نتتابع نشر الفصل الرابع من كتاب «مدانة لأنني اغتصبت» لمريم بن محمد، وهو كتاب / شهادة عن تجربة امرأة تونسية تعرضت للاغتصاب، وعوض أن يساءل الفاعل كانت عرضة لممارسات اضطهادية من طرف المجتمع.. البعد، الرسائل الإلكترونية، الهاتف، الوحشة. الأيام والوقت الذي يفصلني عن واحدة من الزيارات النادرة للعاصمة، كنا نعشق بعضنا بقوة وهذا الابتعاد القسري يزيد الأمر صعوبة. لكن ذلك لم يكن الأسوأ، اكتشفت بهذه المناسبة وجها جديدا في شخصية أحمد: غيرته، هو الواثق من نفسه، الحنون، أصبح أنانيا، مستحوذا، مشككا، أبسط ترفيه ليلي أسمح به لنفسي يكون موضوع تساؤلات لا تنتهي. أين؟ كيف؟ متى؟ مع من؟ أليس؟ أوقاتي؟ كثيرمن الحيطة والشكوك بدأت تؤثر على علاقتنا التي ظلت هادئة ومطمئنة حتى الآن. والزمن لم يساعد في شيء، كان أحمد متوترا أكثر فأكثر، وفي النهاية وجه لي تحذيرا أخيرا ذات مساء وقبل أن أخرج للقاء بعض صديقاتي في حفل راقص، كان غاضبا عبر الهاتف. - الآن مريم عليك أن تختاري، إما صديقاتك أو أنا، كلاهما غير ممكن، لا أستطيع تقبل أن تخرج صديقتي بدوني. وددت لو كسرت الهاتف بين يدي، أعرف جيدا أنه ليس مفاجئا أن يتصرف تونسي بهذا الشكل، ولكنني لا أطيق هذه التجاوزات التسلطية ومحاولاته التدخل في حريتي، لا أقبل أن يملي علي أحد ما أفعل وما لا أفعل، لايجب الرضوخ فقط لأنك تحب عمري 28 سنة، لم أعد طفلة، هذا ما حاولت إقناعه به. ليس من حقك أن تفرض علي هذا الاختيار، وليس هناك أي سبب لأمنع نفسي من الترفيه، إضافة إلى أنني لم أفعل ما يمكن مؤاخذتي به عندما أخرج أتسلى، أتناقش مع صديقاتي، نرقص في بعض الأحيان مع بعض، لست على اتصال بأي رجل، وحتى إن كان ذلك فأنا مخلصة ووفية لك. بالغ بعض الشيء. كلماته لم يكن لها أي وقع، قاطعته في الكلام، انتابته موجة من الغضب. - أنت لست لا أبي ولا أخي ولا زوجي لتفرض علي أي شيء. عندما قلت هذا الكلام أدركت شيئا رهيبا. أحببت أو كرهت، هنا علي دائما أن أعود وأستشير رجلا. - ولكنك تقضين وقتك تتعرضين للمعاكسات! بلباسك وزينتك أنت مثل الطعم. - أنا دلوعة أحب أن ألبس، ولكن فقط من أجل نفسي، لامن أجل الآخرين، إضافة إلى أنك تحب أن تراني جميلة، ماذا تريد؟ أن أشبه كيسا؟ - نعم، بصراحة أريد أن تكوني جميلة فقط عندما تكونين معي. ما الفائدة من هذه الخرجات؟ كل هؤلاء النسوة اللواتي يرتدن هذه المقاهي في الليل يبحثن عن رجال، عن المال! هذه هي الحقيقة، أنت لست أفضل منهن! - أنت تشتمني بأحكامك المسبقة هاته، لن أقبل منك أن تقلل احترامك لي لو تعلم كم أنت مخطأ. على طرف الهاتف صرخة أخيرة تم انقطع الخط، قطع المكالمة في وجهي لأول مرة منذ أحد عشر شهرا. منهارة، جلست على السرير بالغرفة التي أشغلها في بيت أختي. ليس فقط هناك وصاية والداي، ولكن، أيضا، علي أن أقبل إكراهات وشروط أحمد. لا أستطيع فعل شيء، أعرف أن الأمور هكذا. في تونس هناك لائحة طويلة من الممنوعات على النساء كيفما كانت وضعيتهن الاجتماعية، لا شيء مكتوب، ولكن الجميع يعرفها. والداي ليسا متسلطين، هم فقط تونسيان متوسطان يعيدان إنتاج صورة قديمة آلاف السنين، مفادها أن المرأة الشابة تقضي حياتها داخل بيت والدها ووالدتها قبل أن تغادره إلى بيت زوحها. لاندري تماما لماذا ولا كيف حصل ذلك؟ لا أحد حاول الطعن في هذا النمط من العيش حتى أنا اليوم ضحيته، من الأرجح أن أعيد إنتاجه فيما بعد. هذا شيء متجدر فينا. مجال حريتنا ضيق جدا. لا مجال حتى ليكون لك سكن خاص. لا شيء يمنع ذلك قانونا، ولكن من النادر أن تعثر على امرأة تسكن وحيدة. شيء متاح فقط للأجنبيات الغربيات طبعا، وبعض التونسيات الغنيات المتحررات. ولهذا السبب، وأنا أقارب الثلاثين من عمري، مجبرة على الخروج خلسة دون علم والداي، أعود في الليل للنوم في بيت أختي. في كل الأحوال لا أستطيع تجاوز عتبة باب العائلة في ساعة متأخرة من الليل دون أن أتعرض لوابل من العتاب. أسمع مشاجرات والدي ووالدتي، عدم رضاهم، وأفظع من ذلك عارهم. رغم هذه العراقيل، لم أتمكن أبدا من قتل رغبتي في استغلال شبابي، أعرف أن الشباب يمر بسرعة. وذلك مثل جميع الصديقات في سني، أبدع في الذرائع من أجل تجاوز ثقل التقاليد. تقنيتي التي لا تخطئ. أشرح لوالداي أنني سأنام عند أختي لأن لدينا الكثير من الأشياء نريد الحديث فيها. وحتى أكون نزيهة، لست متأكدة تماما إنهم يثقون فعلا بها، أنها لعبة أغبياء. المهم أنهم لا يحسون بأنهم متواطئون في تصرفي. وبالتالي أختلق وأبدع الذرائع. ومع هذه الذرائع اليومية لا أريد أن أضيف الإحباطات التي تفرضها علي شكوك صديقي. بقيت أعيد شريط حديثنا، لم أعد أرغب في الخروج، ولكنني خرجت في النهاية تحديا. وفي ذلك المساء، لم أستمتع بالحفل. من الصعب نسيان خصومتي مع أحمد، من الصعب، أيضا، أن أكتشف أنه يتعين علي لا محالة تقبل الأمر إذا ما أريد الزواج في يوم ما. الرجال هناك يحترمون النساء اللواتي يعشقن المقاهي، والأحاديث حول كأس شاي. رغم ذلك، بإمكانهم محاولة الفهم! هم يقضون حياتهم في الحديث مع الأصدقاء في هذه الأماكن التي لا يرتادها في غالب الأحيان سوى الرجال. وتعبير يبدو أنه خلق خصيصا للتونسيين، ولا يتورعون في الاستفادة من هذا التفوق الذي تمنحه لهم التقاليد، ولو أنني مذهولة من تصرف أحمد إلا أنني لست مندهشة تماما. في اليوم الموالي، اتصل بي هاتفيا، كما لو أن لا شيء حصل، وفي كل الاحوال لست مستعدة لاستئناف المعركة. خاصة وأنه أعلن لي خبرا محا كل شيء. وأسقط غضبي احتمال حصوله على عمل جديد في تونس وعودته خلال أقل من أسبوع. كنت أقفز فرحا لفكرة لقاء حبيبي. السعادة والحنان والانتظار رائع. صباح الجمعة، مع بداية عطلة الأسبوع، غادر صفاقس للالتحاق بتونس العاصمة، وشقة تمكن من الحصول عليها صحبة ثلاثة مستأجرين، وكنا نلتقي مجددا حول كأس شاي لم نجلس طويلا. كان عليه أن يفرغ حقائبه ويعد هندامه ويستعد ليومه الأول في العمل، يوم الاثنين. اللقاء الحقيقي سيكون في المساء. قضيت اليوم أستعد، أردت أن أكون أنيقة، الصالون، اللباس ومسحة التجميل قبل أن أقدم لأمي العذر المعتاد «سأنام عند أمال». ذهبت أنتظره في السيارة عند باب العمارة التي يقطن بها. جلس إلى جانبي. السلام، حبيبتي! قالها مبتسما. انطلقنا إلى المرسى نأخذ وجبتين خفيفتين! النسيم العليل يلسع جسمي، أحسست بزلزال في ذراعي، فتحت عيني لم نتوقف عن السير. حاول أحمد أن يخرجني من ذكرياتي، خرجت من دهشتي. - مريم استيقظي، علينا أن نذهب لتقديم شكاية! لا يمكن أن نتركهم يفلتون هكذا دون أن نفعل شيئا. لم أفهم، قال «علينا» هل يعني ذلك أنه لن يتخلى عني؟ أو ربما سيتركني بمجرد إنهاء الإجراءات الإدارية. أما عن تقديم شكاية كنت مترددة إذا قدمت شكاية في مفوضية الشرطة، سيستدعون لا محالة والدي ولو أني راشدة منذ 10 سنوات. - أرجوك، قولي شيئا! ليكن لك رد فعل. لا يمكن أن نتوقف عند هذا الحد! غضب، ضرب بيديه على المقود. ما العمل؟ هناك عائلتي، أخشى أن أسبب لهم ضررا، أن ألحق بها عار! التبرير له ثقله. ترددت في العودة إلى بيت أختي لأحاول نسيان كل ما وقع. على الجانب الآخر هناك حنقي على رجال الشرطة، هؤلاء الذين يعتقدون أن كل شيء مباح لهم. والذين اغتصبوني. ليس كل شيء، كنت أريد أن أصرح بظلمي إزاء كل هؤلاء الرجال الذين يعبثون بأجسادنا، كما لو كان ملكا لهم. - انطلق، أحمد. كان على حق، لقد اتخذت قراري. هذا الحزم المفاجئ أدهشني تقريبا. الغضب من مغتصبي تحول فجأة إلى مصدر قوة، سأصارع من اغتصبوني. لدي رغبة قوية لذلك. قررت أن أثور ضد ما وقع تلك الليلة، وضد كل المرات الأخرى...