مثل موجة تتصاعد من كل الجهات، دون أن تتراجع و لو مرة واحدة، يبدو النظام السوري ، يوما بعد يوم و أسبوعا بعد أسبوع، مطوقا من طرف ثوار يسيطرون على البوادي و يحاصرون الثكنات العسكرية و يستولون على الطرق وعلى الحدود، منكمشا على العاصمة دمشق، التي لا تسلم هي نفسها من المعارك والاشتباكات اليومية. ففي يوم الأحد 25 نوفمبر استولى المتمردون على مطار «مرج السلطان» العسكري، الذي يبعد ب15 كيلومترا عن دمشق، وحطموا طائرتين عموديتين به. في هاته الأثناء، كان الجيش السوري يقصف أحياء التضامن و قدم و العسالي بضاحية العاصمة. منذ منتصف نوفمبر، يبدو أن النزاع يعرف تصاعدا مفاجئا.فقد سقطت عدة قواعد عسكرية ومطارات استراتيجية في الشمال و في الشرق في أيدي الثوار. و شيئا فشيئا طفق التمرد في السيطرة على مجموع الحدود تقريبا مع تركيا والعراق، وهي كلها تشكل نقطا للتزود بالسلاح -الممنوح من قطر والسعودية و كذا تركيا - و بالوقود. فمنذ سقوط المركز الحدودي «رأس العين» في 19 نوفمبر، لم تعد الحكومة السورية تسيطر إلا على مركز مرور وحيد مع تركيا و هو مركز «قصب› غير البعيد من البحر المتوسط. ثوار جبل التركمان وجبل الأكراد يركزون جهودهم حول هذه القرية، حيث تعيش طائفة أرمنية مهمة.و يعتبر سقوطها تسريعا في خنق المنطقة العلوية، التي تنحدر منها عائلة الأسد و المعقل الرئيسي لمؤيدي النظام.في هذه المنطقة الجبلية، يخوض الجيش السوري الحر معركة ضروسا من أجل الاستيلاء على القمم من أجل مراقبة المرتفعات الاستراتيجية و الاقتراب من اللاذقية، التي يُحتمل أن يتخذها بشار الأسد عاصمة بديلة له في حال فراره. هذه السيطرة شبه التامة على شمال البلاد تُفيد تركيا، المتنازعة مع سوريا و التي تطالب بإقامة شريط عازل في شمال سوريا. كما أن أنقرة التي تأوي قرابة 120 ألف لاجئ سوري، تتمنى بأن يمكث المرشحون السوريون للمنفى، على الجانب السوري كي لا يُزعزعون جنوب بلادها حيث يتساكن العرب العلويون و الأتراك السنة و الأكراد. و منذ سبتمبر الماضي، لم يعد بإمكان المدنيين السوريين الفرار إلى تركيا فأصبحوا يقيمون في خيام بالتراب السوري, حيث تقدم لهم منظمات غير حكومية غربية و عربية و تركية، المعونة و المساعدات الغذائية و الطبية. كما أن طلب أنقرة من حلف شمال الأطلسي بأن ينشر بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ على حدوده مع سوريا تسير في اتجاه فرض منطقة حظر جوي في شمال سوريا. النظام السوري إذن لم يعد يسيطر من اللاذقية غربا إلى الرقة شرقا، سوى على مدن جسر الشغور وإدلب و حلب و أصبح من المستحيل عليه تحريك قواته دون مخاطر.كل ما يمكنه القيام به هو القصف البعيد بالمدفعية الثقيلة أو بواسطة الطائرات والهيليكوبتير.فالساحة حاليا تحت سيطرة ميليشيا الجيش السوري الحر أو المقاتلين الأكراد الذين اغتنموا هذا الوضع كي يفرضوا استقلالا ذاتيا في الواقع.و بالإضافة إلى النزاع الرئيسي بين الجيش السوري الحر والنظام، فإن جبهات محلية جديدة ظهرت: وهكذا تواجه في الأسبوع الماضي مقاتلون أكراد ومتمردون إسلاميون في منطقة راس العين. وفي محافظة إدلب، سجل الثوار نقطا مهمة باستيلائهم يوم 19 نوفمبر على «القاعدة 46» وهو معسكر مهم جنوب حلب، غنموا منه أسلحة كثيرة. فانطلاقا من هذه القاعدة كانت مدفعية النظام تقصف بادية غرب حلب. و منذ ذلك الحين بدأ الثوار في محاصرة «معسكر الشيخ سليمان» الكبير و هي آخر واحد بالقرب من حلب و هو يضم حوالي 400 أو 500 جندي يتم تزويدهم بواسطة الهيليكوبتير. إذا ما سقط هذا المعسكر فإن الجيش في حلب لن يعود بإمكانه الاعتماد إلا على الطيران، لكن بدون مساندة برية فإن الطريق السيار نحو دمشق والذي يمر بمدينة معرة النعمان لن يعود آمنا، مما يحول الطريق إلى الصحراء و هي بعيدة و عسيرة. ويبدو أن الجيش النظامي قد ضعُف في حلب التي أصبحت محاصرة من ثلاث جهات شمالا وغربا وشرقا. كل أسبوع،يعلن المتمردون عن إسقاط طائرتين أو ثلاث، دون أن نعرف ما إذا كان ذلك بفضل صواريخ «ستينغر» حصلوا عليها أو بفضل الأسلحة التي غنموها من ترسانات النظام. فكثير من القواعد الجوية إما محاصرة أو تتعرض للهجمات، مثل قاعدة «مناخ» أو «أبو الظهور» مما يجعل الإقلاع أو النزول صعبا وخطيرا جدا. المحافظة الأخرى شبه المحررة هي محافظة دير الزور التي تتعرض أكبر مدنها للقصف منذ يونيه الماضي، إلا أن كل البوادي المحيطة بها قد أصبحت تحت سيطرة الثوار و ذلك بفضل دعم السعودية التي حركت اتصالاتها في قبيلة الشماخ الكبرى التي تتوزع أفخاذها على التراب السعودي و العراقي و الأردني و السوري. و في نفس الأسبوع سقط المطار العسكري أبو كمال و قاعدة الميادين العسكرية بين دير الزور و الحدود العراقية. توالي الهزائم على النظام السوري سارع أيضا في فرار مسؤولين من مستويات عليا خلال شهري غشت و سبتمبر الماضيين: حيث بدأ الجنرالات يهربون مقتنعين بأن النظام لن يقضي على التمرد بعد أربعين ألف قتيل (من ضمنهم 10 آلاف جندي حكومي) خلال عشرين شهرا حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.بل إن النظام نفسه لم يعد يؤمن بقدرته في استرجاع سيطرته على البلاد كلها.فهو يركز على إبقاء المتمردين خارج المدن و على الحفاظ على ممر آمن بين العاصمة و المنطقة العلوية. «كريستوف أياد» «لوموند» الفرنسية 28 نوفمبر 2012