{ ماذا تكتب الآن.. ؟ أكتب نصا سرديا أستعيد فيه فصولا من طفولتي . هذه المساحة الخضراء في جغرافيا الزمن تبدو كما لو أنها لا تريد من التعاقب أن يطويها طيا . إنها تنبعث باستمرار جمرة وهاجة من رماد الذي كان . أما الشعر فهو كثعلب زفزاف يظهر ويختفي . لا أتعقبه في مغاوره ، ولا أتعسف عليه . أترك له الحرية في أن يسعف ، أولا يسعف. الساعات الطويلة في العمل ترهقني ، وأنت تعرف أن الإبداع يحتاج إلى راحة البدن والنفس . التركيز مستبعد بسبب هرولات اليومي ، وسوط الواجب . مع ذلك أقتنص بعض الوقت للقراءة والكتابة . { إلى أي حد يسعفك هذا الفصل في الكتابة..؟ أحب الفصول كلها، وهي معزوفة على إيقاع الذات على نحو سمفونية الفصول الأربعة لفِفَالْدي . هذا التنوع في الطبيعة يملي على الذات الخروج من فصل والدخول في آخر ، كما لو أن الأمر يتعلق بكتاب كوني مفتوح . هكذا إلى أن ينغلق على صاحبه في غفلة منه ، أو يسقط عليه من أعلى كما حدث للجاحظ . الكتابة فصل خامس ينأى عن الفصول كلها ، ويختزلها أحايين أخرى . هذا الفصل ليس فيزيائيا ، ولا يخضع لحساب الوقت ، وجبر السيرورة . فصل أنطولوجي ، ومختل أحيانا بسبب سماواته التي اخترق قبابها أكثر من نيزك ، وثقب أزون . لذا في هذا الفصل تنقلب الموازين ، فتتلبد السماء في عز صيف الآخرين ، وتمطر الوابل من الأمطاروالرعود ، وتكسو قنن الذات بالثلوج والصقيع . ذات الفصل في عز شتاء الآخرين قد يتحول إلى مدفأة لا يضاهى دفؤها في شغاف القلب ، وسريرة الروح. أستنتج ، وأقول إن الكتابة عندي لا فصل يحدها ، فهي ممتدة في الفصول كلها ، والمتحكم في العملية هو ما يمليه مزاج الوقت ، ويقين الخطى صيفا وشتاء . { أي فصل من فصول السنة يلهمك أكثر..؟ يلهمني أكثر هذا الفصل الذي تحدثت عنه أعلاه . الفصل الخامس القارفي مكامن الذات وتضاريسها الوعرة حينا ، والمستوية حينا آخر. أي شعور يعتريك عندما تنهي نصك.. ؟ تعتريني نشوة دافئة ، يعتريني الخوف من عدم معاودة ذات السفر الشيق مع الحروف من أجل محطة أخرى تمنحني فيها الكتابة حالة من حالاتها الراعشة . { وأنت تكتب هل تستحضر المتلقي ..؟ طبعا لأنني وإن كنت ساعة الكتابة في كهف الذات ، أتصور قارئا مفترضا يقرؤني . لكن لا أكتب إليه مطلقا لكي أرضيه ، أو لأكون في الصورة التي يحبها. أسعى دائما أن أكون وفيا لما عنَّ وبدا لي . ولأني فرد من الجماعة ، فلا شك إذن من وجود قارئ يقاسمني نفس المدى عينا ورؤية . هل تمارس نوعا من الرقابة على ذاتك وأنت تكتب..؟ في الكتابة الأولى للنص يكون هذا الرقيب متسامحا ، إذ يترك الحرية للحبر كي يسود ما يريد . في الكتابة الثانية قبل النشر تراه إلى جانبك يلاحقك جملة جملة ، و يسأل لِمَ هذا اللفظ وليس ذاك ، كما يفرض عليك أحيانا استغوار الذات واستبطانها بحثا عن معنى يليق . هذا الرقيب هو الكاتب بامتياز، وقد حل محل توابع وزوابع الشعراء القدماء . غياب الرقيب يفضي بلا شك إلى كتابة رديئة . { إلى أي حد تعتبر الكتابة مهمة في حياتك ..؟ أنا مدين للكتابة لأنها تجاوزت في كثير من الأوقات وظيفتها المعتادة عند الكثيرين . صدقني إن قلت لك إنها أنقذتني من الجنون ، أو الانتحار في مراحل عصيبة أملتها علي أقداري . الكتابة جعلت إرادة الحياة تنتصر، ووجدت فيها الملاذ والخلاص . الكتابة ما تعريفك لها ..؟ الكتابة هي هذا التقاطع الدائم بين الأنا والآخر. أحيانا يكتبنا الخارج بعوالمه الضاجة. وأحيانا لا ننصت إلا إلى هسيس الأعماق حين تستكين، أوحين ترغي وتزبد . الكتابة هِبَة ، وجسر للتواصل مع الذات والآخر. { إلى أي حد أنت راض عما كتبت ..؟ الرضا نسبي لأننا نطمح دائما إلى الأحسن . بعض النصوص عندما أقرؤها بعد نشرها ألاحظ أنه كان بالإمكان أن أغير فيها عدة أشياء ، ونصوص أخرى أتساءل هل أنا فعلا كاتبها لأنها تطربني ، وتحظى بكل الرضا . عادة هل تعيد قراءة ما كتبت قبل اتخاذك لقرار النشر..؟ بعد الانتهاء من الكتابة أحتفظ بالنص لعدة أسابيع ، بل وشهور أحيانا . أقرأ وأمحو ، وأتأكد من لفظة في القاموس ، أو قاعدة نحوية .النص الذي نشرته في العدد الأخير من مجلة الثقافة المغربية تحت عنوان « جسدي ليس لي» ظل في مختبر الكتابة مدة تزيد عن عشر سنوات ، والنص «سريرة الغاب» المنشور في العلم الثقافي مكث عندي بعد اكتماله سنتين .إن في إعادة القراءة إمكانية لإبداع أجمل . محمد بوجبيري في سطور من مواليد إقليمأزيلال جماعة بين الويدان سنة 1956. حاصل في نهاية السبعينيات من القرن الماضي على الإجاز في الأدب العربي ودبلوم المدرسة العليا للأساتذة من جامعة محمد الخامس بالرباط. نُشِر له أول نص سنة 1977 . بعد ذلك نشر عدة كتابات شعرية ونثرية بالعديد من المنابر الوطنية والعربية . صدر له ديوان : عاريا أحضنك أيها الطين ، سنة 1989 ، وديوان : لن أوبخ أخطائي سنة 2006 ، وسيد العشيرة سنة 2010 . عضو اتحاد كتاب المغرب ، وبيت الشعر في المغرب . أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي بإحدى ثانويات الدارالبيضاء.