في يوم عاصف لا شمس فيه, رأيتها في معطفها الغليض, كانت متزنكة من شدة البرد و أنفها يقطر من الانفلونزا فتراها تارة تمسحه بيدها الناعمة و تارة بقطعة كلينيكس مكمشة و في يدها الأخرى كانت تحمل مظلة تحمي رأسها من قطرات المطر, مترنحة في مكانها تنتظر الطوبيس مثل سائر لخوت. لم أراها مند أيام الدراسة, قد قايضتها الأيام لحما مقابل رشاقتها القديمة و أفقدتها السنون تلك الابتسامة البريئة و الخدود الوردية, شتان بين هده الحتروفة الماثلة أمامي و بين تلك الوردة التي سلبت قلب تلميذ في الثانوي حفظ لأجلها أغاني الشاب حسني و الشاروخان, أه كم هي قاسية هذه الحياة ! لم تغادر بصري لبرهة لكنها غادرت قلبي منذ أزل, في لحظة تذكرت كيف كنت أتلعثم كلما طلبت مني قلما, كنت ملكا لها و كرزي, لم أستطع يومها ان أصارحها بمشاعري... ربما كنت خجولا أو ربما ... أيقظني صوت أحدهم من الطابور: خويا شي شعيلة الله يحفظك... لا أخويا مكنكميش ... قلت مع دماغي : لو كانت لدي فقط شجاعة هدا المزطل في مخاطبة الغرباء يومها لا كانت خيباء (و هذا اسمها) من نصيبي. رن هاتف خيباء و كان من نوع نوكيا دميعة فسمعتها تتحدث بلهجة كويتية مع مخاطبها فدارت في رأسي طن, و بدأت أنسج في المعادلات و الاحتمالات حول حلقة حياتها المفقودة, مر الطوبيس و ركب المسافرون و أبيت أن ألحق بهم و رأيت ابتسامة المزطل من الزجاج وهو يشير برأسه و يبتعد شيأ فشيأ كأنه يقول (بالي زعم و هضر معاها).مرت دقائق و هي لم تنهي مكالمتها بعد, رمقتها بنظرة مفعومة بالنوسطالجيا, فتذكرت يوم أوصلتها قرب الحي التي كانت تقطن به و كانت تلك المرة الوحيدة التي تحدتث معها فاصا فاصا سئلتني حينها عن اسمي, فتلعثمت قبل ان أنطق من تحت أسناني : سميتي شعبان ... ساد بعدها الصمت و كانت هي تكسره بأسئلتها عن المقرر و الامتحانات و كنت أجتهد فالاجابة كي أبان زازا لوكسا رغم ان ذلك لم يحرك ساكنا في أحاسيسها تجاهي, لم أكن أعمر العين و لم أكن متفوقا في أي مجال حتى في الشغب لم يكن لي أسهم في بورصته.....................................................................................................................تمنيت لو أن الزمان عاد للوراء كي أصلح الماضي حتى و لو على حساب مستقبلي أعني الحاضر, لكن كيف ؟ و هل يعود الزمان ؟ أسئلة عديدة بحثت لها عن أجوبة فلم أجد, فقط لانها من المستحيلات. فجأة ...بدأ المطر يهطل بغزارة فاختبأت في مقصورة الانتظار و لحقت بي خيباء هربا من التبروري ,كانت قد أنهت المكالمة أو فقط لأن بطاريتها انتهت... ها أندا معها في الراس, و كأن الزمان استجاب للولواتي أو تراه عاد ليسخر مني و يقول لم يتغير شيئ فيك يا شعبان فما زلت تصوم أمامها و جرحك لم يلتأم بعد عكس ما تحاول أن تقنع به نفسك .ظل المطر يهطل و كانت امامي... بجانبي ... قربي... أقرب من أي وقت مضى ... أحسست بخفقان قلبي وهو يكاد يغادر صدري و ارتفعت حرارتي فلم أعد أحس ببرودة الجو و ... و ............................................................................................نظرت إلى يدها فلم تكن بها خاتم زواج ... إذن فهي ... : هاد الطوبيس تعطل. لم اتخيل هده الجملة زيرت السمطة و أجبتها ... و هادا هو الطوبيس فأسفي ما كايدوز على ساعة, فين غاديا نتيا ؟ --- أفلتت من فمي و كأنه كان يقصدها ... غاديا حدا السبيطار --- إنه نفس الحي الذي جريت معها إليه ذات يوم !! لكنها لم تتذكرني ؟ . صمتت و كانت تنظر يمينا و شمالا مراقبة وصول الطوبيس ... هاهو جا... تقدمنا نحوه متجاوزين الضاية فإذا بعشرات الركاب خرجوا من بين الأشجار يتقاطرون أمام المدخل الخلفي للحافلة لنيل مقعد شاغر فجمعت الهمة و تعابزت معهم و ما ان انفتح الباب حتى اشتدت معركة الصعود فأحسست بنفسي داخل الحافلة دون أن أدري ثم انفضت عني المفاجأة و انقضضت على مقعدين و انتظرت صعودها لأهديها واحدا فشكرتني و هي متفاجأة من الطريقة التي حصلت بها على لبلايص. و كانت تلك هي بداية حديثنا فأنا لا أتقن إلا فن العنف, فحدثتها عن مغامرات الطوبيس اليومية و كانت تضحك و تمنيت لو أن الطريق يطول و لا يطلع له نهار, فسألتها عن اسمها متظاهرا بجهله ... سميتي جومانا !!!!!!! كاد قلبي ينفجر من جوابها تم فكرت في أنها تحمي نفسها من الغرباء و هدا حقها, فأخدنا الحديث ...- فاش خدام أ شعبان ؟+ أنا خدام في لوصي بي و نتي ؟- خدامة فتيليبوتيك.+ مزيان بدام هو لي مايريحش واخا يخدم فاش ما كان الراحة كتعلم لعكز...و بقيت كنتفلسف و بانت ليا الدريا بحالا تقلت عليها, فقاطعتني بسؤال حرك كياني ... - مزوج ؟+ ا... ل.... مازال مالقيتش شي بنت لحلال, لوليدة دوات ليا فبنت خالي ولكن أنا مبغيتش, كيما كتعرفي زواج الاقارب كيقولو فيه خطر على لولاد. و نتي مزوجا ا جومانا ؟- أنا ماكنفكرش فالزواج, الرجالا خايبين أو غدارة, واحد صاحبتي لقات رجلها مزوج او عندو 2 ولاد مع المرا لولا.+ أواه أو كي دار ليها ياك فالقانون خاص لمرا توافق ليه و لمرة تانية تعرف ؟- لا راه ماشي مغرابي هادا, من السعودية.+ واش داها هي لشي سعودية على قلة رجالا هنايا, هاد بنات ليوم كاع تبلاو بدول الخليج حتى من لبسهوم والا خليجي و ماكياجهوم ....لم أنتبه إلى العباية التي كانت تلبس خيباء تحت معطفها و تذكرت مكالمتها باللغة الخليجية فمركت و تزنكت و انحبست الكلمات و أعرضت عن الخروج, فأاسترسلت القول + و لكن بالسيف حتى ولاد ليوم غير كيضحكو على لبنات و من بعد اضبرو على شي كاوريا شارفا يتزوجوها, و يسمحو في الدريات لي كانو معاهوم.- في هادي عندك الحق ... إيوا أنا وصلت شكرا على لبلاصة سي طري جونتي أسي شعبان ........ لا تم لا , لن أترك هذه الفرصة تمر كاسابقاتها , فتشجعت و قلت :+ الأخت عندها شي نمرة بورطابل ؟- وي علاش؟+ لا والو غير لا بغيتي ولا ماكاين باس ...- لا ماكاين مشكيل 075293447 , يالله مسخيت بجماعتك بسلامة+ بسلامة أختي ....................................................................................................................بخطوات قصيرة و سريعة غادرت هي باب الحافلة بينما لم تفارقها عيناي و ظلت تراقبها من وراء النافذة دون رمش و النخصة في قلبي, لم تأخد عناء الإلتفات إلي أو تلوح بيدها باي باي, ربما كنت كاسيطة تتكرر باستمرار في حياتها اليومية حتى حفظتها عن ظهر قلب... تساءلت مع نفسي هل أنا إنسان عادي إلى هذا الحد ؟... قسمات وجهي التي أكل عليها الدهر و شربت تمّارة حتى الثمالة يظهر فيها الغم , صرت أبدو أكبر من سني بكثير و ظهرت بوادر الوقار في شعري رغم أني لم أتجاوز الحادية و الثلاثين و كنت أسبق خيباء بثلاث سنوات خيمت خلالها في مستوى التاسعة أساسي مستعينا بالاستعطاف الدراسي قبل أن أقفز الخط الأحمر...تابعتها ببصري لكن سرعان ما اختفت بين الزقاق و لم أزل أتابعها و رأسي كاد ينعنج في محاولة مني لضبط زاوية الرؤية بينما كان الطوبيس يهرول.و اخيرا بعت حماري... استسلمت للأمر الواقع... انتصبت في جلوسي لأفاجئ بسيدة احتلت المقعد يبدو من محياها أنها تجاوزت سن اليأس بكثير, كانت تراقبني منذ قبيلة, و في نظراتها حنين إلى الشباب, طلعت و هبطتني قبل أن تقول بصوت خشن فيه بحة رجالية:- لحبيبة هاديك ؟طوقتني من نقطة ضعفي فكان ردي سريعا, و كأنني أود تبرأت خيباء من هذه التهمة, رغم أني تمنيت في أعماقي أن تكون حقيقة+ لا لا متمشيش بعيد الشريفية راه ما بيني و بينها والو.... تنهدت المرأة تنهيدة عميقة تم استرسلت:- إيه ليام ها ليام, حنا فيامنا كان الرجل مكيشوف من لمرا غير قدامها و لمرا متقدرش تقول لا إلى جاوها الخطاب, دابا هاد الجيل ولا يتشرط.ابتسمت بقذارة صفراء كي أرضي خاطر الشريفية و أدرت وجهي نحو النافذة من جديد أقرأ وجوه المارة فما يلبث أن يأخذني الحنين إلى الماضي الذي لم استطع التخلص منه, كأن روحي تستمتع بالألم... تذكرت الميزيرية التي تخبطت فيها منذ صغري, و القفص الذي كنت أسكن به و مشاكل الاسرة الواهية الناتجة أساسا عن قلة الحاجة و حرب كريدي مول لحانوت و الضوء و الماء و الكراء و الأشياء التافهة من هذا القبيل, حرب ضارية للأباء يدفع ثمنها الأبناء خصوصا في مرحلة حساسة مثل الثانوي حيث التفاخر باللباس و السبرديلات و الرحلات إذا اسثنينا الموطورالذي كان يملكه رفاق كثر في الفصل و ها أندا صاحب مانضة و لا املك حتى دراجة هوائية, أحسست ببلل على خدي, خيل إلي في لحظة أنها دموعي لكنها كانت قطرات المطر... و هل تبكي الرجال ؟ ... لما لا فالبكاء ليس حراما كان دائما متنفسي الوحيد لطرد الحقد على المجتمع, فكنت أمسح دموعي ثم أقطع وعدا على نفسي بأن أغير حياتي مستقبلا لأدير اللعاقة و أدوزها... لا و لن أظل سكة لقطارالزمان... و مر الزمان و لم يتغير شيأ, اشتغلت في البيار و تاجرت في الادوات و الملابس المستعملة بسوق العفاريت, صحيح اكتسبت تجربة من خلال محاولتي المتتالية للحريك و التي كانت دائما تبوء بالفشل أما امتحانات ولوج الخدمة العمومية فيعاكسني الحظ فيها دائما... إلى أن إشتغلت بكونطرا في لو صي بي لمدة أربع سنوات مرت منها سنتان.كنت أحلم بالمال لكن يبدو أن تحصيله يقتصر على أصحابه فقط... كيف يمكن البدأ من الصفر؟ و هل أنا في الصفر؟ ربما يناسبني ناقص مالا نهاية ... أحس بأن لا مكان لي في هذه الكرة الأرضية و كل هذا الهواء الذي استهلكته في حياتي ربما كان الأجدر أن يطيل عمر اينشتاين أو توماس أديسون... تكسلت لطرد الشيطان...+ تا أنا أش كنقول... أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.اختلست النظر إلى قفة الشريفية قبل أن أغادر نحو باب الخروج, كانت تحتوي على أواني بلاستيكية للطعام لكنها كانت فارغة... فطنت إلى أنها ربما عائدة من المستشفى بعد عيادة قريب... كانت منهمكة في الحثحثة مع قرينة لها و لم تنتبه لمغادرتي و لا حتى إلى وقوف الطوبيس في التيرمينيس... نزلت... تكسلت ثم استنشقت كمية من الهواء النقي بعد توقف المطر... رباه !! ماذا أفعل هنا ؟ كيف وصلت إلى المدينة القديمة ؟ ... تبا !! لقد تغيبت عن العمل و لن يغفر لي الباترون صاحب شهادة الخامسة ابتدائي هذا, سوف يخصمون دلك في أخر الشهرعوضا عن التوبيخ... تفو على زهر كيف داير... دورتها في رأسي قبل ان أضرب بها عرض الحائط... دابا لي عطا الله عطاه... و الأحسن أن اتمتع بهذا اليوم, و هي فرصة لكي أقتني بنطلون دنكري خشن لفصل الشتاء.سرى الدم في قدماي بعد أن كان منحبسا طوال الرحلة, و أصاب بصري جانبا من قصر البحر ظهرت عليه شقوق تنذر بلزوم ترميمه قبل فواة الأوان و ضياع هذه المعلمة التاريخية التي أقفلت أبوابها في وجه الزوار, تذكرت كم كنت مدمنا على زيارته كل جمعة حيث كانت الدخلة فابور, كنت آتي وحيدا بينما كان جل الزوار من الثنائي العشاق, كنت أراقبهم و أحسدهم... أتخيل نفسي في أحدهم و خيباء في رفيقته, و أصنع حوار حب و شعر جاهلي, و أذكر ذات يوم أن أحدهم أنبني على نظراتي إلى حبيبته... غادرت ذكرياتي نحو باب الشعبة... جدبني حشد من البشر ملتف حول الحلقة, فتوجهت إليها ,كان صاحبها يحكي عن قدرته المدهشة على إبطال السحر و يسرد كيف عالج شابا في الدارالبيضاء من الثقاف الذي حاكته له زوجته العاقر لأنه حاول الزواج مجددا للحصول على الأبناء بعد أن فشلت زوجته في ذلك طوال عشر سنوات,ثم أحضر جريدة بها صورة لتلك الإشاعة التي تتحدث عن الفتاة المسخ, كان يضحك بها على الذقون ليبيع المتفرجين عشوبا و أدوات لمعالجة العجز الجنسي و النبولة و عدم القدرة على حبس البول و ما إلى ذلك من الأمراض التي تدخل في خانة حشومة و الخوف من البوح بها و زيارة الطبيب...غادرت هده المهزلة لأفرفش عن نفسي في حلقة الملاكمة, فظل الحليقي يتحدث عن حياة علي كلاي و يطلب الدراهم و مرت نصف ساعة قبل أن تبدأ المباراة بين اثنين تطوعا من الجمهور, خرمجا بعضيهما في أجمل كومبا رأيتها في حياتي, فقد انثنيت من شدة الضحك... انتهت المباراة في جو رياضي فقمت بادخال يدي في جيبي لأخرج محفظتي لأمنحهم بعض الدراهم... تسمرت في مكاني و سرا احساس بارد في جسدي كله و أنا أتحسس جيوبي... لقد نشلوني...في لحظة تحول الجمهور كله نحوي و أصبحت سيناريو لحلقة من نوع أخر... دارت بيا الدنيا و فقدت التركيز و أنا أسمع أشباح أصوات هؤلاء الأشخاص يتساءلون في سيمفونية واحدة ...-مالو مالو؟-مسكين سرقو ليه لبزطام...ياربي ماهذا القدر لطفك يا رب ...