حسمت إدارة الرئيس الامريكي باراك أوباما أمرها وقررت نقل قيادة الطائرات من دون طيار، التي تهدف إلى قتل قيادات عناصر تنظيم »القاعدة« في الخارج، من وكالة الاستخبارات المركزية إلى البنتاغون، بعد ضغوط متراكمة من القاعدة الليبرالية والمحافظين في الكونغرس، وتغطية الإعلام الأميركي لهذه المسألة المثيرة للجدل. كشف موقع «دايلي بيست» الالكتروني ، نقلاً عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين، أن إدارة أوباما قررت اتخاذ هذه الخطوة التي ستدرج ضربات الطائرات من دون طيار ضمن »العمليات العسكرية«، وليس ضمن «الأنشطة الإستخباراتية والعمليات السرية». ويعني ذلك أنها ستنتقل قانونياً من الخفاء، أي عدم الإقرار العلني بوجودها، إلى خانة «السرية» أي الإقرار بوجودها من دون الكشف عن تفاصيلها. هذا الإجراء يسعى لزيادة الشفافية حول آلة القتل هذه، التي تختصر أكثر من أي شيء آخر عقيدة أوباما الخارجية القائمة على ملاحقة قيادات «القاعدة» بأقل ضرر ممكن أو خطر جوي على الطيارين أو انتشار عسكري على الأرض. وهو ما تسميه الإدارة ب»البصمة الخفيفة» لعمليات توسعت خلال ولاية أوباما الأولى لتطال مناطق نائية يختبئ فيها عناصر «القاعدة»، كما شملت اليمن والصومال، بالإضافة إلى العمليات على الحدود الأفغانية - الباكستانية. حالياً تتوزع عمليات الطائرات من دون طيار بين البنتاغون ووكالة الاستخبارات، لكن هذا القرار يمهّد لقيادة وهيكلة واحدة لاتخاذ القرارات ضمن معايير وضوابط محددة. وسيبقى بطبيعة الحال دور لوكالة الاستخبارات، لكن تشغيل هذه الطائرات سيكون من البنتاغون. ويقول مسؤول أميركي إن هذا الانتقال في القيادة سيكون تدريجياً لفترة ستطول حوالي عام. ويشير تقرير الموقع إلى أن هناك من يعتقد أن هذا الانتقال قد يدوم لفترة أطول، لكنه سيحصل بشكل كامل قبل انتهاء ولاية أوباما الثانية. ويرى مسؤول آخر أن هذه المرحلة الانتقالية ستؤدي إلى فقدان عقد من خبرة وكالة الاستخبارات في هذا المجال، وبالتالي سيعمل في البداية عناصر الوكالة إلى جانب نظرائهم في البنتاغون خلال عمليات استهداف المشتبه بهم من «القاعدة». هذا الإجراء يأتي ضمن خطة إدارية أوسع داخل الإدارة تهدف إلى «مأسسة» جهود مكافحة الإرهاب التي تقوم بها واشنطن في الخارج. ويلفت التقرير إلى أن مدير وكالة الاستخبارات، جون برينان، قد لاحظ مع الوقت تعقيدات هذه العمليات، وهو الذي قام بدور رئيسي في هذا البرنامج من موقعه السابق في البيت الأبيض منذ بداية ولاية أوباما الأولى. ويسعى «برينان» حالياً لنقل قيادتها إلى البنتاغون، وإعادة تركيز جهود وكالة الاستخبارات على ما كانت عليه قبل اعتداءات 11سبتمبر ، أي جمع المعلومات الاستخباراتية وتحليلها. هذه العمليات بدأت تثير الجدل حين كانت تؤدي إلى قتل المدنيين في أفغانستان، وبعدها فتح الإعلام الأميركي هذا الملف من باب عملية قتل احد ابرز قيادات «القاعدة»، وهو المواطن الأميركي من أصل يمني أنور العولقي. والنقطة الثانية التي أثيرت الضجة حولها هي قتل ابن العولقي (16 عاماً) بعد أسبوعين من مقتل والده في عملية وصفها المسؤولون الأميركيون بأنها كانت عن طريق الخطأ. وقبيل ترشيح «برينان» لهذا المنصب، كشفت شبكة »إن بي سي« مذكرة من وزارة العدل تعطي التبريرات القانونية لعمليات قتل الأميركيين الناشطين في تنظيم «القاعدة» في الخارج. هذه الوثيقة المسربة أثارت تحفظات القاعدة الليبرالية في الكونغرس، ودفعت المحافظين إلى تأجيل ترشيح «برينان»، وربط هذا الترشيح بكشف إدارة أوباما عن كل المذكرات التي تعطي الغطاء القانوني لعمليات كهذه. السيناتور المحافظ «راند بول» وجه رسالة إلى وزير العدل «اريك هولدر» سأله فيها إذا كان من الممكن، قانونياً، توجيه ضربات الطائرات من دون طيار ضد مواطنين أميركيين داخل الولاياتالمتحدة، فكان جواب «هولدر» أن هذا الأمر قد يكون محتملاً. ورداً على ذلك، قرر «راند بول» التحدث من دون توقف على مدى 13 ساعة في الكونغرس لمنع إنهاء النقاش حول ترشيح «برينان»، وبالتالي تأجيل التصديق على تعيينه على رأس الوكالة. وانضم بعض زملائه إليه لمساعدته على تقطيع الوقت، هناك من قرأ تغريدات على «تويتر»، ومن قرأ كلمات أغنيات «راب» لإراحة بول من الكلام ليستعيد أنفاسه. بعدها، تراجعت الإدارة بشأن هذه المسألة، ووجه «هولدر» رسالة ثانية أكد فيها أنه لا يمكن حصول سيناريو قتل أميركي داخل الولاياتالمتحدة من خلال هذا البرنامج. الآن يبدو أن أوباما قرر اتخاذ المبادرة في هذا الملف لتغيير النظرة إلى أسلوبه في إدارة هذا البرنامج. تقرير «الدايلي بيست» يتحدث عن احتمال أن يلقي أوباما خطاباً يوضح فيه مجمل سياسته لمكافحة الإرهاب، وينقل عن أحد مستشاري الرئيس السابقين قوله إن «باراك أوباما يجب أن يكون قلقاً على إرثه. لا يريد أن تصبح الطائرات من دون طيار غوانتانامو الخاص به»، في إشارة إلى قاعدة غوانتانامو التي طبعت ولاية سلفه جورج بوش الإبن. كانت مجمل القرارات حول هوية قيادات تنظيم «القاعدة» التي يجب قتلها أو توقيت العملية تتخذ داخل وكالة الاستخبارات، بالرغم من أن البيت الأبيض كان له كلمة أيضاً، لا سيما نتيجة دور «برينان» في ولاية أوباما الأولى كمستشار لمكافحة الإرهاب. ويلفت التقرير إلى أن البنتاغون يقر بالقوانين الدولية التي تضع ضوابط قوانين الحرب، لكن وكالة الاستخبارات تعتبر أنها لا تعتمد بالضرورة على القانون الدولي في كل عملياتها. وتحدث التقرير عن كيف كانت تتم الإجراءات الإدارية لاتخاذ قرارات القتل، بحيث كانت تحتاج إلى توقيع أوباما. وزارة الخارجية وهيئات حكومية أخرى كانت تقول إن هناك ضرورة لتوقيع الرئيس لأنه المرجع النهائي للمحاسبة، لكن البنتاغون كان يدفع دائماً إلى إخراجه من عملية صنع القرار في هذا المجال. ويقول كاتب التقرير، «دانيال كلايدمان»، إنه ليس معروفاً بعد مدى الشفافية التي سيعكسها هذا الإجراء، مشيراً إلى أن عمليات القتل ستصبح الآن تحت إشراف «قيادة العمليات الخاصة المشتركة»، وهي مظلة وحدات خاصة في البنتاغون تدير العمليات السرية وتشمل القوات البحرية وقوة «دلتا». ويرى كلايدمان أن هذه القيادة المشتركة «غير معروف عنها أنها متحمسة للإعلان عن عملياتها أمام الإعلام أو الكونغرس». ولفت إلى أن هذا الإجراء قد يعني أقل مراقبة من الكونغرس، لأن «ليس هناك شيء في القانون يقول إنه على الجيش إيجاز لجان الكونغرس حول أنشطته القاتلة»، على عكس وكالة الاستخبارات التي يفرض القانون عليها اطلاع الكونغرس على نشاطها الاستخباراتي. ويختم كلايدن التقرير بالقول إن خسارة برنامج الطائرات من دون طيار «سيكون، على مستوى ما، ضربة لهوية وكالة الاستخبارات المركزية». «دانيال كلايدمان» الموقع الإلكتروني «دايلي بيست» الأمريكي