بنجامين بارث يتقرر مصير سوريا، على الأقل في الوقت الراهن، على ساحة المعركة. فقد أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة و الجامعة العربية الجزائري لخضر الإبراهيمي عن إخفاق مهمته. فالهدنة التي كان من المقرر أن تبدأ يوم الجمعة 26 أكتوبر بمناسبة عيد الأضحى، و التي تفاوض بشأنها مطولا لم تبدأ أبدا. فعوض الهدنة المأمولة، شهدنا المواجهات و التقتيل المستمرين:146 قتيلا يوم الجمعة و 114 يوم السبت و 99 يوم الأحد، مما يوصل الحصيلة إلى أكثر من 35 ألف ضحية منذ بدء الانتفاضة ضد نظام بشار الأسد، قبل تسعة عشر شهرا. و بسبب انعدام مبادرة دبلوماسية ذات مصداقية، فإننا سنلقي نظرة على ساحة المعركة من أجل فهم أين تتجه سوريا. هكذا تقدم صحيفة «لوموند» جردا بمواقع القوات و بخطوط الجبهات و ديناميكية المعارك و موجات النازحين في بلاد تتشابك فيها ستة أنواع من المناطق. منطقة يسيطر عليها النظام دون أن تكون مؤيدة له: يتعلق الأمر بالعاصمة دمشق، حيث يتعامل النظام مع ساكنة أغلبها من السنة، المعروفة بعدائها للطائفة العلوية (فرع من الشيعة). فالجهاز الأمني للنظام يسيطر على أهم محاور المواصلات و كذا على معظم الأحياء، باستثناء بعض قطاعات جنوبالمدينة مثل «كفر سوسه». غير أن الشعور بالسيادة على المدينة و هو ما يحرص النظام على نشره، يتعرض للضرب باستمرار من خلال مضاعفة العمليات على غرار التي تمت في نهاية سبتمبر الماضي ضد مقر هيأة الأركان. منطقة يسيطر عليها النظام و يحظى حاليا بإخلاصها له: تضم هذه المنطقة الممر الساحلي الممتد من اللاذقية حتى طرطوس، و قرى السلسلة الجبلية التي تُشرف على الساحل.و يمكن تفسير الدعم الذي لا زال يقدمه سكان هذه المنطقة للنظام بالانتماء الطائفي، إذ أن معظم سكان هذا الشريط ينتمون للطائفة العلوية، علاوة على أن الكثير من أبناء هذه المنطقة يعملون في مؤسسات الدولة و خاصة الأمنية منها. غير أن الانسجام داخل هذا الشريط، الذي يمكن أن يلجأ إليه النظام إذا ما سقطت دمشق، مهدد بالمقاتلين المتمردين من الأكراد و التركمان، الذين يسيطرون على مرتفعات شمال شرق اللاذقية و الذين يسعون نحو التقدم إلى الساحل. و يقول زياد ماجد و هو عالم سياسة لبناني أن «الثوار يتحدثون عن التعب المتزايد لسكان هذه المنطقة، بسبب العدد الكبير من الجنود القتلى المنتمين لها». مناطق تسيطر عليها المعارضة لكنها تتعرض للقصف : و يتعلق الأمر بمحافظتي إدلب و حلب في شمال البلاد و كذا وادي الفرات و دير الزور و البوكمال شرق البلاد. هذه المناطق تقع في معظمها تحت سيطرة ألوية الجيش السوري الحر، و لا يحتفظ النظام فيها سوى على بعض المدن مثل إدلب و كمشة من القواعد العسكرية المُحاصرة من طرف الثوار المتمردين لكنها تتلقى التموين جوا. جيوب المقاومة هاته حاسمة بالنسبة لدمشق، لأنها تقطع التواصل الترابي بين المناطق «المحررة».و النموذج هو الثكنة العسكرية لوادي الضيف في منطقة إدلب قرب معرة النعمان و التي يحاول النظام انطلاقا منها حماية خطوط التموين نحو حلب. فمقاتلو الجيش السوري الحر ?كما يقول الباحث المتخصص في سوريا طوماس بييري - يسيطرون على معرة النعمان لكنهم يتعرضون لقصف متواصل من المعسكر المجاور و بما أنهم يفتقرون للأسلحة الثقيلة فإنهم يجدون أكبر الصعوبات في احتلاله لذلك فهم يكتفون بمحاصرته و تجويع المدافعين عنه. مناطق مُتنازع عليها مع خط جبهة متموج: توجد هذه المناطق على مقربة من المدن الكبرى، مثل دوما و حرصتا و دارايا، الضواحي غير الرسمية لدمشق، أو حول درعا و بعض الأحياء المحيطة بحماه التي لا زالت تحت سيطرة النظام.مناطق الاقتتال هاته توجد مثيلات لها داخل المراكز الحضرية المتعددة الطوائف مثل حمص ?الموزعة بين أحياء سنية وأحياء علوية ? أو حلب ? الموزعة بين أحياء مُستضعفة و أخرى راقية -. و في جميع القطاعات، يقوم النظام بتعويض غيابه الجسدي بالقصف المكثف و ببعض عمليات التوغل المتبوعة بمذابح، و عمليات التطهير هاته لا تقدم للنظام سوى هدنة موقتة لأن هذه العمليات لا تمنع عودة الجيش السوري الحر بعد بضعة أسابيع أو بضعة أشهر. و يقول «طوماس بييريه» أن المشكل البنيوي للنظام هو نقص العنصر البشري في صفوفه و لذلك لم يتمكن من تحويل تفوقه العسكري إلى مكاسب ترابية. مناطق تحت سيطرة الميليشيات الكردية أو الأعيان الموالين للنظام: يتعلق الأمر بمحافظة الحسكة في شمال شرق البلاد,التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية، التي تتعاون مع السلطات السورية، و تتفادى المواجهة مع مقاتلي الجيش السوري الحر، أو بمحافظة الرقة في وسط البلاد المأهولة من طرف البدو السنة الذين تمكن النظام من شراء ولاء أعيانهم على غرار أعيان محافظة السويداء في الجنوب. هذه المناطق لا تعرف مواجهات و لكنها في المقابل تشهد مظاهرات يومية مساندة للثورة.و يحتفظ النظام فيها بتواجد أمني مع تحليق دائم و منتظم لطائراته فوقها.و بالنظر للهدوء الذي تعرفه الرقة فقد تحولت إلى مكان مفضل للمدنيين اللاجئين بعيدا من مناطق الاقتتال، و الذين يُقدر عددهم حسب الهلال الأحمر السوري ب مليون و نصف مليون نازح. مناطق حدودية عالية التوتر: سواء كانت مفتوحة أو مغلقة، تحت وصاية النظام أو الجيش السوري الحر، فإن الحدود تعد رهانا منفصلا في الأزمة السورية. فمن جهة لأنها تستقبل عشرات الآلاف من النازحين ?تقدر الأممالمتحدة عدد السوريين الذين هربوا للخارج بحوالي 358 ألفا، أساسا إلى لبنان و تركيا و الأردن، و هي تتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 700 ألف في نهاية السنة ? و من جهة ثانية لأنها في قلب مخاطر التهاب المنطقة برمتها،فالحدود مع تركيا، التي تحتضن قيادة أركان الجيش السوري الحر، شهدت تصعيدا عسكريا في منتصف أكتوبر حيث ردت أنقرة بقصف متتال ردا على قصف الجيش السوري لترابها. و على الحدود مع لبنان، فإن خطر الزعزعة أكثر وضوحا. فبين حزب الله، الذي ينأى بنفسه تدريجيا عن استعداده لخدمة النظام السوري، و المواجهات بين السنة و العلويين في طرابلس و اغتيال الجنرال وسام الحسن، في 19 أكتوبر، الذي نُسب للنظام السوري، كلها مقدمات قد تعصف بتماسك بلاد الأرز الذي قد تمتصه المأساة السورية. لوموند 31 أكتوبر 2012