يثير السيد لخيار في سياق الحديث عن «الأنشطة المدرة للدخل» حالة التعاونيات، معتقدا أن مقاربتي لهذا الصنف من أصناف مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي تندرج فقط في إطار إثبات فرضية عدم ارتباط ممارسة أنشطة مدرة للدخل بالضرورة بتحقيق الربح، ويذكر أن التعاونيات «تبيع الحليب» و»تسمن العجول» من أجل بيعها، وهي بالتالي تفعل ذلك لجني الأرباح . أوضح للسيد «الخبير» أولا أنني تناولت التعاونيات كمكون من مكونات مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي، بجانب الجمعيات ( التي لها ارتباط بهذا النمط الاقتصادي) والتعاضديات، في إطار مقاربة التجربة المغربية في هذا المجال. وقد خصصت لهذه الأخيرة قسما كاملا من الكتاب محورته حول ثلاثة فصول وخصصت كل فصل لدراسة وتقييم كل صنف من هذه المؤسسات(التعاونيات، الجمعيات والتعاضديات) على حدة. وبالنسبة للتعاونيات رصدت اشتغالها في ثلاثة مجالات أساسية: المجال الفلاحي والمجال السكني ومجال الصناعة التقليدية. وبخصوص التعاونيات الفلاحية بينت أنها تمارس ثلاثة أنشطة رئيسية: «جمع وتسويق الحليب» (collecte et commercialisation)، «شراء (achat) الأعلاف والبذور» و»اقتناء (acquisition) الآليات والمعدات» (ص.128). وبالتالي، فإن من «ينتج الحليب» بهدف بيعه، و»يسمن العجول» لنفس الغاية، هم المتعاونون، أي أعضاء التعاونيات، على عكس ما يعتقد السيد «الخبير». أما التعاونيات فإنها لا تشكل إلا إطارا يمكن الأعضاء من تنظيم وتأطير ممارسة أنشطتهم وتحسين جودة منتجاتهم (الفصول من 1 إلى 3 من قانون 24.83 المتعلق بتحديد النظام الاساسي العام للتعاونيات ومهام مكتب تنمية التعاون) ويفتح لهم امكانية ولوج الأسواق بشكل مهيكل ويمكنهم من الدفاع عن مصالحهم، ويتيح لهم الاقتناء الجماعي للآليات والمعدات، الخ. فتعاونيات «جمع وتسويق الحليب» مثلا تشكل، إضافة لما سبق ذكره، إطارا لإبرام اتفاقيات شراكة بين المتعاونين و الشركات التي تشكل زبائن لهذه التعاونيات وبفضل هذه الاتفاقيات أمكن استيراد الأبقار الحلوب لفائدة المنخرطين على أساس أن تمول الشركات الزبونة عملية الاقتناء ويسدد المتعاونون ديونهم في شكل اقتطاعات دورية وبناء على جدول زمني متفق بشأنه، وبالتالي يمول المنخرطون شراء الأبقار من خلال العائدات المحققة من المبيعات الإضافية. ونفس الأمر ينطبق على عمليات شراء الأعلاف والبذور واقتناء الآليات والمعدات التي تتم في هذا النطاق بأسعار منخفضة نسبيا على اعتبار حجم الكميات المقتناة. وبطبيعة الحال تحتاج التعاونيات في هذا الإطار إلى موارد لتغطية نفقاتها، وهذه الموارد تتشكل أساسا من الهامش الذي يعود إليها بناء على تسويق منتجات أعضائها. ومن ثم يمكن لها بعد طرح مصاريفها أن تحقق فائضا وليس ربحا. وهذا الفائض يرصد، أساسا ووفق القانون المحدد للنظام الأساسي العام للتعاونيات، لتكوين الاحتياطي القانوني و لتمويل «صندوق تربية وتكوين الاعضاء في مجال التعاون» ولأداء مبلغ الاقتطاع أو الاقتطاعات المقررة في النصوص التشريعية أو التنظيمية الجاري بها العمل و لصرف الفائدة الممنوحة للحصص بقرار من الجمعية العامة العادية السنوية. وما تبقى يوزع كليا أو جزئيا على المتعاونين بحسب العمليات التي أجروها مع التعاونية أو العمل الذي قدموه لها خلال السنة المالية المنصرمة. ونفس التحليل ينطبق طبعا على باقي أصناف التعاونيات وأساسا التعاونيات السكنية التي ينحصر دورها عموما في اقتناء الأرض وتجهيزها لتكون صالحة للبناء. ومن ثم تمكن هذه التعاونيات فئات عريضة من المجتمع من تحقيق حلم انجاز «قبر الحياة». وبالتالي وبناء على ما سبق، يبدو لي أن من يضلل الطلبة والباحثين وعموم المهتمين بمجال الاقتصاد الاجتماعي هم خبراء الخردة مزدوجي الأمية اللغوية والقاصرين فكريا ومعرفيا. II - «في قضية الحكامة» ورد مفهوم الحكامة في كتابي على خلفيتين: - خلفية معاينة تفشي ظاهرة «الانحراف البيداغوجي» المتمثل في شيوع نوع خاص من الممارسات الأكاديمية المشوهة، بحثا وتدخلا في الفضاء العام، والقائمة على التغني بمفاهيم «الحكامة الجيدة» و»الانتقال الديموقراطي و»التنمية المحلية التشاركية»». وقد طغى التهافت على تسويق هذه السلع (البائرة) في بعض «الحوانيت الأكاديمية» تزامنا مع بروز «نخبة» جديدة من «الحلايقية» و»الشناقة» والمهرولين المختصين في تسويق الشعارات الجاهزة ودعدعة المشاعر وترويج ثقافة الاحتشاد والخطابات التعبوية والتجييشية، عوض الانشغال بالعمل على تطوير المجتمع وجعله قادرا على مساءلة بنياته وتقبل نقده والعمل على تجاوز اختلالاته وتصديه لكل معاقل وبؤر الرداءة والتخلف والانحطاط. - خلفية استحضار التجاذبات والتفاعلات التي أفضت في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، تزامنا مع نهاية «الحرب الباردة»، إلى الانشغال بمسألة التنمية البشرية وجعلها من الأولويات على المستوى الدولي. وقد أشرت في هذا السياق إلى المتغيرات التي طرأت على هذا المستوى في ارتباط مع هدم جدار برلين وتداعياته السياسية والبشرية من حيث احتمال تدفق المهاجرين نحو الضفتين: الغربية، بالنسبة لسكان دول أوربا الشرقية، والشمالية، بالنسبة لسكان دول إفريقيا وأمريكا الجنوبية وجنوب-شرق آسيا. إذ لسد الطريق أمام هذا الاحتمال، توافقت الدول، التي كانت تعتبر نفسها مهددة بتوافد المهاجرين عليها بشكل لا يطاق، على ضرورة إيلاء الاهتمام لقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول المصدرة للهجرة، أي الدول التي كانت تنعت بشكل مؤدب بالدول «السائرة في طريق النمو». وقد استحضرت في هذا الإطار دلالة ورمزية تصريح الوزير الأول الفرنسي السابق «ميشال روكار» (Michel ROCARD) في دجنبر 1989 خلال البرنامج الشهير 7/7 الذي كانت تنشطه الصحافية «آن سان كلير» (Anne SANCLAIR) على القناة الأولى، إذ صرح السيد «روكار» وبشكل لا يقبل تعدد القراءات أن «فرنسا لم يعد بإمكانها بأي حال من الأحوال استقبال كل بؤس العالم». واستحضرت كذلك خطاب الرئيس الفرنسي الراحل «فرانسوا ميتران» (François MITTERAND) بمناسبة انعقاد الدورة السادسة عشرة للقاء القمة (فرنسا-افريقيا) في منتجع «لابول» ((La Baule سنة 1990، بحيث كانت نبرة خطاب الرئيس الفرنسي الراحل، من خلال «دعوته» الصريحة لقادة المستعمرات الفرنسية القديمة، لمراجعة أساليب الحكم والحكامة، صادمة لمن ألفوا دبلوماسية المجاملة والاستمالة والإحتواء. وهو نفس السياق الذي تمت فيه إعادة النظر في مؤشر التنمية على مستوى برنامج الأممالمتحدة للتنمية (Le PNUD). واستحضاري لفرنسا يمليه في هذا النطاق كونها تمثل المحيط الدولي المباشر للمغرب. وقد تطرقت في ما بعد وفي نفس السياق، للمعطى الدولي العام من خلال استحضار تداعيات مؤتمر القمة العالمي للتنمية المنعقد في كوبناكن سنة 1995 ومؤتمر الأممالمتحدة للالفية حول التنمية المنعقد سنة 2000 . في هذا الإطار طبعا، وليس في غير هذا الإطار، قلت «لا غرابة أن يظهر في هذا السياق (التاريخي) مصطلح الحكامة سنة 1989 للتعبير عن «التحول» العميق الذي طرأ على منظومة تمثل أسباب التعثر السائدة، من خلال التأكيد على أن مشكل التنمية في الدول التي تنعث، بشكل مؤدب، بالدول السائرة في طريق النمو هو مشكل حكامة، أي مشكل غياب منظور معقلن ورشيد في تدبير الموارد». السيد لخيار فهم من هذه الصيغة اللغوية والفكرية أنني قصدت تحديد تاريخ ميلاد مفهوم الحكامة في سنة 1989، بحيث عقب على هذه الفكرة بشكل ازدرائي مؤكدا ومنتشيا: «فالذي يهمني بالدرجة الأولى هنا هو تاريخ ظهور مصطلح الحكامة الذي حدده أستاذنا دون إحالة على أي جهة مختصة، في سنة 1989 (...)». ولأن هذا الأمي المزدوج لم يقرأ لا ابن خلدون ولا «هيجل» (Hegel)، فلا غرابة والحال هذه أن يعبر عن وضعه المعرفي الأسير منظومة فكرية يغذيها تمثل معطوب لمفهوم التاريخ يقوقعه (أي التاريخ) في دائرة الارتباط بالانجازات الهائلة، انجازات كذا وكذا وبناء كذا وكذا من طرف زيد أو عمرو سنة كذا. ومن ثم «أزبد» و»أرغد» وتهكم ودخل كعادته في مزايدات لا يضاهيها إلا قصوره المركب وأميته اللغوية المزدوجة (l?analphabétisme bilingue). والأمية حسب تصنيف العقلاء صنفان: صنف عادي أو بسيط ينطبق على حالة من لا يعرف القراءة والكتابة، ويقر بذلك عفويا. وصنف مركب أو معقد وينطبق على حالة من يعرف القراءة والكتابة ولكنها معرفة مشوهة، مبتورة ومبتذلة (vulgaire) لأن صاحبها يتعلق بالقشور ويجهل أنه جاهل. وهذا الصنف الثاني ينطبق بطبيعة الحال على السيد خبير الخردة. وهذه حجتي: إن فعل ظهر في الماضي، أي يظهر في الحاضر، في اللغة العربية يفيد تبين وبرز وغلب. وبالتالي، لا يرتبط فعل ظهر أصلا بالعامل الزمني. ودليلي في ذلك ما ورد في الآية القرآنية في قوله تعالى: «ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس»، وما ورد في آية قرآنية أخرى: «انهم إن يظهروا عليكم يرجموكم». ومن هذا المعنى يستمد اسم من أسماء الله الحسنى: «الله الظاهر»، وتستمد بعض الأسماء، مثل «الظاهر بأمر الله»، وتستمد مصطلحات مثل ظهور، ظهير، ظاهرة، وتستمد صيغ كثيرة من نوع: «الظاهر والباطن»، «ظهر الأمر واضحا للعيان»، «وأخيرا ظهر الحق»، «ظهر فلان على عدوه» ( أي قهره وغلبه)، «ظهر الرخاء في البلاد» (أي شاع وكثر وانتشر)، «ظهر السيد لخيار على حقيقته». فمن منا يا ترى لا يضبط استعمال المفاهيم أو»السرد « التاريخي» للمفاهيم». إيوا آش ظهر ليك السي الفهايمي؟ هذا من الناحية اللغوية، أما من الناحية الاصطلاحية فقد أوردت مفهوم الحكامة ليس في سياق حكامة المقاولة، أي في سياق تموقعها في الفضاء الخاص، ولكن في سياق ارتباطها بالفضاء العام، أي من منظور سياسي/إداري/تدبيري عمومي، يتمثل الخطاب التنموي في أبعاده الاجتماعية بالمعنى الشامل. ومن ثم اندرج تناولي لمفهوم الحكامة في نطاق التعبير عن بروز ديناميكية جديدة مختزلة في «التحول» الذي طرأ على منظومة تمثل أسباب التعثر السائدة في الدول التي تنعت بالدول السائرة في طريق النمو»، على أمل أن تتحول إلى «دول سائرة في طريق التنمية» . هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم يكن هدفي هو تقييم التحول من منظور كمي حتى أنشغل بتحديد المؤشرات التي ينبغي استحضارها للتعبير عن هذا التحول. وحجتي في هذا كذلك أنني وضعت مصطلح «التحول» بين مزدوجتين كدليل عن ضرورة استحضار البعد الكيفي في فهم دلالة لفظة «تحول». أما على مستوى الدلالة «السيميائية»، فالتحول يفيد اعتبار أن التنمية الاقتصادية مرتبطة بمستوى التنمية البشرية، وليس العكس، من جهة، و بمستوى الدمقرطة السياسية من جهة ثانية. وتأسيسا عليه، تمت إعادة النظر في مدى صلابة مبرر الفصل بين ما هو اقتصادي وما هو اجتماعي، من خلال الإقرار بان النمو الاقتصادي (La croissance)، من حيث كونه مؤشرا كميا (Quantitatif)، ينعكس إيجابا على مستوى التنمية البشرية، على أساس اعتبارها مؤشرا كميا وكيفيا (Qualitatif)، وتحسن مستوى التنمية البشرية يجعل من الأفراد فاعلين على مستوى الإنتاج، ومن ثم تؤدي التنمية البشرية إلى تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية. وهذا التحول في التمثلات هو الذي أفضى إلى شيوع استعمال مفهوم الحكامة في تقارير البنك الدولي والمؤسسات الدولية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي من جهة، ومن جهة ثانية إلى تبني مؤشر جديدة للتنمية سنة 1990 يزاوج بين البعد الكمي المتمثل في مستوى الناتج المحلي الخام (P.I.B) والبعد الكيفي المتمثل في مستوى التمدرس و مستوى الخدمات الصحية. وفي المغرب تجلى «التحول» أيضا على مستوى تمثل التنمية من خلال القطيعة مع اعتقاد سائد كان يختزل التنمية في تنمية «قوى الإنتاج». (EL MALKI (H), Trente ans d?économie marocaine (1960-1990) Paris, Ed.CNRS, 1989, p.189) . ووفق هذه المتغيرات العامة كان الوضع الاجتماعي في المغرب يبدو، من منظور التوجه الجديد ل»لنظام العالمي»، مهددا بوقوع «السكتة القلبية». وبالتالي شكل الانشغال و/أو التعبير على الانشغال بالجوانب البشرية/الاجتماعية ركيزة لتفادي احتمال انفجار الأوضاع، ومن ثم الاخذ بعين الحسبان التدبير الاستباقي لكل ما من شأنه التهديد بالإتيان على اليابس والأخضر. وفي هذا السياق العام، عملت الدولة في المغرب على بلورة سياستها في مجال التنمية الإجتماعية من جهة، ومن جهة أخرى على تشجيع المبادرات الاجتماعية الخاصة، من خلال التحسيس و الدعم لثقافة ومشاريع الاقتصاد الاجتماعي، وتحديدا في اتجاه إحداث ودعم الجمعيات التنموية والتعاونيات الإنتاجية، الخ. إذا ترتيبا على ما سبق، لم يتجاوز استحضاري لمفهوم الحكامة دائرة التأكيد على مطلب إعادة النظر في أساليب تدبير الشأن العام الإقتصادي/الإجتماعي. السيد لخيار سعى إلى استعمال وتوظيف اللغة ضدي في هذه المنازلة المتشعبة الأبعاد، عن طريق اللغو واللف والدوران والإبهام والغموض والضبابية والتوهم، وليس من باب استعمال اللغة طبعا كسجل وفن وكفايات ومهارات، تعكس نقاوة الفكر وصفاء الذهن وأريحية التوازن ورزانة النقاش، ولا كسلطة معرفية تعكس التميز وتجسد نخوة الارتقاء والتفوق. وهل ياترى يعطي الشيء فاقده ! في نهاية المقال، كتب السيد لخيار على سبيل ما اعتبره استخلاصا ولعله كان يقصد بشكل لاواعي بحثه عن الخلاص، أي خروجه من هذه الورطة التي وضع نفسه فيها: «في الحقيقة ليست لدي أي خلاصة أخرج بها من هذه الكلمات التي كتبتها بسرعة، والتي كنت أريد أن أكتبها على شكل مقال صحفي، للرد على ادعاءات الاستاذ حول أساتذة مشهود لهم بالحركية والبحث العلمي الجاد (...) وبذلك قررت أن أحصرها في هذا الجزء اليسير نظرا لضيق الوقت والحيز المخصص لذلك». السيد لخيار يبدو، من منظور علم النفس، مرتبكا، حائرا، مترددا، منفعلا، دائخا، شاردا، مهزوزا وتائها بين متطلبات النقد العلمي والميل إلى الاعتماد على الرقية والتعاويذ والشعودة، بعد أن فتح عليه أبواب النزول إلى الجحيم. فتارة يهاجم من باب الإدعاء المرضي أنه «المتخصص» وأنه «الخبير»، وتارة يردد أن «هذا التخصص (يقصد به أحيانا «الاقتصاد الإجتماعي» وفي أحايين أخرى «الاقتصاد القياسي») ليس في متناول الجميع حتى المتخصصين فيه». هذا من جهة، ومن جهة أخرى، نتساءل عمن يا ترى فرض عليه «الكتابة بسرعة»، ومن «ضيق عليه الوقت»، ومن حدد له «حيزا مخصصا» لنفث سمه. أليست هذه أعراض «السكيزوفرينيا»، أي مرض الفصام والشخبطة واللخبطة...ذلك المرض الخبيث !. كان السيد «الخبير» قد دعاني في المقال السابق إلى إعادة قراءة مقالاته وتصريحاته التي يتوهم أنها تتضمن شهادات وحجج الإثبات على «حسن سيرته»، أي ما يفيد التزامه بالانضباط للحس النقدي في التحليل والتفكيك والتشخيص المميز لأسلوب الأستاذ الباحث (le chercheur). لكن يؤسفني أن أؤكد له أنه فعلا إنسان مسكون بهوس الشخص «الباحث» (le cherchant) عن المنافع الشخصية الضيقة. إنه كالحرباء، متغير لون جلدها، ينتقل من حال إلى حال حسب ميل اتجاه «الرياح». انتقل من التغني بالبرنامج الاقتصادي «العصري» و»النموذجي» «القائم على النظريات الاقتصادية جدا» لحزب العدالة والتنمية، أيام «الود» والصفاء»، و»نشيد» كلك على بعضك حلو»، إلى «المعارض الشرس» بعد طرده من صفوف نفس الحزب بسبب محاولته ممارسة العنتريات وعدم ضبط عوارض مرض الإستعلاء. ومن ثم قفز، من الترويج، في غمرة «التفاؤل» و»الابتهاج» بقرب أجل تحقق حلم دخول «القبة»، بعد أن تمكن بفضل «حزب العدالة والتنمية» من دخول «قبة» قصر بلدية سطات، من الدفاع عن فكرة أن ضخ ما قدره 50 مليار درهم في الدورة الاقتصادية من خلال إعادة توزيع أموال الزكاة وإدارة الوقف سيؤدي إلى تحقيق 1000 مليار درهم كموارد إضافية، بفضل تأثير «المضاعف» (le multiplicateur)، إلى المشكك في مؤهلات وزراء حزب التنمية والعدالة والى الداعي، مع مزيج من العجرفة والشعبوية الزائدة، إلى ضرورة إعطاء «حكومة بن كيران» «الكلمة للمواطنين دون تجاهل دور المختصين»، والى الاستفادة من التجارب الدولية في مجال «التنمية التشاركية». فأين غابت يا ترى المرجعية الإسلامية في هذا المقام؟ وما رأي الإمام الحلبي في من يستحضر التجارب الدولية في أمور المسلمين؟ وبالتالي، لن أستغرب شخصيا إذا ما غير السيد لخيار قبلته السياسية، عملا بمقولة «الراس اللي ما يدور كدية»، والتحق بالتالي بحزب سياسي جديد. ولن استغرب كذلك وخصوصا، وهذا بيت القصيد، إذا ما غير المعطف، أي «قلب الفيستة» من جديد، في حالة إذا لم تتم الاستجابة إلى هوس وضع ترشيحه على رأس قائمة حزبه الجديد بمناسبة أول انتخابات مقبلة. والانتخابات المحلية القادمة ستثبت في نظري هذه التوقعات. أستاذ باحث بكلية الحقوق، سطات