تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب "انخفاض"    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    البيت الأبيض يرفض قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت    تحطم طائرة تدريب تابعة للقوات الجوية الملكية بداخل القاعدة الجوية ببنسليمان    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    سلطات القنيطرة تُعلن عن قرار سار لجماهير اتحاد طنجة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أرض الزعفران - قصة
نشر في المسائية العربية يوم 10 - 12 - 2009

شعرت بألم وحزن كبير بعد ان هدني التعب وبلغ بي اليأس اشد ه ،وأنا استمع إلى إخبار الانفجاريات وأشاهد صور الضحايا عبر التلفاز. نهضت وجررت قدماي متثاقلا وولجت غرفة جدي كعادتي كلما أحسست بضيق استقبلني ببسمته المعهودة
قبلني وضمني إليه واضعا راسي في حضنه ماسحا بيديه الحنونتين دموعي بطارف يشماغه واخذ يحكي لي حكاية من حكايات أيام زمان اسماها ((حكاية ارض الزعفران)) :-
(( في سالف الزمان في العراق,ارض الرز والتين والرمان,ارض الإنس والجان ,ولدت((ضويه)) في ارض الزعفران.
((ضويه)) الطفلة الوحيدة لأبيها (فرحان) وأمها (نورهان) كانت ضويه في غاية الحسن والجمال وقد أطلت على الحياة فجر يوم ممطر غائم انقشعت غيومه وأشرقت شمسه وغردت أطياره حالما لامست قدمي ضويه أرضية بيت ((فرحان)) .
تنبه العديد من النساء والرجال والأطفال إلى غرابة ما حصل وفرادته وتزامنه مع انطلاق الصرخة الأولى لضويه التي لم تخرج إلى النور إلاّ بعد ان انصرمت عشرة أيام من الشهر العاشر فترة الحمل في رحم أمها؟؟!! وهو أمر نادر الحدوث ومثير للقلق لدى النساء الحوامل، ومما يلفت النظر ان العتمة والظلمة كانت تنحسر ليحل محلها النور والضوء في البيت بقدر ما يظهر من جسمها خرج رحم أمها حتى بدا البيت مضاءً بشمس الصيف في رابعة النهار مع صرختها الأولى وهذا كان سبب تسميتها ((ضويه)) من قبل قابلتها ووالديها فقد كانت مضيئة حقا.
إلا تلاحظ يا أبا ((ضويه)) ان ابنتنا أخذت تفهم معنى الكلام وهي لم تبلغ يومها السابع بعد ؟؟!!
والله يا((نورهان)) ان أمر هذه الطفلة لعجيب حيث اني أتوقع لها مستقبلاً وتأثيراً كبيرا في ارض الزعفران.
اخذ عود ضويه يشتد وتشتد معه غرابة سلوكها وتصرفاتها حتى إنها أخذت تمشي وهي في الشهر السابع من عمرها!!!
كانت العصافير والبلابل والحمائم تحف بها وهي تلعب في باحة الدار وقد كانت ((ضوية)) تكلم هذه الطيور التي تحوم حولها مغردة تصفق بأجنحتها وكان لهم لغة مشتركة.
ذات يوم جلب لها والدها صندوقا صغيرا جميلا من الخشب المنقوش عند عودته من سوق المدينة ليكون حافظة لملابسها وبقية أشياءها بمناسبة عام ولادتها السابع وهو اليوم والشهر والعام الذي أصبح يؤرخ لما بعده وماقبله من أحداث وولادات ووفيات في ارض ((الزعفران)) فيقال كذا يوم او شهر او سنة قبل او بعد ولادة ((ضويه))؟؟!!
استقبلت ((ضويه)) والدها مطوقة رقبته بذراعيها الناعمتين زارعة قبلاتها على وجنتيه وصدره وكفيه ممتنة فرحة بما جلب لها من هدايا حيث احتوى الصندوق على ((خزامه))(وورده)) و((خلخال)) فضي جميل.
ولكنها نحت كل ذلك جانبا جاذبة والدها من يده وقد تبعته أمها وبعضا ممن كان موجودا من أهل ((الزعفران)) في ديوانية أبيها طالبة منهم مرافقتها لجلب هدية ((إدريس)) لها!!!
سارت أمامهم حتى بلغت ((الايشان)) ألمطل على ارض ((الزعفران)) من جهة الشرق والذي يقال انه مسكون من قبل الجان بعد ان كان مسكونا من قبل ملك ذلك الزمان، قامت بتحديد منطقة صغيرة مشيرة عليهم حفرها دون ان يعرف الجميع ما هو مغزى مطلب(( ضويه)) من ذلك الحفر.
وقف ((فرحان )) صامتا متأملا مستغربا مستفهما، عن المكان والاسم الذي ذكرته ((إدريس)) وهل هو من الإنس أم الجان، وكيف سلم الجميع قيادهم لطفلة صغيرة لم تبلغ الحلم بعد، التفت إليهم أبو ضويه وقد لحظ عليهم الفتور قائلا:-
لا اظن ان ((ضويه)) تعبث بنا، مشمرا عن ذراعيه مبتدئاً بنبش التراب في المكان الذي أشرته لهم مطالبا الحاضرين مشاركته فيما يفعل.
فما ان غرس الرجال معاولهم في التربة الرمادية التي كانت تتخللها قطع من طابوق قديم حتى ارتطمت بشيء صلب فارتخت قبضات أيديهم من على قضبان المعاول ليزيلوا برفق التربة المتكسرة من فوق الجسم الصلب، ظهر لهم فجأة صندوق أذهلهم شكله مرصع غطاءه وجوانبه ببلورات ملونة لها بريق كأنها نجوم متلالاة في سماء صافية، حاول الرجال سحبه خارجا فلم يفلحوا رغم حشدهم الكبير، فتقدمت منه ((ضوية)) لترفعه من التراب بيد واحدة وسط دهشة الجميع،حاول بعض الرجال بدافع الفضول فتحه فلم يفلحوا وخاب مسعاهم، فاتجهت أبصارهم صوب ضوية التي بدت واثقة من عجزهم عن فتح الصندوق والاطلاع على مكنوناته خاطبتهم قائلة:-
اتركوا الصندوق فلو اجتمع كل رجال ونساء القرية سيعجزون عن فتح غطاءه او الاطلاع على مكنوناته فلا يمكن ان يفتح الغطاء إلا بأمري وأمر شخص آخر في علم الغيب حاليا، احملوه الآن ولنذهب للدار وكفوا عني أسئلتكم واستفساراتكم فما يضمه الصندوق لا يمكن فهمه ولا إدراكه من قبلكم فهو عصي على الفهم على أمثالكم وقد يصاب البعض بمس من جنون لو اطلع على ما فيه فيغير حاضره ويلعن ماضيه وحاضره.
سارت ((ضويه)) أمامهم والصندوق محمولاً على رؤوس أربعة رجال فبدا وكأنه كوكبة من النجوم تسير صوب دار ((فرحان)) الكائنة في مقدمة ارض الزعفران على ضفة نهر ((الخيزران)).
وضع الرجال الصندوق في غرفة ((ضويه )) التي أصبح لها مكانا خاصا بها نظرا لكثرة زائريها وزائراتها ممن يطلبون منها قضاء حاجة او شفاء مريض او كشف طالع.
فعلى الرغم من كون ((ضويه)) لم تبلغ الغسل بعد فقد أصبحت اليد التي لا تخيب في تسهيل وضع النساء معسرات الولادة في ارض الزعفران وما حولها حتى ذاع صيتها شرقا وغربا وفي الشمال والجنوب.
وما من زواج يتم إلا بمباركتها فمن تقره ضويا نافذ ومن لا تقره يصبح باطلا،وقد كانت موضع أسرار فتيات القرية ورغباتهن.
أصبح ((نيشان)) العذرية يودع عند ((ضويه)).
لم ترد ضويه طلبا لأحد فكانت تمد يدها إلى داخل الصندوق واضعة في كفه ما أراد دون قيد او شرط وكان الصندوق خزينة لا تنضب.
ان هذا الصندوق يحوي مجريات الأحداث والوقائع عبر آلاف السنين الماضية ولو اطلعتم عليه لسخرتم من أنفسكم ومما تفعلون ومما انتم فيه مختلفون!!!
مرت سنوات تلو أخرى بلغت ضويه ربيع الشباب فأذهلت شباب وشابات ارض الزعفران وما حولها بجمالها وكمالها وطيبتها وحكمتها وغزارة علمها، شباب المدينة لا يجرءون حتى على التفكير في طلب يدها فهذا الأمر حتى ابعد من الحلم، فمن يمتلك الجرأة والشرف والمكانة والرفعة ليكون مؤهلا لاعتلاء صهوة((ضويه)) أم الكرامات كما اخذ الناس يسمونها.
ذات ليلة ليلاء مرعدة مربدة مزبدة مطرها مدرارا ينهمر كماء القرب المسكوب نادت ضوية والدها فرحان:-
أبي..أبي.. اني اسمع صهيل حصان في باب دارنا... واسمع واشم رائحة رجل في الديوان أفلا تنهض يا والدي لترى من هو؟؟؟
بنيتي هل أنت تحلمين؟؟ من يقدم علينا في هذا الليل المدلهم الممطر، ثم اني لا اسمع نباح الكلاب فكيف يقترب من الدار غريب دون ان تحسه او تراه كلابنا اليقظة!!؟؟
أبتي انه قد يكون .... ثم سكتت وأعادت الطلب من والدها لاستطلاع الأمر.
نهض(( فرحان)) من فراشه وقد هيا بندقيته للرمي فقد يكون هناك لصا يحاول سرقة الدار.
من ...من هذا من أنت لا تتحرك وإلا ملأت راسك بالرصاص.
مهلا مهلا يا فرحان فانا صديق ضيف ضيف لديكم.
أهلا بالضيف..ضيف خير في يوم الخير إنشاء الله.
تناول الفانوس من يد ضويه ودخل الديوان فرأى رجلا مهيبا يشع جبينه بنور عجيب وعلى متنه بردة مهيبة جدائله معلقة في حزامه لطولها، والغريب ان الضيف لم يكن مبتلا لا هو ولافرسه وكأنه كان يسير تحت الأرض وليس تحت وابل المطر الغزير وفي هذا البرد الزمهرير!!!
أقبلت ضويه في كامل حشمتها مرحبة بالضيف وكأنها على معرفة به او من بعض أقاربها وقد أسمته باسمه الشيخ ((إدريس))!!
.. فقام مرحبا بها أهلا ومرحبا بك ياابنت العم ((ضويه)) العزيزة والله لقد فاق حسنك وكمالك الوصف، أتمنى انك قد استوعبتِ معاني ودروس وعبر مضمون الرسالة ؟؟!!!
فأجابته وهي تلمح حيرة وذهول والدها لما يجري.
لقد كنت في انتظار قدومك يا ابن العم حتى ان طعام عشائك لم يبرد بعد ، فاسترح لحين إحضاره أشرقت دارنا بقدومك.
اشتبكت وتدافعت الأسئلة في رأس أبو(( ضويه)) وهو يحاول جاهدا ان لا يخرج زمام سيطرتها لتجري سيلا جارفا صوب الديوان وهذا مما يخالف عادات وتقاليد الضيافة،أوثق كيس أسئلته منتظرا الوقت المناسب وهو يحدق في وجه((إدريس)) متأملا ملامحه وتقاسيم وجهه وهيبته وسلطانه لعله يتذكر هل هو معرفة سابقة او هل سبق له رؤيته فلا يظهر له إلا شبح او خيال قد رآه في أحلامه.
.... لا عليك يا عم وكن مطمئنا مستريح البال، ستطلع على كل شيء وتحصل على الإجابات الممكنة لأسئلتك واستفساراتك!!
فبدى فرحان كمن امسك به متلبسا بجرم ، فان ضيفه استطاع ان يقرا ما في نفسه مما زاده حيرة وارتباكا ، وقد خلصته من ورطته هذه حضور طبق الطعام على يد ((ضويه)) تناوله ووضعه أمام الضيف داعيا إياه لتناول عشاءه، هذا العشاء الذي لا يعلم متى وكيف ولماذا أعدته ابنته وهل يمكن ان تكون ضويه محل شك وعلاقة غير شرعية بهذا الضيف؟؟؟
مرت ثلاثة أيام على وجود الضيف في مضيف فرحان وكانت تدار القهوة يوميا وتقام مأدبة الطعام على شرفه بحضور جمع من أهل ((الزعفران)) اللذين احتاروا في أمر هذا الرجل هل هو من الجن او من الأنس هل هو من بني البشر أم من الملائكة فقد غزير العلم والمعرفة ،يكشف مكنون الصدور ويسمي كل منهم باسمه ويسال عن أفراد عائلته فردا فردا!!!
عند صباح اليوم الرابع وقبل ان يتناول فطوره وقد جلس فرحان قبالته يشاركه فطوره من الخبز الحار والحليب والقيمر والشاي، نظر إلى أبو ضويه قائلا:-
يا عم لقد مرت أيام الضيافة وقد منحتموني محبتكم ورعايتكم وكرمكم وطيبتكم، يا عم أتمنى عليك ان لا تسالني عن موطني فموطني ارض الله الواسعة، ولا تسالني عن حسبي ونسبي فانا ابن ادم وحواء!!.
.. يا عم لقد قادتني إلى دارك فرسي وكأنها مأمورة، أتيت لأطلب يد كريمتك((ضويه)) التي عرفتها دون ان أراها وعرفتني دن ان تراني او تعرف مكاني!!!
فان وافقت أفطرت وان رفضت فسأشد راحلتي وارحل واترك لك الأمر.
اطرق أبو ضويه نحو الأرض حائرا ماذا يقول وبماذا يجيب وهل يمكن ان يرفض طلب مثل هذا الرجل، استأذن من الضيف ودخل الدار مشاورا أم ضويه وضويه في الأمر وماذا يجيب الرجل؟؟؟
فقالت ضويه:-
يا والدي ان من مثلي خلق لمن مثله ومن مثله خلق لمثلي، صدق ا ني قد رايته ووعدت به قبل ان أراه وعرفت اسمه واصله وموطنه دون ان اسأله فتوكل على الله هذا ما أقول وأمرك مطاع فيما ترى!!!
ماذا يسعني ان أقول بعد كل ما سمعت ورأيت غير ان أبارك لكما هذا الزواج الموعود ولكن يجب ان أشاور الأهل و الأقارب في الأمر ثم اقبل عليها وضمها لصدره وقد تناثرت دموعه على وجنتيها الساحرتين.
عاد إلى الضيف واخبره بالأمر طالبا منه ان يسمع رأي أقاربه وأبناء عمومته بالأمر فلهم عليه حق المشورة، فوافقه ((إدريس))على طلبه.
وما ان حل المساء حتى أضرم النار في موقد المضيف وسمع كل سكان ارض ((الزعفران)) صوت ((الهاون)) الرنان وهو يدعوهم ان هلموا لديوان فرحان فان هناك أمراً هاماً وشخصا من الكرام قد حل ضيفا على ا المدينة وأهلها.
تقاطر الرجال كبارا وصغارا وتسللت النساء إلى بيت فرحان بذريعة بذل العون والمساعدة لضويه وأمها من اجل توفير الخدمة والطعام للرجال في المضيف.
امتلأ المضيف بعد اخذ كل منهم مكانه بما يناسب مقامه في ((الديوان)) وقد علقت الفوانيس في سقف المضيف وفي مقدمته وقد انعكست أنوارها على صفحة مياه(( نهر الخيزران )) مشاركة نجوم السماء ترقبها للحدث الهام.
(( تنح نح)) أبو ضويه في إشارة منه للإنصات والسكوت ليقول كلمته فران الصمت على الجميع وكلهم شوق ولهفة لسماع ما يقوله ((فرحان)).
... يا ابناء عمومتي في ارض الزعفران تعلمون كيف حل ((إدريس)) ضيفا على أرضكم من خلال ضيافته لدار أخيكم فرحان والآن يعرض عليكم طلب يد ابنتكم وأخت أبنائكم ((ضويه)) زوج له فما ترون؟؟
... سيطرت الحيرة على الجميع وإذ بعضهم يحدق في عيون بعض محملا بعلامات الاستفهام والاستغراب ، فهيبة الرجل وغرابة أطواره وكراماته التي تشبه الأساطير أقفلت بوجوههم أسئلتهم التقليدية مثل من إي قبائل أنت؟؟ والى إي نسب تنتسب؟؟ وماذا يملك ومن دله على بيت فرحان ولماذا لم يجلب معه أعمامه وعزوته ..وو..و؟؟؟ فهو لا يملك سوى ملابسه وحصانه؟؟ وغيرها من الأسئلة المباشرة والمراوغة المغلفة بالتورية والقابلة للتأويل.
للتخلص من هذه الورطة الكبيرة القوا بحملهم على كبيرهم الحاج((ريسان)) ليتكلم عوضا عنهم.
وعلى الرغم من كون الحاج لم يفاجأ تماما بطلب أبناء القرية اللذين غالبا ما يهرعون لاستشارته وطلب معونته حين وقوعهم في مأزق ما.. ولكنه بدا مرتبكا هذه المرة ولكنه فكر بحل يرضي الأطراف جميعا فتوجه لإدريس قائلا:-
إننا لا نرى مانعا من تلبية طلبك ولكننا نطالب ان تكون لك دارُ تؤويك وتؤوي عروسك فهل أنت قادر على تلبية هذا ألطلب؟؟
فأيد الجميع هذا الطلب والذي يبدو تعجيز يا وصعب التحقيق على رجل غريب مثل ((إدريس)) فتهامس الحضور مشيدين بدهاء وحكمة وقدرة الحاج ((ريسان)) وطريقته الذكية في رفض الطلب!!
فما كان من ((إدريس)) إلا ان توجه إلى فرحان قائلا:-
يا عم ان أعطيتني قطعة من الأرض المجاورة لداركم ومقابل ثمن أنت تحدده وليس إنا فسيكون جميع أهل القرية ضيوفي يوم غد في داري والتي ستكون دار ((ضويه)) في المستقبل!!!
بلغ بالسامعين العجب أشده إذ كيف يمكن ان تكون له دار غدا وهو لا يملك حتى خربة في ارض الزعفران وليس معه أحدا يعينه على ألبناء وليس لديه مواد عمل!!!
قال أبو ضويه إما بالنسبة للأرض فهي هدية خالصة منى لك اقتطع ما يكفيك منها.
فقال الحاج ((ريسان)):-
إذن ستكون كلمتنا في مضيفك غدا إنشاء الله والآن نودعكم وتصبحون على خير.
وبعد ان انفض المجلس امتطى إدريس فرسه متوجها إلى جهة مجهولة قائلا سيكون موعدنا صباحا.
في حين ظل فرحان وزوجه يتداولون الأمر فقد كانوا في ريبة وشك وحيرة كيف سيلبي ((إدريس)) طلب أبناء عمومته وغدا صباحا انه لأمر عجب!!؟؟
كانت ((ضوية)) على ثقة كاملة بان الصباح سيسفر عن دار لإدريس ليس لها مثيل في ارض ((الزعفران)) ولا غيرها مجيبة على حيرة وتساؤل والديها:-
نعم اني واثقة من ذلك وكأني أرى الدار أمام عيني الآن يمكنني ان اصف لكم كافة تفاصيل بناءها:- المضيف، وغرف النوم والصالة وباحة الدار والحديقة الملحقة وعدد وأنواع أشجارها حيث ستشاهدون شجرة النخيل بجانب شجرة الجوز واللوز وشجرة الموز بجانب شجيرة الحناء ....، ونوعية الاثاث وإلا فرشة في كل غرفة من الغرف.
استمع والداها لكلامها غير مصدقين ما تقول ولولا إنها ((ضويه)) المباركة لقالوا إنها مجنونه.
مع الخيط الأول لفجر اليوم التالي بانت معالم الدار الموعودة وهي بأبهى مظهر وأجمل شكل تحاذيها حديقة غناء مسكونة بأنواع الطيور تنوء أغصان أشجارها بثمارها الغزيرة وبأنواع الزهور والرياحين فبدت في منظر رائع يخطف الألباب ويسحر ويبهر ويسر الناظرين.
وما حل الصباح حتى سمع هاون مضيف إدريس بصوته الرنان كل أرجاء ارض الزعفران وملأت الجو رائحة قهوة الصباح فتقاطر الرجال استجابة لداعية ((إدريس)).
امتلأ المضيف المنيف المفروش بأبهى أنواع السجاد والبسط رائعة الجمال بالرجال اللذين تحلقوا حول ((دلال)) القهوة التي كان يشرف على ((تهديرها)) وادامة نارها رجل اسمر لم يسبق ان عرف في القرية سابقا.
نهض ((سعدان)) بأمر ((إدريس)) حاملا فناجين القهوة الذهبية المرصعة بالياقوت وكأنها مصابيح تبدد ليل يد ساقيها، أدار على الجميع بالقهوة المطعمة بالهيل ثم دار عليهم بفناجين الزعفران وإدريس يأمره بالمزيد وهو متكأ على مساند من حرير مرتديا حلة بالغة الأناقة والجمال يفوح من مجلسه شذى طيب أخاذ مصحوبا ببهاء نور وجهه الوضاء كأنه البدر المنير فاختلط على الجميع الانبهار والحيرة بالفرح والمرح وكأنهم يعيشون في الفردوس الموعود.
بادر الحاج((ريسان))للنهوض ومباركة((إدريس)) لكونه صدق وعده وأوفى بعهده،ثم تبعه كل رجال القرية وكان إدريس يشكر لهم فضلهم وكرمهم وقبولهم له زوجا لابنتهم((ضويه)).
وفي هذه الأثناء خرجت من دار ((إدريس)) بعد سماع نبا المباركة ثلة من النساء المزغردات وهي تحمل صناديق مملوءة بالطيب والحلي والديباج والحرير والجواهر النفيسة من اللوءلوء والمرجان كهدية من العريس إلى عروسه؟،بالإضافة إلى كسوة كاملة لكل سكان(( الزعفران)) من الرجال والنساء والأطفال وكل وفق مقاسه ووفق ذوقه!!!.
حينما فتحت الصناديق أمام ضوية وجمهرة من النساء أبهرت الناظرين حيث لم يشهد مثلها النساء الأولون ولا الآخرون في ارض الزعفران فقد كانت تفوق وصف العجائز لكنوز الملوك وحلي نساءهم وبناتهم في قصص الملوك والجان(( في كان ياما كان في سالف العصر والزمان)).
هم الحاج ((ريسان)) بالخروج وتوديع ((إدريس))بعد مباركته هو وأهل ((الزعفران))، فصده إدريس بلطف معلنا إنهم ضيوفه اليوم وكما وعد مشيرا إلى عدد من قدور الطهي في باحة الدار والتي تفوح منها رائحة وأبخرة الأطعمة الشهية وكان يقف على تهديرها وأعداد الأكل رجال ونساء بمختلف الأشكال واللغات واللباس ليختص كل منهم بأنواع معينة من الأكل والشراب.
.... جلس الحاج ((ريسان)) ومعه قومه تلبية لطلب ((إدريس)) وقد كان مذهولا مما رأى وقد تزاحمت في رأسه مئات الأسئلة والاستفسارات التي لا يجد لها جواباً او تفسيراً لما يرى من عجائب وغرائب مذ حل هذا الإنسان الغريب ضيفا على بيت فرحان في ارض الزعفران غير متناسين طبعا ما شهدته من حوادث خارقة وغرائب مترافقة مع ولادة ((ضويه)) ولحين التاريخ.منها طفح ((نهر الخيزران)) الذي يشطر ارض الزعفران إلى شطرين وضاقت ضفافه ب((بالدهلة الحميره))، وأعطت السنبلة الواحدة سبعة أضعافها وناء النخيل بحمل عذوقه من أنواع التمور وقد أثمرت من كانت لا تثمر،ملات النهر أطيب انواع الأسماك وغص الهور بأنواع الطيور؟، توردت خدود الأطفال والنساء والعافية والقوة الرجال، وعم البشر والسعادة والنماء كل أرجاء الأرجاء وذاع صيت ارض الزعفران في كل مكان.
...مدت ((سفرة)) الطعام وسط الديوان وامتلئت بما لذ وطاب من الطعام والشراب مما يفوق تصورات وأحلام سكان ارض الزعفران فقد وضعت إمامهم كل أنواع أكل أهل الصين والهند والسند والفرس والافرنجه.
عاشت ارض الزعفران كرنفالا للفرح حتى بلغت ذروتها يوم الزفاف كان اهتمام ضويه منصبا على الصندوق فأشرفت على عملية نقله ألى دار عريسها فوضعته ي احد أركان غرفتها مع مباركة واهتمام ((إدريس)) الذي لم يكن اقل اهتماما من ((ضوية)) بهذا الصندوق العجيب.
مساء يوم الزفاف زينت الدور بالزهور والرايات الملونة وغطت الحناء كل الأبواب وملئت رائحة البخور والمسك كل الإرجاء فبدت الأشجار والأطيار والأزهار فرحة مرحة راقصة عند الغروب امتلأ النهر بإعداد هائلة من الشموع الطافية على ألواح من الخشب وهي تتهادى وتتمايل مع رقصات أمواج النهر التي كانت تعانق مئات الزوارق المزدانة بالرايات الملونة ومجاميع النساء والرجال حملة الدفوف والطبول مرافقة أصوات والحان المطربات والمطربين الشجية وبكل اللغات وهي تحف ((بضوية)) التي بدت كأنها ليست من بني الإنسان بل من الحور الحسان وهي تبهر بجمالها الأبصار مرتدية بدلة العرس المزدانة باللؤلؤ والياقوت والمرجان.
انه حقا يوم الفرح العظيم في ارض ((الزعفران)).
بمرور الأيام والأشهر أصبحت ارض الزعفران محط أنظار واسفار القاصي والداني،حيث الحكمة والحب والخير والسعد والعمل، وقد أصبح ((ديوان)) إدريس ملتقى للحكماء وأهل العلم والأدب ومكانا لفض المشاكل والخلافات بين الناس من مختلف الأماكن والأجناس، كان((صادق)) مترجما لكل اللغات وعبره يتفاهم ويتعامل الناس بسهولة ويسر.
لم يقصد الديوان أحدا إلا عاد ظافرا و طلبه مجاب ومكتسبا قوة في البصر و البصيرة.
أخذت تتقاطر لأرض الزعفران أسراب من الدراويش والمتسولين والمتسولات والفتيات الفاتنات وكاشفات الفال والساحرات من مشارق الأرض ومغاربها ، ظهرت البيوت والحوانيت والمقاهي ذات الأبواب المثقلة بالإقفال الذي لم يتعرف عليها سكان ((ارض الزعفران )) من قبل فسميت هذه الحارة ((بحارة الأقفال))!!!
سيطر الألم والحزن والتطير على ((إدريس)) و(( ضوية)) حينما لاحظا ظهور آثار للعث وقد وجد طريقه إلى هيكل الصندوق، في حين أخذت ترد الديوان أخبار عن سرقات وخيانة أمانات وقصص غدر وهجر و نكث عهود وغش في البيع والشراء فآخذو يحررون العهود وعلى الورق تكتب من قبل أناس في حارة الأقفال، اخذ التجهم وعلامات القلق تظهر على وجه ((إدريس)) وتزداد يوما بعد يوم بقدر ازدياد تمكن العث من نخر جسد الصندوق. لحظ أهل الزعفران باستغراب تغير طباع ((إدريس)) غير مدركين السبب!!!
بعد مرور سنوات تفاجأ من استمر من أهل الزعفران يحضر ديوان ((إدريس)) ممن لم تجتذبه مغريات ((حارة الأقفال)) ، خمود نيران موقد القهوة واختفاء رنين الفنجان الذي تشظى ذات يوم بيد الساقي ((سعدان)) دون سبب ظاهر مما سبب شبه إغماءة بعد صرخة مدوية من قبل ((إدريس)) وكأن الذي تشظى قلبه وليس فنجان القهوة، وحينها ذهب للدار لجلب بديلا للفنجان ألمتشظي ولكنه ما ان يمسك بأحد الفناجين حتى يتحول في يده إلى هشيم حال إخراجه من الصندوق وملامسته الهواء ، أصاب المشهد ((ضوية)) بالهلع مدركة ان هناك حدث خطير وشر مستطير قد حل بأرض الزعفران وإنها من علامات زوال النعمة والأمان وخراب ارض ((الزعفران)).
عاد إلى الديوان وهو في غاية الحزن والألم فوجد الحضور، قد أصابهم الخوف والفزع حينما شاهدوا انطفاء نار الموقد وانقلاب دلال القهوة متقيأة ما فيها بحركة مفاجئة متدحرجة أغطيتها وكأنها رؤوسا ذبيحة.
أصاب المجلس الوجوم وظهرت على الوجوه غيوم الحيرة والخوف والترقب منتظرة من ((إدريس)) تفسير ما جرى وما سيحدث، فقد كان إدريس مكشوف الراس وقد بان رفيف شعيرات شواربه بشكل غريب مما يدل على حدث عظيم وخبر اليم!!!
أخذت ((ضوية)) تصاب بالريبة وقرب المصيبة من خلال مراقبتها لمجريات الإحداث وما حصل من تبدل في سلوك بعض الناس حيث أخذت تذكر محاولات السطو والسرقة، وبعض حوادث الاعتداء وسرقة المحاصيل والنصب والاحتيال، وبدت الأنهار تجف والطيور تهاجر وزهور الزعفران تذبل والثمار تصاب بالعفن والحيوانات تموت بالعشرات مصابة بأمراض غير معروفه.وهالها أخيرا مشاهدتها العث وقد اخذ ينخر الصندوق من كل الجهات واخذ يتسع يوما بعد يوم وبسرعة مذهلة أمام ناظري((إدريس)) و((ضويه))، وذات ليلة سمع السكان صوتا هائلا اهتزت له أركان ديار ارض الزعفران مبعثه دار ((إدريس)) فهرع الناس مذعورين صوب الدار فلم يجدوا سوى كوم من نشارة خشب وعث ملأ الفضاء وهو يقطر دما في حين لم يعثروا على اثر ل((ضويه)) او ((إدريس)) ولا اثر لدارهما او حديقتهم الغناء فكان بيتهم وحديقتهم ا قد ابتلعتها الأرض او تلقفتها السماء؟؟!!!
في حين تحول مرج ((الزعفران)) إلى سحابة من رماد ملأت الأثير بشحنة من الحزن والأسى ضاقت بها صدور السكان مع سحابات حمراء تمطر دما تضرجت به الأرض واصطبغت بحمرته السماء، وتحولت ارض الزعفران إلى أطلال بكماء وارض جرداء هز أركانها نعيب غراب وعواء كلاب تندب مجدها المندثر))
أفقت من منامي فزعا من ضربة أدمت راسي ، وقد كانت عيناي مغرورقة بدموع الحزن الممزوجة بدم جبهتي الذي اصطبغ به ((يشماغ)) جدي الذي هوت صورته على راسي نتيجة انفجار مرعب هز أركان المدينة بأسرها .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.