتعاني مع أبناء أدمنوا إما على شرب الخمر أو التعاطي للمخدرات وخصوصا "الشيرا" و"القرقوبي"، حيث قدمت شابة تصريحا بأنها اضطرت إلى مغادرة بيت أسرتها هربا من شقيقها المدمن الذي كان يلجأ إلى ضربها وسرقة أشيائها لشراء المخدر، فيما أدلى شاب آخر بأنه كان يشم 5 لترات من مادة "الدوليو " في اليوم، وتصريح آخر لشابة تعرضت للاغتصاب نتج عنه حمل فلجأت إلى القضاء إلا أنه لم ينصفها وجاء الحكم في صالح المعتدي، ونتيجة لذلك تبرأت منها أسرتها فوجدت نفسها عرضة للتشرد والضياع ما دفعها إلى تعاطي الدعارة وإدمان المهدئات... وقد أجمعت جل التصريحات على كون الطلاق والتفكك الأسري وغياب الأب داخل الأسرة واصطحاب الأب الأبناء الذكور في جلساته الخمرية مع أصدقائه، من أسباب انحراف الأبناء ولجوئهم إلى عالم المخدرات والخمر، زيادة على رفاق السوء وعدم قيام المؤسسات التعليمية بدورها كإبلاغ أسر التلاميذ بغياب أبنائهم عن الدراسة إلا بعد مرور 15 يوما على ذلك، أي بعد أن يكون التلميذ قد انغمس في المحظورات، كما جاء على لسان إحدى الأمهات. وقد تضمنت هذه الشهادات اعترافا بدور جمعية "التحدي لمناهضة الفقر والإدمان" في توجيه ومساعدة متعاطي المخدرات، سواء كانوا مدمنين أو في طريقهم نحو الإدمان، على التخفيف من ذلك في انتظار الإقلاع النهائي عن تعاطي هذه السموم. كما وجهوا نداءات إلى السلطات الأمنية من أجل مراقبة بائعي السجائر بالتقسيط أمام المؤسسات التعليمية، ووقف تدفق الأقراص المهلوسة من الجزائر إلى مدينة وجدة ومنها إلى باقي أنحاء المغرب مع محاربة "البزناسة" الكبار قبل الصغار. وقدموا توصية بضرورة تدخل الدولة لوقف الإدمان، وذلك عن طريق إقامة مستشفى خاص بعلاج المدمنين بالجهة الشرقية، وهو الهدف الذي تسعى إليه الجمعية المذكورة حسب ما جاء في تصريح لرئيستها الدكتورة نجية النور، والتي شددت على أهمية إنشاء هذا المستشفى بالنظر إلى الخصوصية الجغرافية للمنطقة باعتبارها منطقة حدودية يتم إغراقها بالأقراص المهلوسة، والتي أصبح خطرها لا يشمل الشباب فقط، وإنما طال حتى الأطفال بعدما نزل معدل تعاطيها من 17 سنة فما فوق إلى 11 سنة. وحول موضوع " ظاهرة المخدرات بين الواقع والقانون والتدابير اللازمة من أجل الحد من هذه المعضلة"، تم بالمناسبة أيضا ، تنظيم مائدة مستديرة شارك فيها فاعلون قضائيون وأمنيون وتربويون، كما شارك فيها المجلس العلمي لمدينة وجدة بمداخلة حول "موقف الإسلام من المخدرات" قدمها الأستاذ محمد بوطيب. وقد قدمت الأستاذة كريمة الإدريسي، نائبة الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بوجدة، مداخلة حول "دور الخلية القضائية في مناهضة الإدمان كسبب من أسباب العنف"، أبرزت فيها بأن قضايا العنف ضد النساء والأطفال غالبا ما يكون سببها الخمر وتعاطي المخدرات، وللحد من ذلك قدمت مجموعة من المقترحات كاعتماد تدابير علاجية ووقائية والقيام بحملات تحسيسية وأيام دراسية، مع التنسيق بين قطاع التعليم والأمن من أجل وضع مراكز أمنية قريبة من المؤسسات التعليمية لضبط مروجي المخدرات أمامها ومتابعتهم قضائيا. وأشارت أيضا إلى أن ردع المتعاطين وعقابهم لا يعطي فائدة إلا إذا تم إخضاعهم للعلاج وتتبع حالاتهم. ودعت في الأخير إلى ضرورة تكاثف الجهود للقضاء على هذه الظاهرة. أما الأستاذة عتيقة بلقاسمي، منسقة مركز الاستماع للتلاميذ بثانوية عبد المومن بوجدة، فاعتبرت موضوع الإدمان «هم أمة»، وتحدثت عن تجربة مراكز الاستماع للتلاميذ بالجهة الشرقية، وهي التجربة التي كشفت تعاطي التلاميذ بالمستويين الإعدادي والثانوي لكل أنواع الخمور والمخدرات داخل المؤسسات التعليمية، والخطير -تقول الأستاذة- أنها تجاوزت الذكور لتصل إلى الإناث كما أنها بدأت تظهر في بعض المؤسسات الابتدائية. وذكرت الأستاذة عتيقة بلقاسمي بأنها كشفت، بحكم عملها في خلية الإنصات، كون المخدرات دخلت أسرا محافظة وأسرا تراقب أبناءها عن كثب، متسائلة في هذا الصدد عمن المسؤول عن تسهيل ترويج السموم داخل وبمحيط المؤسسات التعليمية، وأضافت بأنهم عملوا داخل مركز الاستماع على رصد واحتضان مجموعة من التلاميذ في طريق الإدمان ومساعدتهم عن طريق الوساطة التربوية بين التلميذ وأسرته. وبالنيابة عن النائب الإقليمي لوزارة التربية والتعليم بوجدة، قدمت الأستاذة لطيفة رزوك المقاربة التربوية داخل المؤسسات التعليمية ودورها في محاربة الإدمان، كتشجيع الأنشطة الفنية والثقافية والرياضية ومنع التدخين داخل المؤسسات التعليمية... أما عميد الشرطة رابح الداودي، وفي إطار دور الأمن في مكافحة المخدرات، فقدم إحصائيات بمحجوزات الأمن برسم سنة 2013 في ما يتعلق بالمخدرات بكل أصنافها (الشيرا، الكيف وطابا، الكوكايين، الهيروين، الأقراص المهلوسة) وعدد الأشخاص الذين تم تقديمهم أمام أنظار العدالة من أجل حيازة وترويج المخدرات. كما عرض على مسامع الحضور، الذين غصت بهم جنبات المركز الثقافي "باستور"، الأعراض السلوكية والمظهرية للشخص الذي يتعاطى المخدرات. الأستاذة فتيحة منيب، نائبة وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بوجدة، قدمت مداخلة حول محاربة المخدرات في التشريع المغربي، أشارت فيها إلى تجريمه لإنتاج المخدرات والاتجار فيها ولاستيرادها وتصديرها، كما ذكرت بالعقوبات التي سنها المشرع في ما يخص الاتجار والاستهلاك غير المشروع للمخدرات. أما حورية ديدي، محامية بهيئة وجدة فتحدثت عن ظهير 21 ماي 1974 المتعلق ب«زجر الإدمان على المخدرات السامة ووقاية المدمنين على هذه المخدرات»، وهو القانون المطبق بالمحاكم إلى الآن، والذي ترى الأستاذة بأنه يجب تطويره ليتلاءم مع الحاضر. وحول"محاربة الإدمان ودورها في إعادة الإدماج" قدم الأستاذ عزاوي الشيخ، عن مركز المصاحبة وإعادة إدماج السجناء بوجدة، كلمة قدم فيها نبذة عن المركز والمهام المنوطة به والمرتكزات التي يرتكز عليها، كما أشار إلى إقدام إدارة المؤسسة السجنية بوجدة على منع السجائر عن حي الأحداث وحي النساء. وفي ما يتعلق بالمدمنين فذكر بأنهم يعملون داخل المركز على توجيه المفرج عنهم الراغبين في الإقلاع عن المخدرات وذلك في إطار المرتكز المتعلق بالجانب الصحي. الدكتورة نجية النور نيابة عن نائب وزارة الشباب والرياضية بوجدة، تدخلت بكلمة أبرزت فيها دور الرياضية وأهميتها في مناهضة الإدمان والحد من تعاطي المخدرات، وذكرت بالدور الذي تلعبه المراكز السوسيو ثقافية التي تم إنشاؤها بمدينة وجدة في هذا الإطار.