ولكي لا أطيل في هذا المقام، لأن العرض فيه طويل جدا ولا يتسع المجال لذلك، أحيلكم على بعض المقالات8 التي كتبتها منذ سنة 2002 وهي تلخص بعض النظريات التي أسس لها علماء المسلمين و نقلها مع شيء من النمدجة Modélisation من سموا أنفسهم بمؤسسي علم الاقتصاد. وحتى إذا اعتبرنا أن الأستاذ متشبع بالثقافة الغربية، و لا يمكنه الرجوع إلى هذا التراث الغني بالنظريات الاقتصادية، فإننا نجده و هو يحاول التأريخ لمراحل بناء الفكر الاقتصادي في حلته الغربية، يميل إلى بثر غير مقبول، ويحاول القفز على مرحلة من أهم مراحل الفكر الاقتصادي، زاعما أن الفكر الكلاسيكي قد ظهر على أنقاض الفكر الميركلتيني دون أن يعير أي اهتمام للمدرسة الطبيعية9 أو الفزيوقراطيون Les physiocrates التي كانت تشكل إلى جانب المدرسة الميركانتيلية ما سمي بالاقتصاد السياسي المقابل الكلاسيكيl?économie poltique pré-classique ، فالمدرسة الطبيعية جاءت لتؤسس لمفهوم جديد للثروة و طرق تنميتها حيث حاول روادها10 بلورة نظريتهم الخاصة ضدا على المدرسة التجارية. إن فلسفة المدرسة الطبيعية كانت ترتكز أساسا على ما سمي بالنظام الطبيعي، الذي يفضي حسب هذه المدرسة، إلى الحرية وتنمية الثروة المادية، حيث اعتبروا أن النقود ليست إلا وسيلة لترويج هذه الثروة. إن القفز على هذه المرحلة يعتبر من العبث في التأريخ لعلم الاقتصاد أو من التوجس من العلاقة التي تربط الدين بالاقتصاد، لأن الدارسين لتطور علم الاقتصاد بشكل جيد و مدقق يعون جيدا أن الفيزيوقراطيين في أوائل فترة 1700 كانوا يضفون الكثير من الصبغة الدينية على كتاباتهم ، فقد كانت مشاعرهم تجاه الأرض والناس تقوم على أساس المسيحية. و مع حدوث الثورة الصناعية والإنتاج الواسع النطاق، كان هناك بعض العلماء الاقتصاديين الذين حاولوا فصل دراستهم ودائرة نفوذهم عن الدين، و قد كان ذلك في الواقع شيئا استثنائيا في خلال تلك الفترة في أوربا، أي فترة الثورة ضد الكنيسة و نفوذها. وبمقتضى ذلك، بدأ الحديث عن علم الاقتصاد السياسي بدلا من علم الاقتصاد السكولاستي11 L?école scholastique وأن منعطف التفكير الاقتصادي عند الكلاسيكيين جاء استنادا إلى المدرسة الطبيعية مع مجموعة من التغييرات المفاهمية، لأن رواد المدرسة الكلاسيكية12 استمروا في تحليل الأرض كعامل أساسي في الإنتاج مثل نظرية الغلة المتناقصة لدفيد ريكاردو، كما استمروا في الدفاع عن الحرية مثل نظرية اليد الخفية لأدام سميت، كما ركزوا على مواضيع أخرى مثل نظرية القيمة ونظرية التوزيع ونظريات الأزمة، كما اهتموا أيضا بالتطور الطويل الأمد للنظام الرأسمالي. إذن يمكن القول أن أستاذنا الجليل لم يسعفه الحظ في الربط بين مرحلة الميركانتيليين ومرحلة الكلاسيكيين. وفي سياق استعراضه لنقد كارل ماركس للمنظومة الليبرالية التي تعد بالنسبة لماركس هي أصل الأزمات الاقتصادية، يأتي الأستاذ ويتحدث عن ما سماه « فائض الإنتاج»13 ، ولعلي به يتحدث عن ما يسمى في علم الاقتصاد عند ماركس بفائض القيمة14، وليس فائض الإنتاج15، وشتان بين المعنى الاقتصادي لفائض الإنتاج وفائض القيمة. ففائض الإنتاج عند الاقتصاديين المتخصصين شيء غير مرغوب فيه لأنه يخل بتوازن العرض والطلب، أما فائض القيمة- الذي من المفروض أن يتحدث عنه الأستاذ المحترم- يمكن شرحه من خلال المثال الذي درسناه في السنة الأولى من الإجازة في العلوم الاقتصادية16 على الشكل التالي: إن عملية الإنتاج والتسويق تمر من 3 مراحل» أ , ب , ج» من أ إلى ب تتم عملية الإنتاج، و من ب إلى ج تتم عملية التسويق، حيث أن هذه المرحلة الأخيرة لا تعد إلا تحويل السلعة من حالتها الطبيعية إلى حالة نقدية، وهي بالتالي تحتفظ بنفس القيمة. ولكن فائض القيمة الذي سماه الأستاذ بفائض الإنتاج ينشأ بين المرحلتين أ و ب، ولا يمكن الحصول عليه والاستحواذ عليه من طرف الرأسمالي إلا إذا مرت السلعة من المرحلة ب إلى المرحلة ج. وبالطبع فإنتاج السلع والخدمات تسهم فيه الأدوات والتجهيزات والآلات إضافة إلى اليد العاملة، وحيث أن الرأسمالي لا يستطيع أن يستغل الآلة لأنها لا تستطيع أن تنتج أكثر من القدرة الإنتاجية المخصصة لها، فانه أي الرأسمالي يتجه إلى استغلال العامل الذي يمكن أن يزيد في ساعات العمل دون تعويض، وبالتالي فانه أي الرأسمالي يخرج من العامل قيمة زائدة يستفيد منها، وهكذا تسمى فائض قيمة وليس فائض إنتاج. وفي إطار مقارنته بين مجال الاقتصاد السياسي والاقتصاد الاجتماعي، يتحدث الأستاذ عن « اقتصاد السوق» ويترجم بالفرنسية مباشرة بكلمتي» L?économie marchande «17 ، في حين أنه كان من الأجدر له أن يترجم اقتصاد السوق بكلمتي économie du marché لأن الفرق بين المصطلحين شاسع يبلغ مبلغ الفرق بين السماء والأرض، لأن المعنى المتعلق ب L?économie marchande ينحصر في تلك المنتوجات والخدمات القابلة أو المعدة للبيع مقابل ثمن يمكننا أن نحدده ، ذلك أن الناتج الداخلي الخام 18PIB يتكون من عدة أجزاء كما ذكر ذلك الاقتصادي كلارك في ثلاثيته التي يصنف فيها الناتج الداخلي الخام إلى صناعي وتجاري وفلاحي ويصنف كل صنف حسب قابليته للبيع والشراء مقابل ثمن، وبذلك يكون لدينا PIB Marchand et PIB non Marchand . ولكي يستوعب أستاذنا الجليل ما ذكرناه نعطي مثالا معروفا وخصوصا لدى المغاربة وهو ما يتعلق بالإنتاج الذي يستعمله الفلاح للاستهلاك الشخصي Autoconsommation هذا الإنتاج يدخل لا محالة في الناتج الداخلي الخام ولكن غير معد للبيع مقابل ثمن وبالتالي يصنف ضمن المنتجات non marchandes أما فيما يتعلق باقتصاد السوق، فهناك عدة نظريات تؤصل للموضوع من عدة جوانب، ولكن المتفق عليه في فهم مصطلح اقتصاد السوق هو أن عمليات البيع والشراء تكون خاضعة لميكانيزمات السوق، أي بمعنى أوضح فإن السوق بعرضه وطلبه يتحكم في الأثمان وبالتالي لا ينبغي للدولة أن تتدخل في هذه الميكانزمات، وأن التوازن بين العرض والطلب سيحصل تلقائيا ودون أي تدخل وهذا ما أسس له في بداية الأمر ابن تيمية والجاحظ، إلى أن أتى الاقتصادي الكلاسيكي J.B.Say وتحدث عن ما سماه بقانون المنافذ الذي مفاده أن أي إنتاج طرح في السوق سيجد طلبه الخاص ولا مجال لتدخل الدولة في الاقتصاد19 . وخلاصة القول هنا أن عدم الحرص في أعمالنا العلمية وضبط مصطلحات الحقل الذي نشتغل فيه أو نكتب فيه سيؤدي لا محالة بالقراء و خصوصا الطلبة منهم، حينما يجدون مثل هذه الأعمال الصادرة عن أساتذتهم و غير المضبوطة حتى على مستوى مصطلحاته إلى فقدانهم لخيوط البحث العلمي والخلط بين مفرداته, الشيء الذي قد يجرهم إلى ما لا تحمد عقباه. وفيما يخص الجدول الذي بينه الأستاذ في كتابه بالصفحة 41 20 ، والمتعلق بمقارنة بين الاقتصاد السياسي والاقتصاد الاجتماعي، فعلى الرغم من أنه لا يجب مقابلة المفهومين لأن الاقتصاد الاجتماعي ما هو إلا فرع من الاقتصاد السياسي، يمكننا أن نبدي بعض الملاحظات حول مضامين هذا الجدول. لقد اختزل الأستاذ الاقتصاد الاجتماعي في الجمعيات والتعاونيات والتعاضديات ,في حين أن الاقتصاد الاجتماعي يضم إطارات أخرى للممارسة إضافة إلى ما ذكره 21 . كما أنه اعتبر في إطار محاولة تمييزه بين المحدد السلوكي الخاص بالاقتصاد السياسي و الخاص بالاقتصاد الاجتماعي، أن محدد السلوك في الاقتصاد السياسي هو « الإشباع الأمثل للحاجات الفردية»22، معتقدا بذلك أن الاقتصاد السياسي يرتكز بالأساس على الفرد فقط، في حين واعتمادا على أبسط أبجديات الاقتصاد فقد اتفق المتخصصون على أن هناك ما يسمى بالاقتصاد الجزئي Micro-économie وهناك ما يسمى بالاقتصاد الكلي Macro-économie ، هذا الأخير يؤصل لمفهوم الإشباع الكلي للأمة وليس فقط ما اختزله الأستاذ في الاشباعات الفردية. أما الملاحظة الثالثة فتتعلق بالأداة السليمة لتحقيق التنمية المستدامة، هذه الأداة التي لا ينبغي حصرها كما فعل الأستاذ في الاقتصاد الاجتماعي ذلك أن أي اقتصاد لا يوازن بين ما هو مادي محض وما هو اجتماعي لا يمكن له أن يحقق التنمية المستدامة23 . إن المتابع لقراءة كتاب الأستاذ يجد صعوبة في تدقيق معانيه وذلك بالنظر إلى الترجمة التي يعتمدها والتي تخرج المصطلح عن المعنى المراد له، ففي الفقرة المتعلقة بالتمييز بين مفهوم الاقتصاد الاجتماعي و مفهوم الاقتصاد التضامني، يأتي الأستاذ في سياق حديثه عن اختلاف المرمى ليورد الفقرة التالية « يتمثل اختلاف المرمى في كون مفهوم الاقتصاد الاجتماعي يرتبط بإشكالية الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، وبالتالي لا يخرج عن دائرة إنتاج وتبادل واستهلاك البضائع و الخدمات السوقية (Produits et services marchands ) «24 ، فبغض النظر عن مضمون الفقرة برمتها نقتصر في هذا الصدد على دعوة الأستاذ إلى التمييز بين الترجمة الأدبية واللغوية والترجمة العلمية المرتبطة بالتخصص، ما معنى كلمة سوقية؟ هذه الكلمة المستفزة والمتعارف على أن استعمالها يوحي إلى ذلك الشيء الرخيص25 ، المتناثر هنا وهناك، ولا أحد يهتم به بل لا يرجى حتى استعماله، إن الاقتصاديين حينما يقولون كلمة Marchand فهم يعنون بها المنتوجات المعدة للبيع مقابل ثمن يمكن تحديده، ثم إن كلمة بضائع أو السلعة التي تعني بالفرنسية Marchandises وليس Produits تختزل في ثناياها السوق، لأن هناك فرقا بين المنتوج والبضاعة، فالأول يمكن إنتاجه دون عرضه للبيع كأن أصنع جلبابا لألبسه أما إذا عرضت الجلباب للبيع يصبح بضاعة، وهو المصطلح الثاني. وبالتالي كان من الأفضل لأستاذنا أن يترجم هكذا « يتمثل اختلاف المرمى في كون مفهوم الاقتصاد الاجتماعي يرتبط بإشكالية الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، وبالتالي لا يخرج عن دائرة إنتاج وتبادل واستهلاك البضائع من سلع وخدمات ) (Produits et services marchands « إن إشكالية الترجمة غير المناسبة، والمساهمة عن قصد أو عن غير قصد، في بثر أو تحريف المعنى، قد تؤدي إلى تضليل القارئ و إدخاله في دوامة الحيرة التي قد لا يخرج منها، والتي قد تمس سلبا ثقافته، وحتى بعض مبادئه الخاصة ذلك أن الأستاذ لم يكتف بمعالجة قضية الاقتصاد الاجتماعي من خلال مهاجمة باحثين أكاديميين مشهود لهم بالكفاءة العالية و النضال العلمي، بل ذهب إلى قضايا أخرى دينية لا أستطيع شخصيا أن أخوض فيها لأنني لست فقيها و لا عالم دين، ولكنني بقراءتي للصفحة 15 من كتاب الأستاذ حيث كان يتحدث عن التجارة التي يرى أن الحديث المتعلق بها منسوب إلى الأحاديث النبوية، يأتي ويستند إلى لسان العرب ليقول «على المستوى اللغوي، مصطلح قريش مشتق من فعل قرش، يقرش، بمعنى جمع القروش أي المال. وعلى المستوى الاصطلاحي، يفيد التقريش سلوك الشراهة والهلع والجشع في جمع الأموال « وجدت نفسي أتساءل هل يليق هذا بنسب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وهو الشيء الذي دفعني إلى محاولة التأكد مما جاء به الأستاذ فوجدت في نفس المقام استنادا إلى السيرة الحلبية ج1 للإمام برهان الدين الحلبي الشافعي، أن تسمية قريش تعود إلى جد النبي محمد صلى الله عليه وسلم العاشر واسمه قريش. واليه تنتهي وتجتمع قبائل قريش وما فوقه كنانة. وسمي قريشا لأنه يقرش أي يفتش على حاجة المحتاج ليسدها من ماله. وقيل أن بنوه يقرشون أهل الموسم من حوائجهم فيرفدونهم26 ، وبناء عليه فاني اعتقد أن هذا صلب العمل الاجتماعي التضامني، والله اعلم. هوامش: 1 محمد كريم ? الاقتصاد الاجتماعي بالمغرب التنمية المعاقة وجدلية الاقتصاد والمجتمع ? 2012 2 Ahmed TRACHEN ( 1993) ; Economie Politique : Microéconomie Macroéconomie ; Ed Afrique Orient p 9 3 L. Robbins ( 1957). Essai sur la nature et la signification de la science économique. Librairie Médicis 4 Ahmed TRACHEN ( 1993) ; Op cit p 9 5 لا اسميهم باحثين بقدر ما هم مدرسون لأنهم يحفظون عن ظهر قلب ذالك التاريخ المشوه للاقتصاد ويبدؤونه بالفكر الميركانتبلي 6 أنظر محمود أبو السعود 1975 , الاقتصاد في المذهبية الإسلامية مجلة المسلم المعاصر عدد 4 ص 61 إلى 75 7 مرجع سابق 8 من الذي وضع أسس ومبادئ الاقتصاد؟ جريدة التجديد 06 ماي 2002 ، التحديد المقدم للربح بين الشرع الإسلامي والمعاملات الربوية, جريدة التجديد 28 فبراير 2002 ، التنمية المستدامة في النظام الاقتصادي الإسلامي جريدة التجديد 2002 9 سميت بالطبيعية لأن روادها يعتبرون أن الثروة المادية لا يمكن تحقيقها إلا عبر استغلال الأرض التي يعتبرونها المصدر الوحيد للإنتاج 10 أهمهم F.Quesnay ( 1694-1774) ; الطبيب الخاص للويس 17 والذي كتب وكان هو الأول في التطرق إلى موضوعLe tableau économique 1758) 11 انظر مندر قحف 1979 , النظام الاقتصادي الإسلامي نظرة عامة , مجلة المسلم المعاصر , عدد 20 ص من 34 إلى 60 12 أهمهم A. Smith ( 1723-1790) ; D.Ricardo ( 1772-1823) ; J.B.Say (1767-1832) T.R. Maltus (1766-1834) 13 محمد كريم ص 36 14 La plus value 15 La surproduction 16 على يد أستاذنا الجليل أحمد الطراشن بكلية الحقوق بمراكش 17 محمد كريم ص 40 18 للإشارة لا ينبغي الخلط بين التنمية والنمو لأن الأستاذ يتحدث تارة عن النمو وتارة عن التنمية ويدعي أن مؤشر التنمية يستحضر متوسط الناتج المحلي الخام, الشيء الذي يوضح عدم ضبط المفاهيم الاقتصادية فالنمو هو الذي يؤشر له ليس بمتوسط الناتج المحلي الخام ولكن بنسبة تطور هذا الناتج le taux de croissance , إضافة إلى ذلك لا ينبغي تسميته محليا لأن المعنى الاقتصادي يختلف من المحلي إلى الداخلي اختلافا جوهريا أنظر الصفحة 55 من كتاب محمد كريم 19 قال ساي: Toute offre crée sa propre de mande 20 محمد كريم ص 41 21 أحيل الأستاذ في هذا الصدد على الكتاب المعنون Les chantiers de l?économie sociale et solidaire Actes de colloque 2003 collection des sociétés 22 محمد كريم ص 41 23 التنمية المستدامة هي إشباع حاجيات الحاضر دون الإجهاز على حاجيات المستقبل 24 محمد كريم ص 45 25 كأن نقول مثلا هذا كلام سوقي أي كلام ساقط و غير مؤدب 26 الإمام برهان الدين الحلبي الشافعي السيرة الحلبية ج1 , المكتبة الإسلامية? دار الفكر, لبنان ص 123