ليلة 3 إلى 4 شتنبر 2012، بدأ نور الشمس يغرب, أصوات المؤذنين تسمع من بعيد تنادي لآخر صلاة في اليوم. وأخيرا حل الليل. بعد الحر الشديد، بدأت نسائم رياح باردة تتسلل داخل السيارة تداعب شعري. وضع أحمد نظره علي، كانت يداه تمسكان بمقود السيارة. كنت استعجل الوصول الى المرسى، الضاحية الراقية بتونس حيث سنتناول وجبة العشاء ذلك المساء احتفالا بلقائنا وبيومه الأول في عمله الجديد. لقد عاد إلى العاصمة بعد خمسة أشهر قضاها في صفاقس مسقط رأسه جنوب شرق البلاد. كنت مرتاحة البال. والداي لن يقلقا لكوني لن أعود الى البيت في ساعة معقولة: يعرفون أنني في ذلك المساء سأنام في منزل أختي التوأم أمال وزوجها. نعم، في سن ثمانية وعشرين لابد أن أجد عذرا للخروج! الأمور هكذا في تونس. المرأة سواء كانت متزوجة أم لا، ليست حرة تماما في تحركاتها. لابد من موافقة رجل من العائلة سواء تعلق الأمر بوالدها أو أخيها أو زوجها. وفي الطريق بدأ خطيبي ينتقد سهرات مع صديقاتي خلال غيابه لم تعجبه.. مريم لابد أن تتوقفي عن الخروج، ما معنى كل هذه الليالي التي تقتضينها في الرقص؟ تنهدت, هذا هو موضوع نقاشه المفضل. وسبب لخصام لا ينتهي بيننا. مرة أخرى حاولت أن أشرح له ولو أني أكره ذلك، ولكنه تونسي، ذكوري بعض الشيء مثل جميع الرجال في بلدي. - حبيبي، أطمئن، لا نفعل أشياء قبيحة. فقط نرقص بضع ساعات للترويح عن النفس. نتسلى، نرتاح وننسى الهموم. ولكن قال بغضب الرجال الذين يرتادون هذه الأماكن ينظرون إليكن، وينزعون ثيابكن في أذهانهم. - ربما، ولكن نحن لانهتم لذلك، نحن نحب جو الاحتفال والموسيقى وبالتالي الخطأ ليس خطأ النساء إذا كان الرجال لا يعرفون كيف يتحكمون في نظراتهم. - نعم، ولكن أنا لأحب أن تظهري في مثل هذه الأماكن. إذا كان الرجال لا يعرفون كيف يتحكمون في أنفسهم، فهذا سبب آخر لكي لاترتادي هذه الأماكن. ألح قائلا. أريدك أن تتوقفي عن ذلك، هل تفهمين؟ خيم الصمت داخل السيارة, أحمد يغار كثيرا، فخور ومعتز بنفسه,مثل سكان صفاقس القلب الاقتصادي للبلد على بعد 270 كلم عن العاصمة. لم أجد ما أقول له لطمأنته. ومع ذلك، هو يعرف أنني أحبه وأن بإمكانه أن يثق بي. ولكن لا، تقطب حاجباه يعطي الانطباع بأن عمره أكثر من 28 سنة في بذلته التي يظهر من تحت قميصها لونه الداكن. وعندما يغضب كما هو الحال تظهر عليه سحنة داكنة لا ترقني تماما. لحسن الحظ، وصلنا الي حيث وجهتنا: سلسلة مطاعم الأكلات السريعة. بعض الغذاء لن يضرني، بطولي الذي يصل إلى متر وستين سنتمترا ووزني البالغ خمسة وأربعين كلغ، الوجبة لن تكون زائدة. بعدما ركن السيارة، نظرت الى عينيه، لم يستطع تجاهل ابتسامتي, ها هو عاد كما أحبه. سنتمكن من الاستمتاع بالعشاء، وحكى لي انبطاعاته عن يومه الأول في العمل. خرج لشراء وجبتي عشاء عبارة عن دجاج مقلي بالجبن محشو بين قطعتين من الخبز وجبتنا السريعة المفضلة، مصحوبا بمشروب غازي، وبطاطس مقلية له وسلطة لي. انتهزت الفرصة لألقي نظرة في مرايا الرؤية الخلفية لشعري... يالها من كارثة, رغم أني قضيت عدة ساعات في صالون التجميل لتصفيف شعري. هنا، لا يكلف ذلك سوى بضع دنانير. لكن تسريحة شعري لم تقاوم هواء نوافذ السيارة المفتوحة، يخيل أن غيمة سوداء سقطت على رأسي. لا يهم مع هذه الحرارة الخانقة يستحيل السياقة بنوافذ مختلفة. لحسن الحظ مساحيق التجميل لم تتأثر. وخيط الكحل الذي أبرزت به عيناي رائع. بشرة وجهي بيضاء، مثل بشرة أخواتي. هذا الصيف أيضا نجحنا في الإفلات من خيوط الشمس التي يعشقها الأوربيون. - فعلا، أنت جميلة، توقفي عن النظر للمرآة، قال أحمد مازحا، متهكما عند عودته الى السيارة حاملا وجبتينا. بإمكانه أن يمزح كما يشاء، أعرف أنه يحب أن أكون جميلة ودائما أنيقة. توجهنا نحو شاطئ أعشقه لتناول وجبة العشاء ,الرمال بيضاء والبحر المتوسط جميل.. إطار رومنسي للقائنا رأسا لرأس كمحبين. باستثناء أن الشاطئ خال حد الخوف في الظلمة. وبما أني من النوع الذي يخاف، قررنا أن نتوقف لنتناول طعامنا داخل السيارة على نور عمود الإنارة جنب نخلة من سلسلة النخيل الذي يؤطر منتزه شاطئ »ليبيرج دولارك« الحي الراقي في تونس. هنا حيث كان لقاؤنا. - تخاصمت قليلا مع رئيسي، يقول أحمد وهو يأكل وجبته. كنا قد اتفقنا على أجر ولم يلتزم بالاتفاق. هذا ظلم لا أعرف ماذا أفعل لأداء واجب الكراء وكل الفواتير. ورغم أنه مهندس وحاصل على دبلوم من مدرسة عليا، يجد أحمد صعوبة بالغة في الحصول على وظيفة جيدة. الاقتصاد ليس على ما يرام في تونس منذ أقمنا الثورة في فبراير 2011 وطردنا خارج تونس رئيسنا السابق زين العابدين بن علي. ربما مع مرور الوقت ستتحسن الأوضاع، وفي انتظار ذلك, الأزمة تتزايد في حياتنا اليومية، انهيت دراساتي في ألمالية قبل أربع سنوات ولكنني لم أحصل بعد على عمل من جانبه، وبالرغم من دبلوماته المحترمة، أحمد ليس مرتاحاً تماماً في العمل. اضطر لقبول أول عم عرض عليه. والتعايش مع رفاقه في السكن لا يبدو مريحاً، ولكنه في أول أيام عمله ربما ستتحسن الأمور. . خاطبني قائلا: لقد افتقدتك كثيراً, لننسى هذه الهموم وأخيراً سيكون بإمكاننا أن نقضي وقتاً أكثر فيما بيننا. مللت الهاتف في الوقت الذي أود أن أراك... كلماته أخجلتني حد الحمرة، أجد أنه وسيم، أحب بنيته الرياضية، سحنته السمراء حتى في عز الشتاء، خصلات شعره الداكنه التي يتخللها بعض الشيب، يشبه جورج كلوني بصيغة تونسية! أحس بأني خفيفة بجانبه, أحس بأني محمية. نعم! سنقضي وقتاً أطول مع بعضنا! أنا سعيدة لأنك عدت إلى تونس... أحببت لو ضممته بين ذراعي، لمست يديه بأطراف أصابعي. ولكن ذلك لا يمكن. في بلدي تعبيرات الحب بين الرجل والمرأة غير مقبولة في الأماكن العمومية، إضافة الى أن السيارة مركونة في طريق تعرف رواجاً على شاطىء البحر، والوقت متأخر، اقترب منتصف الليل. يتعين أن أصحبه إلى بيته. قلبي منقبض بعض الشيء، شغلت محرك السيارة في اتجاه حي »عين زغوان« على بعد عشر دقائق. كنت أقود السيارة في الليل. كنت ألبس تنورة جينز قصيرة وقميصاً رياضياً متناسقاً مع حذائي الخفيف، كان الجو رطباً، كنت منتشية. سعيدة بلقائي مع خطيبي. ماهي إلا دقائق، وكنا في باب مسكنه الجديد حيث سنفترق حتى مساء اليوم الموالي، كنت أستعجل الغد. فجأة قال أحمد: توقفي أرجوك. لم أفهم. ألمح بنبرة مستجدية. ولكن لماذا تريد أن أتوقف؟ لا يوجد شيء هنا، والمكان مظلم، انتابني الخوف. حولنا توجد بنايات في طور البناء بين حي شعبي وحي فيلات. المكان موحش، أزبال مترامية أرضاً، كلاب ضالة تتصارع حول بقايا أكل وهي تزمجر. لا سيارة ولا بشر في المكان ليس المكان الأمثل لقبلة مسروقة. خففت السير مع ذلك... أردت أن أودعك فعلا. ليس بسرعة أمام مسكني. لا تقلقي لن يقع سوء، أنا هنا... تعرقت يداي، كانتا تنزلقان على المقود، بينما كنت أحاول ركن السيارة قرب مفترق طرقي. صحيح أننا كنا وحدنا في هذا العالم في مكان مهجور، وكنت أفيض رغبة في الاستلقاء على صدره. ألقيت نظرة حولي. لاشيء حي، كانت السماء مرصعة بنجوم رائعة. في الظلام، أحسست بيد خطيبي تلمس يدي، اشتبكت أصابعنا، احتك كتفانا، أحسست بأنفاسه في شعري ورائحة عطره. توقف الزمن. عانقني، امتزج جسدانا، رعشات وآهات... ورغم الخوف والإحساس بالذنب الضاغط، أحسست أنني أحيا. أعرف أنه ليس من حقي أن أكون هنا، وأن التقاليد تمنع على المرأة أي اتصال جسدي مع الرجل ما لم يصبح زوجها. ولكنني أحبه بقوة. لا أستطيع المقاومة عند الاحتكاك بجسده ولا أمام كلمات الحب التي يهمس بها في أذني. أنسى كل شيء. المحظورات التي تثقل حياتي. البطالة,والداي، القلق الكبير من المستقبل. ما يهم الآن هو جمال السماء المرصعة بالنجوم. الديكور المخيف الذي يحيط بي اختفى. وفجأة مزق ضوء نادب الظلمة وحلمي الرائع، أضواء سيارة أعادتني إلى الواقع. تسمرت في مقعدي، وتركت يد أحمد بجانبي أحسست أنه قلق. بعيداً سمع صوت عجلات. رجعت السيارة بسرعة وتوقفت بجانب سيارتي. انتهى القوس الجميل. وفتح آخر، قوس كابوس لن يفارقني أبداً. انطلقي! قال أحمد، انطلقي بسرعة! الخوف في لحظة اعتصر بطني. وماذا لو كانوا رجال الشرطة؟ لا تحس بالاطمئنان بالضرورة عندما تلاقيهم هنا. قوات الأمن تعتقد أنها كل شيء مباح لها، بقايا عادات سيئة كانت سائدة في عهد الرئيس السابق. رجال الشرطة يمكن أن يختلقوا أي شيء، جنحة الفرار، خلق فضيحة، كما هم معتادون، اللهم إذا كان هناك بعض المال يحصلون عليه. ولكنني لم أقترف ذنباً، إذن لماذا عليَّ أن أهرب مثل سارقة؟ بقيت يداي بهدوء على المقود، بينما نزل ثلاثة رجال بزي مدني من سيارة ألفا روميو بيضاء. أحسست باهتزاز تنفس أحمد بجانبي. كان خائفاً هو أيضاً. بسرعة وقف إثنان بجانبي، بينما توجه الثالث على الجانب الآخر من السيارة. صاح قائلا: افتحي. فتحت السيارة، وقاما بفتح الأبواب بعنف، وضعوا بطاقات هويتهم على وجهينا. كنت مرعوبة تماماً. كنت متجمدة لا أستطيع الحركة. أحسست نظرة أحدهم تحرق فخذاي. طلب أحدهم من أحمد أن يخرج من السيارة، مسك يديه وراء ظهره وصفدهما على الفور. لن أنسى أبداً تلك الصورة المؤلمة ستبقى منقوشة في ذاتي إلى الأبد. أين هي أوراق السيارة؟ صاح أكبرهم سنا، والذي يبدو أنه قائد العصابة. انها المحاكمة مباشرة! سنتان سجناً على الأقل بجريمة الزنا في حالة تلبس. استبد بي رعب جامح، ماذا سيفعلون بي؟ ماذا سيفعلون بي؟ ووالداي؟ أنا أوجد في ساعة متأخرة من الليل رفقة من ليس زوجي بعد... لقد ارتكبت خطأ. .... من عدة سنوات من السجن، سمعة أقاربي مهددة. لو انكشفت مغامرتي، سيحاكمني المجتمع كله. وسيحكم على عائلتي بالعار. والتساؤلات والشائعات ستتكفل بإثقال عقوبتي، بسبب خطئي ولامبالاتي يمكن أن تتحول حياة أقاربي. إذن بالضرورة أحسست أني مذنبة. الأكبر أمسك بيدي بعنف وأخرجني من السيارة، تعترت من ركام من الأزبال. وشرع الآخران يفتشان السيارة بحثاً لامحالة عن الخمر أو المخدرات. كانوا يبحثون عن أدلة لإدانتنا بأي ثمن. لم يجدوا شيئاً في السيارة التي أخذتها من أختي التوأم، لم يجدوا شيئاً سوى خرقات نظافة الرضع خاصة بابنة أختي. . أنت امرأة متزوجة، وأنا متأكد بأنه ليس زوجك! أنت في صلب جريمة الخيانة الزوجية، قال أكبرهم ستؤدين الثمن غاليا! أنا لست متزوجة، تأكدوا من ذلك، ستعرفون الحقيقة! غادرني الخوف والقلق، وبدلهما انتابني إحساس بالظلم، لم أفعل أي سوء ومع ذلك، اتهموني. ولم يوجهوا الكلام لأحمد، بل لي أنا، المرأة الحرة، والتي تمقتهم، في ذهنهم لباسي الصيفي يقول أكثر من كل التبريرات التي يمكن أن أقدم. رغم 35 درجة حرارة التي ضغطت على المدينة ذلك اليوم، سأكون في نظرهم أكثر احتراماً وعفة، لما كنت أضع برقعاً داكناً، وهذا سيكلفني كثيراً جداً، أحس بذلك أعرف ذلك. قدمت لهم بطاقة هويتي، تناقلوها من يد إلى أخرى وهم بالكاد ينظرون إليها. نظرت إلى هؤلاء الفاسدين المبتدئين، لأنني متأكدة أنهم سيحاولون أن يبتزوا منا بعض الأموال، أكبرهم كان في الثلاثين من عمره، شعره الكث الداكن مصفوف إلى الخلف. عيناه الخضراوان تتجولان على كل سنتمتر من جسدي. بجانبه شاب في حوالي العشرين من عمره، قامته متوسطة أسمر اللون، كان أعنف الثلاثة. والمتكرش الذي كان يقف قرب أحمد يبدو أن له نفس السن. بشرته ناصعة وكان أكثرهم سلبية، نظرته فارغة، لا إحساس فيها ولكنه لا يطمئن مع ذلك. كان أكبر تخوفاتي وهو ما سيحدث. أخذني رفيقا المتكرش وجراني إلى سيارتهما في المقعد الخلفي. انغرست صورتا أبي وأمي في بؤبؤ عيني. كانا لطيفين جداً وعطوفين تجاه إخواتي الثلاثة وأخي وأنا، بذلوا كل الجهد حتى لا ينقصنا شيء سيكونان محبطين تماماً... دعوت السماء لكي لا يقتادنا رجال الشرطة إلى المخفر. دعوت الله كي لا تعلم عائلتي أبداً بأنني كنت في ساعة متأخرة من الليل مع خطيبي في الخلاء. كنت مرعوبة من فكرة أن يتصل رجال الشرطة بوالداي في مركز الشرطة هم لا يعرفون إنني خرجت، يعتقدون إنني اعتني بابنة أختي في بيتها. أفكر فيها هي ايضا قد تصبح متورطة ,إضافة إلى أنها اعطتني سيارة، فهي تتستر على خرجاتي, اخشى ان اضعها هي كذلك في وضعية سيئة. جرح كل اقاربي: ماذا يمكن أن يقع لي أفظع من هذا, كم كنت ساذجة. بدل أن تفعلوا ما فعلتم هنا، كان بإمكانكم أن تبحثوا عن مكان آخر. أو كراء شقة, يقول اكبرهم بنبرة اخلاقية, الموعظة المرتجلة لا تخفي نظرية التهمة. عيناه تلمعان. على جانبي شفتيه تجمع خيط من الزبد يترجم غلظة صوته. اين احمد؟ كنت ابحث في الظلمة عن طيفه. دون جدوى. لا أراه. انا وحدي سجينة داخل سيارتهم، لم اكن مصفدة ولكن نظرات جلادي الاثنين كانت كالقيد. القائد جلس الى جانبي، كان يبدو في حالة غير عادية. رفيقه جلس خلف المقود. كان يراقبنا نحن الاثنين. كنت أتسمر ما امكن بباب السيارة لكي ابقي بعيدة ما أمكن من الشرطي, في عينيه كنت أرى نفسي عارية. حاولت ان اتكلم. لا شيء خرج من فمي، صوتي ظل مخنوقا في حلقي. كنت اتعذب حتى أتمكن من اصدار صوت، كل حرف كان مجهودا. بعيدا تمكنت من رؤية المتكرش رفقة احمد الذي كان مصفدا. كان يبدو انهما يتحدثان بصخب تصورت قلق صديقي الذي بدأ يقلق. اتركوني اذهب اتوسل اليكم. تأكدوا من فضلكم ستكتشفون انني غير متزوجة، ارجو افرجوا عني. كنت أتوسل والح. لكن ما الفائدة؟ جاري بدأ يقهقه ضحكته التهكمية كانت تجمد دمي. ماذا يمكن ان يعطينا؟ هانحن وصلنا الى الموضوع، هذا ما يريدون المال بطبيعة الحال. لم تكن معي سوى ورقتان في محفظتي ولكن ربما سيكون ذلك كافيا. وماذا لو كانوا يريدون اكثر، سأذهب لاسحب ما في حسابي، لقد سئمت. اربعون دينارا؟ هذا كل ما لدي جوابي افقده صوابه، ضرب يديه على كرسي السيارة، غضب، خرج من السيارة. كنت اجهل ان كان يريد ا كثر او كان يريد شيئا اخر. كنت ارفض تصديق ذلك ولكنني بدأت افهم. الان اعرف ما ينتظرني. ليس المال وحده هو المهم، همس اكبرهم بنبرة متهكمة قبل ان يبتعد. كنت اود لو استطعت الصياح. فكرت ان استجمع قواي حتى أتمكن من ذلك. ثم افكر انه من الافضل ان أوفرها لكي ادافع عن نفسي, جسدي تصلب، استعدادا للآتي. التحق الاكبر بالثالث البدين الذي كان في حديث مع احمد نزع عنه الاصفاد. توجه خطيبي والبدين نحو سيارتي, اخذ الشرطي هاتفي النقال، اطفأه وأخذ الورقتين النقديتين من فئة 20 دينارا وجدهما في محفظتي، ثم ذهبا ربما لسحب المال من شباك اوتوماتيكي . وراء زجاج السيارة التي كنت محتجزة بها كنت أرى امل انقاذي يبتعد. في المقعد الخلفي لسيارة الفاروميو كنت وحدي. ليس لمدة اطول, الشرطي الكبير عاد ليجلس بجانبي. ايمن، شغل السيارة حاضر، المهدي، لننطلق كانت لهم اسماء.. الان اعرفهم ولن انساهم ابدا، دمي تصلب, اجد صعوبة في التنفس. سمعت زر سروال مهدي يفتح, قبض بيده فخذي وجزني نحوه. ووجهه نحو عضوه التناسلي. الامتعاض حل مكان الرعب. الاتصال بهذا العضو الغريب شيء لا أحتمله. كنت في حالة هستيرية خارج السيطرة، كما لو ان عقلي انفصل عن جسدي. اعتقد بان الاسوأ أمر. كنت مخطئة. احسست بيديه تمسكان بجسدي وترفعاني فوقه. احس بانفاسه في ظهري. وراء دموعي كان المنظر يمر امامي لا مبالية. مهدي، هل انت مرتاح. لا أقود بسرعة؟ كان جوابه الوحيد هو زمجرة ارتياح. سمعت رنة في راديو الاتصال الذي كان موضوعا في المقعد الامامي. كانت تصدر منه نتف كلمات تأمر من الذي اعتدوا علي بالتوجه بحثا عن شاحنة مشبوهة. لم يأبهوا لذلك. لم اعد استطيع التحرك. كنت حجرة ميتة من الداخل. التواني تمر مؤلمة لم اعد احس بشيء، لم اعد أتألم. لكن كان لديه احساس رهيب بأنني لم اعد اعامل كبشر بل فقط قطعة لحم يتلذذ بها حيوان كاسر. اوقف ايمن السيارة على جانب الطريق. لم تحضرني بديهة فتح باب السيارة للهرب. لم اتمكن من فعل ادنى حركة للتعبير عن حالتي. فقط خيط من الاصوات ينسل بصعوبة من حنجرتي. سيارات تمر، وبطبيعة الحال لا أحد من السائقين يعرف ما يجري. متى ستطلقون سراحي، اتوسل اليكم، اتركوني ارحل لا جواب، فقط اسئلة لا معنى لها. لم تكن لدي لا الرغبة ولا القدرة على الرد عليها. منذ متى وانتما على علاقة؟ متى التقيتما؟ لماذا لم تتزوجا؟ بصراحة نساء اخريات يتدبرن امرهن افضل منك ويتمكن من الحصول على زوج يقول مهدي. الدموع تنهمر في اطراف عيني وتغمر وجهي بدأ مهدي يصيح وهو يحركني. اقسم بامي انه اذا واصلت البكاء ولم تتوقفي بانك لن تعودي الى بيتك, توقفي حالا عن البكاء! بهدوء واصل ايمن قيادة السيارة حتى وصلنا الى المكان الذي وجدونا فيه انا واحمد. قلت في نفسي، انها نهاية عذابي. خاطب السائق المهدي قائلا. الا تريد الخروج من السيارة لحظة؟ اريد ان اتحدث معها قبل الاخر. ترك له المكان في المقعد الخلفي بجانبي، احسست برائحته كانت مقززة. منذ شهر ونصف لم ار صديقي، قال كما لو كنا نتعارف فيما بيننا حول مائدة شاي. كنت مصدومة شيء لا يصدق. انه يلعب ورقة الاغراء كما لو ان شيئا لم يقع. يحكي حياته او ربما اراد التماس العذر. بعد ثوان فقط ادركت ما كان يحاك. جلس المهدي وراء المقود وشغل المحرك بعد هذا التقديم البئيسي. انحنى ايمن نحوي كما لو انه اراد تقبيلي ولكنها لذغة مزقت فمي صوت زر سروال أعادني الى الرعب يداه القدرتين عبتت في جسدي. كانت السيارة تتحرك وبعض الاطياف ترشم في الخارج في ذهني، الفراغ التام، اللانهائي، في جسدي هذا الوحش ينهشني. كانت سيارتي هنا. توقفت سيارة الفاروميو غير بعيد عن المكان الذي كنت أقف فيه انا واحمد على بعد امتار من مدرسة ابتدائية. ايمن أغلق الباب وجرني معه خارج السيارة توجه نحو المقعد الامامي لسيارتي كانت السيارة خالية لا أعرف اين يوجد صديقي. جلس جلادي داخلها واجبرني على الركوب معه هذه المرة قاومت ولكنه اغلق الباب على اصبعي الصغير. لم احس بشيء، كمالم احس بالاغتصاب الجديد الذي أتعرض له. كما لو ان شيئا لم يقع، كان رجلا الشرطةا لاخران. يدخنان في الخارج بهدوء علمت فيما بعد ان الثالث ترك احمد قرب بيته. البدين احتجز بطاقة هويته واتفق معه على أن يردها له في اليوم الموالي بعد ان يمده خطيبي بالمال لان الشبابيك الاوتوماتيكية الخمسة التي زارها كانت خارج الخدمة. لانهم بطبيعة الحال مارسوا ابتزازهم. تم الاتفاق على أن يدفع لهم خطيبي اكثر من خمس اجرته، اي 300 دينار (حوالي 150 اورو) 100 دينار لكل واحد من الفاسدين الثلاثة. كانا هناك، هما الاثنتين يدخنان سجارتهما عندما ظهر احمد كما لو انه خرج من العالم الاخر. اسرع ايمن خارج السيارة. قبل ان ينتبه وقدم لي قنينة ماء اغسلي! اقترب احمد من السيارة وحمل في يديه حجرين كبيرين بهدف القائهاعليهم. في تلك اللحظة استعدت وعيي, هذه الاعتداءات هي دليل لا مجال لمحوها. بهدوء افرغت قنينة الماء في الارض واوهمته انني انفذ اوامره. الان، كفى، اطلقوا سراحي والا سأرفع بكم شكاية، قلت وانا انزل من السيارة. كنت خائفة ان يمسك بهم احمد ويصيبهما بجروح كان ذلك بالتأكيد سينقلب ضدنا. لم يسبق ان رأيت وجهه هكذا. عيناه بارزتان تلمعان بالغضب حاولت تهدئته لا تقلق لم يفعلوا بي سوءا غير رجال الشرطة من لهجتهم. هذه المرة هم الخائفون. لا ، اهدأ لم افعل لها شيئا، لم نلمسها يمكن قراءة الحسرة والتساؤلات في نظرات احمد. كان يبدو تائها. كانت يداه ترتعشان ورجلاه ايضا. ثم فجأة انطلق يجري نحو ما يشبه مصنعا. فيما بعد حكى لي ما جرى... بدأ رجال الشرطة الثلاثة يتشاجرون معه احدهم اخرج قنبلة مسيلة للدموع, نجح احمد في اخذها منهم, بل وتمكن من اصابتهم بل قبل ان يطلب النجدة من حراس المصنع. النجدة! ثلاثة رجال ينتحلون صفة رجال شرطة اعتدوا على خطيبتي ساعدوني الرحمة اخبروا الشرطة!٭ احد المعتدين ضحك بتهم استعاد ثقته. واظهر بطاقته المهنية لاحد عمال المصنع. هذا الأخير لم ينطق بكلمة ما العمل؟ حتى وان كان الشاب المذعور الذي طلب النجدة صادقا، فان الشرطة قوية جدا وهي دائما على حق. بعجرفة، عاد الجلادون الثلاثة نحو سيارتهم. وركنوها مباشرة امام سيارتي بسرعة، شغلت هاتفي واتصلت باحمد. استعدت بعض الوضوح، واخيرا تمكنت من القدرة على التفكير، نزع منى ا حدهم الهاتف يتكلم مباشرة مع احمد تعال، سنحاول التفاهم قال وبينما كان الاثنان يتحدثان، ركبت سيارتي في المقعد الامامي كانت نوافذ السيارة مفتوحة. ادخل ايمن يده نحو المقعد محاولا نزع مفاتيح التشغيل وبهذه الحركة شغل المحرك دون قصد شم اشتعلت اضواء السيارة و اضاءت مؤخرة سيارة الشرطة. وظهرت امامي ارقام لوحة تسجيل السيارة. لا افهم حتى الان لماذا احضرتني تلك البديهة. ر كزت على تلك الارقام كما لو انها وحدها تستطيع انقادي. وارتسمت في ذاكرتي دون تردد بينما عادة ليست لي ذاكرة بصرية قوية. بعد ان نزع مفاتيح القيادة. عاد ايمن ليلتحق برفاقه، انتهزت الفرصة لتدوين رقم السيارة على ورقة كانت مرمية داخل السيارة. وعندما رأيتهم يعودون خبأت هذا الكنز في جيب تنورتي. عاد احمد معهم اخيرا منهكا، والعرق يغطي وجهه. امام رجال الشرطة سألني, كان جلادي يجيب مكاني. لا، ماذا تتخيل؟ لم نتعرض لها بأي سوء على الإطلاق. بعد أفظع ساعتين عشتهما في حياتي. كنت أستعجل شيئاً واحداً: التخلص منهم. سايرتهم في أجوبتهم وطمأنت خطيبي. كنت أتوسل له. كنت مرعوبة من فكرة أن يتشاجر معهم مرة أخرى، وأن يتطور الوضع إلى الأسوأ. لم أكن أرغب في شيء آخر سوى الرحيل. لم يتعرضوا لي بأدنى سوء. كن متيقناً... تبادل الثلاثة نظرات حائرة. هم أيضاً كانوا يرغبون أن ينتهي الأمر. أعادوا لنا بطائق هويتنا ومفتاح السيارة، كما لو كانوا مستعجلين في التخلص منها. ركبنا سيارتي، مصدوماً، أخذ أحمد القيادة وانطلق. تقبل الأمر وكان يبدو قادراً على تدبير الأمر: الرحيل بعيداً. من جهتي، كنت عاجزة عن الحركة. بعد عقلي، استيقظ جسدي. كنت أتألم. الألم يذكرني بالإهانات التي تعرضت لها. كانت رجلاي تحترقان، رؤيتي بدأت مضببة. في الخارج كان المنظر عبارة عن ظلال بئيسة. وحياتي أصبحت تشبهها.