هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إرث المرأة بين مقاصد الإسلام وغلو الفقهاء
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 04 - 12 - 2013

- طلب المساواة بين المرأة والرجل في الإرث بعيدة عن المس بالمؤسسة الملكية:
إن الكلام عن كون، طلب مساواة الجنسين في الإرث سيؤدي إلى دخول الأنثى في توارث العرش الملكي ضمن العائلة العلوية، هو ادعاء سياسي باطل. لأن في ثقافتنا الإسلامية وحتى في النص «أولي الأمر» لا تختلف مكانتهم عن مكانة الأنبياء في كثير من الأمور (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ). ( وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ) سورة النساء الآيتان 59 و83 . وأولي الأمر ليسوا كغيرهم من الناس ونسائهم لسن كباقي النساء. والنبي لم يورث أهله عملا بهذه القاعدة ...مما يدل على أنه ليس هناك مبرر شرعي يحتم على أولي الأمر بما فيهم ملوك المغرب، الخضوع لنفس القوانين التي تحكم العامة. هذا من جهة أما من جهة أخرى فإن وضعية ملوك المغرب التي أقحمها معارضو المساواة والتجديد في الموضوع دون سبب، هي وضعية، فضلا، عن أنها أعقد من أن يفهمها في حقيقتها العامة، فهي تستلزم نظاما خاصا لأن المرأة في الأسرة المالكة تختلف وضعيتها وضرورياتها وحاجياتها عن وضعية المرأة من عامة الشعب وضرورياتها وحاجياتها... ولكي لا أجانب الصواب لجهلي بالكثير من هذه الأمور، أترك لأهل الاختصاص مهمة التدقيق في الأمر وإن كنت واثقة من المجمل. كما أن هذا الإدعاء لا يتجاوز كونه نوعا من التشويش على توجهات المغرب نحو الديمقراطية الكونية تماشيا مع مقاصد الشريعة الإسلامية والقيم الكونية. وخاصة رفعه للتحفظات على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز مما جعله يحرز على وضعية متقدمة في علاقته مع الاتحاد الأوروبي، لا ينقصه سوى ملاءمة جميع القوانين الوطنية المتعلقة بحقوق الإنسان مع المواثيق الدولية، حتى «تصير تلك الملاءمة وسيلة لتمتيع جميع الناس بجميع الحقوق». وإن كان الأمر لن يروق التيارات السلفية التي لم تستوعب بعد الفكرة من قول فهمي هويدي في كتابه «السلطان والقرآن» : (يخطئ كثيرا من يظن أن مستقبل الإسلام منفصل عن مستقبل المسلمين. ويخطئ أكثر من يظن أن مستقبل المسلمين منفصل عن مستقبل الإنسان).
2 : أسس ومنطلقات الدعوة للمساواة بين المرأة والرجل في الإرث ورفع التعصيب
أ) كون الفقه السلفي في موضوع الإرث، يشمل مجموعة ثغرات أو مغالطات
إن القول بأن نظام الإرث أخذا، بظاهر الآية «للذكر مثل حظ الأنثيين « نظام عادل ومنصف وأنه لا يشكل تمييزا بين المرأة والرجل لأن الرجل مكلف بالنفقة و المرأة مكفية المؤونة، أمر مغلوط من البداية بدليل الآية « لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَآ آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً» سورة الطلاق الآية 7 .إذن الآية صريحة في أن المرأة غير مكفية المؤونة وإنما مؤونتها متعلقة باستطاعة الرجل إذا وجد. فمن يتولى مؤونتها وحمايتها إذن في حالة عدم الوجود أو عدم الاستطاعة أو عدم الرغبة، وللباحث في العدد الهائل من الدعاوي المتعلقة بالنفقة والمطروحة بين يدي القضاء وعدد الأسر التي تتولى النساء قوامتها، أكبر دليل على صحة ومصداقية ما يذهب إليه أصحاب تيار التجديد والاجتهاد، وعلى هشاشة وضعف دعوى التيار المعارض الذي يعيش في أبراج التقديس المشبوه بعيدا كل البعد عن الواقع وإكراهاته وتحدياته. هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى فمن الواجب الإقرار بأن أعباء النفقة أصبحت تتجاوز طاقات وإمكانيات الزوج. مما فرض أن يكون من ضمن شروط اختيار الزوجة هي أن تكون عاملة وأن تساهم في النفقة وأن يكون عملها يسمح لها بالموازنة بين الشغل داخل البيت والاعتناء بالزوج والأولاد وأحيانا الآباء، وبين العمل في الخارج وتحصيل المال ذلك المال الذي نجد أحيانا بأن الرجل هو الذي يتصرف فيه و يحصل في بعض الحالات الشاذة، أنه ينفقه على حاجياته الخاصة ونزواته... وإن دل هذا على شيء إنما يدل على أن هناك خللا في المنظومة القانونية المعنية سواء كانت وضعية أو تأويلية.
أما عن القول ب «أن نظام الإرث لم يفضل الرجل على المرأة إلا في حالات قليلة. وأنه لا ينطلق من التمييز بين الجنسين وإنما يقوم على أساس التكاليف والمسؤوليات. و أنه في حالات عدة يساوي بين المرأة والرجل أو أنه يجعل حصة المرأة تفوق حصة الرجل». يرى دعاة التجديد، أن في دعوتهم للمساواة لا يشغلهم مشكل أي من الجنسين سيحصل على أكبر حصة من الإرث بمعيار التمييز كما هو مترسخ في أذهان الفكر القائم على ثنائية الخير والشرير والمنتصر والمنهزم والراكب والمركوب (التمييز)، إنما الدافع لذلك، هو الضرورة الملحة والسعي لدرء المفسدة عن شريحة واسعة من المسلمين في مقدمتها الأسرة النووية التي أصبحت أساس المجتمع، عوض الأسرة الممتدة أو العشيرة أو القبيلة . وطلبهم بالمساواة يتماشى مع مبدأ تقسيم الإرث حسب المسؤولية والتكاليف و القرابة مع الهالك، لكن بشكل صادق، منطقي وواقعي. أما السلفيون، ولكون منطلقاتهم غير سليمة وتأويلهم لنصوص الميراث غير دقيقة نجد خطابهم متناقضا ومواقفهم متضاربة ومعاييرهم في توزيع الإرث مرتبكة وغير ثابتة. فمن جهة، يتشبثون بظاهر النص»للذكر مثل حظ الأنثيين» ويرون في ذلك إنصافا بحكم المسؤوليات والتكاليف وقوة القرابة. ومن جهة أخرى، تجدهم في بعض الحالات يخصصون للمرأة حصة تساوي أو تفوق حصة الرجل. و يفضلون في الإرث الأقل مسؤولية عن المسؤول الحقيقي ولا يحترمون قوة القرابة الأمر الذي سنقف عليه من خلال مجموعة أمثلة.
إذا أخذنا الحالة التي يجعلون فيها البنت ولو رضيعة تفوق أباها في الإرث، فهذه مسألة تخرج عن حدود المنطق. لأن الأب هو المسؤول في هذه الحالة، وهو الذي تتوجب عليه النفقة وتربية البنت أو الأبناء خاصة في غياب الزوجة. ومن ثمة، فالعدل هو أن يقسم الإرث بالتساوي وعلى الأب أن يتولى تدبيره حسب مبدأ لا ضرر ولا ضرار وتبعا لقوانين عملية، إلى أن تبلغ البنت الرشد و تستلم حقها أو ما بقي منه بالمعروف. أما عن حالة تساوي حصة الأب والأم في الإرث مع وجود الولد، ففي جزء منه، لا يسعنا إلا أن نرحب به، لكن عند وجود الزوجة وحصولها على الثمن أي على سهم أقل من الأبوين، فالأمر يصبح شيئا آخر لأن مسؤوليتها أكثر. ويضاف لهذه الحالة حالة إرث ابن الهالك الذي يحصل على حصة أكثر من حصة البنت أو الزوجة التي تحصل على سهم أقل من ابنها ومن «عصبة» الهالك من الذكور ... وأمام شذوذ هذه الأوضاع، وغيرها كثير، لا يجد تيار التجديد والاجتهاد خيارا عن تسجيل الملاحظات التالية:
- عدم مصداقية قوة القرابة كمعيار في تقسيم الإرث. وعنه نقدم الشهادات التالية:
* توفي شخص عن ابن وعشر بنات فيصيب الابن سهمين من إثنى عشر سهما. فلو وجد مكان الابن، ابن ابن ابن عم فإنه يأخذ أربعة أسهم من إثنى عشر سهما. وبهذا يكون حظ الأبعد وهو ابن ابن ابن العم ضعفي حظ الأقرب الذي هو الابن...
* وعن تغييب قوة قرابة الزوجة والبنت من الهالك في توزيع الإرث نكتفي بطرح السؤالين التاليين:
- هل هناك قوة قرابة أكثر من القرابة الزوجية بمعاييرنا الحالية وبدليل الآية (... نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ...) سورة البقرة الآية 187 .
- هل يوجد رجل في وضعية سوية يمكن أن يفضل أحدا على ابنته أو بناته؟ ( أُولى الأرْحامِ بَعْضُهُمْ أوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ ). وواقعيا كل ما هو معروف عندنا في المغرب على الأقل هي أن هناك تقارب بين الأب وابنته أكثر من الأب وابنه. فما بالك بالعصبة والحواشي؟
- عدم صحة القول بأن التكاليف والمسؤوليات هي السبب في التمييز بين المرأة والرجل في تقسيم الإرث وليس الجنس. ويتجلى ذلك في أمرين على الأقل:
أولهما، أنه لا يمكن القبول بأن «التكاليف والمسؤوليات»هي سبب التمييز بين المرأة والرجل في الإرث لأمر سبق وأن أشرنا إليه فضلا عن كون الزوجة ومنذ الأزل، هي التي تتكلف بالأسرة مع الزوج وبدونه وحتى عصر الرسالة - قصة أم كجة أو زوجة سعد بن الربيع -.كما أنها كانت تمارس مجموعة مهن وترث لدى بعض المجموعات وتنفق ...وبالتالي كان من الأحق أن تنال حصة تساوي حصة ابنها وتزيد على حصة آباء زوجها. فالإبن من باب المنطق لا يعلو على أمه وليس أكثر منها مسؤولية. ووالدا الزوج يكونان خاليي المسؤولية في غالب الأحيان ومدبرين عن الحياة وليسا مقبلين عليها، وكم من آباء الأزواج أعالتهن أراملهم. أما عن إخوة الزوج أو عمومته الذين في حالة حصولهم على الإرث يأخذون حصة أكبر بكثير من حصة الزوجة من باب التعصيب. فواقعيا لا أعرف إلى يومنا هذا أن إخوة لهالك أو عمومته قد تكفلوا بأهله من باب الواجب بل كل ما يعرف أن كل واحد رازح تحت ضغوط ومتطلبات الحياة.
ثانيهما، أن هناك حالات يساوي فيها السلفيون بين الذكر والأنثى وإن كانت مسألة محبوبة في عموميتها، لكن بالنسبة للسلفيين فهي تخالف منطلقاتهم، وبالتالي تشكل خطأ أو ثغرة في نظام الإرث كنتاج بشري سلفي. وعن ذلك نستحضر حالة تساوي الأب والأم في السدس... وتساوي حصة الأخ بأخته من أمه في الإرث بالكلالة ( وهنا كذلك لا أعرف كيف توصل أبو بكر - إذا صح ذلك - إلى الفصل في أن الكلالة في االآية 12 تخص الإخوان من الأم والكلالة في الأية 176 تخص الإخوان الأشقاء).
ب) كون التعصيب لا أصل له في القرآن :
مسألة التعصيب غائبة في القرآن ضعيفة في الحديث مع ثبوت مرجعيته لما قبل الإسلام حيث كان معمولا به لدى بعض القبائل قبل الدعوة. أما فيما يخص الحديث فنجد السنة يعتمدون حديثا أحاد وهو محل خلاف حيث هناك من يسنده لابن عباس وهناك من يسنده لغيره»ما بقي فلأولى رجل ذكر»، لكن ما يقطع الشك باليقين هو قول النبي ص : (ما أتاكم عنّي فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فهو منّي ، وما خالفه فليس منّي) والحديث -الموضوع لا أصل له في النص القرآني. وهكذا يكون الإخوان والأخوات، في درجة أقل من الولد ذكرا أو أنثى واقل من الزوجة ولا حق لهم حتى في الإرث عند وجود الولد بدليل الآية 176 من سورة النساء وبشهادة أبي بكر الذي يعتبرها النص المنظم لإرث الإخوان والأخوات دون غيره. والأعمام والعمات يأتون بعد الإخوة. وهذا المنهج يوافق كذلك الآية 75 من سورة الأنفال(...وَأْوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ).
وانطلاقا من المعطيات أعلاه يعجز الباحث عن وجود معيار ثابت وواضح لتقسيم الإرث لدى السلفيين المتطرفين سوى معيار التمييز الجنسي كما أتينا على توضيح بعض جوانبه أعلاه. وهذا التمييز لا ينحصر في حرمان الأنثى -الزوجة كمسؤولة أولى عن أسرة الهالك من حقها لصالح العصبة، ولا في المساواة في الحصة بين امرأة من درجة أولى ورجل من درجة متأخرة شأن البنت والعم. ولا ضعف حصة بنت الهالك أمام أخيها وإنما يذهب إلى حد حرمان المرأة من حصتها رغم تساويها في الدرجة وقوة القرابة بالذكر الوارث في بعض الحالات. وعن ذلك نقدم الشهادات التالية:
* لو مات انسان عن بنت وابن أخ وبنت أخ فعند السنة، تأخذ البنت فرضها وهو النصف والنصف الآخر لابن الأخ وحده دون أن تشاركه فيه أخته رغم أنهما متساويان في الدرجة.
*لو مات إنسان عن أخت وعم وعمة فإن مذاهب أهل السنة تعطي النصف للأخت فرضاً والنصف الباقي للعم تعصيباً ولا شيء للعمة عندهم.
وبصريح القول أن نظام الإرث يتطلب إعادة النظر باستعمال معايير وقواعد منطقية، ثابتة، دقيقة واضحة وشفافة وأن يحرر من الخلط واللبس الذي يتخلله، مثل ضعف حصة الزوجة، مع أنها هي دينامو الأسرة وعمودها الفقري والمسئولة الأولى داخلها والأكثر قرابة شرعيا ومنطقيا من الزوج. و ضعف حصة البنت وهي الأقرب لأبويها. والتي هي غالبا من تتولى أمرهما في شيخوختهما. والمقارنة بين حصة البنت وأخ الهالك أو عمه وهم ليسوا من نفس الدرجة، ووجود حالات التساوي بين الجنسين تشكل شذوذا، لأنها تخرج عن معياري التكاليف وقوة القرابة حسب منطلقات المعارضين. والأسوأ هو أن الإخوان والأخوات والأعمام... ليس لهم الحق في الإرث مع وجود الولد كما سنأتي على إثباته. ناهيك عن حصول الوارث الأبعد على حصة تفوق الوارث الأقرب... مجموعة أمور شوشت وتشوش على آيات المواريث لكن الفقه الإسلامي عوض أن يعالجها بما توفره اللحظة من إمكانيات البحث والتنقيب والدراسة سكت عنها وأقفل باب الاجتهاد في قضايا المرأة رافعا شعار»لا اجتهاد مع النص لأنه ثابت الدلالة والوضوح». -على عكس قضايا أخرى تم الاجتهاد فيها رغم وجود النص «فقه الأقليات «- ورغما عن يمكن طرح السؤال التالي:
ما هو معيار الصراحة والوضوح بالمنظار السلفي، هل الوضوح يقاس بظاهر النص وحرفيته أو بتأويله؟ وهل تأويل النص يحتاج لمعرفة سياقه التاريخي وأسباب النزول وناسخه ومنسوخه وفيلولوجيا اللغة كما يشرحها الدكتور أركون ونصر حامد أبوزيد....؟ أم أنه يخضع للأهواء والمزاجية والمزايدات السياسية والمصلحية؟ هذه أسئلة من ضمن العديد التي يمكن أن تطرح عند قول الفقهاء بوضوح نصوص المواريث التي تثبت كتب التاريخ والتفسير وأسباب النزول والسنن والصحاح...أنها كانت موضوع لبس وخلاف في عهد الرسول وعهد الخلفاء الأوائل. فأكبر الصحابة مثل أبي بكر وعمر قد صرحا ما مرة بعدم وضوح تلك النصوص وأنه شق وصعب عليهما تأويلها. وللقارئ بعض الشهادات:
حدثنا محمد بن بكر عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد قال : قال لي ابن عباس «حدثنا المقبري عن سعيد بن أبي أيوب قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر أنه قال : ما أعضل بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء ما أعضلت بهم الكلالة».
- عن عمر قال: (لأن أكون أعلم الكلالة أحبُّ إلي من أن يكون لي مثل قصور الشام) .ابن جرير
- وقال كذلك: (والله لأن أعلمها أحب إلي من أن يكون لي ما على الأرض من شيء) ابن جرير
- قال: «إني ، والله ! ما أدع بعدي شيئاً هو أهم إلي من أمر الكلالة . وقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما أغلظ لي في شيءٍ ، ما أغلظ لي فيها . حتى طعن بإصبعه في جنبي ، أو في صدري . ثم قال : يا عمر تكفيك آية الصيف التي نزلت في آخر سورة النساء»
- وأخرج ابن راهويه وابن مردويه عن عمر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تورث الكلاله؟ فأنزل الله ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلاله) إلى آخرها فكأن عمر لم يفهم ، فقال لحفصة إذا رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب نفس فسليه عنها فرأت منه طيب نفس فسألته فقال : أبوك ذكر لك هذا ؟ ما أرى أباك يعلمها ! فكان عمر يقول ما أراني أعلمها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال.
- في أمر الكلالة قال أبو بكر رضي الله عنه: حدثنا أبو معاوية عن عاصم عن الشعبي قال:قال أبو بكر: (رأيت في الكلالة رأيا فإن يكن صوابا فمن عند الله، وإن يكن خطأ فمن قبلي والشيطان).
- وقد سئل ابن عباس عن رجل توفي وترك بنته وأخته لأبيه وأمه فقال : «ليس لأخته شئ والبنت تأخذ النصف فرضا والباقي تأخذه ردا».
- «فقيل له يا أبا العباس فمن أول من أعال الفرائض ؟ فقال : لما التفت الفرائض عند عمر ودفع بعضها بعضا ، قال : (والله ما أدري أيكم قدم الله وأيكم أخر ، وما أجد شيئا هو أوسع من أن أقسم عليكم هذا المال بالحصص).
- وقال قتادة : ذكر لنا أن أبا بكر الصديق [ رضي الله عنه ] قال في خطبته : ألا إن الآية التي أنزلت في أول « سورة النساء « في شأن الفرائض ، أنزلها الله في الولد والوالد . والآية الثانية أنزلها في الزوج والزوجة والإخوة من الأم . والآية التي ختم بها « سورة النساء « أنزلها في الإخوة والأخوات من الأب والأم ، والآية التي ختم بها « سورة الأنفال « أنزلها في أولي الأرحام ، بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، مما جرت الرحم من العصبة . رواه ابن جرير.
ولكون الاستشهادات واضحة في معناها، فإننا سننتقل مباشرة إلى الشهادة الأخيرة. وهي بدورها سنقفز فيها على الآيات الأولى التي سبق وتكلمنا عنها، ونقف مباشرة على الآية 176 من سورة النساء ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ...» فحسب تأويل الصحابي أبي بكر، هو أن إرث الإخوان والأخوات، لا يكون إلا في حالة انعدام الولد سواء كان أنثى أو ذكر والآية صريحة في ذلك.
وإذا تأكدنا من صحة ما ورد أعلاه، سنلاحظ بأن عكسه هو الذي يحدث في واقعنا المغربي السني. فكلما كانت خلفة الأسرة من البنات دون الذكر إلا وحق عليها التعصيب. وحرمت البنات والزوجة من جزء مهم من التركة، إذا لم يتم التحايل على الشرع كما جرت العادة، من أجل تمريرها للزوجة والبنات كأقرب «أولى الأرحام» وأحقهم بذلك. وكذلك حماية وصونا لهن من الفقر والبؤس وخوفا عليهن من أن تدفعهن الحاجة والفاقة إلى سلوك سبيل الفساد «الدعارة والاحتيال» مما نهى عنه الله عز وجل وتكرهه الأنفس الكريمة (وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) سورة النور الآية 33 .والبغاء هو الاختيار الوحيد الذي يتركه تيار معارضة المساواة للمرأة في مجتمعاتهم ونساء أفغانستان - فردوس المتشددين المنشود - يشهد على أن المرأة تحرم من ممارسة أي نشاط غير التسول والدعارة. وبذلك يكون الكهنوت الإسلامي قد حول الدين الإسلامي الذي جاء لتحرير الناس وتكريمهم وتيسير أمور حياتهم إلى مصدر للظلم والإهانة والضرر و الضيق والحرج. وهل هناك ضيق وحرج وضرر أكثر من أن تحرم الفرد من محل سكناه أو مصدر عيشه أو وسيلة نقله ؟ ولا أحد يجهل أن الميراث حاليا لدى العامة، إذا وجد فإنه لا يتعدى ضروريات الحياة التي تفانى أفراد الأسرة النووية في توفيرها نساء ورجالا. مما لا يسمح من جهة، بتقسيمه بشكل غير متساوي بين أفراد الأسرة و من جهة أخرى، لا يحق أن ينال منه غيرهم، لأن ذلك يعتبر تطاولا على حق الغير و يشكل إهانة ومسا بالكرامة حيث يدخل فرد ربما لم يسبق أن رأته الأسرة إلى بيتها وحرمتها و يتحاسب ويتقاسم معها كل الأشياء مما يترك أثرا سيئا لدى أسرة الهالك. يعبر عن ذلك المغاربة بمرارة من خلال قولهم: «يقسمو معاك حتى المعالق والكيسان». ولإزالة اللبس فالملاعق ليست من الفضة ولا الكؤوس من الكريستال. «فالمعالق من الجالوق وكيسان الحياتي».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.