ستكون الحكومة المعلن عنها يوم الخميس، هي الأولى في تاريخ الحكومات، التي مرت مباشرة من الأزمة، .. إلى انحطاط السياسة! عكس الدورات التاريخية، بداية ، ثم صعود، ثم انهيار، لم تبرهن التشكيلة وطريقة الإعداد أن هناك ما يدعو بالفعل إلى أن نطبق منحنيات التاريخ والتجربة على بنكيران 2. السؤال المركزي هو :لماذا؟ هل يمكن أن نكتفي بالقول أن بنكيران قدم «تنازلات» تخص تصوره ، رؤيته وشروطه التي بناها لكي يدخل التدبير من جديد؟ هل كانت له شروط أصلا؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون «توافقا» تاريخيا أصليا، كان كامنا في تصوره للعمل السياسي، ولم ين أن عبر عن نفسه في التشكيلة الحالية؟ وهو توافق بين التكنوقراط، وبين الدعوة في العمق، يلغي السياسة باعتبارها التنظيم الأكثر تطورا للعلاقات بين المؤسسات، بتجاو دين الخبرة من جهة وتدين الدعوة لأسبقيتها «التاريخية» المفترضة على التنظيم السياسي من جهة ثانية؟ أليس وراء المظاهر العابرة، وكتائب الوزراء (أربعون وزيرا لأربعة أحزاب)، فكرة جهنمية نبتت وهيكلت الحكومة الجديدة: لقاء التكنوقراط الملتحي والتكنوقراط السياسي، أو المحزب مثل يورانيوم مخصب؟ كلاهما يلغي السياسة وكلاهما يقتل السيادة الشعبية، الأول بالاستناد الى ديانة الارقام والخبرة والثاني بالاستناد الى شرعية دينية وفقهية؟ .وفي كلتا الحالتين، فإن السياسة أصبحت من اختصاص من يقومون على نقضها. في أصل رؤيته كان بنكيران يرى أن الدعوة، عليها أن تشتغل على الحقل الاجتماعي، لكي تصبح جزءا من قرار الدولة، أو من المحيط القريب، لكي تملأه مكان من يسميهم التغريبيين أو النخب المغتربة، وهو تعريف لكل الذين يمارسون السياسة من منطلق التراث الحديث والعصري لها. والدعوة، بهذا المعنى هي تقنوقراطية فقهية، لا تعترف بالسياسة إلا كوسيلة وليس أسلوبا في تدبير العلاقات. وقادت التجريبية الاجتماعية في المغرب،هذه الرؤية، في منعطف تجريبي مرتبط بالظرفية الدولية والإقليمية، الى الالتقاء بالتكنوقراط السياسي. كما هو متعارف عليه محليا. وقد دخلت الحكومة في أزمة، بالرغم من تكوينها السياسي، وسرعان ما تحولت الأزمة الى جمود سياسي، ثم فجأة أصبح الحل هو وجود عمود فقري تكنوقراطي مركب بالدعوة والتقنية السياسية. سيحتاج التكنوقراطي الى الداعية والداعية الى التكنوقراطي، لأن الأول يدرك أن الخطيب المفوه ضرورة منبرية له، والداعية سيعفيه التكنوقراطي من أسس الحداثة وسيكتفي منها بالظاهر المادي والتكنولوجي والإحصائي، ولن يكون عليه أن يصارع الأسس الفكرية والثقافية للحداثة. تبادل مصالح قوي، داخل جبة الإسلام السياسي واللاسياسة. والنتيجة ستكون ولا شك تعطيل السياسة بالحكومة (وسبق أن قلنا ذلك) وتعطيل الدستور، بالتحالف المركزي: الجبة والكمبيوتر! في بداية فيلم «باتون»، يقول الجنرال وهو يخطو فوق تراب المغرب: «هذه البلاد لقاء بين هوليوود وبين الإنجيل،» ولو عاد مرة أخرى كخبير استراتيجي، لقال« هذه الحكومة لقاء بين اللحية والبورصة».