لامس المتدخلون في الندوة الدراسية التي نظمتها يوم الجمعة الماضية كل من الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل حول « مشروع القانون المالي 2013» الكثير من الثقوب والفراغات التي تتخلل هذا المشروع، حيث أجمع الكل على غياب البوصلة لدى الحكومة, سواء عند ترتيبها لأولويات الميزانية أو خلال مراهنتها على تحقيق أرقام ومعدلات سيصعب كثيرا بلوغها في ظل الظرفية الاقتصادية التي تمر منها البلاد. ومنذ البداية, أكد العربي حبشي عند تقديمه لأرضية الندوة الدراسية باسم المركزيتين النقابيتين, أن مشروع القانون المالي لسنة 2013 يأتي في سياق أظهرت خلاله الحكومة عجزا ملحوظا في مواجهة مجموعة من التحديات كمعضلة الفساد واستمرار الفوارق الاجتماعية والمجالية نتيجة التوزيع غير العادل للنمو وكذلك الاختلالات التي يعرفها سوق الشغل، والذي يتميز بانخفاض معدل التشغيل لدى الشباب والنساء، وارتفاع نسبة البطالة في المجال الحضري والتي تمس بالأساس الشباب الحامل للشهادات العليا بالإضافة إلى الانعكاسات السلبية لظاهرة الجفاف. وأضاف حبشي أن تنظيم هذه الندوة يأتي في سياق تطوير التنسيق وتعميقه والذي انطلق منذ مسيرة الكرامة التاريخية ليوم 27 ماي 2012 والتي كانت جوابا عن وضعية اجتماعية وسياسية تتسم بالتردي والتراجع عن مجموعة من المكتسبات في ظل غياب رؤية شمولية واضحة وكذلك في سياق الإحباطات التي خلفها مشروع القانون المالي لدى الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين وباقي فئات الشعب المغربي. واعتبر حبشي أن خطورة اللحظة تتطلب اتخاذ إجراءات جريئة تعكس الزخم السياسي للمرحلة وتتجاوب مع الانتظارات المتعددة لمجموع فئات الشعب المغربي وعلى رأسها الأجراء, وقد طرحت الارضية مجموعة من التساؤلات حول أسباب التحضير لهذا المشروع في سياق الاستمرارية بالنسبة إلى الميزانيات السابقة, من حيث المرجعيات والأسس والأهداف التي يتطلع إليها كاستعادة التوازنات الماكرو اقتصادية الكبرى والظرفية الاقتصادية والمالية الدولية والإكراهات الوطنية؟ واعتبرت المركزيتان أن المشروع يتميز بضعف بين في وضع إستراتيجية مالية شمولية, حيث إن عرض المشروع لا يشمل أية مقاربة جديدة في كيفية تشخيص وتحليل العجوزات التي تعرفها المالية العمومية والميزان التجاري وميزان الأداءات والتي تحتاج إلى مكاشفة وعقلنة من حيث التدبير وإنجاز الأهداف.. كما تساءل الحبشي باسم المركزيتين عن سبب افتقاد المشروع للجرأة السياسة والدستورية في كيفية التعامل مع الملف الاجتماعي خصوصا وأن الحوار الاجتماعي الثلاثي الأطراف تم إفراغه من مضامينه في ظل سياسة عمومية تفتقد للقواعد المؤطرة لتدبير الشأن الاجتماعي ؟ وهل المشروع قابل للتمويل ؟ وبأية صيغة ؟ هل عبر الزيادات في الأسعار التي تحملها وسيتحملها المستهلك لكن في سياق يعرف تصاعد الاحتجاجات القطاعية والفئوية والمجالية ؟ أو عبر الاقتراض من السوق الداخلي مما سيؤثر سلبا على توجيه السيولة نحو الاستثمار في ظل ضعف بين للادخار الوطني ؟ أم البحث عن سبل الاقتراض الخارجي ؟ لكن بأي ثمن خصوصا وأن هذه النوعية من القروض مشروطة بمشاريع محددة.أم الاقتصار على تضريب الأجر عوض تضريب الثروة واعتبارها آلية ناجعة وكافية لوحدها لتمويل عجز الميزانية ؟ واعتبر سعيد السعدي خلال الجلسة التي ترأسها عبد الكريم العزيز أن تحقيق المعدل النمو 4,5 سيمون صعب المنال خاصة أن ما يميز الميزانية هو التقشف أي الضغط على الطلب الداخلي بالضغط على الانفاق العمومي? ملاحظا أن المشروع يسجل تراجعا في الانفاق العمومي بقيمة الدرهم الحقيقية وهذا واضح بشكل أكبر في ميزانية التجهيز التي ستنزل ب 4? بالأسعار الجارية والاسعار و ب 7 إلى 8 بالاسعار الثابتة ? هذا الدور المركزي الذي تلعبه الدولة من خلال تحفيز الاقتصاد بواسطة ميزانية التجهيز سيغيب هذه السنة وهو ما سيؤثر بالضرورة على معدل النمو لما لهما من علاقة جدلية ? و قد تكون لهذه النزعة الانكماشية في الميزانية تأثيرات سلبية على باقي القطاعات الحيوية خصوصا في الصناعات والبناء وهو ما سيؤثر لا محالة علي سوق الشغل? ويلاحظ السعدي البون الشاسع بين الشعارات الرنانة للحكومة لدعم الشغل وواقع الانكماش الذي تنهجه الحكومة من خلال القانون المالي? معتبرا أن إحداث 24 ألف منصب شغل يبقي نسبيا إذا أخذنا بعين الاعتبار عدد المحالين على التقاعد الذين يغادرون الوظيفة العمومية سنويا والذين يقدر عددهم بحوالي 10 إلى 12 ألفا دون أن يتم تعويضهم? أما بالنسبة للهدف الثاني الذي جاء به القانون الماي والذي يهم العدالة الاجتماعية فيؤكد السعدي أنه لا يمكن معالجته دون محاربة الكثير من مظاهر الحيف والاستغلال والريع ودون تغيير النموذج الاقتصادي العام الذي مازال يراهن علي القطاع الخاص ويعتمد على الصادرات ذات القيمة المضافة الضعيفة والمبنية على يد عاملة غير مؤهلة بالضرورة? كما عاب السعدي علي الحكومة تضحيتها بالقطاعات الحساسة وخصوصا التربية والتعليم والنقل والتجهيز و التشغيل والهجرة التي رأت ميزانياتها القطاعية تراجعا في ظل القانون المالي واعتبر السعدي أنه لا يمكن أن تكون لدينا بهذا النوع من الاختيارات نتائج جيدة في معالجة القضايا الكبرى? وقال السعدي إن ما يتضح من خلال هذا المشروع هو افتقاد الحكومة لوضوح الرؤية حيث ليست هناك أولويات واضحة لتقديم قطاع على آخر، وأن منطق التوازنات بين مكونات الحكومة هو الذي غلب على التوجهات العامة لإرضاء هذه الجهة أو تلك، بينما ظلت الميزانيات التي تهم القطاعات الاجتماعية هي الحائط القصير الذي يسهل علي الحكومة القفز عليه مع ما لذك من خطورة على ترتيب المغرب في سلم التنمية البشرية الذي وصل الى 130 عالميا? وعرج السعدي على خطورة الخلط بين التقشف العشوائي و عقلنة النفقات حيث طال التقشف بعض القطاعات الأكثر حاجة إلى الانفاق كما هو الشأن بالنسبة لحظيرة السيارات التي تعتبر أحيانا آداة حاسمة في تنفيذ مهام الإدارة بالكثير من التفتيشيات، خصوصا في المناطق النائية? من جهته سجل أحمد رضا الشامي مجموعة من المؤاخذات على القانون المالي 2013، معتبرا أنه مشروع لا يشكل قطيعة مع السياسات السابقة، كما أنه يفتقد للأولويات الواضحة، ولا تتجسد فيه التوجهات السياسية للحكومة? وذلك راجع حسب الشامي إلى الوضع العام الذي تمارس فيه السياسة في البلاد، حيث تطغى مقاربة التحالفات السياسية الهجينة بسبب نمط الاقتراع ومدونة الانتخابات التي لا تسمح بإفراز نخب سياسية واضحة باستطاعتها إحداث قطيعة حقيقية مع ما هو سائد? وانتقد الشامي بقوة افتقاد مشروع قانون المالية إلى إجراءات جبائية تقلص بعض الشيء التفاوتات الكبيرة في المنظومة الضريبية التي مازالت تتسم بغياب العدالة الضريبية? وتطرق الشامي إلى مجموعة من الركائز الأساسية التي غابت ملامحها في مشروع القانون المالي وعلى رأسها البعد الاجتماعي في توزيع الثروة? مسجلا أنه بالرغم من الغلاف المالي الكبير المرصود للصناديق الاجتماعية والذي يناهز 32 مليار درهم إلا أن ذلك لا ينعكس بتاتا على النتائج المرجوة، حيث مازال المغرب يتراجع في مؤشر التنمية البشرية، وذلك بسبب وجود خلل حقيقي في المقاربة المتبعة لمحاربة الفقر، حيث يُعهد للأجهزة غير المناسبة بتنفيذ برامج اجتماعية ليست بالضرورة من اختصاصها، كنموذج وزارة الداخلية مثلا? من جهة أخرى قال الشامي إن النمو الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق في غياب نموذج اقتصادي لا يركز فقط على الاستهلاك الداخلي كمحرك للاقتصاد وهو محرك أبان عن محدوديته، في غياب محرك التصدير الذي يجب أن يتقوى في المستقبل لأن الاستهلاك الداخلي في نهاية المطاف لا يعني سوى 30 مليون مغربي بينما التصدير نحو أسواق دولية جديدة يمكن أن يعني ملايير المستهلكين .وعاب الشامي على الأبناك عدم انخراطها بالشكل الكافي في تمويل المقاولة وهو ما يستوجب التفكير في آليات مؤسساتية لمعالجة هذه المعضلة، حيث يمكن لصندوق الضمان المركزي مثلا أن يكون له دور كبير في هذا المجال? وانتقد الشامي بشدة استمرار دعم القطاعات التي لا تخلق الثروة، كقطاع العقار الذي يعتبر أكبر القطاعات المستفيدة من دعم الدولة، وهو ما يحتم علي الحكومة توضيح حجم هذا الدعم عن طريق إخراج وثيقة توضح مصاريفها العقارية مع العلم أن العقار هو الأكثر استفادة من مظاهر الريع، في الوقت الذي يعد فيه القطاع الصناعي محركا واعدا يمكن الاعتماد عليه بقوة في تحريك عجلة النمو سواء عبر التشغيل أو عبر القيمة المضافة للصادرات? وحذر الشامي من تفاقم المديونية التي ترتفع بشكل خطير بسبب عجز الميزانية وذلك نتيجة غياب سياسة إرادوية لخلق القيمة المضافة? واعتبر الشامي أن المديونية قد وصلت الآن إلى 53,7? من الناتج الداخلي الخام وإذا احتسبنا ديون المؤسسات العمومية ستكون في حدود 59? من الناتج الداخلي الخاخم وهي مؤهلة لأن ترتفع فوق عتبة 60? في 2013 مع ما تعنيه هذه العتبة من مخاطر ستنعكس لا محالة على القرار السيادي للمغرب .