par Thami Bakkas في اطارالندوة التربوية التي نظمتها اللجنة الثقافية بمؤسسة ثانوية عثمان بن عفان / تاكونيت نيابة زاكورة يوم 26/12/2005 تحت عنوان ** دراسة ادبية وفلسفية لمؤلف "اوراق"** للدكتور عبد الله العروي بمشاركة اساتذة اللغة العربية والفلسفة بثانوية عثمان بن عفان وثا سيدي صالح لفائدة تلاميذ 2 باك اداب عصرية بالثانويتين عندما ينظر الاستاذ العروي الى حال الامة العربية فانه يشخصها بمرارة بقوله :"... وجداني لايكف يستشعر الاسى على الاجيال الضائعة والنشاط العقيم والزمن الفارغ وعندما جاءت الهزيمة – 1967 – تألمت اكثر واكثر للشعب المصري الذي سبق كل الشعوب الى الاصلاح والرقي والتنمية الذي حاول اربع مرات ان يقوم بثورة شاملة وعجز عنها ...هل خانته ألهته لا بل خان نفسه لانه لم ينتج القيادة القادرة ." " الايديولوجية العربية المعاصرة "ص 17 من خلال تحليل ذ. العروي لواقعنا العربي ينتهي الى القول :«عرفت الإنسانية الحديثة ثورة دينية، وثورة ديموقراطية وثورة صناعية كل واحدة منها تعبر، في ميدان خاص وبكيفية خاصة، عن تطور المجتمع كوحدة متكاملة. ونتج عن هذه الثورات انقلابات في الفكر تستحق أيضاً اسم الثورات: العلمية، والتاريخية والعقلانية ثم عبَّرت عن هذه الثورات أيديولوجيات مختلفة أهمها الليبرالية والاشتراكية» والحداثة في المجتمعات الإنسانية الغربية هي الخلاصة العليا لكل هذه الثورات، بينما الاشتراكية والليبرالية هما الخلاصتان الأيديولوجيتان في التعبير عنها. كل هذه الثورات عاشتها الإنسانية في الغرب، منذ القرن السادس عشر، سياسياً، ومادياً، وأيديولوجياً. فهل كان الأمر كذلك بالنسبة للبلاد العربية؟ الجواب هو طبعاً بالنفي: «لم يعرف المجتمع العربي إلاّ ثورة واحدة، الثورة الوطنية، واختلطت فيها ثورات متعددة: ذهنية فردية، وديموقراطية اجتماعية، واقتصادية اشتراكية» هل استطاعت الثورة الوطنية في المجتمع العربي أن تقوم بعملية الاختزال التاريخي لكل الثورات الأخرى؟ وهل استطاع الفكر العربي أن يحقق طفرة تمكِّنه من استيعاب العقل الحديث؟ الجواب هو بالنفي مرة ثانية والدليل على ذلك عند العروي هو «الخيبة» التي رأيناه يتحدث عنها سابقاً. المقصود بالتأخر ليس هو التخلف في ميدان المعمار والبناء، أو التوفر على وسائل المواصلات الحديثة والسريعة، أو التمتع بوسائل الترفيه المتطورة. الثورات الكبرى التي عرفها العالم الغربي ترتبط بنشأة المدن الكبيرة كما هو معروف. ونحن نتوفر اليوم، في البلاد العربية، على مدن ضخمة مكتظة بالسكان فهل يعني هذا أنها فعلاً «تجمعات مدينية». ربما كان المشكل هو أنه «ستزيد مدننا ضخامة واتساعاً دون أن تنتشر فيها ذهنية مدينية، تكثر فيها اللعب العلمية بينما تبقى الذهنية العمومية استهلاكية خرافية تواكلية» غياب الذهنية المدينية مع وجود المدينة هو مثلٌ من علامات هذا التأخر لا تعكس الذهنية المدينية نمطاً من العلاقات الجَماعية، وإنما هي تعبِّر عن نظام متماسك تكون فيه السيادة للإنتاج قبل الاستهلاك، ويكون فيه العلم نشاطاً جماعياً قبل أن يكون مجهوداً فردياً منعزلاً. الذهنية المدينية تعني وجود «جو ثقافي مديني، جو يتواصل فيه الناس بسهولة وتتجه فيه اهتماماتهم نحو الإنتاج وتطويع الطبيعة» وهذا بالضبط ما هو منعدم في المدينة العربية لأن الذهنية العربية متأخرة عن الواقع المادي للوجود العربي. لا غرابة أن نشاهد «مجتمعاً مدينياً وتاريخياً يختار، كأسلوب في التعبير، ثقافة بدائية وقبلية» ولا غرابة بالتالي من وجود المثقف المتجه كلية نحو الماضي، والبعيد كلية عن الحاضر، يتعلق بأهداب ثقافة لا تربطه بها أدنى صلة معقولة، تماماً كما كان الشاعر الأندلسي في القرن الخامس الهجري ينعم بالقصور الفاخرة والرياض العطرة فيما كانت روحه متجهة كلية نحو صحراء لا يعرفها ولا يستطيع أن يعيش فيها يتحدث د. العروي عن الظروف التي تمّت فيها كتابة الأيديولوجية العربية، ومن ثم الأسباب التي حملته على اختيار مستوى التحليل الأيديولوجي دون المستوى الاجتماعي أو السياسي مثلاً، فيذكر أن مصدر ذلك هو التفكير في الخيبة التي عرفتها الحركات التحررية الوطنية في البلدان العربية، مستدلاً على ذلك بالخيبة التي مني بها ثلاثة من الزعماء العرب هم: المهدي بن بركة، جمال عبد الناصر، وبن بلا، الأول وكان عند اتخاذ مواقفه السياسية «يتوصل هو إلى النتيجة عن طريق تحليل مسلسل ومنطقي، ولكن في العرض يقدم النتيجة جاهزة كأنها من بديهيات «العلم» العصري الذي يجب أن تقبل بدون مناقشة فلا يعطي في العرض مع النتائج طرائق الاستنتاج. وعندما كان يؤخذ عليه هذا الأسلوب الناقص، غير المكوّن في الواقع لأطر الحركة، كان يتجنب الموضوع أو يقول إن الوقت لم يحن بعد». والثاني لأنه يكشف في الواقع عن المشكل في جانب آخر منه وهو «مشكل النقص الأيديولوجي (...) ولا أدل على ذلك الضعف، وضعف الأفق من «الميثاق» الذي كان زبدة تفكير النخبة المثقفة المتعاونة مع النظام الناصري». والآخر «لأنه لم يهتم أدنى اهتمام ولم يقتنع أبداً بأرضية القرارات التي عرضت عليه (...) لم يقبل المقترحات إلاّ على أساس النتائج الوقتية واستمالة الرأي العام في الداخل والخارج» هذه الإخفاقات علامة على الإخفاق الذي منيت به الحركات الوطنية في الوطن العربي: وإذا كانت قد استطاعت أن تحقق النجاح باعتبارها حركات تحررية مناهضة للوجود الاستعماري في بلدها، فإنها قد أخفقت مع ذلك في أن تحقق ما يحتاجه المجتمع العربي من تحرر على المستويات: الاجتماعية والسياسية، والأيديولوجية. في كل هذه التجارب الثلاث الثابت أساساً هو «العجز الأيديولوجي أو بكيفية أدق تخلف الذهنيات(*) عن الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية العامة» «العجز الأيديولوجي» أو «النقص الأيديولوجي»، أو «الخلط الأيديولوجي»، بل وربما أيضاً «الخلاعة الأيديولوجية»، كل هذه الأوصاف المتشابهة أو المتقاربة من جهة أولى، يضاف إليها «تخلف الذهنيات»، «الفكر اللاتاريخي»، «الوعي الساذج»، «وهم الماضي» كل هذه النعوت المختلفة، التي تدل في نهاية الأمر على حقيقة واحدة، يمكن أن تجد مفهوماً إجرائياً يعبر عنها أفضل تعبير وهو مفهوم «التأخُّر التاريخي». ميزالعروي في نقده للايديولوجية العربية المعاصرة ثلاثة تيارات أساسية فيها كل منها لها معبر خاص بها كما يلي : الشيخ والسياسي الليبرالي وداعية التقنية؛ يفترض التيار الأول أن أم المشكلات في المجتمع العربي الحديث تتعلق بالعقيدة الدينية؛ ويفترض التيار الثاني أنها تتعلق بالتنظيم السياسي؛ ويفترض الثالث أنها تتعلق بالنشاط العلمي والصناعي. ومن ثم فإن نهضة الأمة وتقدمها واصطلاح أحوالها تتوقف على الإصلاح الديني، في نظر التيار الأول، وعلى الإصلاح السياسي الدستوري، في نظر الثاني، وعلى العلم والتقانة والنشاط الاقتصادي في نظر الثالث. مرجعية التيار الأول هي الإسلام في نقائة الأول (عصر الرسول وخلفائه الراشدين)، ومرجعية الثاني هي الغرب الليبرالي (الدولة الدستورية وحكم القانون وسيادة الشعب ..)، ومرجعية الثالث هي غرب العلم والتقانة والصناعة، ويستنتج أن رؤية المفكرين العرب للغرب رؤية غير تاريخية؛ فالغرب يختزل لدى كل منهم إلى أحد وجوهه فحسب أو إلى إحدى مراحل تطوره فقط، فلا تتكون لديهم صورة شاملة مطابقة لواقع الحال[1]]. كما رأى أن في صلب كل دعوى (من هذه الدعاوى الثلاث) مدلولاً طبقياً، "لكنه غير ناشئ عندنا، بل يمكن القول إن ذلك المدلول المستوحى من الخارج هو الذي يساعد المجتمع العربي، دون أن يكون وحده العامل الأول والفعال، على أن يتمايز وتتبلور فيه الطبقات. لا ينطلق فكر أي من دعاتنا أول ما ينطلق مما يلاحظ مباشرة من عملية التمايز الجارية في مجتمعنا، وإنما يستبق نتائجها المنطقية اعتماداً على ما توحي به إليه بنية خارجية، وبالضبط بنية الغرب الحديث"[2][13]. ورأى أن كلاً من الشيخ والليبرالي وداعية التقانة كان ينقذ العقيدة الدينية، بصورة مباشرة (الشيخ) أو غير مباشرة (الليبرالي وداعية التقانة اللذان ينفيان بطريقين مختلفين أن تكون العقيدة الإسلامية عاملاً من عوامل الانحطاط، بل الاستبداد، في نظر الأول، وتخلف العلم والصناعة في نظر الثاني). أراد ذ. العروي، في نقده الأيديولوجية العربية المعاصرة وتفنيد الفكر السلفي خاصة، أن يمنح العمل السياسي العربي "التلقائي" أيديولوجية حديثة وواقعية تقوم على مبدأي المنفعة والإنجاز معيارين للفكر والعمل، و "دفع العمل السياسي الثوري، التقدمي الغارق في الممارسة إلى الاقتناع بضرورة استيعاب أيديولوجية معينة توحد ذهنياً أعضاء الحزب وتجعلهم نواة المجتمع المرتقب" ولكي لا نقع في ما نهرب منه، "لا بد، في رأيه، من منطق، لا بد من منهجية، لا بد من نظرية تجعل من الحزب جماعة ملتحمة، حية، متكافئة، قادرة على الاستمرار والتجديد والإبداع، تكون خميرة المجتمع العصري الخلاق في قلب المجتمع التقليدي العقيم عند العروي قراءة معينة للواقع العربي الراهن، ينظر من خلالها إلى ذلك الواقع ويرفضه ويدعو إلى ضرورة مجاوزته في الوقت ذاته، وهي تتحدث عن ذلك الواقع في صورة علامات أو أعراض. يمكن القول، أيضاً، بأنها تقوم ببناء ذلك الواقع، وليس المقصود من كلامنا، بطبيعة الحال، أنها تتوهم واقعاً غير موجود أو غير «واقعي» في مقابل الواقع الفعلي، وإنما نقصد فقط أنها تصوغه بكيفية يكتسي بها درجة كافية من المعقولية. إنها ترفض كل واقعية ساذجة تعتقد أنها معرفة الواقع (الاجتماعي والسياسي والأيديولوجي) لا لشيء إلاّ لأنها تعيش فيها. وككل قراءة تنتهي إلى صياغة مجموعة من الأسئلة تمهد بدورها للأجوبة المناسبة، أو لنقل إنها تحملها في جوفها. هي تنتهي، إذن، إلى صياغة البديل الممكن أو البدائل الممكنة من ذلك الواقع المرفوض أن القراءة التي يقوم بها العروي للواقع العربي المعاصر تنقله إلى المستوى الأيديولوجي بطبيعة الحال، مع كل ما يستلزمه ذلك المستوى من صعوبات، وما يحف به من مزالق وأخطار: من جنوح ضروري إلى التجريد، غموض واضطراب في استعمال المفاهيم (بما في ذلك مفهوم الأيديولوجيا ذاته)، ميل شديد إلى الوثوقية والقناعات النهائية. أضف إلى ذلك أن الكتابة تصبح عرضة لأكثر التأويلات تعارضاً وتناقضاً، أي أنها تدخل، بحكم منطقها ذاته، في مجال الأيديولوجيا، وربما لكل هذه الأسباب نجد عند العروي نفسه رجوعاً مستمراً إلى القضايا الأصلية والأولية بقصد الشرح والتوضيح بل والتبرير بطبيعة الحال سالكاً في ذلك نوعاً من البيداغوجية التي يمتزج فيها العرض التحليلي التعليمي مع الاستخلاص التركيبي التنظيري، بل إنه ينبهنا بأسلوب صريح ومباشر إلى ما يبدو له أنه بيت القصيد من كل ما كتب ويكتب. «بدأت أحس أن المشكل الأساسي الذي أحوم حوله منذ سنين هو الآتي: كيف يمكن للفكر أن يستوعب مكتسبات الليبرالية قبل (وبدون) أن يعيش مرحلة ليبرالية». يتحدث في كتاب الأيديولوجية العربية المعاصرة عن ثلاثة نماذج ذهنية تمثّل موقف المثقف العربي المعاصر من الغرب هي نماذج كل من: رجل الدين، رجل السياسة، ومحب التقنية. في حين أن الوعي العربي، من خلال هذه النماذج، كان يبحث عن الماركسية بكيفية لا شعورية لأنها هي الجواب المنطقي الذي كان ينشده من جهة أولى، وهو الجواب الوحيد الممكن من جهة ثانية. ولكي نفهم الدرس الماركسي ينبغي أن نتأمل حالة المجتمعات التي كانت توجد في وضعية شبيهة بوضعية مجتمعات العالم الثالث، أي وضعية المجتمعات التي استطاعت أن تتدارك التأخر التاريخي. لنأخذ مثالين قوميين وشهيرين معاً: مثال ألمانيا، ومثال روسيا ولنتساءل حول الأسباب الحقيقية التي سمحت لهما، كل في نطاق تجربته الخاصة، اللحاق بركب البشرية المتقدمة تاريخياً. نجد السر في ذلك يكمن في أن كلاً منهما «جعلت أوروبا الليبرالية أفقاً لهدفها الثقافي ولهدفها السياسي» فإذا أقمنا المقارنة مع المجتمع العربي المعاصر فإننا نجد، على العكس من ذلك، إن «الثقافة العربية»، في تعبيرها الكلاسيكي، في أكثر الأجزاء تأثيراً من تعبيرها الحديث المعاصر، نجدها تتعارض مع الثقافة الليبرالية نقطة بنقطة» معارضة الثقافة الليبرالية، في الفكر العربي المعاصر، نقطة يلتقي عندها كل من المثقف السلفي والمثقف الذي يعتبر نفسه خصماً عنيداً ومعارضاً للسلفية وثقافتها. يرفضها الأول باسم الأصالة ورفض الأيديولوجيات المستوردة ويرفضها الثاني لأنه يرى فيها حليفاً للاستعمار ومواكباً له. ما الذي يؤشر إليه هذا التعارض في الموقف من الثقافة الليبرالية بين ثقافة البلاد التي استطاعت أن تتدارك التأخر التاريخي، والبلاد التي لا تزال غارقة فيه؟ هو يؤشر بطبيعة الحال، عند العروي، على «تخلف الذهنية»، ولكنه يؤشر قبل ذلك على النقص الأيديولوجي كواقع من جهة وعلى ضرورة مجاوزته، عن طريق النقد الأيديولوجي، من جهة أخرى. في استطاعة المثقف الغربي أن يرفض «الليبرالية أو الماركسية المتأثرة بها أو يطمح إلى تجاوزها في ميادين غير الميدان الاقتصادي [لأنه] يرفض أشياء موجودة وملموسة حوله قد جربها مجتمعه منذ عقود» . ولكن ذلك المثقف، وكما هو الشأن في أمثلة البلاد التي استطاعت تدارك التأخر، لا يرفضها، بل هو على العكس من ذلك يتبناها ويحافظ عليها مع الإيمان بضرورة تطويرها لأنه يدرك «أن الماركسية ذاتها، بحسبانها أيديولوجية وممارسة سياسية هي في نهاية التحليل عقلنة (...) لهذه الثقافة الليبرالية ذاتها» يمكن القول أيضاً بأنه قد أدرك الدلالة البيداغوجية للدرس الماركسي، قد فهم الأسباب التي كان ماركس ينوه من أجلها بالثقافة البورجوازية وبطابعها الكوني، في الوقت نفسه الذي كان يدينها فيه كطبقة اجتماعية ويحكم عليها بالاندحار والفناء. أما نحن، مثقفي العالم الثالث، فعندما نرفض الثقافة الليبرالية فنحن في الواقع «نرفض ما لا نملك ونظن أننا ملكناه، بمجرد أننا رفضناه. نستهزئ بالتراث الليبرالي (...) ونحن لم نستوعبه بعد ويبقى المجال (...) مفتوحاً للفكر التقليدي الذي يظن أنه معاصر الوقت الحاضر لأنه ليبرالي» . إن مثقف العالم الثالث لا يقع على الدلالة البيداغوجية للدرس الماركسي فتكون النتيجة على حساب هذا المثقف بطبيعة الحال، وتكون في صالح الفكر الذي يتوهم أنه يتجرد لمناهضته ومحاربته. هنا يبلغ النقص الأيديولوجي درجته العليا من الخطورة التي تعني تعميق هوة التأخر التاريخي عوض العمل على ردمها ومجاوزتها. تحديث الذهنية، أخيراً، هو العلامة الكبيرة الهادية إلى تحديث العقل العربي، وتحديث العقل العربي هو الغاية التي يسعى إليها النقد الأيديولوجي، وهو الضرورة التي يكشف عنها منطق التاريخ، ذلك الذي تكون الماركسية التاريخانية معلمه الأمين الذي ينير للمثقف العربي دروب السبيل. التاريخانية هي دعوة إلى تحديث العقل العربي من جهة، وهي البرنامج العملي لذلك التحديث من جهة أخرى. لتاريخانية الأستاذ العروي نبض أساسي هو إرادة العمل، إرادة النهضة والتحرر والتقدم والترقي المثقف العربي، كمثقف من العالم الثالث، في حاجة إلى الماركسية التاريخانية لأنه لا يريد أن يبرر الإستسلام والخنوع، لأنه يرفض التأخر التاريخي ويدينه بإدانته للفكر الذي يقبله ويبرره، وللفكر الذي يعمل ما هو أخطر من ذلك: الفكر الذي ينمي ذلك التأخر ويعمقه في الفكر والمجتمع معاً. التأخُّر التاريخي أولاً وأخيراً هو تأخُّر في الذهنية، أي أنه، بتعبير آخر، تأخُّر أيديولوجي. إنه التعبير عن هذا التعايش الغريب بين التقدم الصناعي والتطور التجاري في مقابل التخلف الذهني. ان أحد الشروط الأساسية لتدارك التأخر التاريخي بالنسبة للمثقف العربي، وما يمكن اعتباره نقطة بارزة في برنامج التحديث، هو جعل «النهضة العربية (أي الانتفاضة الفكرية التي عرفتها الثقافة العربية في نهاية القرن الماضي ومطلع القرن الحالي)، موضوعاً للتفكير في النهضة العربية، ما يمكن أن نسميه بالنهضة الثانية، المثقف العربي اليوم، كمثقف من العالم الثالث، في حاجة إلى إعادة التفكير في الدرس الماركسي، درس «ماركس الأيديولوجي [الذي] سيبقى حياً يبعث ما دامت هناك بقية متأخرة في العالم». لأن هنالك عدداً من أوجه التشابه بين الظروف التي وجد فيها ماركس إبان كتابه الأيديولوجية الألمانية، والظروف التي يوجد عليها مجتمعه اليوم. الماركسية، بالنسبة لهذا المثقف، تمثِّل «الخلاصة المنهجية للتاريخ الغربي (...) وهي ما لم يكف الفكر العربي المعاصر من البحث عنه منذ ثلاثة أرباع القرن» المثقف العربي، اليوم، مدعو إلى محاربة الفكر التقليدي كفكر يجسّد السلبية والتواكلية والانهزامية، يجسّد كل ما هو مرفوض لأنه يكبل المجتمع العربي بأغلال وقيود تزيد من حدّة التأخر التاريخي وثقله. هذه الدعوة لا يستطيع أن يلبيها إلاّ بقدر استيعابه للتراث الليبرالي، لأن ذلك التراث هو الذي استطاع أن يهزم التقليد في ظروف تاريخية مشابهة لظروف المجتمع العربي اليوم، ولذلك فإن المثقف العربي يكون في حاجة ماسة إليه. المجتمع العربي كله، في سبيل تدارك التأخر التاريخي، في حاجة إلى «استيعاب الثقافة spanالخلاصات/span يقدم لنا المؤلف صورة الشيخ والليبرالي والتقني؟ ويعطي أمثلة على ذلك: محمد عبده وأحمد لطفي السيد وسلامة موسى. ألم يكن الأجدر أن تدرس المدارس الفكرية والسياسية، وليس الأفراد، وأن يدرس الأدباء والمفكرون من خلال هذه المدارس...؟ هناك المدرسة الدينية، أو التيار الديني، ومحمد عبده أحد رموزه. وهناك التيار الديمقراطي وأحمد لطفي السيد أحد رموزه. وهناك التيار العلماني وسلامة موسى أحد رموزه كان من اللازم تناول هذه الوجوه الثلاثة الممثلة للايديولوجية العربية بالتحليل والنقد مع ربطعا بسياقاتها التاريخية وبتجاربع الميدانية التي خلفتها في الواقع العربي وكشف اقنعتها فالشيخ انتج الاخوان المسلمين بدعاويهم الى العودة الى الدولة الاسلامية حيث لا حلّ لمشاكل العالم إلاّ بالدين. واللبرالي ارتبط بامريكا وتحالف مع القوى المعادية للمجتمع الاشتراكي العادل فعاكس طموح الطبقات الفقيرة في التحرر والانعتاق من الاستغلال المادي والفكري والسياسي وترتب عن ذلك انظمة سياسية تبعية مشوهة شكلا ومضمونا والتقني مهد الطريق للبورجوازية الصغيرة التي جاءت الى الحكم و رأت في السلطة قوة قمع فقط واستفراد بالقرار السياسي والاقتصادي وتدفعه عقليته المتخلفة المحدودة إلى مصالحات مع الشيخ بما يمثله، ومع الرجعية والامبريالية فغرق في الاستدانة لنقل التقنية، وشراء المصانع الجاهزة مما اسقطه في أشكال من التبعية الجديدة الخلاصات الكبرى التي ينتهي إليها العروي من قراءته للواقع العربي.سيادة الفكر اللاتاريخي، تخلف في الذهنية بالنسبة للواقع المادي المعاش، نقص أيديولوجي: عناصر تنتظم في ما بينها لكي تصبح تعبيرات أو تجليات أو أعراض لداء عضال ينخر «جسم» الواقع العربي الراهن: spanداء التأخر التاريخي/span. لا سبيل إلى محاربة تخلف الذهنيات إلاّ بالعمل على تحديث العقل العربي، ولا سبيل إلى القضاء على الفكر اللاتاريخي إلاّ بمعانقة الفكر التاريخي في أعلى صوره، ولا سبيل إلى مجاوزة النقص الأيديولوجي إلاّ بممارسة النقد الأيديولوجي. امام ضجيج وصخب الفكر الاصولي والدعوات الارتدادية الى الماضي حتى وان كان مظلما فأن الأولية في المجتمعات المتأخرة، في العالم الثالث، ينبغي أن تكون في برامج المثقفين السيطرة الثقافية عوضاً عن الهيمنة السياسية لقد كان ذ. العروي وما يزال، من أكبر دعاة الحداثة السياسية في الفكر العربي المعاصر، وهو كما أشرنا آنفاً، صاحب الأطروحة الأكثر جذرية في إجتثاث المنظور السلفي بحكم غربته عن التاريخ. نقصد بذلك دعوته التاريخانية الرامية إلى الدفاع عن واحدية التاريخ البشري، من أجل أن تتمكن الإنسانية في كل مكان من التعلم من دروس الحداثة الغربية. ومع ذلك فإن عبد اللَّه العروي لا يعطنا حلاً «سحرياً» لمشاكنا المستعصية. إنه يفكر ويدعونا إلى التفكير، يكشف سلبيتنا في الفكر والممارسة، ويدعونا بطريقة غير مباشرة وغير خطابية إلى الفكر العلمي والعمل الجدي. هل معنى ذلك أن عمله كامل؟ لا بالطبع. إنه عمل مكثف، وهو يلمس بعض القضايا لمساً... مثلاً، إنه لا يحاول أن يحلل التركيب الطبقي للمجتمع العربي، ويكتفي بالإشارة إلى «أن الأمر يتعلق بالأحرى بمجتمعات مقفلة متنافسة لا بطبقات متصارعة». هل الأمر كذلك فقط؟ وهل تكفي الإشارة العابرة للمغرب، دليلاً على التركيب الطبقي للمجتمع العربي؟ ألا يحتاج الأمر إلى دراسة المجتمع العربي كله؟ يسعى الاستاذ العروي في مشروعه الفكري الى ربط العرب بالغرب عبر تعميم المكتسبلت اللبرالية ثقافة وانتاجا وهذا الخيار التغريبي ساد بالفعل في كل بقاع العالم الفقير فماذا كانت النتيجة إلا مزيداً من الفقر والذل والتبعية لا نختلف مع دارسي الفكر العربي المعاصر، عندما نعلن أن كتابات الأستاذ عبد اللَّه العروي، في جميع ما أنجز من مصنفات، تتميّز بغناها النظري وكفاءتها التركيبية، وهندستها المرتبة في إطار من الإحكام والتناسق، إضافة إلى استثمارها لمعارف ومعطيات ووقائع مقارنة لا حصر لها إن مؤلفات ذ. العروي تنم عن ثقافة واسعة وجهد دؤوب. ذلك أن المؤلف يقودنا عبر صفحات كتبه من التراث إلى فكرنا المعاصر ومن الفقه إلى الأدب. وهو يكشف عن معرفة واسعة بثقافتنا وبالثقافة الغربية. إنه لا يتكلم عن تراث لا يعرفه، كما يفعل معظم «متوارثي» هذه الأيام، ولا يعطي أحكاماً في قضايا لم يدرسها، كما يفعل معظم المتأدبين في وطننا. وهذه الثقافة الواسعة تمكّنه من رؤية العلاقة بين الماضي والحاضر، وبين التراث والواقع، وبين العمل والفشل ومع كل ما تقدم فمشروع ذ.ع الله العروي يحتاج إلى دراسة شاملة معمقة، وإلى أكثر من قراءة. فهو يطرح العديد من القضايا الخطيرة ويناقش العديد من المفاهيم، ويحسم في العديد من الأمور الكبيرة وهو بالتالي برنامج عمل فكري ونضالي بالنسبة لنا كقوى تقدمية فاعلة في المجتمع تسعى الى ايقاد الشموع من حولها لكسح الظلام السد يم على واقعنا العربي الرديء وهو برنامجنا ايضا لمواجهة الافكار المتطرفة التي تشكك في انتصار الاشتراكية العلمية والنظرالى المستقبل بامل مفتوح على امتداداته الرومانسية المشرقة والواعدة . انه ينبهنا ان محطة العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة وانهاء الطبقية بمجتمعنا توجد على المنعرج الى اليسار فايانا ان ننعطف الى اليمين و نضل الطريق ونضطر للتوقف خارج المحطة الموعودة وتضيع المرحلة التاريخية المأمولة انه الموعد السعيد الذي ضربه لنا الاستاذ العروي فهل نكون نحن في الموعد اقول نعم لن نخلف الموعد ************************************************************ spanاصدارات ع الله العروي/span - عبد الله العروي، الإيديولوجيا العربية المعاصرة، منشورات Maspero، 1967 - عبد الله العروي، أزمة المثقفين العرب، منشورات Maspero، 1970 - عبد الله العروي، تاريخ المغرب، منشورات Maspero، 1970 - عبد الله العروي، العرب والفكر التاريخي، دار الحقيقة، 1973 - عبد الله العروي، العرب والفكر التاريخي، دار الحقيقة، 1973 - عبد الله العروي، الأصول الاجتماعية والثقافية للحركة الوطنية المغربية، منشورات Maspero، 1977. -عبد الله العروي، مفهوم الإيديولوجيا، المركز الثقافي العربي، الدارالبيضاء، 1980. - عبد الله العروي، مفهوم الدولة، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1981. - عبد الله العروي، مفهوم الحرية، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1981. - عبد الله العروي، ثقافتنا في ضوء التاريخ، المركز الثقافي العربي، بيروت ، 1983. - عبد الله العروي، الغربة واليتيم، روايتان، 1983 - عبد الله العروي، الإسلام والحداثة، منشورات la découverte، باريس، 1986. -عبد الله العروي، الفريق، رواية، 1986. - عبد الله العروي، أوراق: سيرة إدريس الذهنية، 1986. - عبد الله العروي، مفهوم التاريخ، المركز الثقافي العربي، الدارالبيضاء، 1992 - عبد الله العروي، مفهوم العقل، المركز الثقافي العربي، 1996 – عبد الله العروي، النزعة الإسلامية والحداثة الليبيرالية، 1997. - عبد الله العروي، خواطر الصباح، المركز الثقافي العربي، 2001 ****************************************************************************** spanسيرة الكاتب : عبدالله العروي/spanspan/span - ولد عبدالله العروي بأزمور سنة 1933 وبها تلقى تعليمه الابتدائي. - سافر إلى مراكش والرباط لمتابعة الدراسة الثانوية. - سافر بعد ذلك إلى باريس لاستكمال دراسته العليا : · درس بمعهد الدراسات السياسية. · وكلية الآداب بجامعة باريس · أحرز على شهادة في العلوم السياسية 1956 · وعلى شهادة عليا في التاريخ 1958 · أصبح مبرزا في العلوم الإسلامية 1963 · نال دكتوراه الدولة في التاريخ 1976 - شغل منصب مستشار بسفارة المغرب بباريس والقاهرة من (1962-1960 ) - مارس التعليم : · كان معيدا بمعهد الدراسات العربية بباريس · ومحاضرا بكلية الأداب بالرباط - تقلب في عدة وظائف ، ومارس الكتابة : · من مؤلفاته الفكرية : · "الايديولوجيا العربية المعاصرة" · العرب والفكر التاريخي · مفهوم : الاديولوجيا · " الحرية · " الدولة · ثقافتنا في منظور التاريخ... · من مؤلفاته الإبداعية : · له أربع روايات : " الغربة " -" اليتيم" - " الفريق " و" أوراق". - يشغل الآن عضوا بأكاديمية المملكة المغربية.