مجلس الأمن أمام لحظة الحقيقة و حسم أممي لنزاع الصحراء المغربية    بين وهم الإنجازات وواقع المعاناة: الحكومة أمام امتحان المحاسبة السياسية.    "فيدرالية اليسار" تدين استهداف مناضليها وتطالب بالتصدي للقمع    "Prev Invest SA" تنهي مساهمتها في رأسمال CFG Bank ببيع جميع أسهمها    الذهب يصل لذروة جديدة بفضل ضعف الدولار ومخاوف الحرب التجارية    "أورونج المغرب" تَعرض جهازاً مبتكراً    ابتكارات اتصالات المغرب في "جيتكس"    الخارجية الأمريكية توافق على إمكانية بيع 600 من صواريخ ستينجر للمغرب بقيمة 825 مليون دولار    إسرائيل: "لن تدخل غزة أي مساعدات"    زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب غرب أستراليا    وقفات احتجاجية في مدن مغربية ضد التطبيع واستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة    مطالب متجددة بوقف استخدام موانئ المغرب لرسو "سفن الإبادة"    الركراكي: المنتخب المغربي عازم على الفوز بكأس إفريقيا وأتطلع أن يقام نهائي المونديال بالمغرب    بيلينغهام : واثقون من تحقيق ريمونتادا تاريخية أمام أرسنال    حكيمي: "الحقيقة أننا لا نهتم بهوية منافسنا.. لأنه للفوز بدوري أبطال أوروبا عليك أن تواجه الأفضل"    المنتخب الوطني المغربي للمواي طاي يشارك ضمن فعاليات البطولة الإفريقية بطرابلس    شهادة مؤثرة من ابنة مارادونا: "خدعونا .. وكان يمكن إنقاذ والدي"    توقيف شخصين بأبي الجعد ظهرا في صور أمام إحدى دوائر الشرطة بحي النسيم بالدار البيضاء وهما يشهران أسلحة بيضاء    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    مغاربة عالقون في السعودية بدون غذاء أو دواء وسط تدهور صحي ونفسي خطير    وفاة شاب بأكادير جراء حادثة سير مروعة    لجنة حقوق الإنسان الدارالبيضاء-سطات تناقش الأهلية القانونية للأشخاص في وضعية إعاقة    تقرير برلماني يفضح أوضاع الأحياء الجامعية بالمغرب.. "تحرش مخدرات، وضع أمني هش وبنية تحتية متدهورة"    كلب مسعور على حدود المغرب .. والسلطات الإسبانية تدق ناقوس الخطر    أسعار المحروقات تواصل الارتفاع رغم تراجع أسعار النفط عالميا    "جيتيكس إفريقيا".. توقيع شراكات بمراكش لإحداث مراكز كفاءات رقمية ومالية    وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة وشركة "نوكيا" توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز الابتكار المحلي    حبير دولي: الهجمات السيبرانية إشكالية عالمية يمكن أن تؤثر على أي بلد    أسعار صرف العملات اليوم الأربعاء    الملك محمد السادس يهنئ دانييل نوبوا أزين بمناسبة إعادة انتخابه رئيسا لجمهورية الإكوادور    طقس الأربعاء.. قطرات مطرية بعدد من المناطق    ابنتا الكاتب صنصال تلتمسان من الرئيس الفرنسي السعي لإطلاق سراح والدهما المسجون في الجزائر "فورا"    الصين تسجل نموا بنسبة 5,4 في المائة في الربع الأول    المغرب يعزز درعه الجوي بنظام "سبايدر".. رسالة واضحة بأن أمن الوطن خط أحمر    موظفو الجماعات يدخلون في اضراب وطني ليومين ويحتجون أمام البرلمان    مؤسسة الفقيه التطواني تنظم لقاء مواجهة بين الأغلبية والمعارضة حول قضايا الساعة    بطولة إسبانيا: توقيف مبابي لمباراة واحدة    حملة ليلية واسعة بطنجة تسفر عن توقيف مروجين وحجز آلات قمار    مسؤولة تعرف الرباط بالتجربة الفرنسية في تقييم العمل المنزلي للزوجة    أشبال الأطلس يتأهلون إلى نهائي كأس أمم إفريقيا على حساب الكوت ديفوار    رغم خسارة الإياب.. برشلونة يتألق أوروبيًا ويعزز ميزانيته بعد الإطاحة بدورتموند    فاس تقصي الفلسفة و»أغورا» يصرخ من أجل الحقيقة    خريبكة تفتح باب الترشيح للمشاركة في الدورة 16 من المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي    "ديكولونيالية أصوات النساء في جميع الميادين".. محور ندوة دولية بجامعة القاضي عياض    وفاة أكثر من ثلاثة ملايين طفل في 2022 بسبب مقاومة الميكروبات للأدوية    دراسة أمريكية: مواسم الحساسية تطول بسبب تغير المناخ    فايزر توقف تطوير دواء "دانوغلبرون" لعلاج السمنة بعد مضاعفات سلبية    محمد رمضان يثير الجدل بإطلالته في مهرجان كوتشيلا 2025    إدريس الروخ ل"القناة": عملنا على "الوترة" لأنه يحمل معاني إنسانية عميقة    نقل جثمان الكاتب ماريو فارغاس يوسا إلى محرقة الجثث في ليما    فاس العاشقة المتمنّعة..!    قصة الخطاب القرآني    أمسية وفاء وتقدير.. الفنان طهور يُكرَّم في مراكش وسط حضور وازن    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات الماريشال ليوطي عن المغرب.. 1912 - 1926 (44) -7-
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 27 - 07 - 2013

تتيح لنا مجددا «فسحة رمضان»، العودة لمرافقة تفاصيل مذكرات الماريشال ليوطي الميدانية في المغرب بين سنوات 1912 و 1926، التي تعتبر سنوات حاسمة في إعادة بنينة وتحديث الدولة المغربية. وكنا توقفنا في الجزء الأول من ترجمة هذه المذكرات الهامة جدا، عند سنة 1916، ومنها نواصل رحلة الإكتشاف. الحقيقة أن هذه مذكرات هامة جدا، كونها تعنينا كمغاربة، عن كيف تشكل المغرب الحديث بعد احتلال فرنسا وإسبانيا لبلادنا، إثر توقيع معاهدة الحماية يوم 30 مارس 1912، والتي مرت ذكرى 100 سنة عليها السنة الماضية. وأهمية هذه المذكرات، ليس فقط أنها وثيقة تاريخية، بل كونها كتبت من صانع قرار، لم يكن عاديا قط في تاريخ المغرب الحديث، أثناء وبعد صدمة الإستعمار، الماريشال هوبير ليوطي، أول مقيم عام لفرنسا بالمغرب.
لقد جاء إلى المغرب بعد سنوات قضاها في مدغشقر ثم وهران بالجزائر، ليمارس مهام المقيم العام ل 14 سنة كاملة. وهي أطول فترة قضاها مقيم عام فرنسي بالمغرب. ليس هذا فقط، بل أهميتها التاريخية أنها كانت مرحلة تأسيسية لشكل الإستعمار الفرنسي في إمبراطورية لها منطقها الدولتي في التاريخ، في كل الشمال الغربي لإفريقيا، هي الإمبراطورية الشريفية المغربية. وأن كل أساسات الدولة الحديثة قد وضعت في تلك المرحلة، على مستوى إعداد التراب، أو التنظيم المالي، أو القضاء، أو التعليم أو الفلاحة. ومن خلال ما دونه في مذكراته نتتبع بدقة كيف ولدت كل تلك الترسانة التنظيمية للدولة المغربية الحديثة، بلغة صاحبها التي لا تتردد في وصف ذلك بالعمل الإستعماري، المغلف بالدور الحضاري. وهي شهادة فيها الكثير من جوانب الجرأة الأدبية التي تستحق الإحترام. ثم الأساسي، أنه كرجل سياسة كتب شهادته وأرخ للأحداث عبر مذكراته الخاصة، من وجهة نظره، ولم يلد بالصمت، بل كان له حس تاريخي، يتأسس على إدراكه أنه يسجل كلمته للتاريخ.
لقد صدرت هذه المذكرات أول ما صدرت سنة 1927، أي سنة واحدة بعد مغادرته المغرب (بقي مقيما عاما بالمغرب من 1912 إلى 1926). ثم أعيد نشرها سنة 1944، قبل أن يعاد نشرها من قبل كلية الآداب بالرباط منذ سنة إحياء للذكرى 100 لاختيار الرباط عاصمة للمغرب. لنستمع لصانع من صناع التاريخ المغربي الحديث والمعاصر، كيف يروي قصة الأحداث من وجهة نظره. أو كما قال الزعيم اليساري الفرنسي فرانسوا ميتران عن مذكراته الخاصة هو: «هذه هي الحقيقة من الجهة التي كنت أنظر منها». أي أن للحقيقة دوما جهات أخرى للرؤية والنظر، يكملها عمليا المؤرخون.
فاس: 22 أكتوبر 1916 (تتمة 1).
هكذا ولدت فكرة معرض الدارالبيضاء أولا. كنا نعتبرها بداية محتشمة، لكنكم تتذكرون ما وقع، لقد لعب ذلك المعرض دورا حاسما في التنمية الإقتصادية للمغرب. حيث أدرك المغاربة لأول مرة قيمة ما لديهم وما يمتلكون. لقد قمنا بتقييمنا، ولا يزال الأهالي يقومون بالمقارنات بين منتوجات مختلف المناطق، متعجبين من تنوعها وأهميتها، ومؤمنين أنها حافز للعمل عند عنصر بشري لا يطلب غير التقدم. وفي تلك المناسبة ظهرت لأول مرة أيضا، مجهودات المعمرين الطيبة، مجهودات المعمرين الفلاحيين والمعمرين الصناعيين، والذي اكتشفوا واكتشفنا معهم، السرعة التي تحقق بها، في عدد قليل من السنوات، النماء الصناعي المحلي.
مثلما لا يمكننا التغاضي عن المجهودات الجبارة لفرنسا الأم، التي تجاوزت كل انتظاراتنا، والتي قدمت لنا هنا نماذج، سمحت لتجارتنا الوطنية أن تأخد مكانة جد مركزية هامة، كانت حكرا إلى عهد قريب لأعدائنا. وفي المجمل، كان معرض الدارالبيضاء، نموذجا للإنجاز المثالي، ذلك الذي يعكس الدراسة المنهجية للتنافسية. مثلما تعلمنا فيه أكثر أذواق ورغبات وحاجيات وعادات الأهالي المغاربة. وباعتمادنا على نتائجنا الإحصائية سننتصر في السوق المغربية. لكن، للأسف فإن صناعتنا الفرنسية تواجه الكثير من المشاكل وصعب عليها في الظروف الحالية أو تستجيب لكل متطلباتنا. ورغم ذلك فإن النتائج المكتسبة جيدة وأخرى ستأتي قادمة، لاشك لدي في ذلك.
صدقوني، ليس هناك نصر بدون جهود جبارة وطويلة النفس. لهذا السبب، فإنه سنة واحدة بعد معرض الدارالبيضاء، لم نتردد في فتح معرض نموذجي بفاس.
كان هذا المكان ضروري لأسباب سياسية واضحة، لا حاجة لسردها أمامكم. ففي الموقع المتقدم لمواجهاتنا [مع المقاومة المغربية]، فإنه لغايات اقتصادية تستحق هذه المدينة التجارية والصناعية العريقة، بسوقها الكبير، أن نبادر من أجلها وهي تسيل لعابكم. فالغاية السياسية لهذه المبادرة لا تخفى على أي منكم. بينما النجاح الإقتصادي فيها ليس يسيرا. فمنذ آخر زيارة لي هنا منذ بضعة شهور، كان التجار الفرنسيون الذين يأتون لملاقاتي، يصدرون عن رغبة وطنية جامحة لا أجد الكلمات المناسبة لشكرهم عليها، كونهم ظلوا متعاونين معنا من موقع إدراكهم الحاجة السياسية، حتى وهم مطوقون بظروف السوق ومشاكل النقل والمخاطر المحيطة من كل جانب. لقد كنت أنا أيضا مأخودا بوجهة نظرهم تلك. وضعف مشاركتهم، كنت لأتفهمه تماما، لكن، ها هم ذات التجار الفرنسيين أولئك يأتون اليوم ليؤكدوا لي أن الأمور جيدة وأن مرحلة جديدة وحاسمة لتثبيت التجارة الفرنسية في هذا البلد قد تحققت.
أكيد، هناك خلافات. فأنا ومساعدي الأقربين، نتتبع ونسجل كل يوم تقريبا، بقلم في اليد، مسار أعمالكم وتجارتكم. وندرك، أنه إلى جانب رفاقكم القدامى المتواجدين هنا منذ مدة والذين نسجوا علاقات مع ساكنة البلد وتفهموا أمزجتهم، فإن الذين جاؤوا منكم حديثا من فرنسا، يجدون صعوبة في الإندماج، بسبب غياب آليات وسيطة تسهل ذلك. وعليكم أنتم أيها السادة في اللجن المركزية والجهوية أن تلعبوا هذا الدور بأن توجهوهم، وأن تستغلوا هذا الأسبوع المتبقي حتى لا يعود أي واحد منهم بإحساس أنه ضيع وقته وماله، أو أن جهوده لم تقدر حق قدرها.
لكن، إذا كان مهما أن لا تعودوا خاسرين، بفضل المبيعات، فإن تمة شيئا آخر أهم هو الطلبيات التي تحقق لكم الإستمرارية. بل أكثر من ذلك، العلاقات التي نسجتم والوسطاء الذين تركتم هنا، والأسس الراسخة التي وضعتم التي تتساوق ومستقبل تجارتنا في هذا البلد. وإنني أتأمل من الآن، المواد التي كنا لا نفلح في إيصالها والتي أصبحنا متمكنين من إدخالها اليوم، والتي بعضها يندرج في باب الإستهلاك اليومي الكبير للساكنة المحلية. تلكم هي المعركة النبيلة، أو التاكتيك الذكي لاقتصاد الحرب. فالمواقع التي تؤخد لا تنتزع قط أبدا ولا تضيع. أليس يقول المثل القديم: «انهض من هنا كي أجلس»؟. لقد أنهضنا في زمن الحرب الذين كانوا جالسين هنا واقتعدنا أماكنهم. فحافظوا عليها.
لا تؤولوا كلماتي في أفق وطني محض. فالجميع فهم هنا أننا لا يمكن أن ننظم معرضا وطنيا. لأن ذلك سيأخدنا إلى حسابات لسنا مهيئين لها بعد، التي عبر شقوقها سيتسرب إلينا العدو من جديد. لكن رغم ذلك نحن ملتزمون باحترام الإتفاقيات الدولية ومبدأ الحرية الإقتصادية، ومقتنعين بأرباح المنافسة الشريفة، قبل أن نؤسس، حين تسمح الظروف بذلك، لفعل اقتصادي تكاملي بين الحلفاء.
اليوم، علينا مواصلة جهودنا. وعلى الرغم من أنني أعتبر أول تجربة تسييرية للحماية، وهذا شرف لا أتهرب منه، بل بالعكس [أعتز به]، سأكون بجانبكم وخلفكم وأمامكم السنة القادمة في موقع آخر وكذا في باقي السنوات. ولسنا يائسين، بل متفائلين،، لأنه إلى جوار النماذج التجارية التي وجدناها عند خصومنا، فإن الوثائق المصاحبة لها برهنت لنا عن الحزم والإصرار الذي به كانوا ينفدون به مخططاتهم. لقد وقفنا عند الصعوبات التي واجهتهم، عند العقبات التي هزمتهم، وكيف غامروا ونجحوا بلا كلل. إنه هنا يكمن درس بليغ لنا حتى عند أعدائنا. إني أرى البعض منكم، مستعدين للتراجع عند أول خسارة، أولئك الذين لا تنير الإبتسامة وجوههم، حتى وهي ميزتنا نحن الفرنسيين. ورغم ذلك تمة دروس يمنحنا لنا رجالنا. فأمامهم خصم عنيد يقاوم، بقوة كم نعرف قدرها، لكن بدون غبطة، بل بصرامة. بينما من جانبنا، على العكس من ذلك، فإنه من ركام الآلام التي تواجهنا يوميا، فيا له من عنفوان واعتزاز ذلك الحبور الذي نصدر عنه رغم الحراب التي تواجهنا. عند جيراننا لإنجليز يسمونه «البسط» عندنا نطلق عليه «النكتة»، حتى والأمر واحد، وهذا هو الأساس. بالتالي خدوا العبرة دوما من ذواتكم المقاومة، بدلا من تواصل فكرة المقارنة مع الآخر، التي صحيح أنها مهمة ومفيدة، لكن قوموا بها على طريقتنا الفرنسية، باعتزاز ويسر وثقة مطلقة في الذات.
لتشكروا معي تواجد السيد النائب لونج بيننا، مقرر سلفاتنا. إنه مصدر رزقنا. وأنتم تعلمون حجم ارتباطه بمغربنا [ هكذا كتب ليوطي بالحرف] منذ بداية الحماية. وبأي روح انتباه مخصبة، واعية، نيرة يتتبع تقدمه ونموه. وأمس فقط كان في مقدمة جبهتنا حيث رأى بأم عينه ما ننجزه. إنه شاهدنا ومحامينا أمام البرلمان وأمام الرأي العام [الفرنسي]. والآن، هيا إلى العمل مرة أخرى، من أجل هذا الأسبوع المتبقي. وليذهب تفكيرنا إلى من يهبون أرواحهم لنصرة فرنسا، وأن تكون مشاكلكم وأسباب قلقكم لا شئ في عيونكم أمام الأملم والشجاعة التي يواجهون بها [الحرب].
في معاركنا الإقتصادية القادمة، اذهبوا مبتسمين مع ثقة نابعة من القلب، فالنصر سيكون حليفنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.