ثمة قوانين داخلية لكل هيئة هيئة من هيئات المحامين بالمغرب، وهي قوانين تهتدي عند بلورتها بقانون المحاماة الذي يصدر عن الهيئة التشريعية للبلاد. لكن ثمة ضرورة لإجراء اصلاحات هيكلية لابد ان تطال قانون المحاماة, ومن القوانين الداخلية لكل هيئة هيئة على حدة, او قل ان ثمة ضرورة ملحة تقتضي ان تعمل الهيئات التي تؤطر وتنظم ممارسة مهنة المحاماة، على توحيد القوانين الداخلية لكل هيئة هيئة حتى تجيء تلك القوانين متناسقة لا تشوبها عوارض، وبالتالي تكون قد انصهرت في نموذج موحد وشامل سيمنع - إن تحققت عملية توحيد القوانين الداخلية - من الانجراف أو الانزلاق نحو الهوامش عوض الانصهار في بوثقة واحدة وشاملة عند مقاربة الحقوق التي للمحامين والتي للقضاة فضلا عن كتاب الضبط والخبراء المعتمدين وكذا المفوضين القضائيين. والمهم انه ثمة ضرورة ماسة لردع كل تشرذم او فوضى عادة ما تطبع العمل الإداري للمحامين بصفتهم جزءا لا يتجزأ من الاسرة القضائية ككل. فلندخل اذن في صلب الموضوع, علما ان المقاربة الحالية هي مقاربة مستوحاة من التجربة الفرنسية في سلك المحاماة لموقع المقالة الحالية. أولا: أليس من المخجل حقيقة ان نرى هنا وهناك محامون يعبثون عن غير علم بحسن تدبير المساطر الادارية التي تعنيهم دون غيرهم لما يتقدمون وبمناسبة ممارساتهم المهنية امام الهيئات القضائية على امتداد ربوع الوطن، وهم يمدون القضاة بوثائق او رسوم او مذكرات او مقالات اصلاحية، او مقالات اضافية او مستنتجات نهائية دون ان يكون لهذه العملية ضابط يمنع الفوضى المستشرية والتي لا تريح القضاة والمحامين فضلا عن كتاب الضبط. ثانيا: لقد سلكت هيئات المحامين بفرنسا على سلوك طريق ينحو نحو تبسيط المساطر الادارية التي تنظم تعاطي المحامين مع الهيئة القضائية, ذلك ان قانون المحاماة الفرنسي قد ألزم هيئات المحامين بتأسيس ابناك أسماها بنوك المسطرة وتقتضي مسطرة انشاء هذه البنوك على مستوى كل هيئة للمحامين التنسيق مع وزارة العدل بغرض السماح بهيئات المحامين بخلق بنية تحتية بنكية وذلك في حرم كل محكمة ابتدائية على امتداد التراب الوطني, وتكون الغاية من احداث هذه البنوك ان يكون المحامي ملزما بفتح حسابين جاريين لدى بنك المسطرة, وهكذا فالحساب الاول يختص بتدبير المساطر القضائية والحساب الثاني يختص بتدبير حساب الموكلين. ثالثا: في شرح حساب تدبير المساطر اداريا يكون بمقتضى هذا الحساب الجاري أن يلزم كل محام مقيد بجدول أية هيئة من هيئات المحامين بوضع نسخ من المقالات والمذكرات وكذا الوثائق التي ينوي الترافع في ضوئها في مواجهة الطرف الخصم, وذلك بادارة البنك التي تخصص ركنا خاصا لوضع الوثائق والمستندات والمقالات والمذكرات التي يكون المحامي قد ضمنها في ورقة يجرد فيها لائحة بجميع الوثائق والمقالات والمذكرات وما الى ذلك. ويكون المحامي الخصم ملزما بالتأشير على اللائحة. التي وضعها زميله لدى البنك تأكيدا على توصله بجميع الوثائق والمستندات وما سوى ذلك موضوع اللائحة بالجرد. واخيرا تقوم ادارة بنك المسطرة بإبلاغ قاضي تجهيز القضايا الرائجة امام القضايا ويعمد هذا الأخير على اصدار أمر بالتخلي يكون بمقتضى هذا الامر تمهيد القضايا الرائجة للبت فيها ابتدائيا او نهائيا حسب الاحوال, علما ان الامر بالتخلي المذكور يمنع محامي اطراف النزاع من اضافة اية وثائق او مذكرات ومقالات اضافية منعا لتمطيط المساطر امام القضاء ويقوم قاضي تجهيز القضايا بضبط وقت ادراج القضايا الرائجة امام هيئة الحكم ويقوم القاضي - على اثر ذلك - باخطار محامين اطراف النزاع بتاريخ جلسة الترافع النهائي. وهنا يجدر التنبيه الى أن الترافع يكون شفهيا في جميع القضايا المدنية على غرار الترافع عن القضايا الجنحية وقضايا الجنايات. ونلاحظ للاسف ان مسطرة التقاضي امام القضاء المغربي هي مسطرة كتابية في القضايا المدنية باستثناء القضايا الاستعجالية، الامر الذي يتعين معه العمل على تصويب الوضع تشريعيا من طرف جمعيات هيئات المحامين التي يبقى على عاتقها اعتماد اسلوب اقتراح مشاريع قوانين على مجلس الحكومة ثم الهيئة التشريعية لاصدار القوانين اللازمة بعد سلوك القنوات اللازمة لذلك. والاكيد ان الاهتداء الى سلوك الاسلوب الفرنسي من حيث ما طرحناه لمن شأنه ان يوفر الجهد على المحامين والقضاة وكذا كتاب الضبط الذين هم حاليا في وضع من يكون منهكا من فرط سوء التدبير المسطري الذي بات كل مشتعل او مغني بحسن تدبير المرفق القضائي بإيلائه الاهتمام الكافي حتى يعرف الاصلاح المنشود طريقه الى الوجود. في تدبير حساب الموكلين يكون بمقتضى هذا الإجراء إلزام كل محام مقيد بالجدول الكبير دون المحامي المسجل بجدول التمرين فتح حساب يختص بتدبير حساب الموكلين, وهكذا يتم بمقتضى هذا التدبير إلزام المحامين باحترام اجل صرف مستحقات الموكل والتي يكون قد تحملها من حوادث السير وغيرها من القضايا التي تكون المبالغ المالية قد تحصلت للمحامين بمناسبة تنفيذ احكام قضائية. ويقوم المحامي بخصم مستحقات اتعابه بموافقة موكله وعند المنازعة يكون اللجوء الى تحكيم النقيب لازما. كما يقوم المحامي بخصم الرسوم والواجبات التي اداها بمناسبة تديبره او مباشرته للقضايا التي ينوب فيها اداريا على مستوى البنك ويكون البنك ملزما بتهييء جدول بجرد المبالغ التي قام باستخلاصها من قبيل الواجب المادي المؤدى عنه لكل مرافعة على حدة وهو مبلغ تخصمه البنك من الحساب الخاص بالتدبير المسطري الذي اسلفنا المناقشة فيه. كما يقوم البنك بجرد الحساب السالب و الموجب تعلقا بالمبالغ التي يتم صرفها لكل موكل من حساب الودائع هذا والذي تمسكه مسكا وتضبطه ضبطا. وهنا تجدر الإشارة الى أن كل محام يبقى ملزما من الناحية المهنية بضبط محاسبته شخصيا وعند تعذر ذلك بسبب من الاسباب كعدم درايته بالعمليات الحسابية التي هي من اختصاص البنوك, يقوم المحامي تحت اي شكل من اشكال ممارسة مهنة المحاماة باللجوء الى الخبراء الحيسوبيين الذين تنحصر مهمتهم في ضبط حسابات المحامي وهذا اسلوب جرى به العمل به في فرنسا وغيرها من الدول الاوروبية قاطبة, اذ يعمد المحامون على الاستعانة بالخبراء الحيسوبيين. وختاما, ان كل نزاع قد ينشب حول العمليات الحسابية مع البنك او مع الموكلين يرجع النظر فيه إلى نقيب هيئة المحامين الذي يبحث فيه بعد مناقشة الموضوع المحاسبي امام مجلس هيئة المحامين الذي يصدر قرارا في الموضوع تحت طائلة الاستئناف, وهذا تحصيل حاصل لا مجال هاهنا للتفصيل فيه اكثر من اللزوم, ثم عود على بدء, فلكل الحق في فتح حساب جاري وشخصي لدى أي بنك يشاء شريطة الا يقوم بخلط الحسابات أو العبث بها. وهذا موضوع آخر. محام بهيئة نيس فرنسا سابقا