من الصعب تقديم تاريخ النقابة الوطنية للتعليم (ف.د.ش) نظرا للتاريخ النضالي والتنظيمي الكبير والذي يجسد تاريخ المدرسة العمومية الوطنية برمتها. إن ذلك التاريخ المجيد هو لحظات تأمل واستفراد لمسيرة كفاحية تصل إلى نصف قرن، موشومة في الذاكرة النقابية والوطنية من أجل النهوض بالتعليم وجعله قاطرة للتنمية المستدامة وتحسين أوضاع العاملين بهذا القطاع الحيوي والمنتج، وربط هموم الشغيلة التعليمية بالنضال العام الوطني في إطار جدلية النقابي والسياسي وبارتباط مع قضايا الشعب المغربي والمغاربي والقومي في النطاق العربي والالتحام والتضامن النقابي العمالي على المستوى المركزي والدولي. إن المؤتمر الوطني العاشر للنقابة المزمع تنظيمه أيام 22 23 و 24 فبراير 2013 بمراكش هو مناسبة لتقديم تاريخ نقابتنا منذ التأسيس إلى اليوم والتوقف ع أبرز المحطات والمواقف التي طبعت التاريخ النضالي والتنظيمي للنقابة لخمسة عقود من النضال حتى يطلع الجيل الجديد على ذلك التاريخ. إن إنجازات النقابة الوطنية للتعليم (ف.د.ش) طيلة تلك السنوات هو جزء من الذاكرة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية وتحسين أوضاع العاملين بالقطاع واستشرافا للمستقبل من أجل مدرسة عمومية وطنية وحداثية ومن أجل التربية للجميع. عرف المغرب خلال فترة الستينات تراجعا كبيرا في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتي تجلت في إقرار حالة الاستثناء على إثر أحداث مارس 1965 وتدهور القدرة الشرائية والتراجع عن أهداف الاستغلال التي تبنتها حكومة عبد الله إبراهيم 1960 ومنها التراجع عن المبادئ الأساسية لإصلاح التعليم كمبدأ التعميم والتعريب. كما عرفت الساحة النقابية تحميدا لنضالات الشغيلة المغربية بما فيها الشغيلة التعليمية وتم تغيبها في اتخاذ القرارات والإجهاز على الديمقراطية الداخلية وسيطرة فئة بيروقراطية في الاتحاد المغربي للشغل على التنظيم. وأمام تلك الأوضاع طالبت الشغيلة التعليمية بتأسيس تنظيم نقابي جديد في قطاع التعليم لإعادة وحدة النضال وتبلورت هذه الفكرة في المبادئ والتي حملتها النقابة الوطنية للتعليم على أساس الديمقراطية والجماهرية والاستقلالية والتقدمية ومن أجل التصحيح النقابي والدفع بالحركة النقابية بالمغرب إلى الالتحام بالمطالب الجماهرية بالديمقراطية. واستطاع المناضلون النقابيون كسب ثقة القواعد التعليمية في أغلب المناطق، وهكذا فإن النقابة الوطنية للتعليم لم تنشأ من فراغ، بل كانت حركة تصحيحية واستمرارية ايجابية للتجربة النقابية للشغيلة التعليمية بالمغرب... تم خلال سنة 1965 تشكيل مكاتب نقابية مؤقتة ولجن إقليمية للتنسيق على الصعيد الوطني وتقدم المناضلون إلى انتخابات اللجن الثنائية وحصلوا على نصف المقاعد رغم المضايقات والاعتقالات عقد اجتماع تأسيسي للنقابة الوطنية للتعليم يوم 20 فبراير 1965 بالرباط والمؤتمر الوطني الأول في يوليوز 1966. مع استفحال الأزمة التعليمية قررت الحكومة آنذاك تنظيم مناظرة وطنية حول التعليم بمدينة إفران 1970 والتي شاركت فيها النقابة الوطنية للتعليم إلى جانب القوى الوطنية وناهضت كل المقترحات اللاشعبية والتصفوية انطلاقا من تشبثها بمبادئ المدرسة الوطنية العمومية. ومع نقابة سنة 1970 عقد المؤتمر الوطني الثاني للنقابة في ظروف سياسية قاتمة تميزت بالتراجع عن كل الاختيارات في كل المجالات. كما اتبعت الدولة سياسة التحكم في نسب التمدرس والتوجيه هذه السياسة التي ناهضتها النقابة الوطنية للتعليم ودافعت عن دمقرطتها والنهوض بأوضاع العاملين بالقطاع رغم الأوضاع المتوترة والاضطرابات التي عرفتها البلاد، فكان المؤتمر الوطني الثالث سنة 1973 مؤتمر الصمود والتصدي والحفاظ على الذات ومناهضة كل أشكال القمع الذي ذهب ضحيتها مئات المناضلين. تميزت أواسط السبعينيات بنوع من الانفراج السياسي وبتوسيع الهامش الديمقراطي بسبب ضغط القضية الوطنية وارتفاع حدة المواجهة في قطاع التعليم. وفي دجنبر 1976 انعقد المؤتمر الوطني الرابع والذي شكل نقلة نوعية في أدبيات النقابة والارتقاء بالتصور التنظيمي... وفي المؤتمر الاستثنائي في صيف 1978 والذي تقرر فيه فك الارتباط القانوني بالاتحاد المغربي للشغل في أفق تأسيس مركزية نقابية وطنية بديلة.. كما تم التركيز على مسألة النضال المشترك مع مختلف قوى الصف الديمقراطي للدفاع عن قضايا الشعب المغربي.. وكانت للنقابة الوطنية للتعليم دورا أساسيا في الندوة التي نظمت في يوليوز 1978 للتحضير لإنشاء مركزية نقابية بديلة ، باعتبار النقابة العمود الفقري والأساسي للعمل النقابي الوطني والتي قادت إلى المؤتمر التأسيسي للكونفيدرالية الديمقراطية للشغل في نونبر 1978. بعد تأسيس البديل، النقابي وفي خضم الولادة، كتفت النقابة الوطنية للتعليم نضالاتها وخاصة في سنتين 1978 و 1979 وكانت المحطة التاريخية خلال إضرابي التعليم والصحة في 10 و 11 أبريل 1979 والتي وجهت بالقمع والطرد في حق مئات من مناضلي النقابة، وفجرت هذه المعركة مخزونا نقابيا كبيرا تجلى في حملات التضامن المادي والمعنوي مع كافة المطرودين والذي تجاوز عددهم الألفين(2000) بالإضافة إلى حملات التضامن الدولية نظرا للمكانة التي تحتلها النقابة على الصعيد الدولي، الشيء الذي وضع الحكومة المغربية في قفص الاتهام... لقد خلق قمع 1979 والأحداث الدموية 1981 أثرا كبيرا على الوضع التنظيمي للنقابة بسبب الضربات المتوالية، وتطلب الأمر سنوات عديدة لإعادة الترميم وتقوية الأداة التنظيمية وصياغة استراتيجية جديدة لتعبئة الساحة التعليمية... ورغم كل الظروف السلبية، فقد ساهمت النقابة في مناظرة إفران 1980 لإصلاح المنظومة التربوية وحذرت نقابتنا إلى خطورة تدخلات المؤسسات المالية الدولية المانحة لتمويل القطاعات الاجتماعية وعلى رأسها قطاع التعليم والذي تضرر كثيرا جراء تقليص ميزانية وتأثيره على إصلاح المنظاومة. ولمواجهة تلك السياسة الحكومة ، نظمت النقابة عدة تحركات تعبوية وتنظيمية وإعلامية مكثفة ووقفات احتجاجية عديدة للدفاع عن المدرسة العمومية والملف المطلبي للشغيلة التعليمية، ونتيجة للحوار والتفاوض تحققت العديد من المكاسب كالإقرار لأول مرة في تاريخ القطاع بالترقية الداخلية في إطار أول نظام أساسي جديد لوظفي التعليك وإقرار نظام التعويضات بعد التدخل الملكي في 18 فبراير 1985 ... ودافعت النقابة عن المدرسة العمومية من أجل تنظيم عدة ندوات دولية ووطنية منها: فاس 1987 ومراكش 1987 والدار البيضاء 1989 وأكادير 1990 والتي تميزت بالتحليل الملموس للسياسة التعليمية الوطنية. وفي دجنبر 1989 ، عقدت النقابة الوطنية للتعليم مؤتمرها السادس. مع بداية التسعينات، انطلقت سلسلة من النضالات بدءا بالإضراب العام 14 دجنبر 1990 وما رافقه من قمع وتعسف وتميزت هذه المحطة بطابعها الوحدوي بين الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والذي سيترجم بنضالات وحدوية في قطاع التعليم بين النقابة الوطنية للتعليم والجامعة الحرة للتعليم في سنوات : 1991 ? 1992 ? 1993 ? و 1995 . خلال تلك المرحلة تحققت مجموعة من المكاسب النقابية في مجال الحريات النقابية . عقدت النقابة الوطنية للتعليم مؤتمرها الثامن ? مؤتمر الشهيد عمر بن جلون ? أيام 17 ? 18 و 19 دجنبر 2002 في ظروف استثنائية نتيجة الانحراف والتبقرط التي اعترى المركزية العمالية والتصدي للقيادة البيروقراطية، وبالتالي كان المؤتمر جوابا نضاليا وتنظيميا مسؤولا من قبل الشغيلة التعليمية لرد الاعتبار بمبادئ التأسيس التي قامت عليها النقابة والمركزية على حد سواء (الديمقراطية، الجماهيرية، الاستقلالية، والتقدمية) وذلك لتصحيح المسار النقابي والارتقاء إلى مستوى نقابة مناضلة وإطار ديمقراطي. لقد اثمرت المجهودات النضالية التي خاضتها النقابة خلال تلك السنوات بين المؤتمرين السالفين على إقرار الحكومة بنظام أساسي لموظفي قطاع التعليم ونظام التعويضات من أجل تحسين الأوضاع المادية والاجتماعية لأشرة التعليم، وأصبح النظام حقيقة ملموسة بعد تحيين توقيعات الوزراء المعنيين ومصادقة مجلس الحكومة عليه آنذاك وذلك من خلال إبرام اتفاق 13 ماي 2002، بالإضافة إلى استفادة آلاف رجال ونساء التعليم من الترقيتين الاستثنائيتين 1996 و 2002 في عهد حكومة عبد الرحمان اليوسفي. إن نضال النقابة في الدفاع عن المدرسة العمومية يندرج ضمن النضال الذي تخوضه الأممية التعليمية IE والشبكة الفرنكوفونية للنقابات التعليمية CSFEF إلى جانب القوى الديمقراطية العالمية المناهضة للعولمة، وتوجهات الليبراليين والمحافظين الجدد، لذا كان انخراطها في الحملة الدولية، التعليم للجميع EPT ينسجم والقناعات النقابية، والالتزام الدولي كنقابة عضو في الأسرة التعليمية العالمية، وكانت النقابة سباقة إلى المشاركة الفاعلة والميدانيةفي عملية الإصلاح، كالمشاركة في محاربة الأممية التعليمية وتنظيم أسابيع وأيام تربوية ومكافحة تشغيل الأطفال شراكة مع النقابة الهولندية AOb كما عبرت النقابة عن مواقفنا من عمليات إصلاح المنظومة من خلال كل المحطات النضالية واللقاءات والندوات التي شاركت فيها. بعد تأسيس البديل النقابي الفيدرالية الديمقراطية للشغل سنة 2003 وكان النقابة الوطنية للتعليم دورا أساسيا ومحوريا من أجل إعادة الاعتبار لمبادئ التأسيس، عقدت النقابة مؤتمرها الوطني التاسع أيام 6 ? 7 ? 8 مارس 2007 تحت شعار: " أربعون سنة من النضال المتواصل دفاعا عن المدرسة العمومية ومطالب الشغيلة التعليمية" والذي حددت فيه موقف النقابة من الإصلاح ومستقبل المدرسة العمومية المغربية وأقرت فيه ملحقا حول أخلاقيات المهنة وورقة حول المرأة في قطاع التعليم وإشكالية الاندماج في العمل النقابي، كما وقف المؤتمر على تطورات الملف المطلبي في شقيه المادي والاجتماعي ما بين المؤتمرين. تميزت تلك الفترة بتوقيع عدة اتفاقيات مع الحكومة وكان لها نعكاس إيجابي على الأوضاع المادية وتحقيق مجموعة من المكتسبات منها النظام الأساسي الجديد (المرسوم رقم 854 . 02 . 2 بتاريخ 10 فبراير 2003) واتفاق 28 يناير 2004 القاضي بمراجعة اتفاق 30 أبريل 2002. واتفاق أكتوبر 2006 وإحداث مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية، وتأسيس المجلس الأعلى للتعليم بناء على الظهير الشريف رقم 152. 05 . 01 الصادر قي 11 محرم 1427 المواقف 10 فبراير 2006 . وتخفيض الاقتطاع الضريبي ودمقرطة المؤسسات الاجتماعية، وحل مجموعة من الملفات الفئوية.كما عرف المؤتمر قفرة نوعية في مجال التدبير التنظيمي والمالي للنقابة. إن النقابة الوطني للتعليم (ف د ش) وهي تستعد لعقد مؤتمرها الوطني العاشر أيام 22 ? 23 ? 24 فبراير 2013 من أجل تقييم المرحلة ما بين المؤتمرين والتي تميزت بإقرار النقابة المؤسسة من خلال تطبيق الحكامة النقابية الجيدة والتي تعبر عنها بالملموس مختلف مشاريع أوراق المؤتمر التي ستناقش. المؤتمر الوطني العاشر : الأسئلة الكبرى ينعقد المؤتمر الوطني العاشر للنقابة الوطنية للتعليم (ف د ش) أيام 22 ? 23 ? 24 فبراير 2013 بمدينة مراكش في سياق موسوم بالأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، في هذا السياق يجد المؤتمر نفسه أمام أسئلة كثيرة وتحديات خطيرة من أبرزها: 1- الأزمة الاقتصادية العالمية وانعكاساتها الاجتماعية، وما ترتب عنها من تسريح العمال ، وإفلاس العديد من المؤسسات الإنتاجية ، وتخفيض الميزانيات المخصصة للقطاعات الاجتماعية، وعلى رأسها قطاع التربية والتعليم ، وتشجيع الخوصصة بها ، وتوسيع الهوة بين الدول الغنية والفقيرة. لقد أرخت هذه الأزمة بكل ظلالها على الأوضاع الاجتماعية للفئات الشعبية والمأجورين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة مباشرة مع انعكاساتها السلبية. فكانت النتيجة ارتفاع أعداد العاطلين، وارتفاع تكاليف المعيشة ، وتراجع الخدمات الاجتماعية.كما كانت انعكاساتها بارزة في الحقل التعليمي الذي يعيش أزمة حقيقة في تنوعها وأبعادها وتفاوت درجاتها؛ 2- حركية الربيع الديمقراطي التي طبعت بميسمها بعض الدول العربية منذ 2011 ، كما مست بعض الدول الأوروبية.فقد اعتبرت هذه الحركة ردا عنيفا وقويا على هيمنة الليبرالية المتوحشة ، وعلى انعكاساتها الاجتماعية و الاقتصادية ،كما اعتبرت بحق لحظة مساءلة سياسية هامة ،وإشارات قوية إلى رموز الإفساد والفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي ،كما اعتبرت ردا قويا على مخطط الإجهاز على مكتسبات تجربة الأحزاب الديمقراطية التي استجابت لبعض مطالب الشعب لمغربي. 3- الدستور الجديد ، وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها ، وما رافق هذه الانتخابات ،وما ترتب عنها من أوضاع وترتيبات من ضبط مسار الحركة الديمقراطية ، وبلقنة الحركة السياسية التقدمية والديمقراطية، واستمرار أساليب الفساد ، وتدخل السلطة ،وما ترتب عن كل ذلك من توجهات شعبوية ، وحركات يمينية محافظة ؛الأمر الذي ينذر بتراجعات خطيرة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ،ويعقد مهام النضال الديمقراطي والحداثي وتوجهات الدولة في هذا القطاع . لم تكن المنظومة التربوية المغربية بمعزل عن هذه المتغيرات، فمنذ مطلع الألفية الثالثة وهي تواجه مخاطر وتحديات.وفي هذا الإطار ركز الخطاب الرسمي على مجموعة من الأهداف يتوخى تحقيقها من مثل :تعميم التعليم، وتوسيع قاعدة المتمدرسين ،ومحاربة الهدر المدرسي ،ورفع جودة التعلم ،وكفايته ومحاربة التغيبات غيرالمسوغة ،ومراجعة المناهج ، والحياة المدرسية والطرائق البيداغوجية ، والعدة الديداكتيكية ، وتوسيع البنيات التحتية ، وتكوين المدرسين ، وتفعيل مقاربة النوع ...غير أن هذه الاصلاحات الممتدة ما بين 2000 و2007و 2009 لم تتطرق إلى معضلات الخصاص في العنصر البشري ،كما أن الأموال الطائلة التي رصدت منذ 2009 إلى 2012 لإنقاد الاصلاح من الأزمة التي تنخر جسد المنظومة لم ترق إلى المستوى المطلوب، بل شكلت تراجعا عما تحقق قبل البرنامج الاستعجالي .وقد كان الإعلان الرسمي عن فشل هذا البرنامج تأكيدا لإفلاس اختيارات الاصلاح، لذا أولت النقابة الوطنية للتعليم عناية قصوى للسياسة التعليمية، من خلال تشكيل لجنة السياسة التعليمية عهد إليها بمعالجة الإشكاليات التي يطرحها تدبير المنظومة التربوية عامة، وتدبير إصلاحها خاصة، سواء على صعيد التدبير، أم على صعيد الاختيارات البيداغوجية وصيغ تصريفها، أم على صعيد البنيات وتأهيلها.