رؤساء جماعات جاؤوا من يافطة التعاونيات الفلاحية، ونواب برلمانيون شكلوا أعيانا لأحزاب عززت بهم وجودها في البرلمان، وعدد منهم شكل خزانا انتخابيا، بعضهم متهم باختلاسات، منها ما يوجد عند القضاء، ومنهم من تم اعتقاله، وفي الصورة تاريخ من تدبير سيء للقطاع التعاوني الفلاحي، كانت فيه رائحة اقتصاد الريع، وتواطؤ نهب المال، وسياسة تمويه خدمة العالم القروي لامتصاص الامتيازات الضريبية قوية. هم أغنياء يعرفهم الفلاحون، لكن مسارات البحث عن أدلة إدانتهم تصطدم بتاريخ من التحايل على القانون، لكن النتيجة الواضحة فيه هي: إفلاس عدد كبير من التعاونيات الفلاحية وتشريد آلاف العمال وإهدار فكرة ثمينة في تنمية قطاع يبكي ويفرح المغاربة، هو الفلاحة الحاضنة لسر ابتسامة الجزء الأعظم من المغاربة. ملايير ضاعت وآلاف العمال في محن متعددة وعدد كبير من التعاونيات الفلاحية في حالة إفلاس. هذا هو الوضع الذي يعيشه قطاع التعاونيات الفلاحية بالمغرب، بعد سنوات من التألق، اختلطت فيها سهرات الشيخات بتدبير رؤساء لا يفقهون في محاضر الاجتماعات، وبينهما كانت لعبة السلطات المحلية، التي جعلت من التعاونيات مصدرا لحل المشاكل الطارئة، دونما تخطيط لتطوير التعاونيات، إلى حد دفعها لأوضاع كارثية. هي جملة من الحقائق التي تكشفت بعد وصول مجموعة من التعاونيات إلى حالة الإفلاس، ولم يكن ممكنا معرفة أسرار هذه العلب، لأنها كانت جزء من لعبة الأعيان والسلطة، وحين راسلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بخريبكة في شأن طلب فتح تحقيق عاجل في اتهامات باختلاس مبلغ (3) ملايير سنتيم من مالية التعاونية المغربية الفلاحية بوادي زم وإفلاسها، بدا أن مسلسل انهيار العمل التعاوني في مجال الفلاحة لن يتوقف، فسواء في وجدةالقنيطرةسيدي سليمانمراكش، كانت التعاونيات في مختلف المنتوجات الفلاحية تعيش أوضاعا متأزمة، تنتهي في ردهات المحاكم. التعاونية الفلاحية المغربية لوادي زم التي أصبحت تُشارف على الإفلاس، كانت المعطيات الأولية تشير إلى ما سمي ب «سوء التسيير والتلاعب بمصيرها وبمصير عمالها ومستخدميها وبمساهمتها في الاقتصاد المحلي لمدن وادي زم، خريبكة وأبي الجعد والمراكز الموجودة بدوائرهم». هذا التوصيف للأزمة التابعة الذي مس التعاونية المختصة بتخزين وتسويق الحبوب وبعض المواد الفلاحية، والتي كانت معنية أساسا باقتناء محاصيل الفلاحين الصغار وبتمكينهم من تسويقها بعيدا عن المضاربات، يعكس جزء من تاريخ تهاوى بفعل تراكم المشاكل وغياب إرادة لإيجاد حلول بديلة تنقذ مصير هذه التعاونيات. كانت هذه التعاونية معنية بوضع الحبوب رهن إشارة المكتب الوطني للحبوب والقطاني لتموين المطاحن المُنتجَة للدقيق المُدعَّم. وبالسهر على توازن سوق الحبوب بضمان استقرار السعر المرجعي الذي تحدده الدولة للحبوب… فضلا عن تأطير الفلاحين المنضوين تحت لواء هذه التعاونية التي تم إحداثها منذ عهد الاستعمار (سنة 1937) وفاق عدد أعضائها 1300 منخرط وكانت تضم فلاحي أقاليم خريبكة وبني ملال وأزيلال والفقيه بن صالح. هذه المهام التي كانت موكلة لهذه التعاونية، تحمل في طياتها جزء من تفسير الأزمة، سواء على مستوى الاختصاصات التي أوكلت إليها لسنوات طوال، حيث ارتبط جزء من عملها بالدقيق المدعم، وبالمطاحن التي انتشرت في فترات تاريخية منذ عهد الاستعمار، وكان جزء من عائداتها يرتبط بالدعم الخاص بالتخزين، الذي يتم التحكم فيه بعد ذلك للتحكم في سعر السوق، وربطه بالدعم الذي تقدمه الدولة لضمان تدفق الحبوب، كجزء من الأمن الغذائي الذي ظل يحرص عليه المغرب. الذين احتجوا على ما وصلت إليه التعاونية اعتبروا أن «مؤامرة نهب وتخريب التعاونية قد شارفت على نهايتها بتسريح عمالها ومستخدميها الذين دخلوا في اعتصام مفتوح أمامها منذ 16 يونيو 2011 بادئ الأمر، بعد سلسلة من الاحتجاجات والاجتماعات، للمطالبة بتأدية أجورهم الشهرية وتسوية مستحقات انخراطاتهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق المهني المغربي للتقاعد ومستحقات التأمين والتغطية الصحية» فسروا جزء مما جرى في عنق الزجاجة. المسؤولون عن الجمعية اعتبروا أن الاتهامات الواردة في التصريحات الصحفية، أو في الشكايات، تفتقر للدقة في اتهام المسؤولين بالاختلاس، فالوضع الذي آلت إليه الجمعية، ناجم بالأساس من تاريخ التدبير، ففي الوقت الذي كانت فيه التعاونية تعيش حالة من التوازن بفعل استفادتها من تعويضات الدولة، كانت المهام التي توكل إليها من قبل السلطة المحلية، لحل العديد من المشاكل، ترهقها ماليا، كما تاريخا من عدم مراجعة أوضاع التعاونية، ساهم في تضخم المشاكل. واعتبر المسؤولون أن التدقيقات التي قامت بها، مكاتب دراسات موثوق بها يؤكد أن ما تعاني منه التعاونية اليوم، لا يتعلق باختلاسات، وإنما بعيوب في التدبير التي ظلت لصيقة بالتعاونية لعدم تدخل الجهات المعنية، بهيكلتها. التدقيق في مسار هذه التعاونيات، يؤكد أن القائمين عليها، مروا من مراحل متباينة، ففي المرحلة الأولى كانت التعاونيات، سخية في تأمين أوضاع مريحة للعمال، والذين تؤكد كشوفات التوظيف أن جزء منهم يرتبط إما بالقرابة من المسؤولين والمتحكمين في التعاونية، وإما بجبر خواطر مسؤولين تعاقبوا على تدبير الشأن المحلي، وحينها لم تكن السيولة المالية عائقا. يحكي أحد العمال الذين عاصروا هذه الحقب، أن «الخير منين كان موجود، ما كان حساب»، وهي جملة مفتاح تؤكد أن تدبير تاريخ التعاونية، لم يكن يحسن توقع المستقبل، بل إن المسؤولين عن التعاونية، أغلبهم لا يتوفر على كفاءة اختيار هذا التدبير، ناهيك عن كون المسؤولين بالسلطة المحلية، ظلوا متحكمين في وضع الفريق المسير الذي لا يعرقل طباع التدبير المستنزف للتعاونيات. ولأن تسريح العاملين بالتعاونية سيُمكن من بلوغ أهداف المسؤولين عن إفلاسها والمتمثلة أساسا، خلال المرحلة الحالية، في تصفية رصيدها فإن « إعدام» التعاونية الفلاحية المغربية لوادي زم بشكل نهائي وبيع عقاراتها سيصبح أكثر سهولة لتكتمل بذلك فصول المؤامرة التي حيكت ضدها منذ مدة. حليب التعاونيات الذي جففته المضاربة التعاونيات المختصة في جمع وتسويق الحليب، كانت إلى وقت قريب نموذجا لنجاح العمل التعاوني، في كثير من الجهات التي كانت تغذي السوق المغربية بهذه المادة، مكنت الفلاحين من تحويل إنتاجهم العشوائي إلى عملية منظمة، استفادوا في بدايتها من جني أرباح مهمة، كما أن المنخرطين استفادوا من فترة ذهبية في التدبير، لم يكن الفساد قد دخلها، كما لم تكن التعاونيات قد دخلت عاصفة تحرير السوق. بإقليم ابن سليمان المئات من المنخرطين بها اشتكوا من غياب مراقبة قطاعهم من طرف الجهات المعنية بحماية وتقنين عملهم. وجاء في رسالة اتحاد التعاونيات، الذي يضم 13 تعاونية، أن التعاونيات أصبحت تعيش حالة انتكاس في نشاطها الفلاحي، وأن عملية جمع وتسويق الحليب عرفت تراجعا ملموسا في رقم المعاملات، فاق 60 في المائة، الشيء الذي انعكس سلبا على السير العادي لهذه التعاونيات ويهدد بإفلاسها وإغلاقها، وتشريد مئات الأسر العاملة بها. هذا التشكي الذي عبر عنه مسؤولو التعاونيات، يبرز جزء من أزمة التعاونيات الفلاحية، فالأصل في تكوين هذه التعاونيات، كان سياسيا، أي أنه كان قرارا في قطاع اقتصادي مهم، يستحضر طبيعة النشاط الفلاحي بالمغرب، الذي ظل يحظى برعاية الدولة، لأنه يمكن من توفير رهانين. الأول يتعلق بمجال الغذاء، حيث يوفر أمنا في الانتاج والتوزيع للسوق، والثاني ينظم نشاط قطاع وإن كانت نسبة مساهمته في الاقتصاد الوطني تتحدد في 20 في المائة، فإن مساهمته في تشغيل اليد العاملة تصل إلى 50 في المائة. لهذه الاعتبارات ظل هذا القطاع مراقبا من قبل الدولة، ففي عز الأزمات التي عاشها المغرب، خصوصا في حالة الجفاف، تدخلت الدولة لمؤازرة الفلاحين سواء في الديون أو في الدعم، ناهيك عن وجود آليات تمويل للأزمات التي يتضرر فيها القطاع الفلاحي، سواء في حال النكبة بإقليم ما، أو في حال حدوث الفواجع، وقبل كل هذا وذاك، هناك مبدأ التتبع الذي يهدف إلى تطوير الأنشطة المرتبطة به، باعتباره جزء أساسيا للتنمية. وحين يصرح رئيس اتحاد التعاونيات المذكورة، أن الأزمة التي تعيشها تعاونيات الحليب ترجع إلى ما وصفه ب«عشوائية» الاستثمار في الحليب من طرف جهات غير مرخصة، وتعاونيات ذات أهداف فلاحية لا علاقة لها بجمع وتسويق الحليب بسبب صمت الجهات المعنية، فهو يضع اليد على جزء من فساد هذه الرعاية، لأن ظهور تكتلات اقتصادية قوية تستثمر في نفس المادة، رافقه دخول مستثمرين من نوع خاص، عيونهم على كل ريع أو مساعدة من الدولة لتحويلها إلى جيوبهم. النموذج الذي يقدمه نفس المسؤول يتعلق بإحدى التعاوينات المختصة في تحسين النسل، والتي سال لعاب مسؤوليها لعسل الحليب، ولهذا اعتبر المسؤول عن التعاونيات أن هذه التعاونية «تحظى باهتمام مسؤولي العمالة لأنها تضم في عضويتها أكبر الكسابة بالإقليم ضمنهم برلمانيون، في الوقت الذي حرمت فيه باقي التعاونيات الفلاحية التابعة لتراب جماعة الزيايدة من الاستفادة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ومن التأطير في المجال الفلاحي». ولتشخيص مسارات حفر قبر التعاونيات، يلخص نفس المسؤول هذه المنعرجات، في أن تلك التعاونية المعنية، استفادت في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية من شاحنات لجمع وتسويق الحليب، واستحوذت على بعض مقرات تعاونيات الإصلاح الزراعي، وغيرتها وجعلتها مراكز لجمع الحليب، بل أصبحت تعمل داخل نفوذ باقي التعاونيات (المغلوبة على أمرها)، وتضايق أعضاءها. ملف تعاونية سهب العسل التي تعرضت للإهمال الذي جعلها في ضيق مالي حرج، وتسبب في تأزيم أزيد من 400 مستفيد منها، يطرح على الجهات المعنية بمجهودات بث الروح في بعض التعاونيات، فتح تحقيق شفاف، لأن ما يجري على صعيد مبادرة التنمية البشرية، التي توجهت بالأساس لجزر الهشاشة، ومنها العالم القروي، يحتاج لتوضيح في آخر تقليعات التلاعب، التي أدخلت التعاونيات في نفق يصعب الخروج منه. هذا الكلام يعتبره المسؤولون غير دقيق، لأن إحداث الجمعيات، جاء في سياق بحث البلاد عن تفعيل مضامين الخطة الوطنية للتنمية البشرية، ولأن البرنامج الأفقي، يذهب نحو الهشاشة، فطبيعة الإقليم تفرض التعامل مع جمعيات تهدف إلى خدمة المجتمع، انطلاقا من مناطق متضررة. تعاونية الحليب الجيد بمراكش، قدمت نموذجا للفساد الذي عاشته تعاونيات الحليب بمختلف المدن، الغليان الذي عاشته هذه التعاونية، والذي تداخل فيه الجانب التدبيري، بحسابات سياسية، انتهى إلى اعتقالات واحتجاجات واعتصامات، ودائما كان احتجاج العمال الذين يعتبرون المتضرر الأول من وصول هذه التعاونيات إلى حالة الإفلاس، النقطة التي تخرج مآل هذه التعاونيات إلى العلن، وخلفها يبدأ تاريخ التدبير السيء في الظهور. أطراف عدة تكون مسؤولة عن الإفلاس، والنقابيون بمراكش يقولون إن إفلاس التعاونية، تدخلت فيه أطراف عدة كانت سببا مباشرا في الوضع الكارثي للتعاونية، حيث اغتنوا على حساب هذه التعاونيات. بل إن مجموعة من الفلاحين المنخرطين ومستخدمي التعاونية الفلاحية للحليب الجيد بمراكش هددوا بالتوجه إلى الرباط «للقيام بوقفة إحتجاجية امام مقر وزارة الداخلية، ووزارة الفلاحة بعد معناتهم مع إدارة المؤسسة التي لم تدفع لهم مستحقاتهم المالية منذ مدة طويلة، بسبب الأزمة التي تمر بها المؤسسة المهددة بالإفلاس، وطالبوا بمحاسبة «كل من قام بالتلاعب بأموال التعاونية والمتدخلين الذين أوصلوا التعاونية إلى الحالة المزرية التي توجد عليها. المتهمون وثقلهم السياسي، جعل معركة هذه التعاونية تكشف جزء من تدخل السياسي في مسار التعاونيات، حيث إما البحث عن مظلة للحماية، أو توظيف النافذين في هذه التعاونيات لتحقيق كسب انتخابي، دون تقدير عواقب انكشاف لعبتهم. هذا الملف نفسه يعرف اختلافا في وجهة النظر، حيث يصر المسؤولون عن هذه التعاونية أنهم أبرياء من التهم الموجهة إليهم، ويتهمون أطرافا بتسييس الملف، وحشرهم في زاوية ضيقة حتى لا يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم. رفع الوصاية يعري قيدومة تعاونية جمع الأعلاف بالمغرب إنها التعاونية الفلاحية الفضيلة (لاسكام) التي أنشئت سنة 1938، والتي يعتبرها منتسبوها من أقدم التعاونيات الفلاحية بالمغرب في تخزين الحبوب والأعلاف وتوزيعها على الفلاحين والكسابين بجهة الرباطسلا زمور زعير، والتي كانت تدارتحت وصاية وزارة الفلاحة. التعاونية عاشت مراحل متباينة في التدبير، يتم تكييفها بطرق مختلفة حسب كل طرف من أطراف الصراع داخل التعاونية وخارجها.. بالنسبة للبعض كان تدبير التعاونية وتسييرها يتم في وضوح وشفافية تامة، إذ كانت تسير من طرف لجنة اليقظة برئاسة السلطة المحلية في شخص عامل إقليمالخميسات والمدير الإقليمي للفلاحة والعديد من الشخصيات التي كانت تسير وتراقب سيرها منذ 1975 حتى حدود سنة 1995، التي تم فيها انتخاب مجلس إداري أوكلت له مهام السهر على تسييرها. وبحسب نفس الرأي بدأت التعاونية تعرف تراجعا ملموسا وغير مسبوق، بعد هذا التغيير في التدبير، خصوصا بين 1995 و2004، حيث أصبحت «العشوائية» و«الارتجال» عنواني تسيير وتدبير التعاونية، إذ تم رهن ممتلكاتها لدى الأبناك، مما أدى إلى إضعاف السيولة وتراكم الديون وعدم تسديد المتعاونين ما بذمتهم من مستحقات توزيع كميات مهمة من الحبوب والأعلاف من نونبر 2000 حتى دجنبر 2003. نفس الرأي يعتبر أن طبيعة التركيبة للمجلس جعلت المسؤولين عن التدبير يستغلون أمية بعض الأعضاء وقلة خبرة آخرين في ميدان تسيير تعاونية من هذا الحجم، يضاف إليها تخلي الوزارة عن متابعة سير التعاونية، مما أوصلها لحالة إفلاس بلغت درجة حرمان العاملين بها من أجورهم لأكثر من 15 شهرا. الوضعية المالية الصعبة والحرجة التي تعيشها التعاونية بسبب عدم استرداد القروض الممنوحة للمستفيدين، صعبت مهمة إدارة التعاونية مع كل الأطراف المعنية خاصة الاتحاد الوطني للتعاونيات الفلاحية المغربية، مما جعل وضعية الأزمة تستمر، وبالرغم من قيام المجلس الإداري بدفع جميع الشيكات التي تحوي مبالغ مالية هامة تقارب المليار وثمانمائة مليون سنتيم للعدالة، فمازال أصحاب الشيكات يمتنعون عن الدفع، مما طرح أسئلة لدى النقابيين، وصرحوا علانية «حول مدى جدية إدارة التعاونية في مسألة دفع الشيكات للقضاء أو مدى تستر القضاء عن أصحاب الشيكات الذين لا تزال مبالغ مالية هامة في ذمتهم لفائدة التعاونية».. التعاونية توقفت عن العمل ما يقارب عشر سنوات رغم الوعود الكثيرة التي تلقاها عمالها ومستخدموها الذين أبدوا استغرابهم الكبير من عدم تدخل الدولة لتمويلها وإعادة الأمور إلى نصابها، كما أنها لم تعقد جموعها العامة السنوية لتدارس التقارير المالية والأدبية منذ سنة 2001. الوضع الملتبس الذي تعيشه التعاونية يقول مسؤول جهوي للفلاحة، هو الذي عقد مشكل الحل، لأنه لا يمكن لوزارة الفلاحة أن تتدخل في قضايا داخلية للتدبير، كما أن بعض الملفات ليست بالصورة التي يقدمها مسؤولو الجمعية. الكلفة الباهظة لابتلاع القطاع الخاص لهوامش تدخل المركز تبدو استراتجية العمل التعاوني في القطاع الفلاحي، ذات جدوى اجتماعي مهم بمناطق الشرق المغربي، فالفلاحة بهذه المناطق تشكل أساس التمركز السكاني بمجموعة من المداشر والقرى، وهي فلاحة تقليدية بالأساس، باستثناء، مراكز بحوض ملوية خصوصا بمدينة بركان، وبالتالي كان تدخل الدولة ضروريا لمنح جرعات قوية لهذا القطاع. « التعاونية الفلاحية المغربية الشرقية للحبوب تظهر هذا المعطى، حيث كان دورها لسنوات في تحريك نشاط اقتصادي مهم بالمنطقة، غاية في الأهمية، من حيث تغذية السوق بالحبوب والدقيق، ومن حيث تدخلات التعاونية في العديد من المناسبات لضمان التوازن في السوق، وبتدخل من الدولة وبدعم منها وضمان تسويق المنتوجات الزراعية إضافة إلى خلق العديد من مناصب الشغل وتشغيل المئات من العمال المباشرين وغير المباشرين. التعاونية الفلاحية المغربية الشرقية للحبوب تعد من أكبر التعاونيات بالمغرب والوحيدة بالجهة الشرقية والمخزن الوحيد للحبوب، وتشغل حوالي 46 عاملا وتضم 4000 منخرطا فيما يستفيد منها 32 ألف فلاح وتتوفر على 17 فرعا بالجهة الشرقية التي تضم مليونين من رؤوس الماشية و5 ملايين هكتار من الأراضي الفلاحية والرعوية، مع الإشارة إلى أنها اقتنت خلال الثمان سنوات الأخيرة 400 ألف قنطار من الحبوب. «تناسلت مشاكل إنقاذ التعاونية الفلاحية المغربية الشرقية للحبوب بعد منح قروض ما بين 2000 و2004 لخواص تجاوزت 3 ملايير سنتيم لم يكن من حقّهم الاستفادة منها، حيث منحت بدون علم المجلس الإداري وبدون ضمانات، مع العلم أن العديد من ملفات هؤلاء المستفيدين في القضية بيد القضاء ومنهم من يقضي عقوبات سجنية بسببها» يقول رئيس التعاونية. النتيجة الطبيعية لهذه الوضعية تعكس أحد أسباب فشل التعاونيات بالمغرب، وتظهر التباسا وضبابية في إرادة الدولة لحماية أحد أذرع التنمية البشرية التي انطلقت منذ زمان، فالمسؤولون يعتبرون أن الدولة تخلت عن دعم التعاونيات لفائدة القطاع الخاص، مع العلم أن دورها يتمثل في العمل الخدماتي دون التفكير في الربح، الأمر الذي وضعها في مواقف صعبة نظرا لإكراهات عديدة. وبحكم وجود هذه التعاونية بمنطقة حساسة، على الحدود الجزائرية، كان من الواجب توفير مصاحبة ومراقبة لكن واقع الحال يقول إن التعاونية الموجودة بمنطقة حدودية،عاشت العديد من المشاكل ووجدت نفسها في وضعية صعبة وميزانية ثقيلة لتسيير المستخدمين، إضافة إلى ديون تقدر بملايير السنتيمات ومنافسة شرسة غير شريفة ولا مراقبة من طرف الخواص كاستعمال البنزين المهرب والعجلات المهربة. رئيس التعاونية الذي يدفع باتجاه تفسير الأزمة من خارج إطار التدبير، يعتبر أن التعاونية كانت تعاني من ثلاثة مشاكل عويصة، تتمثل في تحرير السوق والمنافسة والديون. الرئيس يقول إنه في ظل هذه الظروف الصعبة… ورغم ما قام به مكتب التعاونية من إجراءات ومجهودات ودقّ كلّ الأبواب والاستعداد للقيام بجميع ما يمكن القيام به منذ توليه مسؤولية التسيير، عجزت التعاونية عن مواجهة مشاكلها وتسديد الديون المترتبة عليها للقرض الفلاحي، الذي قام بالحجز على حسابها (12 مليون درهم) والعقار الرئيسي المتمثل في مقرها بوجدة والذي ظل مودعا كرهن لديه والذي يطالب ب75 مليون درهم. استغاثة مثل هذه التعاونية، تبدو مبررة، لأن الطريقة التي تم بها إنشاء مجموعة من التعاونيات، لم تراع شروط حياة ممتدة لها، فالتسرع قاد مجموعة منها إلى حالة من اليتم، لأن المصاحبة الطويلة لها، لم تكن في نبتة إنشائها، وكلما شعرت الدولة بأن هذه التعاونيات لم تحقق نموا يوصلها إلى رشد مالي، لا تتساءل عن الأسباب، بل يكون القرار جاهزا في التنصل من العلاج المكلف. الداء والدواء للقطاع التعاوني بالمغرب ما الذي جرى للعمل التعاوني بالمغرب؟ ما السبب في هذه الانهيارات المتتالية؟. وهل توجد بدائل لهذا التقهقر لمنح القطاع الفلاحي ما يؤهله لمرحلة منافسة قوية؟. الاستقراء العام للتعاونيات بالمغرب يوضح أن جل التعاونيات التي اندثرت بسرعة، هي تعاونيات ارتبطت بنشأة غير سليمة، ويقدم مختصون نماذج عنها في تعاونيات الإصلاح الزراعي، والتي استفادت بالأساس من الأراضي التي تم توزيعها في إطار قانون الإصلاح الزراعي، سواء في بداية الاستقلال أوبعده. هذه التعاونيات وبحكم ظروف نشأتها، كان هم الأعضاء فيها الاستفادة من مجموعة من الأراضي الخصبة التي تم توزيعها، خصوصا في المناطق الضاحوية للمدن الكبرى، وستعرف هذه التعاونيات مجموعة من المشاكل، أدت إلى احتجاجات واعتصامات، خصوصا على طريقة التوزيع، التي استفاد منها مجموعة النافذين في الإدارة. كما أن طريقة تشكيل هذه التعاونيات، التي يرأس مجلسها الإداري محاسب الحكومة متمثلا في المدير الإقليمي للفلاحة، إلى جانب مسؤولين آخرين، كانت عائقا في تناسل المشاكل، وتتجلى مشاكل هذه التعاونيات في غياب الاستقلالية في القرار، وهو المعطى الذي رسمته الحكومات التي أشرفت على العملية. وحسب مختصين فإن الظروف السياسية التي رافقت إنشاء هذه التعاونيات، كانت تحمل معها أسباب فشلها، لأن الهم الأساسي كان في العمق التحكم في توزيع الأراضي، عوضا عن الطموح القطاعي، ورغبة تطوير الإنتاج الفلاحي عبر بوابة هذه التعاونيات. ستتعمق مشكلة هذه التعاونيات مع تسريب أخبار عن تحرير الأراضي الذي أشرف عليه وزير الفلاحة آنذاك امحند العنصر، حيث تسبب التلاعب في المعلومة، في هيجان لأصحاب المال للاستحواذ على هذه الأراضي، من خلال تقنيات عقود الوعد بالبيع، التي مكنت مجموعة من الأسماء الكبيرة من شراء أراض ذات قيمة مالية عالية بأبخس الأثمان. النوع الثاني من التعاونيات التي حملت فشلها في تأسيسها، هي التعاونيات التي أشرف عليها رجال السلطة بمجموع الأقاليم، والتي كان قرار الإدارة في إنشائها حاسما، حيث تداخل البعد السياسي بالتدبيري في تحديد شروط الولادة، فالعين كانت تتجه للإمكانات المهمة التي ستوفرها الدولة لهذه التعاونيات، سواء على مستوى الامتيازات الضريبية، أو امتيازات التسيير والتسويق. نجاحات هذا النوع من التعاونيات كانت محدودة، وذلك في غياب رؤية واضحة لسبب وجودها، وعدم وجود فلاحين حقيقيين بها، يكون همهم الأساسي هو تمكين هذه التعاونيات من استراتيجيات التطوير، بل تحول جزء منها إلى توظيف لا علاقة له بالاستثمار الفلاحي، وشكلت خزانا انتخابيا للأعيان، وخزانا للسلطة. الدولة التي أشرفت على جزء كبير من هذا التاريخ، ستجد نفسها في مواجهة أوضاع لم تتحكم فيها كثيرا، فالحسابات الشخصية والمحلية والفئوية، كشفت أن تصرفات عدد من المسؤولين عن التعاونيات أدت إلى إفلاسها، وجزء كبير منها وجد نفسه ضحية قروض بنكية ضخمة تعدم وجودها، وبدأ مشكل المستخدمين يخلق قلقا للسلطة المركزية والمحلية. ولأن قطار الفلاحة لا يمكن أن يتوقف بالمغرب، فإن الدولة من خلال المخطط الأخضر، استلهمت تجارب تعاونيات فلاحية أثبتت فهما كبيرا للعمل التعاوني، وعمدت في بنود المخطط الأخضر إلى الدعامة الثانية لبلورة خطة تقضي بإدماج 145 مشروعا، سيكون نواة للجواب على فشل القطاع التعاوني بشكله القديم، وعمق الاستراتيجية الجديدة هو تحديث التسيير، وتمكين التعاونيات من استقلالية عن تدخل السلطة، وسد فجوات القانون الذي سمح للفساد وبدائية التدبير في إغراق جل تعاونيات المغرب في أزمة عميقة. فهل ستنجح الوصفة؟. عبد الكبير اخشيشن باعلي الصغير: «توظيف العمل التعاوني كان يحمل بدرة الفشل» (*)مهندس فلاحي وعضو المكتب الوطني للنقابة الديمقراطية للفلاحة هل يمكن الحديث عن فشل التعاونيات الفلاحية بالمغرب؟. يمكن الجزم بأن عددا كبيرا من التعاونيات الفلاحية بالمغرب وصلت فعلا إلى حالة فشل ذريع، وفي نفس الوقت يمكن الحديث عن نماذج متميزة تؤكد أن العمل التعاوني في القطاع الفلاحي، مازال ضرورة. وهذا التقسيم يحيلنا إلى الأسباب التي كانت وراء هذا الفشل. السبب الرئيسي في فشل جزء كبير من التعاونيات، هو شروط وجودها، فهي جمعيات لم يكن الهدف منها توفير شروط تنمية قطاعية في المجال الفلاحي، ولا تركيز على توفير شروط تطوير منتوج من المنتوجات الفلاحية التي يتم تأسيس التعاونيات لأجله، بل يمكن الحديث عن نوع من العبث في تأسيس العديد من الجمعيات، فالجمعيات التي ارتبطت بالاصلاح الزراعي، كان الهم فيها هو الاستفادة من أراض خصبة ونعلم المشاكل التي ترتبت عن تأسيس عدد من التعاونيات الخاصة بهذا النوع من الأهداف.هناك تعاونيات كانت ضحية إشراف الإدارة عليها، وهو إشراف لم يكن يتوخى انتقاء النشاط الذي يراد من أجله تأسيس التعاونيات، فقد تجد تعاونية يكون الأعضاء فيها محتاجون للتجهيز فقط، ويتم توسيع اختصاصها لقطاع لا علاقة لأعضاء فيه، وبالتالي كان الهدف منها هو الاستفادة من مجموع الامتيازات التي أعطيت للقطاع، وقد تحول جزء منها إلى قلب التنافس السياسي والانتخابي الذي عرفه المغرب. لكن هذه الصورة تعطي انطباعا بأن القطاع التعاوني في المجال الفلاحي، كان كله فاشلا؟. هذا غير صحيح، فحتى هذه التعاونيات التي مكنت من توفير فرص شغل عديدة، قدمت خدمات في البداية، لكن للأسباب التي ذكرت، وجدت نفسها ضحية غياب رؤية واضحة للتأسيس، واليوم تعرفون حجم الكلفة المالية للاحتجاجات العمالية، وكلفة وجود مجموعة من العمال أنفسهم في حالة عطالة بسبب عدم قدرة هذه التعاونيات على توفير التغطية المالية، لتوظيفات لم تكن وظيفية. وما يهم هو أن القطاع الفلاحي، في حاجة لتعاونيات فلاحية برؤيةواضحة، ويمكن الجزم بأن هناك تعاونيات فلاحية، أثبتت أن الفكرة صحيحة، وإنما العيب في التدبير، فقد تمكنت تعاونيات فلاحية، من مزاحمة الدولة في قطاعات إنتاجية بشكل مذهل، ويمكن أن نقدم نموذج تعاونيات الحليب، التي تمكنت إحداها من تطوير نفسها، وفرض قدرتها التنافسية في السوق. كما أن هناك تعاونيات تمكنت من تخليص الفضاء التعاوني من بقايا تعاونيات، ابتلعتها لتعطي نفسا للعمل التعاوني بشكله الحداثي. هل يمكن الحديث عن وعي جديد بالعمل التعاوني، آخذ في التشكل، يمكنه من تصحيح أخطاء الماضي؟. صحيح أن الأوضاع السياسية لها وقع على السياسات الفلاحية، واليوم يقدم المخطط الأخضر إجابة واضحة على ما يجب فعله في هذا المجال، فالدعامة الثانية من المخطط الأخضر أفردت القطاع التعاوني بمقاربة تحديثية قوية، يمكن إن تمكن من إنجاز عمل متقدم، وهناك حوالي 148 مشروعا يمكن أن يشكل نموذجا لما يجب أن يلعبه القطاع التعاوني في المجال الفلاحي، لتمكين المغرب من وصفة تمكن هذا القطاع الحيوي من لعب دوره الحقيقي والمأمول.