-I في تجليات الافتراء والمغالطة والوقوف عند قول «ويل للمصلين» تتجلى افتراءات ومغالطات السيد لخيار، من خلال ما ورد في ترهاته، في ما يلي: 1- قوله: «إن محاولة زميلنا الخوض في مجال تخصص الاقتصاد الاجتماعي والتضامني كانت محاولة غير موفقة بامتياز، لأنه تأكد بأنه تحدث في الكتاب عن كل شيء إلا الاقتصاد الاجتماعي (...) باعتباره حقلا مميزا بمناهجه الخاصة به وبمجالات بحثه وإشكالاته التنموية، وبمنظريه العالميين والوطنيين». أود أولا أن أوضح أن موضوع بحثي يرتبط بالاقتصاد الاجتماعي، وليس بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني. لقد وضحت في الفقرة التي خصصتها للتمييز بين مفهوم «الاقتصاد الاجتماعي» ومفهوم «الاقتصاد التضامني» (ص.44-46) أن مفهوم «الاقتصاد الاجتماعي» يختلف، من منظور موضوعي، عن مفهوم «الاقتصاد التضامني» اعتبارا لاختلاف السياق التاريخي لبروز كلا المفهومين على خلفية اختلاف معاني ومرامي ومقومات وأشكال الممارسة بالنسبة لكليهما. - فعلى مستوى اختلاف السياق التاريخي، يتمثل الأمر في كون مفهوم الاقتصاد التضامني تبلور، في ثمانينيات القرن الماضي فقط، كتعبير عن البحث في صيغ فكرية تمكن من خلق دينامكية جديدة تفضي إلى إعطاء نفس جديد لفلسفة التضامن التي، على الشكل الذي اختزلها عليه الاقتصاد الاجتماعي، أصبحت إلى حد ما، متجاوزة. وتأسيسا عليه، يختزل مفهوم الاقتصاد الاجتماعي في هذه النطاق فرضية التناقض القائم جوهريا بين عناصر الإنتاج، وتحديدا بين الرأسمال وبين العمل، بينما يعبر الاقتصاد التضامني عن فرضية تعدد التناقضات والفوارق والتمايزات القائمة طبعا على مستوى الوضع المادي، ولكن كذلك تلك القائمة بين الأجيال وبين الفئات وبين الأمم وبين الإنسان والطبيعة. - على مستوى اختلاف المعنى، يتمثل الأمر في كون مفهوم الاقتصاد التضامني يختزل بعدا جماعيا، على عكس الاقتصاد الاجتماعي الذي يختزل بعدا فرديا. - وعلى مستوى اختلاف المرمى، يتمثل الأمر في كون مفهوم الاقتصاد الاجتماعي يرتبط بإشكاليات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، وبالتالي لا يخرج عن دائرة إنتاج وتبادل واستهلاك البضائع والخدمات السوقية (Produits et services marchands)، بينما يحيل الاقتصاد التضامني إلى التنمية البشرية، التفاوتات المجالية، خدمة المعوزين والأشخاص في وضعية الهشاشة (المعاقين، الأطفال المتخلى عنهم، السجناء السابقين)، التجارة التضامنية والمنصفة، الخ. وأخيرا، على مستوى اختلاف أشكال الممارسة، يتمثل الأمر في كون الاقتصاد التضامني يعبر عن ابتكار ميكانيزمات جديدة لممارسة التضامن بين مختلف الفئات الاجتماعية ومختلف الجهات والأجيال من خلال السعي لتحسين الإطار المعيشي العام و الحد من الفوارق بين الجهات والأقاليم والجماعات والانشغال بقضايا البيئة، الخ، بينما تمتثل ممارسات الاقتصاد الاجتماعي لمبادئ المساواة في الحقوق والواجبات والعمل والمساهمة. 2- رغبة السيد لخيار ممارسة الوصاية الأكاديمية، وهو الذي يجر وراءه فشلا ذريعا مرتبطا برفض مناقشة أطروحته بكلية الحقوق بمراكش، وهو الرفض الذي جعله يطوف بخردته على باقي الكليات إلى أن تم قبوله في كلية حديثة النشأة، وتم توظفته بعدها في كلية حديثة النشأة كذلك. ومن ثم يبدو لي وكأني به يعتبر أن الخوض في حقل الاقتصاد الاجتماعي محمية خاصة موقوفة على من يجرون وراءهم الرواسب التاريخية (Les casseroles de l?histoire). ثم عن أي مجالات وعن أي إشكالات تنموية وعن أي منظرين وطنيين يقصد السيد لخيار؟ ولماذا لا يوضح للقراء كل هذه الأمور بجلاء حتى يكونوا على بينة وعلى علم؟ أم أنه يعتمد تقنية «تخراج العينين» والتضخيم والتهويل والإفزاع وكأن الأمر يشكل سرا عجائبيا (un mystère) ينفرد به دجالو التنمية. إن الأخطر من ذلك، لا يرى السيد لخيار أصلا أي جدوى من مقابلة مفهوم «الاقتصاد الاجتماعي» و مفهوم الاقتصاد السياسي»، لان «الاقتصاد الاجتماعي»، في زعمه، ما هو إلا فرع من «الاقتصاد السياسي» ناسيا التمايزات التي تشكل معايير مؤسسة لجدوى هذا التقابل والتي لخصتها أساسا في طبيعة النسقين (علم الثروة بالنسبة للاقتصاد السياسي وعلم السلم الاجتماعي بالنسبة للاقتصاد الاجتماعي) وفي خاصية إطار الممارسة (مقاولة-جمعية/تعاونية/تعاضدية) وفي نوعية العلاقات ومحددات السلوك ووظيفة المعرفة (ص.41). إذ يلاحظ، من الناحية التاريخية، ما طرأ على حقل الاقتصاد السياسي من تحول جوهري مع تهيكل «المدرسة الحدية» وما ترتب عن ذلك من تعمق للاختلالات والمآسي الاجتماعية والمعيشية. وقد تمثل هذا التحول فكريا طبعا في انشطار الاقتصاد السياسي إلى توجهين: توجه يجعل منه، أي الاقتصاد السياسي، بصرف النظر على مستويات اهتماماته (المستوى الجزئي والمستوى الكلي)، حقلا معرفيا تطبيقيا نفعيا خالصا يقتصر موضوعه على دراسة العلاقات الاجتماعية المنسوجة على مستوى تلبية الحاجيات بشكل عام، دون الانشغال بتداعياتها وأبعادها الأخلاقية، وتوجه مغاير اتخذ بعدا اجتماعيا وأخلاقيا، من خلال السعي للتوفيق بين المحددات المنفعية من جهة، ومبادئ وقيم الإنصاف من جهة ثانية. اصطلح على هذا التصور الجديد لمجال الاقتصاد بالاقتصاد الاجتماعي. ذلك أن المدرسة الحدية، كتيار، سعى إلى نسف المقاربة الماركسية بناء على «نقد الاقتصاد السياسي» من خلال التشكيك في براءة الفكر الليبرالي واتهامه باختزال بنية ايديولوجية تموه عن خلفياتها الطبقية وتسترها عن ميكانيزمات الصراع الطبقي، حاول (أي التيار الحدي)، تجريد المنظومة الفكرية الماركسية من كل مصداقية عبر الدفاع عن فكرة براءة وحياد الفعل الإقتصادي، مما ترتب عنه تعمق الإختلالات. الأمر الذي دفع، كرد فعل فكري، إلى ابتكار بديل متمثل في منظومة الاقتصاد الاجتماعي القائمة على مبادئ التماسك الاجتماعي. ومن جانب آخر، تموقع الاقتصاد الاجتماعي كذلك في وضعية تقابل مع الاقتصاد السياسي في صيغته الاشتراكية سواء في شقها «الطوباوي» أو شقها «التأميمي»، على اعتبار أن الاقتصاد الاجتماعي، حسب تعبير أحد رواده (شارل جيد) لا يسعى إلى إلغاء الملكية الفردية بقدر ما يسعى إلى تسهيل اقتنائها، يدافع عن اشتراكية وسائل الإنتاج عكس تأميمها ومركزتها، يستحضر قيم التعاون والتضامن والتشارك والمساواة، ويرفض منظومة الصراع الطبقي، لا يهدف إلى إلغاء الرأسمال بقدر ما يسعى إلى التخلص من هاجس الربح القائم على أساس امتلاك الرأسمال، لا يرفض مفهوم المقاولة بقدر ما يتطلع إلى جعلها فاعلا اجتماعيا و دون أن يكون محدد وجودها قائما على الهدف الربحي. وفي كل الأحوال، يعتقد السيد لخيار أن مفهوم التقابل يفيد بالضرورة التناقض، جاهلا أن هذا المفهوم يتمظهر فلسفيا كذلك عبر التضاد والتضايف. وهذا الصنف الأخير يفيد مثلا، أن تقابل صورة الأب مع صورة الإبن لا يعني أنهما في وضعية تناقض أو تضاد وإنما في وضعية تضايف، بمعنى أن صفة الأب لا تتحقق بدون وجود إبن، وصفة الإبن رهينة بوجود أب. 3- اتهامي من طرف السيد لخيار بتغييب الإحالات فيما يخص تعريف المفاهيم، وتحديدا مفهوم الاقتصاد. والحال أن إحالتي على «لسان العرب» كانت صريحة على مستوى استحضار الاشتقاق اللغوي لهذا المصطلح. وهذا التعريف تم طبعا في نطاق الإقرار بضرورة تعريف الدلالات المعجمية والاشتقاقية المتعلقة بمصطلحات: «اقتصاد»، «اجتماعي» و»اقتصاد اجتماعي» (ص.8). وبالتالي، يشكل النقاش الذي يسعى السيد لخيار لإقحامي فيه حول موضوع استقلالية علم الاقتصاد أمرا لا يعنيني البتة في شيء، لأنه ببساطة يشكل شرودا و خروجا عن النص. 4- يتهمني السيد لخيار أيضا بالتردد (l?hésitation) في عملية التعريف، بحيث يدعي أنني في تجزيئي (يقصد تعريفي) لكلمة اقتصاد بدوت غير متأكد من كلامي بدليل استعمال عبارة «تقريبا»، والحال أن ما قلته ورد بالحرف على الشكل التالي: « تعرج كل المحاولات التعريفية لمصطلح «اقتصاد» تقريبا على جذوره اليونانية المختزلة في «واكوس ناموس»، حيث مفردة «واكوس» تفيد بيت، ومفردة «ناموس» تفيد فن أو مهارة، وبالتالي يفيد مصطلح «اقتصاد» في التصور اليوناني الأصلي فن التدبير المادي للبيت» (ص.8). من جهة أخرى، اختزلت مصطلح «واكوس ناموس» في معنى فن ومهارة عوض قوانين ومساطر، لأن ميكانيزمات الفعل الاقتصادي لا تخضع في رأيي لصرامة القوانين والمساطر، بل على عكس ذلك هي عبارة عن سلوكيات افتراضية و نسبية قد تتحقق أو لا تتحقق. أما بالنسبة لتصوري حول تبلور مفهوم «الاقتصاد السياسي» فإنه يعكس في هذا السياق ارتقاء في تمثل الفعل الاقتصادي تزامنا مع حدوث تحول فكري عميق ارتبط سياسيا بظهور مفهوم «الدولة الوطنية» وما ترتب عنه من تكريس لفكرة وحدة الولاء وفكرة المركزية وفكرة تدخل الدولة في الاقتصاد. 5- يفتري علي السيد لخيار كذلك من خلال اتهامي بعدم ضبط منهجية «سرد» تاريخ الفكر الاقتصادي، بحيث يدعي الخبير العارف بكل شيء ولا شيء أنني أربط ظهور الفكر الاقتصادي بظهور المدرسة التجارية أو الميركانتيلية، مما يفيد بناء على زعمه أنني أقر أنه لم يكن هناك اقتصاد ولا دولة ولا بيع ولا شراء قبل هذه المدرسة. أوضح فقط للقراء انه ربما بسبب انفعاله الزائد أساء السيد لخيار الفهم، ومن ثم تشابه عليه الأمر (من باب إن البقر تشابه علينا) فقولني ما لم أقله. ومن ثم أؤكد على أنني لم أقل أبدا كلاما من هذا النوع. بحيث لم أتناول بشكل خاص تاريخ الفكر الاقتصادي لذاته وإنما في سياق الحديث عن جدلية السياسي والاجتماعي ارتباطا بتبلور النقد الماركسي للمنظومة اللبيرالية. هذه الأخيرة التي سعت إلى تحييد الفعل الاقتصادي عن المحددات السياسية والاجتماعية والسيادية عبر الترويج لمقولة قدرة «السوق» على الاشتغال بشكل تلقائي، بفضل الميكانيزمات الذاتية، أو «اليد الخفية» (la main invisible )، ومن ثم رفض تدخل الدولة «اقتناعا» بكون هذا الاشتغال التلقائي هو القادر على ضمان تحقق التوازن بين العرض والطلب. لكن هذا التمثل أفضى عمليا في نهاية المطاف إلى تعميق الاختلالات والتناقضات بين الاقتصاد والمجتمع. وتعمق هذه الاختلالات هو الذي أفضى كذلك، من منظور تاريخي، إلى تبلور فكر الاقتصاد الاجتماعي. وبالتالي أحيل القارئ المهتم على ما ورد في الصفحتين 33-34 بشكل لا جدال فيه: «ظهر الفكر الاقتصادي «الكلاسيكي» على أنقاض الفكر «الميركانتيلي» الذي ساد في أوربا ما بين بداية القرن السادس عشر وأواسط القرن الثامن عشر، والذي قام بدوره على أنقاض نمط الإنتاج الإقطاعي. ما يميز الفكر الميركانتيلي على وجه الخصوص هو تمثل الثروة، ومن ثم المجد والقوة في مقدار ما تكدسه المخازن الأميرية من معادن نفيسة. ومن اجل بلوغ هدف مراكمة الحد الأقصى (الممكن) من هذه المعادن، ركزت السياسات المستلهمة من هذا الفكر إجمالا على سياسة نهب ثروات «العالم الجديد»، من جهة، والتحكم في مجال التجارة الخارجية من خلال دعم تصدير السلع المصنعة ذات القيمة الإضافية العالية وفرض تدابير حمائية صارمة على مستوى الواردات، باستثناء استيراد المواد الأولية التي يعاد تصنيعها وتصديرها، من جهة ثانية. كانت تداعيات هذه السياسات كارثية بكل المقاييس، وتحديدا على مستوى الأوضاع المعيشية والصحية. وهذه العواقب الاجتماعية-الاقتصادية هي التي هيأت الظروف العامة للانتقال من «الرأسمالية التجارية» إلى الرأسمالية الصناعية». أما عدم التطرق للمدرسة الفيزيوقراطية، فأود الإشارة في هذا السياق أن انشغالي لم يكن مرتبطا بمراحل تطور الفكر الاقتصادي، بقدر ما كان مرتبطا بتحديد سياق تبلور الاقتصاد الاجتماعي في ترابط مع المنظومات الفكرية الكبرى، وكيف أفضى الأمر في نهاية المطاف إلى إفراز منظومة الاقتصاد الاجتماعي. وفي كل الأحوال فالمدرسة الفيزيوقراطية لم ترق إلى مستوى المنظومة الفكرية «الكونية»، بل على عكس ذلك ظلت محصورة في منبتها الأصلي، فرنسا، ومختزلة في «الجدول الاقتصادي» لرائدها «فرنسوا كيناي». وعلى المستوى الزمني، لم تعمر طويلا مقارنة مع المدارس الفكرية الأخرى. وفي نفس السياق يدعي السيد لخيار أنني أنتمي لفصيلة المتشبعين بالثقافة الغربية الذين يجحفون في حق النظريات الاقتصادية لعلماء المسلمين، وبالتالي يقصون حضورهم في تاريخ الفكر الاقتصادي. أذكر فقط أن بحثي لم يكن مرتبطا أبدا بتاريخ الفكر الاقتصاد حتى أتطرق للفكر الاقتصادي في المنظومة الإسلامية، بقدر ما استحضرت السياق التاريخي العام الذي أفضى إلى بروز فكر الاقتصاد الاجتماعي وعلى اعتبار أن فكر الاقتصاد الاجتماعي، كمنظومة فكرية مبنينة، اختزل تقابلا فكريا للفكر الاقتصادي الليبرالي وحتى للفكر الاقتصادي الاشتراكي الذي ظهر في محيط ثقافي عام مغاير للبيئة الإسلامية . فكيف والحال هذه أن استحضر تقي الدين المقريزي (1364-1442) صاحب كتاب «إغاثة الأمة بكشف الغمة» والذي عالج فيه أساسا ظاهرة المجاعات في مصر ومن خلال ذلك تطرق لبعض جوانب ما يعرف اليوم ب»النظرية الكمية للنقود» ((la théorie quantitative de la monnaie. وفي كل الأحوال لا أرى في هذا النطاق أثرا لإسهام العلماء المسلمين في مجال الفكر التعاوني والجمعوي والتعاضدي كما هو قائم اليوم، وبالتالي فإن «فوريي» (FOURRIER) و «سان سيمون» (SAINT SIMON) و»برودانPROUDHON)) لا علاقة لهم، حسب علمي، لا بتقاسم الانتماء الديني لا مع الجاحظ ولا مع الحطيئة ولا مع الإمام الحلبي، المرجعية «الابستمولوجية» للسيد لخيار في التغني بالعصبية القبلية . 6- يتهمني السيد لخيار كذلك بعدم استيعاب المفاهيم الماركسية وتحديدا «فائض القيمة». والواقع أنه ورد بالحرف في الصفحة 36 ( من السطر3 إلى السطر 8) من كتاب «الاقتصاد الاجتماعي بالمغرب» ما يلي: «لقد آخذ كارل ماركس، من خلال «نقد الاقتصاد السياسي»، على المنظومة الليبرالية، كونها تقدم نفسها في حلة طبيعية و بريئة تتستر وراء ذريعة التشخيص التقني والموضوعي، والحال أنها تعبر عن بنية فكرية وإيديولوجية تموه عن خلفياتها الطبقية و حقيقة أمرها بشكل يخفي ميكانيزمات الصراع الطبقي بين من يملك ومن لا يملك وسائل الإنتاج، وما يترتب عن ذلك من استحواذ على مستوى فائض القيمة». أما حديثي عن فائض الإنتاج فقد ورد في سياق مغاير. وفي كل الأحوال، فإنني أوضح لهذا «الشلهبي» (حسب «لسان العرب») أن الحديث يتعلق ب «فائض الإنتاج» وليس «الفائض في الإنتاج». وهذا الأخير هو الذي قد يسبب اختلالا على مستوى توازن العرض والطلب في حال إذا ما استحال تصديره في إطار المبادلات التجارية مع الخارج. وما أقصده بفائض الإنتاج (le surplus ) يختزل في التفاوت الحاصل بين قيمة قوة العمل (la force de travail)، أي مستوى الأجور، وقيمة ما تنتجه قوة العمل. ومن جهة أخرى، فإن المعنى الذي يعطيه السيد لخيار لفائض الإنتاج ويترجمه عن جهل ب «la surproduction « ويعتبره فائضا غير مرغوب فيه، ينطبق على «الإفراط في الإنتاج». 7- من بين المغالطات الفجيعة التي نهجها السيد لخيار، من خلال وقوفه عند قول «ويل للمصلين»، اتهامي بعدم التمييز بين مفهوم «التنمية» ومفهوم «النمو». والحال أنه ورد في الصفحة 55 من كتابي، في سياق الحديث عن التحول الذي طرأ عالميا على مستوى تمثل التنمية البشرية، بالحرف ما يلي»: «وهكذا تم سنة 1990، على مستوى برنامج الأممالمتحدة للتنمية ( Le PNUD)، استبدال مؤشر التنمية، الذي كان يستحضر في ما مضى متوسط الناتج المحلي الخام (P.I.B) (مؤشر كمي)، بمؤشر التنمية البشرية (مؤشر كمي وكيفي) كمؤشر يسمح بالأخذ بعين الاعتبار، المستوى المعيشي العام، من خلال مستوى الدخل الفردي من الناتج الوطني، ومستوى التمدرس ومستوى الخدمات الصحية في علاقتها بقياس الأمل في الحياة». وفي الصفحة 74 كتبت كذلك بالحرف: « مؤشر التنمية البشرية عبارة عن مؤشر تركيبي يأخذ أساسا بعين الاعتبار المستوى المعيشي (من خلال مستوى الدخل الفردي من الناتج الوطني)، ومستوى التمدرس ومستوى الخدمات الصحية من خلال قياس الأمل في الحياة (متوسط العمر المتوقع)». وبالتالي، قولني السيد لخيار الجملة التالية: «مؤشر التنمية يستحضر متوسط الناتج المحلي الخام». والحال أنني أتحدث عن: « مؤشر التنمية البشرية الذي كان يستحضر في ما مضى متوسط الناتج المحلي الخام». -II في تجليات المزايدات السخيفة والهجينة تتجلى المزايدات السخيفة والهجينة للسيد لخيار في تبنيه أسلوب الترهيب الفكري والنهج الشبه-تكفيري عبر التوظيف البئيس واليائس للتراث والدين والانتماء الشريف والأنبياء والأئمة والسير النبوية، الخ، قصد التشكيك في هويتي ومرجعيتي ومعتقداتي. وهو بهذا الشكل يسعى لدعدعة عواطف ومشاعر البسطاء من القراء بهدف دفعهم إلى مناصرته، على اعتبار مراهنته على مقولة: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما». اذكر في هذا السياق: 1- قوله: « وطبيعي جدا أن من تلقى دروسا من الغرب أن يجهل تراث وفكر بلده، ألم تكن هناك تجارة دولية بالمعنى المتعارف عليه الآن في العصور القديمة؟ ألم يتحدث المقريزي قبل كريشام عن نظرية «البخس من النقود يفر أجودها». أقول للسيد لخيار أن العقل العلمي يقتضي ضبط المفاهيم قبل استعمالها لتفاضي الغموض والضبابية. إن فعل «تلقى»، الوارد في تعبيره، لا يوفي في هذا النطاق بالمعنى المطلوب، بحيث لا يجوز أن تختزل متابعتي للدراسة في الخارج بشكل قدحي وتنقيصي في تلقي دروس. وإن استعمال كلمة الغرب لا تعني بالضرورة الغرب المسيحي كما يعتقد السيد لخيار، بحيث هناك تسمية الغرب الإسلامي التي يقصد بها أقطار المغرب العربي بالإضافة إلى الأندلس (سابقا). وبالتالي، أي غرب يقصد هذا الجاهل؟ ومن جهة أخرى فحتى ما يسميه «الحس المشترك» ( le sens commun) مجازا: «الغرب»، يمكن تقسيمه، تفاديا للتعميم والتعتيم، بدوره إلى غرب «أوربي» وغرب «أمريكي»، وهذا الغرب الذي ربما يقصده السيد لخيار مشكل من دول غير متجانسة لغويا ودينيا وثقافيا واقتصاديا، دون التطرق طبعا للحروب الطاحنة التي دارت بينها على مدار التاريخ. وفي المغرب تستعمل تسمية الغرب في سياق الحديث عن جهة «الغرب-الشراردة-بني حسن». وسكان المنطقة الشرقية في المغرب يستعملون كذلك تسمية الغرب حين الحديث عن سكان المناطق «الداخلية» في المغرب. وهكذا. إذن أي غرب يقصد «خبير» الخردة. أما مقولة » la mauvaise monnaie chasse la bonne «، وليس » la mauvaise monnaie sache la bonne « فيسميها العقلاء ب «قانون كريشام» ومفادها أن تداول صنفين من النقود (الفلوس والفضة مثلا) في بلد معين، يؤدي، بسبب الميل إلى اكتناز العملة الجيدة (الفضة في المثال) إلى اختفاء هذه الأخيرة من التداول. وقد عبر كريشام عن هذا الوضع من خلال القول: «العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة»، وليس «تفر» حسب قول السيد لخيار. ومن جهة أخرى، أوضح للقراء أنني لم «أتلقى دروسا في الغرب» بالمعنى القدحي الذي يستعمله «خبير» الخردة، ولكنني تابعت دراستي الجامعية، كل دراستي الجامعية في فرنسا، وتحديدا في مؤسساتها الجامعية بمدينة «إكس أن بروفانس»: «كلية العلوم الاقتصادية» و»المعهد الجامعي للتكنولوجيا» و»كلية اللآداب والعلوم أللإنسانية» و»كلية الحقوق والعلوم السياسية» و»معهد الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والإسلامي» (الذي كان يتوفر على خزانة كان يوجد بها، إلى حدود بداية التسعينيات من القرن الماضي، كل ما ينشر في وحول العالم العربي، والذي كان القراء غالبا ما يطلعون فيها على الصحافة المغربية مثلا حتى قبل أن تصل بين يدي القراء في مدينة مغربية توجد في ضاحية مدينة الدارالبيضاء). وفي هذه المؤسسات العريقة تعرفت على إبن خلدون والمقريزي وإبن تيمية وإبن حزم وإبن سينا وإبن رشد وإبن أبي الضياف وخير الدين التونسي والأمير عبد القادر الجزائري وعلال الفاسي وعبد الله العروي ومحمد عابد الجابري وفاطمة المرنيسي ورقية لمصدق ومحمد أركون ونور الدين سرايب، ومالك بن نبي وعلي شريعتي... واللائحة طويلة، وهذا طبعا دون ذكر علماء الابستمولوجيا والاقتصاد والسياسة و الاجتماع و النفس والانتربولوجيا، الخ، الغربيين القدامى منهم والمعاصرين، وعلى رأسهم أستاذي الراحل «برينو اتيان» (Bruno ETIENNE). وفي كلية «العلوم الاقتصادية» (جامعة اكس-مرسيليا II) التي كانت قد أحدثت مسلكا خاصا ب «الاقتصاد الاجتماعي» سنة 1982 تحت إشراف الأستاذ «موريس بارودي»، تشرفت بمتابعة الدروس والمحاضرات في مواد «الاقتصاد اللإجتماعي»(Economie sociale) و «بروز الاجتماعي» (l?émergence du social) و»التنمية الاجتماعية» (le développement social) وبالتالي، لم انتظر فريد زمانه، السيد لخيار، لأخوض في حقل «الاقتصاد الاجتماعي». وتأسيسا عليه، فإني اعتز بهذا الرأسمال الأكاديمي والمعرفي والثقافي واللغوي والرمزي والشخصي، ولا أقبل بتلقي دروس ممن لم يتجاوز فضاء تحركه المحور الرابط بين مدينة برشيد شمالا ومدينة «سبعة رجال» جنوبا مرورا ب «بويا عمر» طبعا.