موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    موتسيبي: كأس أمم إفريقيا للسيدات المغرب 2024 ستكون الأفضل والأنجح على الإطلاق    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    ضمنهم موظفين.. اعتقال 22 شخصاً متورطين في شبكة تزوير وثائق تعشير سيارات مسروقة    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    طقس حار من السبت إلى الاثنين وهبات رياح قوية مع تطاير الغبار الأحد بعدد من مناطق المغرب        صادرات الصناعة التقليدية تتجاوز 922 مليون درهم وأمريكا تزيح أوروبا من الصدارة    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    وهبي: أزماتُ المحاماة تقوّي المهنة    خبراء: التعاون الأمني المغربي الإسباني يصد التهديد الإرهابي بضفتي المتوسط    الإكوادور تغلق "ممثلية البوليساريو".. وتطالب الانفصاليين بمغادرة البلاد    المغرب التطواني يُخصص منحة مالية للاعبيه للفوز على اتحاد طنجة    حكيمي لن يغادر حديقة الأمراء    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    ابن يحيى تشارك في افتتاح أشغال المنتدى البرلماني السنوي الأول للمساواة والمناصفة    بوريطة: المقاربة الملكية لحقوق الإنسان أطرت الأوراش الإصلاحية والمبادرات الرائدة التي باشرها المغرب في هذا المجال    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        "أطاك": اعتقال مناهضي التطبيع يجسد خنقا لحرية التعبير وتضييقا للأصوات المعارضة    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    هذا ما قررته المحكمة في قضية رئيس جهة الشرق بعيوي    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    فاطمة الزهراء العروسي تكشف ل"القناة" تفاصيل عودتها للتمثيل    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    المحكمة الجنائية الدولية تنتصر للفلسطينيين وتصدر أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير حربه السابق    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    قانون حماية التراث الثقافي المغربي يواجه محاولات الاستيلاء وتشويه المعالم    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    ما صفات المترجِم الناجح؟    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الغربة والتغريب..    كينونة البشر ووجود الأشياء    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    المجر "تتحدى" مذكرة توقيف نتانياهو    رابطة السلة تحدد موعد انطلاق الدوري الأفريقي بالرباط    بنما تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية الصحراوية" الوهمية    مفتش شرطة بمكناس يستخدم سلاحه بشكل احترازي لتوقيف جانح    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    بتعليمات ملكية.. ولي العهد يستقبل رئيس الصين بالدار البيضاء    العربي القطري يستهدف ضم حكيم زياش في الانتقالات الشتوية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سوسيولوجيا العمل الجمعوي بالمغرب : ملاحظات أولية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 07 - 06 - 2013


- 2العمل الجمعوي والشراكة .
يعد المنشور الصادر عن الوزارة الأولى بتاريخ 27 يونيو 2003 (الموافق ل26 ربيع الثاني) والذي يحمل رقم 7/2003، أهم وثيقة حكومية منظمة لعلاقة الشراكة بين الدولة والجمعيات.صحيح أن هذه المذكرة تعكس اعتراف الدولة بالعمل المهم الذي تقوم به الجمعيات ، وبحيوية ودينامية الحركة الجمعوية ، التي صارت تغطي مجالا واسعا في الحقل الاجتماعي، بل والاقتصادي. والمؤكد كذلك أنها تروم الارتقاء بأداء الجمعيات وتحسين شروط عملها، عبر تحسين الإطار القانوني وتبسيط الإجراءات، من خلال وضع إطار جديد للشراكة أ كثر مرونة ومطابق لمبادئ الحكامة الجيدة، وتحسين التنسيق والتحكم على مستوى العملية التنموية، من خلال إطار تعاقدي خاضع لمنطق النتائج، والنهوض بالبعد الترابي المحلي على مستوى الشراكات من أجل تقوية اللامركزية. كل ذلك طبعا من أجل استهداف أنجع وفعال للمشاريع والمستفيدين.
لكن المذكرة تعبر أيضا عن تصور الدولة للأدوار التي ينبغي للجمعيات أن تضطلع بها، إذ تحصر مجال تدخل الجمعيات في ما تعتبره ، قطاعات ذات الأولوية بالنسبة للفعل الحكومي، مثل محاربة الفقر والإقصاء الاجتماعي، دعم النساء والأطفال في وضعية صعبة، محاربة أمية الكبار، التربية غير النظامية، الأنشطة المدرة للدخل، الشباب، الرياضة، الإدماج المهني للشباب وتطوير البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية الأساسية.
والملاحظ كذلك أيضا أن المذكرة، إضافة إلى وضعها للخطوط العامة لسياسة جديدة للشراكة بين الدولة و الجمعيات، تقدم نموذجا لاتفاقية شراكة، خاصة بالنسبة للمشاريع التي يبلغ حجم المساهمات العمومية فيها بالنسبة للمشاريع التي يبلغ ة شركة أو يتجاوز مبلغ 50.000 درهم.هذا النموذج ، يتوجه في نفس الآن إلى الشراكة التي تجمع الدولة و جمعية أو عدة جمعيات ، والشركاء الآخرين مثل الجماعات المحلية ، المؤسسات العمومية، و الخواص.
أما فيما يتعلق بالتمويل الذي لا يدخل ضمن المجالات ذات الأولوية و/أو الذي مبلغه أقل من 50.000 درهم، فقد حددت المذكرة الشروط الواجب الالتزام بها من طرف الجهة العمومية المعنية بعقد اتفاقية الشراكة والجمعية الشريكة.
ونستشف من خلال مضمون المذكرة أن الدولة بقدر ما تعلن عن التزامها عبر هذه المذكرة وغيرها ، بتقوية دور وقدرات الحركة الجمعوية وتحسين شروط عملها، خاصة من خلال تنمية مواردها المالية، عبر تخفيف مساطر الولوج إلى الموارد العمومية.بقدر ما تطالب الجمعيات صراحة بضرورة الالتزام بمبادئ الحكامة الجيدة في التسيير ، إذ تشرط عقد اتفاقية شراكة مع الجمعية بمدى انضباطها لمقتضيات القانون ، واحترام القانون الأساسي خاصة في ما يتعلق بالتوافق بين النشاط الممول وأهدافها كما هي منصوص عليها في قانونها الأساسي، وعقد اجتماعات أجهزتها التقريرية بانتظام، واحترام قواعد التسيير الديمقراطي.
بل إن الحكومة تستكمل ذلك بوضع تدابير للتتبع و التقييم وتقديم الحساب، للوقوف على حصيلة تنفيذ برامج الشراكة على الصعيد المادي والمالي والمحاسباتي، من أجل فعالية أكبر للتمويل على مستوى استهداف المشاريع والمستفيدين ..
وتشير المذكرة إلى أن التدابير التي تقترحها على مستوى التدبير المالي و المحاسباتي، تستكمل الإجراءات القوانين المنظمة لاستعمال الأموال العمومية من طرف الجمعيات، خاصة ما ينص عليه : المادة 118 من قانون رقم 99-62 المتعلق بالمحاكم المالية ، الذي يخضع لمراقبة المجالس الجهوية للحسابات التمويلات العمومية التي تتلقاها الجمعيات، والمادة 32 من الظهير المنظم للجمعيات، الذي يفرض على الجمعيات التي تتلقى بشكل دوري دعم من جماعة عمومية او من مؤسسة عامة، تقديم ميزانياتها وحساباتها، طبقا لشروط التنظيم المالي والمحاسباتي المحدد بقرار 31 يناير 1959، والذي يلزم الجمعيات التي تتلقى مساعدات أجنبية، بالتصرح بذلك للأمانة العامة للحكومة .
و إضافة إلى ذلك، تطرح المذكرة ضرورة تعزيز مراقبة التسيير المالي للجمعيات باللجوء إلى التصديق على حساباتها، عندما يتجاوز مجموع المساهمات العمومية المحصل عليها في مشروع ما أو عدة مشاريع 500 ألف درهم.
وبشكل عام، لا يمكن الإشارة إلى مذكرة الوزير الأول السالفة الذكر بمعزل عن التحولات التي بدأ يشهدها الواقع المغربي ، خاصة على مستوى انتشار ثقافة الشراكة بين مؤسسات الدولة و الجمعيات.فالمذكرة إذن صدى أو استجابة لما بدأ يعتمل في هذا الواقع (في حقل التربية والتكوين، بدأت وزارة التربية الوطنية، منذ نهاية سنوات التسعينات، تنفتح على الجمعيات، بل و تسعى إلى إقامة علاقة شراكة1 معها، من أجل النهوض بواقع المنظومة التربوية..(الميثاق الوطني للتربية والتكوين، و اصدار مجموعة من النصوص المنظمة للشراكة،:ظهائر ومراسيم ومذكرات ...).
لكن رغم النتائج الايجابية المهمة التي تحققت نتيجة انخراط الجمعيات في ورش النهوض بالتعليم، على الخصوص في المناطق القروية والمهمشة، إلا أن الشريكين واجها مجموعة من المشاكل، تتعلق بضعف ونقص خبرة الجمعيات وحاجتها إلى التكوين والتأهيل من جهة، وتتعلق بقدرة الوزارات ومصالحها الخارجية (الموارد البشرية والمالية) على الاستمرار في الانخراط في هذه السياسة ، التي تتطلب مرونة وموارد ماليا كافية وموارد بشرية مؤهلة، وإيمانا فعليا بروح المشاركة والتشارك، من جهة أخرى.
ولعل هذا ما يفسر انتقال الوزارة في الآونة الأخيرة إلى خلق «جمعيات» موازية ، مثل الجمعية المغربية لدعم التمدرس التي ترأسها كاتبة الدولة في التعليم شخصيا ، والتي تشرف على تنفيذ برنامج تيسير الذي يصل غلافه المالي إلى ملايين الدراهم، والتي تحظى عموما بامتيازات خيالية ، ثم جمعيات دعم مدرسة النجاح ، التي أشرفت الوزارة على تأسيسها، وأمدتها بالوسائل الضرورية للنهوض بمهامها، بل سعت إلى عقد شراكات معها، وفق نموذج لمشروع اتفاقية إطار للشراكة بين الجمعيات والوزارة ، في شخص الأكاديميات.
وعلى مستوى تدبير الشأن المحلي ، يشير الميثاق الجماعي2، إلى أهمية المشاركة المواطنة في التدبير الجماعي، بما أنه يحيل عليها في العديد من مقتضياته، وأهمها : المادة 38، المتعلقة بمجال التعمير والتهيئة المجالية، والتي تنص في الفقرة 5 ، على أن المجلس الجماعي «يشجع خلق تعاونيات سكنية وجمعيات للأحياء.» وتعني هذه المادة أنه في مجال السكن، يتعين على المجلس الجماعي تشجيع المبادرات الخاصة المنظمة في إطار جمعيات أو تعاونيات من أجل تحقيق تجهيزات للسكن الاجتماعي.وعن طريق هذه المنهجية يمكن للمشاريع المنجزة في إطار التعاونيات والجمعيات، والتي تتحمل مسؤوليتها الساكنة المستفيدة، أن تعبر عن الحاجات الفعلية لهذه الفئة المستهدفة3.و المادة 41 الفقرة 2 ، التي تنص في الفقرة 2 على أن المجلس الجماعي»يشجع ويساعد التنظيمات والجمعيات ذات الطابع الاجتماعي ، الثقافي والرياضي».كما تنص نفس المادة في الفقرة 3 و 4 على أن المجلس الجماعي مطالب باعتماد منهجية في تدبير القرب، تقوم على التحسيس، التوعية والتعبئة، بهدف انخراط باقي الفاعلين الآخرين المعنيين بالتنمية المحلية، فإضافة إلى انخراط الفاعلين المؤسساتيين العموميين(الدولة) والمنتخبين المحليين، ينبغي انخراط الفاعلين التنمويين الآخرين وخصوصا الجمعيات المحلية.
وعلى العموم يمكن القول إن روح الميثاق الجماعي ل2002، سارت في اتجاه انفتاح الجماعة على محيطها، بما أن مقتضياته تؤكد على تشجيع مبادرات الشراكة ومشاركة السكان ، وتنظيماتهم المدنية4.
ومع ذلك فإن فسح المجال أمام مشاركة الجمعيات ، يبقى أمرا نسبيا في نص الميثاق الجماعي، لأنه لا يخرج عن نطاق التعبير البلاغي.وما دام أنه ليس هناك قرار إلزامي في هذا الشأن، فإن المجلس الجماعي يتمتع بكامل الصلاحية لقبول مشاركة الجمعيات أو رفضها، خصوصا وأن المشرع لم يحدد بدقة طبيعة بنيات وآليات تسمح بهذه المشاركة ، و لم يعمل بالتالي على مأسسة هذه المشاركة ، كما هو الشأن في بعض التشريعات الأجنبية، التي أقرت بنيات للمشاركة مكملة للبنيات التمثيلية التي تفرزها الانتخابات، وليست منافسة لها ولا بديلة عنها5...
وحمل التعديل الذي شهده الميثاق الجماعي6 في السنة الماضية إضافات مهمة فيما يخص مشاركة الجمعيات، عززت المقتضيات السابقة التي تشير إلى أهمية المشاركة والشراكة في ميثاق 2002 ، حيث ينص القانون الجديد في المادة 14 ، على إحداث لجنة استشارية لدى المجلس الجماعي تدعى لجنة المساواة وتكافؤ الفرص تتكون من شخصيات تنتمي إلى جمعيات محلية وفعاليات من المجتمع المدني يقترحها رئيس المجلس الجماعي.و تبدي اللجنة، التي يرأسها رئيس المجلس الجماعي أو من ينوب عنه، رأيها كلما دعت الضرورة ، بطلب من المجلس أو رئيسه في القضايا المتعلقة بالمساواة وتكافؤ الفرص ومقاربة النوع الاجتماعي، ويمكن لأعضاء اللجنة تقديم اقتراحات تدخل في مجال اختصاصاتها.كما ينص القانون في المادة 36 ، على أن رئيس المجلس الجماعي مطالب بإعداد مشروع مخطط جماعي للتنمية (الاقتصادية والاجتماعية) ، وبتقديمه للمجلس من أجل دراسته والتصويت عليه.ويحدد المخطط الجماعي للتنمية الأعمال التنموية المقرر إنجازها بتراب الجماعة لمدة ست سنوات ، في أفق تنمية مستدامة وفق منهج تشاركي يأخذ بعين الاعتبار على الخصوص مقاربة النوع...
ويتأكد رهان الدولة على مشاركة الجمعيات أيضا، من خلال الدور الموكول لها في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي انطلقت منذ سنة 2005.حيث يعتبر النسيج الجمعوي فاعلا أساسيا في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية
ومن الإشارات الأخيرة الدالة على روح الشراكة مع الجمعيات، انفتاح اللجنة الاستشارية للجهوية، المكلفة بلورة تصور حول الجهوية الموسعة، على الجمعيات.
الظهير المتعلق بإحداث المجلس الاقتصادي والاجتماعي7، ينص في المادة 11 على أن الجمعيات مكون أساسي في تشكيلة المجلس،
6 وفق الظهير الشريف رقم 1.08.153 صادر في 22 من صفر 1430 الموافق ل18 فبراير 2009، بتنفيذه القانون رقم 17.08 المغير والمتمم بموجبه القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي كما تم تغييره وتتميمه- منشور الجريدة الرسمية عدد 5711 بتاريخ 23 فبراير 2009.خامسا : ملامح ديموغرافيا الجمعيات بالمغرب .
استعرنا مفهوم الديموغرافيا الجمعوية démographie associativeمن الباحث لويس ديرن1 louis Dirn. وعلى غرار الديموغرافيا، كعلم يدرس السكان، انطلاقا من متغير العدد والمدة، وكعلم يتناول بنية السكان ستاتيكيا وديناميا، من خلال البحث في توزعهم حسب السن ، الجنس، الحالة العائلية، النشاط المهني، قياس خصوبتهم ، معدلات وفاتهم وولادتهم، وكذا التنبؤ ، إلى حد ما، بآفاق تطورهم المستقبلي2، يقصد بالديموغرافيا الجمعوية، دراسة الجمعيات ستاتيكيا وديناميكيا من خلال رصد تزايد عدد الجمعيات عبر الزمن ، من خلال تتبع حركية تأسيس الجمعيات و اختفائها، ودراسة توزع الجمعيات جغرافيا بين الجهات، وبين المدينة والقرية، وتوزعهم بين مجالات الاهتمام.
1-1- إشكالية ديموغرافيا الجمعيات بالمغرب :
هناك ثلاث جهات رسمية هي على اطلاع، من الناحية المبدئية، على ديموغرافيا الجمعيات، وفقا لما ينص عليه قانون الجمعيات3 ، هي كالتالي :
- وزارة الداخلية، على اعتبار أن كل جمعية مطالبة بتقديم تصريح إلى مقر السلطة الإدارية المحلية الكائن به مقر الجمعية، والذي يتضمن كل المعطيات الخاصة بالجمعية (اسمها وأهدافها، لائحة تتضمن كل المعلومات الخاصة بإعضاء المكتب المسير، صور من بطائقهم الوطنية ونسخ من سجلاتهم العدلية الخ) ، إضافة إلى القوانين الأساسية للجمعية.
- وزارة العدل، بحكم أن السلطة الإدارية المحلية توجه نسخة من التصريح ونسخة من الوثائق المرفقة به إلى النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية المختصة، وذلك قصد تمكينها من إبداء رأيها في الطلب عند الاقتضاء.
- الأمانة العامة للحكومة، التي توجه إليها كذلك السلطة الإدارية المحلية نسخة من وثائق تأسيس الجمعية.
هذا علاوة على بعض الجهات الرسمية الأخرى، التي يرتبط مجال تدخلها بعمل الجمعيات على المستوى الميدان، والتي تعمل على مستوى برامجها وسياساتها على دعم، تشجيع ورعاية عمل الجمعيات، مثل وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن، التي هي من الناحية النظرية الوزارة الوصية على الحقل الجمعوي، ووزارة الشباب والرياضة،ووزارة الفلاحة..الخ. .
ومقارنة مع ما هو معمول به في بعض المجتمعات الأخرى، فهناك صعوبة كبيرة في الولوج إلى المعطيات الإحصائية الخاصة بالجمعيات، مما يحول دون رسم صورة واضحة عن الديموغرافيا الجمعوية. ففي فرنسا على سبيل المثال، يجري إحصاء منتظم لعدد الجمعيات ، وقانون الجمعيات ، يسهل نسبيا ذلك، بحكم أنه ينص على ضرورة التصريح بالتأسيس الرسمي للجمعيات التي ترغب في الاستفادة من التمويل العمومي، في الجريدة الرسمية.وإن كان من الصعوبة معرفة عدد الجمعيات غير المصرح بها ، وعدد «الجمعيات الحية» associations vivantes ،لأنه لا يوجد أي إلزام قانوني يفرض التصريح ب»وفاة الجمعية» وتوقفها عن العمل، مثلما هو الشأن بالنسبة لتأسيسها4.
والواقع أن الخصاص الإحصائي التي يواجه كل من يتناول الظاهرة الجمعوية ببلادنا، ليس مسألة مغربية صرفة، حيث يكاد يكون هذا المشكل عالميا، فكما توضح الباحثة سيبي ميرتين : Sybille Mertens» إذا كانت المعرفة الإحصائية للتنظيمات التعاونية والتعاضدية تطورت كثيرا خلال السنوات الأخيرة، فالملاحظ أنه ما يزال هناك جهل إحصائي عميق فيما يخص الجمعيات5».ويطرح هذا الخصاص المسجل على مستوى إدراك الظاهرة الجمعوية مشكلا.إنه يحول دون الباحثين ووضع بعض النظريات موضع إثبات إمبريقي.ويحرم كذلك أصحاب القرار من معلومات مفيدة لتحليل وصياغة السياسات الاقتصادية.فسواء على المستوى العلمي أو السياسي، فهناك شعور بالحاجة إلى معلومات إحصائية حول الواقع الجمعوي.
ومع ذلك، فمشكل إحصاء الجمعيات في البلدان الأوربية راجع إلى كون عدد مهم من الجمعيات ليست لها شخصية قانونية، ما دام أن القانون المنظم للجمعيات في فرنسا أو بلجيكا مثلا، لا يلزم الجمعيات بالتصريح القانوني لدى السلطات، إلا في حالة ما إذا كانت تود تلقي إعانات ودعم عمومي.وما عدا ذلك فيمكن تأسيس الجمعية والاشتغال بدون تصريح قانوني.أما فيما يتعلق بالجمعيات المصرح بها قانونيا، فمسألة إحصائها تبدو سهلة، بالاعتماد مثلا، بالنسبة لحالة بلجيكا، على سجل الأشخاص المعنويين الصادر عن وزارة الداخلية والوظيفة العمومية، أو بالاعتماد على ما ينشر في الجريدة الرسمية في حالة فرنسا.وإن كانت مشكلة هذا السجل أنه يعيد نشر لائحة الجمعيات القانونية، بما في ذلك تلك التي لم تعد تقوم بأي نشاط، ولكن لم تتوقف عن الوجود قانونيا، أي بأن تحل نفسها.
وكما أشرنا إلى ذلك عند حديثنا عن الإطار القانوني والمؤسساتي للجمعيات بالمغرب، فإن المندوبية السامية للتخطيط بصدد انجاز بحث حول الجمعيات- الأول من نوعه على المستوى الرسمي- سيقدم بالتأكيد معطيات مهمة حول الديموغرافيا الجمعوية ببلادنا.
وبغض النظر عن النقص المسجل على مستوى المعطيات الإحصائية الخاصة بالجمعيات، يمكن القول أن التغيرات التي تطال الديموغرافيا الجمعوية ليست مسألة اعتباطية، بل هي مؤشرات مهمة على ما يحدث في المجتمع، بل يمكن الذهاب إلى حد القول إن الديموغرافيا الجمعوية تعكس بأمانة اتجاهات المجتمع، أو على الأقل بعضا منها 6.فكما بين أليكس دو طوكفيل فيما يخص حالة المجتمع الأمريكي، في القرن التاسع عشر، فإن تزايد عدد الجمعيات غير مفصول عن المنحى الديمقراطي للمجتمع،»فالبلد الأكثر ديمقراطية في الأرض، هو البلد الذي طور فيه الناس، في أيامنا هذه فن البحث بشكل جماعي عن موضوع رغباتهم المشتركة، والذي قاموا فيه بتطبيق هذا العلم الجديد على أكبر عدد ممكن من الموضوعات»7.
وهكذا فالحيوية الكبيرة، التي ميزت الحقل الجمعوي ببلادنا، في العقدين الأخيرين، والتزايد الكبير والمضطرد لعدد الجمعيات، هو تعبير عن توسع مجال المشاركة الاجتماعية، إذ أصبح إنشاء الجمعيات يعبر عن تعقد المجتمع وتغيره، و يستهدف تجاوز الاختلالات التي يطرحها هذا التعقد وهذا التغير، بالنسبة للمواطنين.أو بعبارة أوضح، لم يعد يمثل تأسيس الجمعيات ترفا بل ضرورة اجتماعية، تطمح إلى ملأ الفراغ الذي تتركه عادة تدخلات الفاعلين العموميين أو نتيجة لمحدودية تلك التدخلات ،أمام الطلب المتزايد و الأزمة المتصاعدة. وهو ما تم الوعي به بشكل أساسي في المغرب ، بعد سياسة التقويم الهيكلي.
و بشكل عام فان قدرة المجتمع على النمو و على التطور و على الابتكار مرتبطة بصفة أساسية بقدرته على بناء أكثر ما يمكن من مجالات العمل المتخصصة و التي تكون قريبة من المواطنين و بعيدة عن تحكم الدولة.فكلما كثرت مجالات العمل غير الحكومية، كلما سار المجتمع في اتجاه التنمية والديمقراطية. إذ أن كثافة النسيج الجمعوي محدد أساسي اليوم لقدرة المجتمع على التطور و البناء الديمقراطي.
فالديمغرافيا الجمعوية تعكس بأمانة و بدقة اتجاهات المجتمع و تعبر عن حاجاته، أو على الأقل بعضا منها.ويظهر من خلال تنامي عدد الجمعيات ومن خلال تنوع مجالات الفعل (التنمية، حقوق الإنسان ،الاهتمام بالفئات المحرومة: المرأة،المعاقين، الأطفال في وضعية صعبة...) ، أن هناك وعي لدى الفاعلين الجمعويين بحاجة المجتمع إلى التنمية والديمقراطية..
وحسب المعطيات المقدمة من طرف وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن سنة 2007 8 ، يتشكل النسيج الجمعوي المغربي من 38500 جمعية9، تشتغل في المجالات متنوعة أهمها :
حماية الأشخاص المعاقين- محاربة الأمية- النهوض بصحة الساكنة المهمشة- حماية البيئة- النهوض بحقوق المرأة- حماية الطفولة- العمل الخير والإحساني- الأنشطة الرياضية- التنمية المحلية والجهوية- الأنشطة الثقافية والفنية- تنمية البنيات التحتية- التنمية والأعمال الاجتماعية - حقوق الإنسان ..الخ.
من جانبه تحدث الصحافي والفاعل الجمعوي عبد الرزاق الحنوشي10، بخصوص عدد الجمعيات في المغرب ، في بداية الألفية الثالثة(سنة 2002)، عن رقم 30 ألف جمعية، وبالضبط 30230 جمعية تتوزع إلى 27105 جمعية مغربية، و 3125 جمعية أجنبية.هذا بعد أن كانت الجمعيات المسجلة بقاعدة المعطيات لدى الأمانة العامة للحكومية إلى غاية فاتح نونبر 2001 تصل إلى حوالي: 24732 جمعية، منها الجمعيات ذات المنفعة العامة، وتضم 114 جمعية، تتوزع بدورها إلى 105 جمعية مغربية و 9 أجنبية و10 مؤسسات fondations . وتتوزع الجمعيات، حسب مجالات الاهتمام، إلى ما يلي: جمعيات الشباب والطفولة، الجمعيات المهتمة كليا أو جزئيا بقضايا النساء، الجمعيات المهتمة بالإعاقة، الجمعيات المهتمة بالبيئة، جمعيات آباء وآولياء التلاميذ، الجمعيات الرياضية المدرسية، الجمعيات ذات الطابع الديني ،..الخ.
في الواقع تتضارب الأرقام حول عدد الجمعيات بالمغرب.لكنها تتراوح عموما ما بين 30 و40 آلف جمعية إلى حدود سنة 2007.
وعموما حاولنا التحقق من هذه الأرقام، لدى الأمانة العامة للحكومة، لكن نظرا للتعقيدات الإدارية، عجزنا عن بلوغ الهدف ، إذ باءت المحاولات المتكررة بالفشل.
وحسب البحث الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط فان عدد الجمعيات العاملة فعلا في سنة 2007 هو 44.614 (+ الجمعيات ذات النفع العام 44.771) وتتحدث الوزارة الوصية على المجتمع المدني اليوم عن رقم 90 ألف جمعية وأكثر (93 ألف) ...
لكن يتلاحظ أن هناك توزيعا غير متكافيء للديمغرافيا الجمعوية على مستوى التراب الوطني. فطوال عقود ظلت الظاهرة الجمعوية حضرية بامتياز ، بل كانت أغلب الجمعيات متمركزة في محور الرباط- البيضاء.بل يمكن القول أنه لزمن طويل كان هناك تناسب بين قلة فرص بعض المناطق في التنمية ، كما هو الحال في منطقة الجنوب الشرقي، ، وفرص وجود جمعيات بها، في حين أن المنطق كان يفترض العكس.
وتبين المعطيات الرسمية الخاصة بالجمعيات، بأن نفس الملاحظة ما تزال قائمة إلى حدود سنة 2007، إذ حوالي نصف عدد الجمعيات بالمغرب، يتمركز في محور القنيطرة -الجديدة، بنسبة 47.93 % من العدد الإجمالي للجمعيات، ثلثي هذه النسبة يوجد في محور الرباط-الدارالبيضاء (ب 31.24 % من العدد الإجمالي).وتتضمن جهة مكناس-تافيلالت، التي تحتضن إقليم الرشيدية ، مجال هذا البحث ما مجموعه 2212 جمعية.
بعض الخلاصات الأولية :
1- إن ظاهرة العمل الجمعوي بالمغرب ظاهرة حديثة.ارتبطت من جهة بسيرورة التمدين التي شهدها المجتمع المغربي منذ الفترة الاستعمارية، كما ارتبطت من جهة أخرى ببروز الطبقة المتوسطة. فصحيح أن المجتمع المغربي عرف عبر تاريخه، ممارسات اجتماعية وأنظمة تضامن وتعاون عفوية شبيهة بما نصطلح عليه اليوم بالعمل الجمعوي.بل إن بعض هذه الممارسات والأنظمة ما يزال مستمرا إلى حد الآن.لكن لا يمكن اعتبار الظاهرة الجمعوية اليوم امتدادا مباشرا لأشكال التضامن والتعاون التقليدية التي ميزت مجتمعنا المغربي القبلي لقرون طويلة، فالاختلاف بين التنظيمات التقليدية والتنظيمات الجمعوية ، هو اختلاف بين نسقين اجتماعيين متمايزين جوهريا، نسق تقليدي تقوم فيه العلاقات على رابطة الدم والقرابة ووحدة الانتماء للمجال ، وتتوارى فيه ذاتية الفرد وراء سلطة «النحن « ، ونسق حديث تقوم فيه العلاقات على التعاقد بين ذوات مستقلة وتتمتع بحرية الإرادة.
هذا مع الإشارة إلى أن الحداثة الذي يحيل إليها العمل الجمعوي هي حداثة مغايرة : إنها حداثة تضامنية وتشاركية، وليس حداثة العقلانية الحسابية، والفردانية.
2- عرفت الديموغرافيا الجمعوية ببلادنا تزايدا كبيرا منذ بداية التسعينيات وتنوعا على مستوى مجالات اهتمامها، وان كان الغالب عليها هو الاهتمام بالتنمية ، والميل إلى تبني الغايات والأهداف التي تحظى أكثر بالتمويل، كما شهدت هذه الديموغرافيا تغيرا على مستوى توزيعها الجغرافي، حيث لم تعد متمركزة في المدن الكبرى ،وان كان ما يزال اللاتكافؤ في التوزيع بين المدن الكبرى والقرى، وبين المدينة والقرية هو الغالب .
ولعل من أسباب نجاح الحركة الجمعوية في المناطق القروية الأكثر حرمانا في المغرب ، نجد الروح المدنية للنخبة المحلية المهاجرة في المدن الأخرى داخل المغرب أو في بلدان المهجر ، والتي تعود إلى قراها الأصلية، لتقدم تجربتها للساكنة، وتساهم بالتالي في تطوير العمل الجمعوي بهذه المناطق.وعلى العموم فالتغيرات التي طالت الديموغرافيا الجمعوية ليست مسألة اعتباطية، بل هي مؤشرات مهمة على ما حدث في المجتمع. وهكذا فالحيوية الكبيرة، التي ميزت الحقل الجمعوي ببلادنا، في العقدين الأخيرين، والتزايد الكبير والمضطرد لعدد الجمعيات، هما تعبير عن توسع مجال المشاركة الاجتماعية، إذ أصبح إنشاء الجمعيات يعبر عن تعقد المجتمع وتغيره، و يستهدف تجاوز الاختلالات التي يطرحها هذا التعقد وهذا التغير بالنسبة للمواطنين. أو بعبارة أوضح، يمثل تأسيس الجمعيات ضرورة اجتماعية، تطمح إلى ملء الفراغ الذي تركته تدخلات الفاعلين العموميين أو نتيجة لمحدودية تلك التدخلات ،أمام الطلب المتزايد و الأزمة المتصاعدة، بفعل اعتماد سياسة التقويم الهيكلي، وتراجع المؤسسات التقليدية عن أداء أدوارها، وعدم قدرة الدولة على التكفل بحل جميع المشاكل الاجتماعية التي تميز مجتمعا في تحول كامل.
وفي هذا الإطار تشكل الجمعيات ، أحد البدائل الايجابية الممكنة لمآل التغير الاجتماعي ببلادنا، في ظل استشراء واقع الإقصاء، الهشاشة والفقر. وفي غياب هذا البديل الايجابي، سيكون المجتمع في مواجهة اختيارات أو ملاجئ أخيرة، لها نتائج سلبية، ليس على الفرد فقط، وإنما على المجتمع في كليته، لعل من أبرزها الهجرة السرية، التطرف الديني، التهريب، المتاجرة في المخدرات، والعنف الحضري...الخ.
لكن كل ما سبق، لا ينفي حقيقة أن القطاع الجمعوي ذاته يجتاز حاليا أزمة وجودية، تعود إلى أسباب متعددة و متداخلة أهمها: غياب تقليد أو إرث ثقافي جمعوي بالمغرب11، فباستثناء بعض مناطق المغرب، التي تشهد دينامية جمعوية ناشئة، فالعمل الجمعوي ، ما يزال ظاهرة حديثة، وممركزة في بعض المراكز الحضرية الكبرى. وذلك ما يفسر إلى حد ما التزايد الفوضوي واللامتكافئ للجمعيات.
كما أن الفعل الجمعوي ذاته، يعاني من عدة اختلالات أهمها : قلة التجربة والخبرة، غياب رؤية شمولية للفعل الجمعوي ولسياسة التنمية على المدى المتوسط والطويل، ضعف التنسيق و التشاور بين الجمعيات، وفيما بينها وبين باقي الفاعلين التنمويين، تغليب المصالح الشخصية ، الفئوية ،الاقتصادية والسياسية، الطابع الهجين لمالية الجمعيات ولطبيعتها التنظيمية الخ...
ومن خلال استحضار هذه الأزمة وهذه الاختلالات، ندرك حجم وعمق المشكل الذي يعاني منه العمل الجمعوي ببلادنا، والذي يستدعي فتح ورش لتأهيل هذا الحقل الاجتماعي ذي الأبعاد الاقتصادية والسياسية ، ليكون في مستوى الأدوار ، الانتظارات والآمال المعقودة عليه.
فصحيح أن المبادرات الحكومية، في السنوات الأخيرة، دشنت مؤخرا برامج لتأهيل الجمعيات ، وتقوية قدرات الفاعلين الجمعويين، ودعم «تشبيك» الجمعيات. لكن هذه البرامج على أهميتها، لا تنطلق من تشخيص دقيق لواقع الجمعيات والعمل الجمعوي بكافة مناطق المغرب، ولا تحتكم بالتالي على معطيات دقيقة ووافية حول الموضوع.لهذا فهي لا تأخذ بعين الاعتبار كل الجمعيات، إذ تتوجه بالأساس إلى الشبكات والأنسجة الجمعوية ، والحال أنه ليست كل الجمعيات تندرج ضمن شبكات وأنسجة جمعوية .هذا زيادة على أن منطق «التشبيك» يخفي ، في الغالب نزوعات هيمنية لبعض الجمعيات على البعض الآخر، بحيث يكون المستفيد الأول والأخير من هذه العملية هو الجمعيات «الكبرى « في كل جهة من جهات المغرب، بينما باقي الجمعيات «الصغيرة» والناشئة تكتفي بالمسايرة فقط، دون مشاركة فعلية.فالجمعيات في حاجة اليوم لمدونة سلوك جديدة، تستدرك الكثير من جوانب الخصاص والاختلال التي تميز عملها.خصوصا وأن الاهتمام الذي تبديه الدولة تجاه الجمعيات و الحرص الذي تبديه لتحسين شروط عملها ، غير مفصول عن تبنيها لسياسة القرب واللامركزية واللاتركيز، التي تستهدف ليس فقط نقل الانشغالات والمسؤوليات إلى الجمعيات والجماعات المحلية، وباقي تنظيمات القرب، بل ونقل الأخطار والتهديدات أيضا، فقد نجحت الدولة في إنشاء بنية ? عازلة structure-tampon بينها وبين السكان، بنية قاطعة-للتيار، في زمن تصاعد العواصف الاجتماعية، وتمثل الجمعيات أحد أبرز مكونات هذه البنية العازلة إلى جانب الجماعات المحلية.
كما أن السياسات العمومية، التي هي من حيث المبدأ مسؤولية الدولة، تنزع إلى التحول إلى نوع من الأشغال الباطنية أو المناولة «Sous-traitance لفائدة الجمعيات، بفعل تخلي الدولة التدريجي عن جزء من مسؤوليتها، إذ في هذه الحالة تصبح الجمعيات تابعة، أكثر فأكثر، «للطلب العمومي»12، أي تتحول إلى أداة في يد الدولة و وسيلة للضبط الاجتماعي....
انتهى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.