للمرة الثالثة يؤكد مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، أن كشف الحقيقة في ملف الشهيد المهدي بنبركة "ليس من ألوياته". الوزير الإسلامي قال لوفد من الحقوقيين الناشطين في جمعية "عدالة" إن "الكشف عن حالات الاختفاء القسري العالقة والتي تعتبر حالة المهدي بنبركة من أبرزها ، تطرح تساؤلات سبق له وأن طرحها من قبيل هل يمكن لوزارة العدل المغربية أن تقوم بدور ما؟ وهو سؤال مشروع في تقديره، ولكنه اعتبر أن لديه أولويات، وبالتالي ليس له حاليا وقت للتفكير والجواب عنه وسيجيب عنه إذا اقتضى الأمر ذلك لكن ليس في بداية ولايته" على حد تعبير بلاغ صادر عن الجمعية. الرميد سبق له أن أكد نفس الأمر في خرجتين إعلاميتين قبل ذلك مستغربا عدم قيام وزيري العدل الاتحاديين الراحل محمد بوزوبع وعبد الواحد الراضي بما من شأنه تحقيق تقدم الأبحاث القضائية في سبيل الكشف عن حقيقة اغتيال المهدي بنبركة. الوزير الإسلامي رمي بالمقابل، في مناورة سياسية ذكية، بهذا الملف بين يدي خصمه الإيدولوجي والسياسي إدريس اليازمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
إصرار الرميد على اتخاذ مسافة من قضية الشهيد المهدي بنبركة والحديث عنه بطريقة مهينة يندرج في سياق الحرب بين الإسلاميين والاتحاديين في وزراة العدل، حرب تتجلى في الإضرابات المتصاعدة للنقابة الديمقراطية للعدل المقربة من الاتحاديين وتهديدات الرميد بالاقتطاع من أجور المشاركين فيها. استغلال سياسوي لقضية بنبركة يذكر باستغلال حميد شباط، القيادي الاستقلالي، لنفس الملف حينما وصف المهدي بنبركة ب"القاتل" في عز الصراع بين الاتحاديين والاستقلاليين حينما كان بعض الاتحاديين يهدد بالانسحاب من حكومة عباس الفاسي.
تجدر الإشارة إلى أن موريس بوتان، محامي عائلة المهدي بنبركة وأول محامي انتصب في قضية المهدي منذ 1965، كشف في ندوة نظمت سنة 2009 حول مستجدات قضية بنبركة، أن السلطات القضائية الفرنسية لم تقم بتفعيل مذكرة البحث التي أصدرها قاضي التحقيق الفرنسي باتريك راماييل في حق مسؤولين مغاربة بينهم الجنرال حسني بنسليمان في أكتوبر من سنة 2007. وقال موريس بوتان "إن باتريك راماييل راسل وزير العدل الفرنسي مستغربا عدم اعتقال أي من المطلوبين الخمسة بعد سفر الجنرال حسني بنسليمان إلى بكين وسفر مطلوب آخر إلى اسبانيا، فاكتشف أن السلطات الفرنسية "لأول مرة في تاريخ فرنسا، تحجم عن تنفيذ مذكرة اعتقال في حق مطلوبين للعدالة". واسنتنج موريس بوتان أن في ذلك دليلا على وجود "تواطأ بين الحكومتين المغربية والفرنسية لعدم كشف الحقيقة في ملف المهدي بنبركة".
هذه المعطيات يتغافل عنها الرميد مكتفيا بتحميل الاتحاديين الذين تحملوا مسؤوليات حكومية، الجزء الأكبر من المسؤولية عن عدم تحقيق أي تقدم في ملف المهدي بنبركة، مستثنيا الجنرال حسني بنسليمان والسلطات الفرنسية من مسؤولياتهم في كشف حقيقة اختطاف واغتيال بنبركة.
ويذكر أن راماييل أصدر مذكرة بحث في أكتوبر من سنة 2007 في حق كل من الجنرال حسني بنسليمان، الذي كان عضوا في ديوان الجنرال أوفقير لحظة ارتكاب الجريمة سنة 65، وعبد الحق القادري، المسؤول السابق عن المديرية العامة للدراسات والمستندات التي ورثت جهاز "الكاب 1"، وميلود التونزي، أحد عناصر المجموعة المتهمة باختطاف بنبركة، وأبو بكر الحسوني، عميل جهاز "كاب-1"، وعبد الحق العشعاشي المسؤول في نفس الجهاز. هؤلاء المشتبه في تورطهم في اغتيال المهدي بنبركة تبين أنهم استفادوا من رخص استغلال خطوط للنقل الطرقي بعد صدور تقرير هيأة الإنصاف والمصالحة سنة 2005، ما يؤكد استخفاف المخزن بعمل الهيأة، أو قوة الأطراف التي كانت مناهضة أصلا لفتح صفحة ماضي سنوات الرصاص وكشف ما يمكن من حقائق تلك المرحلة.