شهدت إحدى قاعات محكمة مدينة ليل (شمال فرنسا) مساء الثلاثاء الماضي، أطوار جلسة المتابعة العبثية ضد محامي الشهيد المهدي بنبركة، الأستاذ موريس بوتان، التي رفع دعواها واحد من موظفي جهاز الاستخبارات والأمن المغربي، المتهم بالتورط في عملية الاختطاف والتصفية تلك، ميلود التونزي (الشتوكي). وهي المتابعة التي تأتي بعد المتابعة السابقة التي رفع دعواها نفس المتهم، ضد الصحفي الفرنسي جوزيف توييل من القناة الثالثة الفرنسية، بدعوى تسريب معلومات عن قضية معروضة أمام العدالة. وهي المحاكمة التي سبق وحكمت فيها المحاكم الفرنسية بالبطلان لصالح الصحفي توييل. المحاكمة الجديدة، الثلاثاء الماضي، تطرح بسياقاتها وأطوارها الكثير من الأسئلة حول الجهات المحركة لها، والغايات السياسية منها. وهي المحاكمة التي سجلت وقفة احتجاجية لمجموعات من الشباب الاتحادي والتقدمي المغربي وجمعيات المجتمع المدني، أمام باب المحكمة رافعين صورا للشهيد المهدي بنبركة (ضمنهم عائلات المختطفين تتقدمهم عائلة المختطف مجهول المصير الحسين المانوزي). ولقد انطلقت تلك الجلسة بتسجيل محامي الجهة رافعة الدعوى، ضابط الاستخبارات والأمن المغربي ميلود التونزي (الشتوكي)، التي الجديد فيها هذه المرة هو تسجيل محام مغربي من الدارالبيضاء هو الأستاذ الأندلسي لاسمه كمترافع في القضية، الذي انضاف إلى المحامي الفرنسي السابق للشتوكي. ولقد استمرت الجلسة خمس ساعات كاملة، تركزت فيها مرافعات الدفاع على أن الشخص المشار إليه دوما باسم "الشتوكي" ليس هو ميلود التونزي وأن لا علاقة لموكلهم بتلك الشخصية ولا بقضية اختطاف واختفاء الشهيد المهدي بنبركة، وهو الدفع الذي لا أساس له، بل أكثر من ذلك هناك مرجع رسمي لهيئة الإنصاف والمصالحة يعترف فيه التونزي نفسه أنه هو "الشتوكي". والحكم الصادر في فرنسا، الذي أثبت أن الخط ببطاقات الدخول بعد إجراء الخبرة العلمية والقضائية عليه، بمطارات فرنسا، لكل من التونزي والشتوكي متطابق تماما. بينما ذهبت مرافعة المدعي العام الفرنسي، في اتجاه إنصاف محامي الشهيد المهدي بنبركة، الأستاذ موريس بوتان، حيث أكدت أن ما يؤاخذ عليه السيد بوتان لا علاقة له بأسرار الملف وأسرار التحقيق، وأنه لم يرتكب أي خرق للقانون، معتبرة أن قرينة البراءة كاملة في هذا الملف. بعدها قررت هيئة المحكمة إدخال القضية إلى المداولة وحددت تاريخ 15 أبريل القادم، يوما للنطق بالحكم. ولقد علمنا أن حركة الاحتجاج ضد هذه المحاكمة العبثية، التي لها مغاز سياسية، التي تضم عددا من الفعاليات والمنظمات الحقوقية المغربية وجمعيات المجتمع المدني قد قررت تنظيم مظاهرة ضخمة بمدينة ليل شمال فرنسا يوم 14 أبريل القادم، يوما قبل النطق بالحكم، للاحتجاج على تلك المتابعة العبثية وأيضا لفضح خلفيات من حركوها، وإعادة طرح ملف الشهيد المهدي بنبركة كواحد من الملفات الحقوقية والسياسية، التي تتطلب الكشف عن كامل الحقيقة فيه وأن يلعب القضاء الفرنسي دوره كاملا في الكشف عن أسرار هذا الملف، ومتابعة كل المتورطين فيه سواء في المغرب أو في فرنسا دون إغفال ضرورة توضيح السلطات العمومية المغربية لوضعية موظفها في جهاز الأمن ميلود التونزي، هل لا يزال يمارس مهامه الوظيفية أم إنه تقاعد؟. وهل هي التي رخصت له بالتالي برفع الدعوى العبثية تلك، بما يشكله ذلك من رسالة سياسية، أم أنها مبادرة فردية منه؟. وللتأكد من معطى اعتراف ميلود التونزي نفسه أنه هو "الشتوكي" ضمن جلسات الاستماع الرسمية لهيئة الإنصاف والصالحة، اتصلنا بالأخ مبارك بودرقة، العضو السابق بتلك الهيئة، وبصفته مسؤولا عن فريق التحريات بها، استفسرناه حول تصريحات التونزي، فأكد لنا المعطيات التالية. يقول الأخ بودرقة: "نعم لقد استمعنا، ضمن مهمتنا في البحث بهيئة الإنصاف والمصالحة، في ما يتعلق بقضية اختطاف واختفاء الشهيد المهدي بنبركة، والبحث عن مصيره المجهول ومكان جثته، إلى المواطن المغربي ميلود التونزي، بصفته موظفا سابقا بجهاز الأمن الذي ورد اسمه في كل أطوار الملف، بما فيها تلك التي شهدتها محاكم فرنسا. ولقد ادعى في بداية الاستماع إليه أن لا علاقة له بالقضية. لكن حين طرحنا عليه أسئلة مدققة تتعلق بالملف، أجاب عنها بالتواء. وحين واجهناه بعدد من الأدلة الدامغة، أجاب عن بعضها بما يثبت تورطه: فجوابا عن سؤال: هل سافرت إلى باريس في أكتوبر 1965؟. أجاب بالإيجاب، مؤكدا أنه سافر بأمر من الدليمي رفقة الطالب المغربي الغالي الماحي (الذي كان طالبا متعاونا مع جهاز المخابرات المغربية الكاب1)، وأن من استقبلهم في مطار أورلي بباريس هو أنطوان لوبيز، وأنه تناول العشاء ببيته وقضى ليلته عنده. (وأنطوان لوبيز هو حلقة مركزية في تنفيذ عملية اختطاف الشهيد المهدي بنبركة). وجوابا عن سؤال: هل التقيت المتهمين الفرنسيين الأربعة، ذوي السوابق العدلية (أندري لوني، جورج بوتشيش، جون باليس، بيير دوباي) بفرنسا المتورطين في ملف الاختطاف؟. أجاب أنه يذكر أنه التقى 4 مواطنين فرنسيين بصفتهم رجال أعمال وأنهم ينوون الاستثمار بالمغرب. وجوابا عن آخر سؤال بعد جلسة دامت أكثر من ثلاث ساعات ونصف: هل سبق وسافرت بجواز سفر يحمل اسم الشتوكي؟. أجاب بوضوح: نعم. وكان الجواب الوحيد الذي لم يحاول المراوغة فيه". سؤال من البشير بنبركة إلى الدولة المغربية.. في اتصال هاتفي مع نجل الشهيد المهدي بنبركة، البشير بنبركة، أكد أن عائلته عبر محاميها، قد طالبت مرارا بانتداب قضائي لحضور قاض فرنسي إلى المغرب بغاية الاستماع إلى كل المسؤولين المغاربة الواردة أسماؤهم في الملف وضمنهم ميلود التونزي الشتوكي. وبعد استجابة القضاء الفرنسي لذلك، ظل جواب الدولة المغربية أنها تجهل عناوينهم، وعنوان التونزي ومكان تواجده. وها هو اليوم، قد أصبح له عنوان، ومكان مخابرة من خلال مكتب محاميه المغربي، الذي هو محام معروف مسجل بهيئة محاميي الدارالبيضاء. بالتالي، يتساءل البشير بنبركة: ما الذي ستجيب به الدولة المغربية اليوم، حول مسألة الانتداب القضائي في هذا الملف؟ من مذكرات الصحفي مصطفى العلوي لماذا تكتمت فرنسا عن هوية التونزي؟ (... وغريب أيضا أن تجعل الأجهزة الفرنسية من حالة المخطط والمدبر لعملية اصطياد المهدي ببنركة، وهو الذراع اليمنى لأوفقير في العملية، ميلود التونزي الذي أوحي لجميع من يهتم بالملف أن يكتب بدل اسمه لقب «الشتوكي». وهي دغمشة استخباراتية كبيرة، لا مبرر لأن تحتفظ الأجهزة الاستخباراتية الفرنسية بسرها غامضا منذ 1965، سنة الاختطاف إلى أن اقترب قدوم القاضي «راماييل» سنة 2006، حيث تم الإعلان عن أن الشتوكي هو ميلود التونزي. بينما جميع الكتب التي ألفت عن القضية، وهي تعد بالعشرات، تتحدث عن »الشتوكي«. فكيف أن السلطات الفرنسية التي كانت عندها صورة لجواز سفر ميلود التونزي في أكتوبر 1965، أي قبل الاختطاف، ومكتوب عليه اسم ميلود التونزي مع صورته، تركت الكتاب والصحافيين والبوليس يتيهون في متاهات الخطأ؟ دون أن تتفضل علينا جريدة فرنسية بنشر صورة ذلك الجواز.فالمخابرات الفرنسية إذن، تلعب مع الراغبين في المغرب، في بقاء القضية معلقة. خاصة عندما صرح عضو سابق في لجنة الانصاف والمصالحة، وهو معروف بانتمائه الاتحادي، أكثر من مرة أنه خلال مناقشات الهيئة وأبحاثها في ملف المهدي بنبركة، كان الضباط الكبار يعترضون على المتابعة في هذه القضية).