تمردت هيئات المحامين بكل من الرباط والدار البيضاء ووجدة ومراكش على قرار جمعية هيئات المحامين بالمغرب بإحداث حسابات عامة لدى الهيئات دون الحاجة إلى فتح حسابات بنكية خاصة. ووقع الخلاف بين تلك الهيئات المذكورة وجمعية هيئات المحامين بسبب اختلاف الآراء بشأن تفسير المادة 57 من الظهير الصادر يوم 20 أكتوبر 2008 القاضي بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، والمنشور بالجريدة الرسمية يوم سادس نونبر من نفس السنة، وهي المادة القاضية بإنشاء «حساب ودائع وأداءات المحامين يديره مجلس الهيئة، وتودع به لزوما المبالغ المسلمة للمحامين المسجلين بجدول هذه الهيئة على سبيل الوديعة، وتتم بواسطته كل الأداءات المهنية التي يقوم بها المحامي لفائدة موكليه أو الغير». وتضيف نفس المادة أنه «تودع بهذا الحساب كل المبالغ الناتجة عن تنفيذ مقرر قضائي من لدن مصالح التنفيذ والمفوضين القضائيين. ويتعين على كل الإدارات العمومية وشبه العمومية والمؤسسات والشركات إيداع المبالغ العائدة لموكلي المحامين في حساب الودائع والأداءات التابع لهيئتهم. وكل أداء تم خلافا لهذه المقتضيات لا تكون له أية قوة إبرائية في مواجهة الموكل أو المحامي ويتحمل مرتكب المخالفة عند الاقتضاء مسؤولية أداء المبالغ العائدة للموكل أو مصاريف وأتعاب المحامي». وقال النقيب امبارك الطيب الساسي، الرئيس السابق لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، في اتصال مع «المساء»، إن فلسفة المشرع عندما أدرج هذه المادة في صلب القانون المنظم لمهنة المحاماة هي ضمان حقوق المحامين وحقوق المتقاضين، ووضع حد لكل ما يقال عن هذه المهنة بعد تكاثر الشكايات في حق عدد من المحامين. وأشار الطيب الساسي إلى أن قرار جمعية هيئات المحامين بالمغرب، الذي تم بشأنه الإجماع، هو أن يفتح لدى كل هيئة حساب وعبره تقوم بتقديم الأداءات المهنية للمحامين، وتقوم في نفس الوقت بإعطاء المتقاضين والموكلين حقوقهم المحكوم لهم بها. وأضاف «لدينا كامل الثقة في النقابات وفي النقباء». وقال الطيب الساسي إن المادة 57 من قانون المحاماة واضحة لا لبس فيها ولم تتكلم عن حسابات خاصة أو عن حسابات بنكية، مضيفا أن كل إجراء يسير في هذا الاتجاه هو «مخالف للقانون وللمادة 57» في إشارة إلى قيام كل من هيئة الرباط والدار البيضاء ووجدة ومراكش بفتح حسابات بنكية خاصة تناط بها هذه المهمة. وقالت امرأة مطلقة كيف أنها وكلت محاميا للترافع عنها في قضية إهمال أسرة ضد زوجها، قبل أن تكتشف فيما أن هذا المحامي يتصرف في الأموال التي يصرفها لها طليقها قبل أن يسلمها إليها بوقت متأخر. وقال النقيب محمد أقديم عن هيئة المحامين بالرباط في اتصال مع «المساء» إن هيئة الرباط صادقت يوم 3 نونبر الماضي على مشروع النظام الداخلي، وأن الهيئة فتحت حسابا بنكيا لدى البنك المغربي للتجارة الخارجية. وأضاف محمد أقديم أن هيئة الرباط، على غرار هيئات مراكش والدار البيضاء ووجدة، رفضت المقترح الذي تقدمت به جمعية هيئات المحامين بالمغرب، على اعتبار أن تصورها «لا يحترم اختصاصات المحامي، ويمس بشكل عميق عمله»، مضيفا أن «المحامي ليس ساعي بريد». وأشار إلى أن هيئات المحامين «ليست مؤسسات مالية حتى تؤسس بنكا داخل النقابة بإمكانه تدبير حسابات مثل حساب الودائع والأداءات». وأضاف أن هيئة المحامين بالرباط توصلت يوم الجمعة الماضي بأول شيك يهم قرابة 40 ملفا بقيمة مالية تقدر ب50 مليون سنتيم، ووضع في حساب الهيئة بالبنك المغربي للتجارة الخارجية، وستعمل النقابة على تحويل المبالغ في الحسابات الشخصية للمحامين المكلفين بالملفات على أساس أن يستخلصوا منها أتعابهم، ويقدموا حقوق المتقاضين والموكلين، وهي الطريقة التي تنتقدها جمعية هيئات المحامين وتعتبرها مخالفة لروح وفلسفة المادة 57. ويعتقد بعض المراقبين والمختصين أن هذه المادة «حجرت» على المحامين، إذ إنهم أصبحوا مقيدين ولا يحق لهم التصرف في الأموال والمبالغ المالية التي تحكم بها المحاكم لفائدة موكليهم، بعدما تكاثرت في السنوات الأخيرة تظلمات المواطنين الذين يشتكون من عدم توصلهم بالودائع التي حكمت بها المحاكم، خاصة فيما يخص ملفات التأمين وحوادث السير. ويذكر أن هذه المادة قد دخلت حيز التطبيق منذ سادس نونبر الماضي، غير أن التأخر في إقامة هذه الحسابات، واختلاف الرؤى بين المحامين أنفسهم بشأن هذه الحسابات وطريقة تفعيلها، جعلت العديد من المواطنين والمتقاضين محرومين من حقوقهم وودائعهم التي قضت بها المحاكم.