1.حزب العدالة والتنمية واستعارة شعارات اليسار ما بين عقد حزب العدالة والتنمية مؤتمره السادس يومي 19و20يوليوز 2008،و25 نونبر 2011 تاريخ إجراء الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها حدثت تحولات تفوق توقعات المحلل العقلاني؛ إذ هي أقرب إلى حكاية من الخيال السياسي . ولاشك أن المتتبعين يتذكرون ما حدث سنة 2007 عندما كانت استطلاعات الرأي المحلية والغربية تؤكد فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات التشريعية وإمكان تشكيله للحكومة.... حينها ظهرت مصطلحات من قبيل (الحكومة الملتحية) مع ما تثيره التسمية من تخوفات لذى فئآت تتكلم باسم الحداثة، وترافع من أجل ديمقراطية تحتاج في نظرها إلى حماية من قبل خصوم متربصين بها، يودون امتطاءها ثقية لا اقتناعا . لم تكن النتائج المحصل عليها حينئد مسايرة للتوقعات، مثلما لم يكن السياق العام محليا ودوليا مساعدا لحزب العدالة والتنمية كي يعلن أنه الفائز المفترض ، لذلك كان مؤتمره المنعقد بعد هذه الانتخابات فرصة لإعادة تقوية بنائه الداخلي، ولم تكن هناك من وسيلة إلى ذلك سوى تقوية الديمقراطية الداخلية؛ ذلك المبدأ المغبون، مما مكن الحزب من تقديم مؤشرا ت قوية على مدى نجاعته التنظيمية والهيكلية، ومدى سلامة ديمقراطيته الداخلية، وعدم تخوفه من بروز الآراء والاجتهادات التي ترغب في تقديم تصورات جديدة. بهذه الآلية حاول الحزب الرد على المتشككين في مدى تمثله للعمل الديمقراطي في ظل وجود خصوم سياسيين يعتبرون مشروعهم قائما على النقيض من أطروحاته، كما أن اختيار شعار المؤتمر كان مستقى من حقل معجمي محمل بالإحالات والدلالات؛ إذ انعقد المؤتمر السادس تحت شعار( لاحياة سياسية بدون مصداقية)، إضافة إلى ربطه بحملة مفتوحة أمام المواطنين للانخراط في الحزب بشعار(بانخراطنا في الحياة السياسية نبني مغرب العدالة). والواضح من الشعارين أنهما يضفيان على الحزب صفتي المصداقية والمساهمة في بناء مغرب العدالة، وجعل الدعوة إلى الانخراط في الحياة السياسية جزءا أساسيا من المهام التي ينبغي أن تقوم بها الأحزاب. إضافة إلى ذلك أطلق الحزب موقعا إلكترونيا خصص للمؤتمر السادس، ضم المعطيات الأساسية التي يحتاجها مناضلوه أو غيرهم؛ مثل المشروع المعدل للنظام الأساسي للحزب، و أطروحة المؤتمر والمساهمات المادية للمؤتمرين، وغيرها من الوثائق التي أصبحت معممة، مما أشر على وجود قواعد للتعامل الشفاف مع الرأي العام الوطني، ومع أعضاء الحزب. وهي أمور جعلت لحظة انعقاد المؤتمر فعالة؛ لأنها وفرت للحاضرين فيه فرصة للتأمل في مضمون الوثائق، وتقديم التصورات والاقتراحات التي تنتقد أو تزكي أو تلغي . لذلك يمكن للمتابع أن يفهم (الآن) أسباب تأكيد قياديي الحزب على أن المؤتمر ليس لحظة تنظيمية فقط، وأن النقاش السياسي ينبغي أن يحتل مكانة مركزية في أشغال المؤتمر الذي جعل أطروحته تتمثل في شعار (أولويات النضال الديمقراطي) باعتباره مدخلا للإصلاح، بحكم طبيعة المشهد السياسي الذي تميز بنوع من الانغلاق الذي ساد معه الشعور بكون المؤشرات التي لاحت في نهاية التسعينيات مبشرة بالتحول الديموقراطي، لم تتحقق بالكامل، وأن هناك تراجعات سياسية ونوعا من المركزية في العمل السياسي تمثل في ظهور آليات جديدة للتحكم في الحياة السياسية. ولعل اللافت في هذه الأطروحة هو تبنيها للتصورات ذاتها التي حملتها أحزاب يسارية لفترات طويلة؛ فقد كانت( استراتيجية النضال الديمقراطي) شعارا حزبيا للاتحاد الاشتراكي لعقود من الزمن، كما أن صيغة أطروحة المؤتمر كانت جديدة في عمل حزب العدالة والتنمية، وحضورها يؤكد أهمية الجوانب الفكرية والثقافية في العمل الحزبي،إذ بدون إطار مرجعي ناظم تصبح الممارسة السياسية ممارسة هاوية، كما أن وجود أطروحة متوافق عليها داخل المؤتمر جعل الإطار العام الموجه لعمل الحزب منتظما، وخطه السياسي واضحا، والمشترك النضالي قابلا للتعايش. ولاشك أن من يراجع أدبيات اليسار المغربي سيتوقف عند عنايته بالتنظير الفكري، مما سمح له بأن يكون ملتقى للكثير من الأسماء التي بصمت مسار الثقافة المغربية. 2.ربيع المغرب وبرغماتية العدالة والتنمية هذا الاستحضار لهذه اللحظة الفاصلة في حياة الحزب مهم لفهم الحاضر، ولاستيعاب دلالات فوزه بالانتخابات التشريعية وتشكيله للحكومة. ونحن نعتبرها لحظة فاصلة لأنها (قد ) تمنحه نجاعة داخلية ستسمح له باستثمار نتائجها بعد التغييرات الهائلة التي حصلت في المشهد السياسي والاجتماعي المغربي والعربي بشكل جعل هذا الحزب المستمتع الأول بربيع المغرب الذي دشنته حركة 20فبراير وما تلاها من مبادرات قوية أبرز مؤشراتها الخطاب الملكي ل 9مارس 2011، وتدشين مسلسل طويل توج بالاستفتاء على دستور يعيد ترتيب أسس نظام الحكم، ويقوي دور الحكومة ورئيسها، ويقرر فصل السلط، ويقوي دور المؤسسات المنتخبة ويجعل للمعارضة دورا مهما في مجال تدبير الشأن العام ومراقبته..... هذا التغيير المهم ينبغي أن يقرأ ضمن التاريخ السياسي للمغرب خاصة استحضارمآل تجربة التناوب التوافقي التي قادها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وكان واحدا من ضحايا عدم وضوح التعاقدات فيها، بل إن هذا الحزب لم يحظ بقيادة الحكومة رغم فوزه بالمرتبة الأولى في انتخابات 2002 التي سلمت لقيادة تقنوقراطية؛ مما أدى إلى بروز مصطلح جديد هو ضرورة احترام (المنهجية الديمقراطية) التي تلزم تعيين رئيس الحكومة من الحزب الفائز بالمرتبة الأولى، وهو ماتم التنصيص عليه في الدستور الجديد رغم أن هذا التنصيص لايؤكد على ضرورة أن يكون المعين هو الأمين العام للحزب. هكذا نفهم أن جدية حزب العدالة والتنمية، وتشبثه بالديمقراطية الداخلية، وصبره في مواجهة الكثير من الرياح العاتية التي حاولت اجثتاته، وذكاءه في التعامل مع الحالات المستعصية، وبرغماتيته القوية، وطبيعة التحولات التي أفرزها الحراك الشبابي الطامح إلى التغيير، ومسار الصراع الذي خاضته أحزاب اليسار على مر عقود..... نفهم كيف أن هذه الأمورعبدت الطريق أمامه ليتوج حزبا فائزا بالانتخابات، وبالتالي رئاسة الحكومة.. وتبدو المفارقة هنا قوية عندما نستحضر كيف دافع عبدالإله بنكيران رئيس الحزب عن رفض حزبه المشاركة في حركة 20فبراير، وخوضه لمعركة شرسة من أجل الدفاع عن الدستور الجديد، وجنيه ثمار هذا الحراك....غير أن الممارسة السياسية تؤكد أن مقاربة الحزب كانت فعالة ،وإن لم تكن بالضرورة صائبة. 3.رئاسة الحكومة والقطائع المنتظرة لم يدم انتظار المغاربة طويلا كي يعين الملك عبدالإله بنكيران رئيسا للحكومة باعتباره الأمين العام للحزب الفائز بالمرتبة الأولى، وهو تعيين يقطع مع الصيغ السابقة ويقدم تأويلا ديمقراطيا للدستور، وبقدر ما كان هذا التعيين إيجابيا بقيت لوحة التخوفات مفتوحة على تساؤلات من قبيل: ما شكل الحكومة المقبلة؟ من سيتحالف مع العدالة والتنمية؟ هل يمكن تشكيل حكومة على أساس برنامج توافقي أم على أساس مرجعي؟ هل سيكون لرئيس الحكومة مطلق الحرية في اختيار وزرائه؟ هل تم التخلي عن وزراء السيادة(العدل- الداخلية- الخارجية- الأوقاف والشؤون الإسلامية......)؟ ما المواقف التي سيتخذها حزب بمرجعية إسلامية من قضايا الحريات الفردية ومكتسبات المرأة....؟ كيف يمكن التوفيق بين فرقاء سياسيين تختلف مرجعياتهم وتقييماتهم للواقع، واقتراحاتهم للحلول؟ كانت بعض القرارات الحزبية مخيبة لانتظارات العدالة والتنمية الذي ظل يؤكد أنه يطمح إلى تشكيل تحالف قوي مع أحزاب الكتلة الديمقراطية المكونة من الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال، لكن هذا الطموح المعلن اصطدم بقرار حزب الاتحاد الاشتراكي الخروج إلى المعارضة من أجل إعادة بناء الحزب كما هو معلن، ولرفض التحالف مع حزب مختلف في مرجعيته، ناهيك عن جروح الماضي القريب المخضبة بدماء عمر بن جلون القيادي الاتحادي الذي اتهم باغتياله أعضاء في الشبيبة الإسلامية . وهو ما عملت جريدة الاتحاد الاشتراكي على التذكيربه... وبذلك تبخرت رغبة حزب العدالة و التنمية: لينطلق التفكير في إمكان تشكيل قطب يميني مرتكزاته أحزاب الاستقلال والعدالة والتنمية والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، غير أن المآل الذي انتهى إليه هذا التشكيل هو ولوج حزبين من الكتلة؛ أحدهما يصنف ضمن اليمين المحافظ(حزب الاستقلال) وثانيهما يحمل جينات الحركة الشيوعية المغربية( حزب التقدم والاشتراكية) إضافة إلى حزب الحركة الشعبية ذي الصلة التاريخية بحزب العدالة والتنمية. إنها حكومة توافق حزبي، وحكومة لتدبير يرغب في القطع مع الكثير من السلبيات، وهي مسنودة بدستور يقوي موقعها، لكنها قبلت منذ البداية الدخول في توافقات تضمن التوازنات، حيث صرح رئيسها أنه يقبل بوزراء غير متحزبين بتعليل الكفاءة، كما أن التشكيلة النهائية ضمت وزراء ووزير دولة ووزراء منتدبين، ورغم أن الصفات تبدو بريئة إلا أنها تخفي تأويلات كثيرة وصفها البعض بغير الدستورية لأنها تتضمن تسميات لم ترد في الدستور مثل الوزير المنتدب أو وزير الدولة، كما أنها وصفت بحكومة الوزراء وظلالهم المتحكمة في الأمور بحكم معرفتها بالقطاعات مثلما هو حال وزارتي الخارجية و الداخلية. ثلاثة تحليلات متباينة تبرز أمامنا: - تحليل يعتمد المنظور السياسي فقط، حيث تبدو تشكيلة الحكومة مقبولة لأنها توافقية ستعمل على تنفيذ برنامج مشترك سيكون بدوره توافقيا؛ - تحليل يعتمد منظور السياق الذي جاءت فيه الحكومة الجديدة حيث تبدو قابلة للتساؤل القلق؛ إذ يبدو أنها لم تستثمر الإمكانات الكبيرة التي منحها الدستور، وأن تعليل التوافق على أساس البرنامج يجعلها حكومة تقنية. وهي مهمة كان من الممكن أن ينجزها تقنوقراطيون محترفون؛ فالمواطن الذي صوت كان منطلقه سياسيا ومرجعيا أيضا، وكانت هناك فرصة كبرى لخلق تقاطبات سايسية واضحة تجعل البرامج أساسا للمرجعيات....؛ - تحليل ثقافي تقدمه وجهة نظر فكرية مرتكزها مفهوم الكتلة التاريخية الذي نظر له المرحوم الجابري استنادا إلى تحليلات غرامشي، والتي تقوم على أساس تعايش المرجعيات المختلفة في لحظة تاريخية تأسيسية تؤجل الصراع ولاتلغيه. لذلك نفهم لماذا أصر العدالة والتنمية على حكومة تضم الكتلة الديمقراطية، وعندما استعصى عليها الأمر بخروج الاتحاد الاشتراكي إلى المعارضة أسس لكتلة أخرى بإدماج حزب التقدم والاشتراكية ،العضو الفقير في الأغلبية من حيث عدد البرلمانيين، في الحكومة....ولتقدير هذا التحليل نستشهد بتقييم حزب العدالة والتنمية الذي اعتبر أن قيمة حزب التقدم والاشتراكية لاتقاس بعدد المقاعد، بل بقيمته التاريخية التي تجعل التحالف معه مكسبا استراتيجيا يكسر تحالفا يساريا محتملا له القدرة على تدبير المعارضة والإبداع فيها بحكم تمرسه التاريخي بمقوماتها. - خاتمة استشرافية يبدو الأفق غير واضح، فرغم الرغبة القوية لدى قطاع واسع في نجاح التجربة إلا أن لسعات التاريخ علمتهم الاحتياط في التفاؤل. إنه الدرس الذي قدمته تجربة حكومة عبدالله ابراهيم نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، وحكومة عبدالرحمان اليوسفي في التسعينيات منه، غير أن هاتين التجربيتين لم تكونا مسنودتين بدستور يمنحهما صلاحيات واسعة مثلما هو الحال مع حكومة العدالة والتنمية، لذلك ستكون معركة التأويل الديمقراطي للدستور حاسمة في تحديد مآل الانتظارات المركبة، وسيكون اعتماد التدرج في إحداث التغييرات المطلوبة آلية لربح المساحات والرهانات، وستكون بيداغوجيا الإصلاح، التي تتطلب نفسا طويلا، مدخلا حكيما لمعالجة مكونات البنيان.