2- يتهمني السيد لخيار كذلك بعدم التمييز بين «الترجمة الأدبية» و»الترجمة العلمية» من خلال استعمال صيغة «البضائع والخدمات السوقية» لترجمة «Produits et services marchands»، إذ في نظره يختزل استعمال صيغة «سوقية» معنى مستفزا على اعتبار أن استعمالها يحيل (وليس يوحي حسب تعبير السيد لخيار) إلى الشيء الرخيص. يلاحظ القارئ أن السيد لخيار لم يحدد ما يقصده ب»المعنى «المستفز»، وبالتالي هل علينا أن نستشف من كلامه أنه يقصد، من وراء ذلك، القول أن مصطلح «سوقية» يفيد معنى «ساقطة», وإذا كان الأمر كذلك، فأين يكمن ياترى في نظره التمييز بين «الترجمة» الأدبية» و»الترجمة العلمية». إن المعنى العلمي لمصطلح «السوقية» يفيد القيمة المالية، أو «قيمة تبادل» (valeur d?échange) البضائع والخدمات. وأدعو السيد لخيار في هذا الإطار إلى الاطلاع على «لسان العرب» ليكتشف أن مصطلح «البضائع» يرادف مصطلح «السلع»، وأن مصطلح «السوق» يفيد «موضع البيع» وأن فعل تسوق يفيد «باع واشترى». 3- يتهمني السيد لخيار كذلك ب»التطاول» على المجال الديني، والحال أنني في إطار استحضاري لشرط التسييق (contextualisation) الثقافي للتمثل الاقتصادي، أثرت مسألة كون الثقافة الشعبية تركز على ممارسة التجارة وتمقت الإجارة، وبالتالي تدعو إلى ما معناه: «علموا أبناءكم التجارة ولا تعلموهم الإجارة». هذا علما أن الممارسات التجارية في المغرب تبدو بشكل عام وكأنها تشكل امتدادا، ليس فقط لتلك التي عاينها عبد الرحمان بن خلدون في القرن الرابع عشر، بل أبعد من ذلك امتدادا ل»نمط الإنتاج القريشي»، أي نمط معاملاتي يشكل، على المستويين الاجتماعي و الاقتصادي-التجاري، امتدادا لزمن «الجاهلية» من حيث اعتماده على التدليس والغبن والتطفيف على الموازين و تحين «الهموز» والبعد عن المروءة، والاعتماد على « الغش والرياء والمخادعة وجني الأموال بكل ما يمكن إتاحته من أساليب»، ضاربة في «المماحكة والغش والخلابة (بالخاء مكسورة، أي المخادعة) وتعاهد الأيمان الكاذبة»( ...) و»التحذلق وممارسة الخصومات واللجاج. ثم أسأل القراء هل قولي، اعتمادا على «لسان العرب»، أن «مصطلح قريش مشتق من فعل قرش، يقرش، بمعنى جمع القرش، أو القروش، أي المال»، وهل قولي أن «التقريش يفيد، من الزاوية الاصطلاحية، سلوك الشراهة والهلع والجشع في جمع الأموال»، يشكلان تدنيسا للمقدس، وبالتالي يبرران القول بأن هذا الاستعمال لا يليق بنسب النبي (ص). وهل يليق بنسب النبي القول: «حب قريش من الإيمان وبغضهم من الكفر»، كما ورد في «السيرة الحلبية» التي يسبح بحمدها خبير التنمية (المعاقة)، وقد علمنا الإسلام أنه «لا فرق لعربي على عجمي ولا لابيض على أسود إلا بالتقوى» وأن «أكرمكم عند الله أتقاكم» . وهل يليق يا ترى بباحث جامعي أن يسلم بترهات خطاب الهيمنة وايديولوجية التمايز والوجاهة، دون نقد أو تمحيص أو صمود؟ - IIIتجليات الأمية المركبة تتجلى الأمية المركبة للسيد لخيار في التقوقع في مربع الاجترار والانبطاح والخنوع للأسطرة (la mythyfication) على اعتبار أن هذه الأخيرة لا تفيد، حسب الفيلسوف «رولان بارت» (Roland BARTHES) إعطاء الشيء أو الحدث أو الشخص، وصفا تضخيميا، عجائبيا وغرائبيا، أو قيام خطاب ما على الأكاذيب أو الحكايات الخيالية أو الخرافات، بقدر ما هي ممارسة «تهذيب» الخطاب وإلباسه قناعا يجعله يبدو مطهرا من كل «الشوائب» والمشوشات بهدف التغليط والتضليل والاحتواء و توليد الأوهام و وتجريد المتلقي من كل قدرة على النقد والممانعة. وفي هذا السياق يعبر السيد لخيار عن جهله أن طبيعة العمل التضامني الذي يقصده ويتشبث به، تحيل على نسق «العمران البدوي» باعتباره نسقا بسيطا يحكمه «التضامن الآلي» ويقوم على القرابة وعلاقات الدم والعرق والدين والقبيلة والعشيرة، بينما التضامن الذي أتحدث عنه يحيل إلى «التضامن العضوي» القائم على مبدأ التكافل الوظيفي. ومن هذا المنظور، يسعى نوع المقاربات الأسطورية واللا-تاريخية، التي يدافع عنها «خبير» الخردة، إلى التعبير عن هوس الحسن الانبهاري، الساعي إلى إعطاء الانطباع بوجود وضع اجتماعي خال من التفاوت ومن وجود استغلال وصراع. وتأسيسا عليه، يختزل هذا التصور، الذي يتمسك به السيد لخيار، الصيرورة التاريخية لبروز الانشغال بمسألة الاقتصاد الاجتماعي بالمغرب في إحالة جاهزة على الموروث الثقافي- الديني-الاثني. ومن خلال هذا التمثل الضيق، يحصر مقاربة راهنية هذا الموضوع في قلق التشبث بالهوية الضيقة القائمة على علاقات الدم و الانتماء القبلي، عوض «استنشاق» هواء الوطن الرحب والفسيح... لقد لفت الراحل «بول بسكون» («طبيعة المجتمع المغربي المزيجة») الانتباه انه لا يمكن في غياب معرفة كافية الحسم في طبيعة وحقيقة النموذج أو النماذج التضامنية الخاصة بالمجتمع المغربي. فإذا كانت الدراسات السوسيولوجية في الدول الغربية قد حسمت في تصنيف نماذج التضامن، أو التماسك، عبر العصور وعبر التشكيلات الاجتماعية، اعتبارا أن لكل عصر نموذجه في التضامن والتماسك، فانه لا يمكن في الحالة المغربية معرفة نماذج التضامن التي اخترقت، وتلك التي تخترق، المجتمع تاريخيا وجغرافيا واجتماعيا، بسبب القصور على مستوى المعرفة المونوغرافية في هذا الشأن. ومن جهة أخرى أثار «بول باسكون» كذلك مسالة ارتباط تحديد النماذج التضامنية، على اعتبار تغير أشكالها، بتوفر شروط أساسية وملحة يمكن اختزالها فيما يلي: - فرادة كل نموذج تضامني على أساس ارتباطه بخاصية العصر وبطبيعة التشكيلة الاجتماعية التي ينشأ فيها؛- الطابع «الحتمي» لظاهرة التمايز الاجتماعي المفضية إلى وجود تراتبية اجتماعية متموقعة على مستوى الجنس والسن والانتماء القبلي والعرقي والطبقي، بحيث يبدو نموذج «التضامن المترتب عن القرابة العصبية» (البطريكية) مختلفا عن «التضامن الصوفي الإيديولوجي» (الزوايا) وعن «التضامن القائم على العنصر القبلي» وعن «التضامن الفيودالي» (بين السيد والقن)، الخ».- الطابع المتحول لكل نموذج تضامني بحكم ظهور نواقص وتناقضات تجعل مسالة تطوره أمرا ضروريا وطبيعيا. وفي كل الأحوال أتساءل عن جدوى اختزال الانشغال بموضوع الاقتصاد الاجتماعي في التعبير عن الانتماء والانخراط في الترويج لتمثل مؤمثل ومؤسطر للبعد القبلي. فكيف يبرر دعاة هذا الطرح إذا مبررات واقع المفارقات والتمايزات والتناقضات والرداءة إذا كانت ركائز المجتمع قائمة على التضامن والتماسك والايخاء؟ تتمثل الأمية المركبة للسيد لخيار كذلك في قوله عن جهل، وبأسلوب ركيك، يعكس الضبابية التي تخترق دماغه: «والجدير بالذكر أننا نجد حتى الباحثين في النظام الإسلامي في غالبيتهم، ينهجون منهج الديمقراطيين الرأسماليين، ويستعيرون مصطلحاتهم وأنماطهم فيقسمون علم الاقتصاد إلى نفس الأقسام الرئيسية الواردة في كتب الرأسماليين (...)». وأنا أقرأ صيغا من هذا النوع: «الديمقراطيين الرأسماليين»، «كتب الرأسماليين»، الخ، أحسست وكأن دولاب ماكينة غسيل مقتناة من الخردة يدور في رأسي من هول «نبوغ» «خبير» الخردة. ولم أتمالك نفسي من لعن الزمان ولو أننا «نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيب سوانا». أما حينما قرأت ترهات السيد «الخبير» في سياق الحديث عن مرادفات مصطلح اقتصاد وقوله في هذا النطاق أن مصطلح الاقتصاد يرادف عند البعض «علم الاقتصاد (la science économique) وهناك من يصطلح عليه بالعلوم الاقتصادية (les sciences économiques)، بل هناك من يسميه فقط اقتصاد (l?économique )، أو الاقتصاد السياسي (l?économie politique) أو التحليل الاقتصادي (l?analyse économique). هذه المفاهيم تختلف عن بعضها البعض، ولكننا حينما ندرس طلبتنا المبتدئين في السنة الأولى فإننا نعتبرها مفاهيم متشابهة فقط على المستوى البيداغوجي (...)»، فإنني قررت أن أترفع عن الخوض في هذه المتاهات، وأن اكتفي فقط بالقول» ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا». بعد التطرق إلى ما ورد من افتراءات وتوهمات في تجريح السيد لخيار، سأوضح للقارئ بعض محددات وأسباب عنفه وتهوره وتحامله وجهله. IV - في أسباب عنف السيد لخيار تحضر الأنا في خطاب السيد لخيار بشكل هستيري من خلال استعمال «نا» بصيغة الجمع (يتعلق بنا، ردنا، أملنا، اتجاهنا، الخ) وطغيان ترهات ما لها من داعي عبر اللجوء إلى استعمال مرضي لصيغ لغوية ذات دلالة عميقة من منظور علم النفس من قبيل: «خيبة أملنا كبيرة»، «محاولة غير موفقة بامتياز»، «التعرض بالتجريح إلى عدد من مجهودات ونشاطات مؤسسات البحث العلمي وأساتذتها ومن ضمنها ما يتعلق بنا»، «أحيلكم على بعض المقالات التي كتبتها والتي تلخص بعض النظريات التي أسس له بعض علماء المسلمين»، «مهاجمة باحثين أكادميين مشهود لهم بالكفاءة العالية والنضال العلمي»، «خبير في التنمية المحلية التشاركية»، الخ. نلاحظ في هذا الإطار أن السيد «الخبير»، بالمناسبة وبدون مناسبة، يعبر عن تيهه وتخبطه وهذيانه من خلال تصرفاته مع من يعتبرهم خصومه، ولجوءه إلى تصفية الحسابات مع «حزب العدالة والتنمية» بعد أن أحرق كل أوراقه ليلفظه هذا الأخير خارج صفوفه. نذكر في هذا السياق تهجمه وتهكمه على وزيرة التنمية الاجتماعية («مستقبل التنمية الاجتماعية بين بسيمة الحقاوي ومتطلبات العمل التنموي»، جريدة الاتحاد الاشتراكي، بتاريخ 20 غشت 2012)، والذي يعكس في الحقيقة طلبه النجدة (أنا هنا، أنا مزاوك)، ومن ثم لم يتردد في إخراج «العدة الثقيلة» لممارسة الضغوط على «إخوان الأمس» بسبب تعمق الإحساس بالانكسار ومرارة التجاهل وعدم المبالاة بعروض الخدمات. فتارة «يطلق النار» على البرنامج الحكومي بشكل عام، وتارة يعقد التحالفات مع خصوم «حزب العدالة والتنمية» لإفشال لائحة «حزب العدالة والتنمية» خلال الانتخابات، وتارة يطعن في مؤهلات وكفاءات ونزاهة مسؤولي وخبراء قطاع التنمية. وها هو الآن يتهافت على زميل له يعتقد أنه سينافسه في «الخوض» في مجال يعتبره حديقته الخاصة ومنفذه للنجومية والشهرة، والحال أن اهتمامي شخصيا بموضوع الاقتصاد الاجتماعي لا يرتبط بتاتا بأي تطلعات سياسية أو إدارية أو حتى خبزية، أو يخضع لأي أجندة خارجة عن القلق الأكاديمي المتمثل في التفكيك والتحليل وتجاوز خطاب الاجترار والببغائية والديماغوجية و التجييش والمحاباة ودعدعة المشاعر ونهج أسلوب النكافة. إن مهمة «رجل السياسة»، بالنسبة لي، لا يمكن أن تلتقي في نفس الآن مع مهمة «رجل العلم» (ماكس فيبر)، لأن لكل مقام مقال. وبالتالي، تكمن أصالة «رجل العلم» في مدى مساهمته في مساءلة وتحليل وخلخلة وفضح عورة البنى الاجتماعية، بما فيها البنى القيمية والسياسية والفكرية والأكاديمية المحتضنة والمتسترة على كل أنواع وأشكال الهيمنة. وبناء عليه، لا يجب أن يشكل البحث العلمي، بالنسبة لي كذلك، مطية لتحقيق هوس الوصول إلى قبة البرلمان أو الظفر بالحقيبة الوزارية . وإن أصالة أي بحث علمي من نفس المنظور رهينة بمدى قدرته على خلخلة واقع الرداءة الجاثمة، بما فيها رداءة دعاة الأصالة المعطوبة والسخيفة ورداءة «خبراء» الخردة. يسلم السيد لخيار، انطلاقا مما ورد في كتابي، أن مقومات المنتوج العلمي الناجح تتمثل في مدى احترام معايير الموضوعية والتخلص من الإبهام والضبابية والعشوائية. لكن السؤال هو إلى أي حد يلتزم هذا «الخبير» من الزاوية البيداغوجية في كتاباته بهذه الضوابط من خلال ما ورد في كتيبيه: «العمل الجمعوي. من الهواية إلى الاحترافية» من جهة، و»المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والمنظمات غير الحكومية. أي ديموقراطية تشاركية؟»، من جهة ثانية؟ - ففي الكتيب الأول لا يميز السيد لخيار بين «الاقتصاد التضامني» و»الاقتصاد الاجتماعي» و يعتقد، أن الانتقال من الهواية إلى الاحترافية في مجال العمل الجمعوي يتلخص في تبني محاسبة عامة تسمح بإنجاز»القوائم المركبة السنوية»، على غرار ما هو معمول به بالنسبة لمنشئات القطاع الخاص، وفي تبنى خطاب قائم على دراسة الجدوى والمردودية والبحث عن الربح الذي يشكل محرك إنشاء المقاولة، علما أن الانشغال الأولي بضمان الربح بالنسبة لهذه الأخيرة لا يشكل هدفا لا محيض عنه. أما في الكتيب الثاني، فإن سماته الأساسية تتمثل في: - عدم تحديد موضوع الدراسة ومبرر اختياره ومعاني الكلمات المفاتيح من منظور ابستمولوجي، كالحرص على التمييز بين الجمعيات والمنظمات الغير حكومية وتحديد صنف الجمعيات التي لها ارتباط بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية مثلا، جعل مضمون الكتيب يبدو على شكل تجميع مهترئ وأعرج ومرتجف للكلمات والجمل والصيغ والآراء؛ - تخصيص القسم الأول من للكتيب (46 صفحة) للحديث فقط عن الإطار القانوني لتأسيس الجمعيات، وتخصيص القسم الثاني (21 صفحة) للحديث، من منظور نظري فقط، للحديث عن مفهوم «المقاربة التشاركية»، بالإضافة إلى إدراج الملحقات والجداول داخل النص (42 صفحة)؛ - تكليف الطلبة بتجميع المعطيات حول الجمعيات من خلال «زيارة» مقرات هذه الأخيرة داخل تراب «جهة الشاوية-ورديغة» الواسعة (أربعة أقاليم)، علما أن غالبية طلبة كلية الحقوق يعانون من هشاشة الأحوال المادية وقلة الزاد ولا يستطيعون تحمل تكاليف وعناء التنقل، وخصوصا للوصول إلى الجماعات القروية التي تشكل أغلبية جماعات الجهة. وبالتالي، إلى أي حد تهيئ هذه الشروط لتوفير الضمانات الكافية لتجميع المعطيات بشكل علمي؟؛ - كون الإحصائيات المتعلقة بالجمعيات المعنية (612) لم تستثني الجمعيات التي لا علاقة لها أصلا بالتنمية من قبل جمعيات السماع والمديح وجمعيات الطرب الشعبي وجمعيات التبوريدة، الخ، علما أننا كنا قد شاركنا معا سنة 2008 في انجاز دراسة حول الهشاشة بجهة الشاوية-ورديغة، تمكنا من خلالها الإطلاع بالفعل على الواقع الهش للجمعيات ذات الأهداف الاجتماعية؛ - ذكره لمراجع يجهلها و لا يعرف حتى من كتبها. أذكر على سبيل المثال الكتاب الشهير (De la division du travail social) لعالم الاجتماع الفرنسي «Emile DURKHEIM»، الذي تحول اسمه في كتابات السيد لخيار إلى Emile D « » ؛ تموقعه المسبق بالنسبة لقراءة «النتائج» في دائرة أساليب النكافة والدقايقية، أي التغني بمناقب العروس الموروثة عن العمة والخالة( الزين فينا سلالة...من العمة للخالة !) والمدح والتزلف والتملق، وبالتالي عدم الخروج عن قاعدة اللغة الخشبية والممارسات الجانحة والمكبلة بالأعطاب والأوهام والاجترار. وكان قد أكد مسبقا، على مستوى صياغة الموضوع، على الطابع الاستثنائي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، من خلال القول: « في هذا الاتجاه يمكن لنا التأكيد، وبدون تحفظ، على أن المغرب استطاع بلورة نموذجه التنموي الاقتصادي والاجتماعي على النحو الذي يضمن إيجاد أجوبة ملائمة لانتظارات المواطنين على مستوى التعليم والصحة والسكن اللائق. هكذا ومنذ انطلاقها (...) شكلت وستشكل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ثورة حقيقية ورافعة للتنمية والتأهيل الاجتماعي»؛ - صياغته لاستنتاجات متناقضة حتى مع النتائج التي أدلى بها والتي ورد فيها: * أن 65.50% من اصل 612 جمعية، اعتبرها نشيطة، لم يكن لها أي اتصال أو احتكاك مع المسؤولين عن برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في جهة الشاوية-ورديغة؛ * أن 85% من الجمعيات المعنية بالبحث لم تسجل أي مشاركة على مستوى لجان التنمية البشرية لا محليا ولا إقليميا ولا جهويا؛ * أن 38% فقط من الجمعيات المعنية وضعت مشاريع برامج تنموية؛ * أن 60% من المشاريع المقدمة كان مصيرها الرفض أو حتى عدم الرد؛ * أن 10% فقط من الجمعيات تعتبر أن اللجان المحلية والإقليمية تشتغل وفق مبدأ الشفافية. هذه المعطيات تتناقض طبعا مع الاستنتاجات التي عبر عنها السيد لخيار، ومع ذلك، وبالرغم من هول هذا التناقض، يصر على القول دون أن تحمر له وجنة: «إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أحدثت ثورة في مجال العمل الاجتماعي إن على مستوى مشاريعها أو على مستوى وسائلها وأسلوبها التدبيري. وإن الجمعيات لا يمكن لها إلا أن تستفيد الكثير إن هي تبنت معايير الحكامة الجيدة. وبالنسبة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية لن يزيدها إشراك الجمعيات إلا نجاعة. وفي كل الأحوال ليس للطرفين من خيار غير تفعيل مبدأ الديمقراطية التشاركية». - توهمه أن استعمال الاحصائيات والترابطات (les corrélations) يشكل أقصى ما يمكن لباحث في العلوم الاجتماعية أن يدركه، والحال أن استعمال الإحصائيات ليست هدفا في حد ذاته، وإنما هي تشكل فقط أداة من بين أدوات أخرى. إن الوقوف عند القول مثلا أن « 10% من الجمعيات فقط تعتبر أن اللجان المحلية والإقليمية تشتغل وفق ميكانيزمات الشفافية» (هذا طبعا إذا كانت هذه النسبة سليمة)، لا يفسر شيئا ولا يعكس ذكاء خارقا. هذا مجرد وصف يستدعي التفكيك والتمحيص والتحليل لبلورة تفسير علمي. والاعتقاد أن صياغة هذا الرأي أمر كاف في حد ذاته لمقاربة الظواهر الاجتماعية بالمعنى العام ومن ثم لا يدعو إلى بدل أي جهد من أجل تحليل وتفكيك وتفسير الأسباب الكامنة وراء هذا الرأي أو هذا الانطباع، يعكس قصورا فلسفيا ومنهجيا خطيرا . انشغالات السيد لخيار تدور في حلقة 40% من كذا تقول كذا و 65% من كذا تظن كذا، وهكذا. هذا مجرد تعبير وصفي وليس تفسيرا للواقع، لأن الواقع من منظور علمي، حسب «باشلار»، ليس ما نعتقده، لكنه على الدوام ما كان ينبغي أن نفكر فيه. في محاضرته الأخيرة بكلية الآداب بعين الشق حول «المؤرخ والقاضي»، يوضح الأستاذ عبد الله العروي كيف بين العلم أن الإثبات عن طريق الشهادة كرس، خلال ردح من الدهر، الاعتقاد أن كوكب الشمس أصغر من كوكب الأرض بناء على ما كان الناس يشاهدونه بالعين المجردة. وبالتالي، يقتضي الحس العلمي من القاضي والمؤرخ والباحث تجديد المناهج والمقاربات وآليات الإثبات، واخذ مسافة من المألوف (le familier ) ( جريدة الصباح، العدد 3890 بتاريخ 15 أكتوبر 2012، ص.18). السيد لخيار «باحث» يستحضر الخواطر ويعتمد على خطاب الرأي، بينما المنطق العلمي يقتضي استحضار خطاب السؤال. خطاب الرأي هو خطاب يعتمد على اللأحاسيس وعلى الترديد والببغائية والشهادة، ومن ثم يجعل المخاطب يؤدي وظائف «البراح» و»النكافة». على عكس ذلك، يشكل خطاب السؤال خطاب فكر لأنه يخضع لإعمال الفكر والتأمل، ولأنه يعطي للشك مكانة وللنقد أهمية ( عبد السلام بن عبد العالي)، ولأنه يشكل مدخلا ضروريا لفهم الواقع وإدراك أسباب التعثر وعوائق التنمية. وفي مجال المعرفة العلمية إيجاد الجواب يتوقف أولا و أساسا على القدرة على صياغة السؤال: «»قبل كل شيء لابد من معرفة صياغة الأسئلة (...) وبالنسبة للعقل العلمي ينبغي أن تكون كل معرفة جوابا عن سؤال. فإذا لم يكن ثمة سؤال لا يمكن أن تكون هناك معرفة علمية، لا شيء يمكن اعتباره أمرا بديهيا، لا شيء يمكن اعتباره من المسلمات، كل جواب يتوقف على نجاعة صياغة السؤالLa formation de l?esprit scientifique, p.16)BACHELARD(G)) السيد لخيار يتمسك بخطاب الرأي ويشد بالنواجذ على مقولة» رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، ويعتقد مثل القطيع أنها تجسد أقصى مستويات التسامح والإقرار بحق الاختلاف، بينما التواضع العلمي يقتضي أن نقول أن أضعف مستويات التواضع والإقرار بحق الاختلاف القول «رأي غيري صواب يحتمل الخطأ ورأيي خطأ يحتمل الصواب». السيد لخيار، المناضل العلمي، كما يقول، يستلهم نضاله (العلمي) من شعارات وإيديولوجية الخلاص: «الانتقال الديموقراطي هو الحل»، «الحكامة الجيدة هي السبيل»، «التنمية المحلية التشاركية هي المنفذ»، «الجهوية هي منقذ الشعوب من التفسخ»، الخ، ومن ثم يبدو حبيس التنموية الروستوفية (نسبة إلى ROSTOV، صاحب كتاب Les étapes de la croissance économique) والنزعة الاقتصادوية المنغلقة على نفسها والمكتفية بمنطلقاتها. وتأسيسا عليه، يقتضي خطاب السؤال من السيد لخيار أن يحدد أولا المعايير التي تسمح له بالقول أن المبادرة الوطنية شكلت وستشكل نموذجا تنمويا ومشروعا مجتمعيا متكاملا. وعلى أي أساس يعتقد أنها تضع الإنسان في عمق فلسفتها؟ وإذا كان الأمر كذلك، فأين كان وضع الانشغال بالإنسان قبلها؟ الخ. وهل يدخل في قلق الباحث العلمي رهن المستقبل والتبشير بنهاية التاريخ، من خلال قول: شكلت وستشكل (أي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية)؟ وفي غياب استحضار هذا القلق الابستيمولوجي، تظل خواطر «الخبير» لخيارمجرد شعارات شبيهة بشعار «الانتقال إلى الاشتراكية» دون طرح السؤال حول «كيفية تحقيق الاشتراكية في بلد متخلف» (محمد عابد الجابري)، ومن ثم يبدو استبداله لمهمة الباحث (le chercheur) في التفكيك والتحليل والنقد بمهمة الباحث (le cherchant) عن إيجاد موقع قدم داخل «دار المخزن»، سلوكا مبتذلا لا علاقة له بالقلق الأكاديمي. إن إثارتي لهذه النواقص المنهجية ولمظاهر الابتذال والمجازفات الأكاديمية المتسمة بالمغازلة والتطبيل والتزمير هي للتي أفقدت خبير التنمية (المعاقة) توازنه وشكلت طبعا سببا مباشرا في اندفاعه وانفعاله وتصلب سوء نيته وإساءته. وبالتالي، عن أي احترام للضوابط العلمية يتحدث؟ وبالنسبة لي أقول له: لا أطال الله عمر زمالة النفاق والتواطؤات والمهادنة المبتدلة و»التنوعير» و»التشلهيب» و»تخراج العينين»، ولا بارك في صنف الاحترام المرادف لعقلية محاباة روح «الموننكلتيرا» والخروج عن جادة الصواب. إن الوضعية المعقدة (من العقد ) للسيد لخيار، والتي تفاعل في تشابكها محددات ذاتية وأخرى موضوعية، يعكسها فشله حزبيا وسياسيا، نتيجة طرده من صفوف «حزب العدالة والتنمية» بعد أن انخرط و»ناضل» وترشح وفاز باسمه بالعضوية في المجلس البلدي لمدينة سطات خلال الولاية الأخيرة، من جهة، والوضع الأكاديمي المهزوز، الناتج عن مخلفات عقدة الفشل الدراسي بكلية الحقوق بمراكش، يقتضيان منه إعادة ترتيب أوراقه والإسراع بالبحث عن «العلاج» قبل فوات الأوان. * أستاذ باحث بكلية الحقوق، سطات يتبع