احتفت مدينة مكناس بكل شرائحها الثقافية والفنية والتعليمية، مساء أمس الجمعة، في جو ملؤه البهجة والحبور، بالكاتب المبدع مصطفى الرقا اللبناني الأصل والمغربي الهوية والقلب. وتميز الاحتفاء بقراءة في مؤلف الباحث والمبدع العربي مصطفى الرقا "الرحلة الكبرى .. فرحة المشاهدة ونشوة الحلول"، بمشاركة الأساتذة عبد الله الطني ونعيمة زايد ومحمد البقالي ومحمد فؤاد المغاري ومليكة بنمنصور وحسن الصالحي ونادية الحاج إبراهيم الرقا. وشكلت قراءة المشاركين لمؤلف الرقا رحلة غاصت في ثنايا رحلته الكبرى والكشف عن خصوصياتها الفكرية والعلمية وتجربته الغنية، المستمدة قوتها من كل دروب المعرفة، متسائلين عن هوية الكتاب في خارطة الكتابة، خاصة وأنه متعدد المناحي والأبعاد; إبلاغي وتواصلي وفني وتخييلي وعلمي استعان فيه الرقا بعلوم التجريب والفلك حتى استقام له التصور. ورغم أن المؤلف صنف من قبل في خانة كتب "الفلسفه وعلم النفس"، إلا أن القراءات المتعددة التي حظي بها جعلته ينتمي إلى أجناس أدبية متعددة تأخذ المتلقي إلى أبعد نقطة، فقد ينتمي إلى أدب الرحلات، رغم أن رحلة الكاتب ثقافية وجغرافية افتراضية استند فيها في استشهاداته إلى القرآن الكريم والعلم لإبراز الحجج، مستعملا لغة تنتقل بالمتلقي إلى درجة من الانتشاء الفكري والروحي، مع الدقة في السرد والوصف والإخبار. ويعطي الكتاب- حسب القراءات - دروسا بليغة في فن الاختلاف ولوحات بهية في إعادة تشكيل الوجود الإنساني، إضافة إلى كونه مسكونا بالشعرية والحكمة وبمجموعة التساؤلات الفلسفية الجسورة، فيما لا توجد فلسفة الرحلة الكبرى، حسب بعض هذه القراءات، في جسد النص بل في روحه، وبما أن هذا النص يتكلم لغات متعددة فإنه يغدو عصيا على كل تصنيف وتسييج. وفي هذا الكتاب، الذي نشر سنة 2002 من طرف "الدار العربية للعلوم" بلبنان، يسيطر على المؤلف هاجس أن الإنسان يوجد على ظهر مركبة فضائية ليست من صنع البشر، والرحلة طويلة جداً بالنسبة إلى عمر الفرد البشري، والبشر يتناوبون على ظهر السفينة من جيل إلى آخر، والقيادة ليست بيد الإنسان بل هي آلية مدمجة في برنامج الرحلة. ويطرح المؤلف العديد من الأسئلة من قبيل أين بدأت الرحلة? وما الهدف منها? وإلى أين المسير? ومن وحي هذا الخضم الفلسفي والتأملات في الكون يغوص الكاتب في رحلة بحث مستمرة في فضاءات خيالية، مذكرا بكتاب لورين أيسلي، الذي يحكي فيه قصة الارتقاء والنشوء، وظهور الحياة بأبسط صورها على وجه الأرض، ثم تعقدها وخروجها من البحار إلى اليابسة. وللإشارة فقد جاء الأستاذ الرقا إلى المغرب في عهد الحماية ضمن بعثة لبنانية تضم عددا من الأساتذة، والتحق بثانوية النهضة بسلا ثم ثانوية النهضة بمكناس التي استقر بها كأستاذ للرياضيات، ثم التحق بكلية الأداب بفاس وحصل على الإجازة ثم على دبلوم الدراسات المعمقة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط ثم على دكتوراه بفاس، ودرس بعدد من المعاهد العليا. وقد ساهمت في تنظيم هذا التكريم، الذي حضره على الخصوص والي جهة مكناس تافيلالت السيد محمد فوزي وعدد من الشخصيات بدار الثقافة الفقيه محمد المنوني، المديرية الجهوية لوزارة الثقافة بجهة مكناس- تافيلالت بتعاون مع جامعة المولى إسماعيل ومجلس الجماعة الحضرية لمكناسالمدينة وجمعية الأفق التربوي، وذلك في إطار الاحتفاء بالرموز الثقافية الوطنية والعربية.