سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
نزار بركة: الميزانية غير مزورة وأرقام مزوار مضبوطة (1/2) قال ل« المساء » إن الإشكال الذي طرحه بنكيران يتعلق بالتقديرات الأولية لقانون المالية وليس بتزوير أرقام العجز
في هذا الجزء الأول من الحوار المطول الذي أجرته «المساء» مع وزير الاقتصاد والمالية نزار بركة، يرد الأخير على الأنباء التي راجت حول تزوير أرقام الميزانية، مؤكدا أن كل الإحصائيات والأرقام المعتمدة من طرف وزارة الاقتصاد والمالية تحترم الضوابط المالية العالمية ولا تشوبها شبهة التزوير، كما يفسر أسباب التصريحات المتناقضة أحيانا بين وزارة الاقتصاد والمالية والوزارة المنتدبة المكلفة بالميزانية. هذا بالإضافة إلى حديثه عن الوضعية الاقتصادية الراهنة والأرقام المتعلقة بعجز الميزانية، والسياسة التقشفية التي انخرطت فيها الحكومة، والتي يؤكد الوزير ألا علاقة لها ببرامج التقويم الهيكلي. - ما تقييمكم للوضعية الاقتصادية الحالية؟ أولا، ينبغي التذكير بأن الاقتصاد الوطني يعرف معدل نمو مرتفع مقارنة بالعديد من الدول خاصة في منطقة «مينا»، بحكم أننا رغم الأزمة العالمية استطعنا في سنة 2011، وباستثناء القطاع الفلاحي الذي تأثر نوعا ما بالجفاف، بلوغ معدل نمو في مستوى 4.5 في المائة. وهذا يبين أن الاقتصاد الوطني في تطور ملحوظ في وقت يعرف فيه شركاء المغرب الاقتصاديين ركودا أو انكماشا، فقد استطعنا الصمود في وجه الأزمة المالية، غير أن ذلك لا يعني أن الاقتصاد الوطني لم يتضرر نهائيا من الأزمة، فكما تعلمون فإن الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة دامت أزيد من 5 سنوات ومازالت مستمرة، وبالتالي كان لا بد لها أن تلقي بتداعياتها على المغرب، إذ تأثرت مجموعة من القطاعات الاقتصادية، وعلى رأسها قطاع التصدير الذي عرف نوعا من التباطؤ مقارنة بالسنة السابقة، كما تراجعت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج ب2.5 في المائة، بالإضافة إلى القطاع السياحي الذي شهد تراجعا بنسبة 7 في المائة. من جهة أخرى، فإن ارتفاع أسعار المواد الأولية والمحروقات بالخصوص إلى مستويات مهولة كان له انعكاس على الميزان التجاري الذي بلغ عجزه أزيد من 113 مليار درهم، ومن ثمة على ميزان الأداءات، الشيء الذي انعكس، كذلك، على ميزانية الدولة، بحكم أن الحكومة تدعم مجموعة من المواد الأساسية والاستهلاكية. كل ذلك جعل المغرب لا يعرف أزمة نمو اقتصادي، بل يعيش أزمة توازنات ماكرو اقتصادية. وبالتالي فمن الأمور التي نركز عليها حاليا مسألة ضبط التوازنات الماكرو اقتصادية من أجل إعادة الاستقرار، لأن هذا هو الحل لضخ دينامية في الاستثمارات وإعادة الثقة إلى المستثمرين في بلادنا. - بالعودة إلى مسألة العجز في ميزانية الدولة، كانت بعض الجهات قد تحدثت عن احتمال بلوغ هذا العجز مستويات قياسية تناهز 8 أو 9 في المائة، ما مدى صحة ذلك؟ في الواقع، فإن إشكالية التقديرات المرتبطة بالعجز في الميزانية ناتجة بالأساس عن سوء فهم لما تم تقديمه في ميزانية الدولة برسم سنة 2012، حيث تم اعتبار أن الاعتمادات المفتوحة هي التي ستصرف، في حين أنه من أجل تحديد العجز فإننا نأخذ بعين الاعتبار ما سيصرف فعلا وليس الاعتمادات المفتوحة فقط، كما تم احتساب متأخرات نفقات المقاصة مرتين بالنسبة إلى سنتي 2011 و2012... والذي يمكنني تأكيده هو أن الحكومة تبذل مجهودا كبيرا من أجل تقليص عجز الميزانية من 6.1 في المائة المسجلة سنة 2011 إلى مستويات 5 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، وبالتالي فإن التخمينات التي تحدثت عن 9 في المائة كمعدل للعجز خلال سنة 2012 لا أساس لها من الصحة. - لكن كيف ستتمكنون من إبقاء معدل عجز الميزانية في هذا المستوى؟ هناك مجموعة من النتائج الذي تم تسجيلها في المالية العمومية، بالإضافة إلى مجموعة من التدابير التي سيتم اتخاذها والتي ستمكن من ضبط عجز الميزانية، فأولا، تشير التقديرات إلى تحسن في الموارد، خاصة منها الجبائية، بشكل أكثر مما هو متوقع، حيث سجلت مداخيل الضريبة على الدخل نموا بنسبة 20 في المائة، في حين عرفت مداخيل الضريبة على القيمة المضافة ارتفاعا ب7 في المائة، كما حافظت مداخيل الضريبة على الشركات على مستويات نمو مرتفعة. ثانيا، تم بذل مجهود كبير بخصوص ما يسمى ب»الباقي استخلاصه»، والذي لم يكن مبرمجا أساسا، فقد استطعنا هذه السنة تعبئة حوالي مليارين من الدراهم اعتمادا على هذه الآلية خلال السبعة أشهر الأولى من السنة الجارية، ثم ثالثا، ضبط النفقات، من خلال عكس نسبة ضئيلة من الزيادات في أسعار النفط العالمية على أسعار المحروقات في المغرب، وهو الشيء الذي وفر للدولة 5 ملايير و700 مليون درهم، بالإضافة إلى ضبط نفقات التسيير، حيث لا بد من الإشارة هنا إلى تقليص نفقات الإيواء بحوالي 50 في المائة مقارنة بالسنة الماضية، كما تم تقليص نفقات الدراسات. - بعض التدابير التقشفية التي أشرتم إليها تضمنتها الرسالة الموجهة الأسبوع الماضي من رئيس الحكومة إلى وزرائه، وبالتالي فهل تتعلق المعطيات التي تتحدثون عنها بهذه السنة أم بالسنة الماضية؟ التدابير التي تكلمت عنها تتعلق بسنة 2012 وستشمل كذلك السنة المقبلة 2013، فالحكومة ستواصل خلال الفترة المقبلة نهج سياسة الترشيد والعقلنة لتقليص نفقات التسيير، وبالتالي ضبط عجز الميزانية. - في نظركم، كم ستوفر هذه الإجراءات التقشفية للمغرب؟ حسب المعطيات الأولية، فالتدابير التي تم اتخاذها، خاصة على المستوى التدبيري، تؤكد أننا سنوفر خلال السنة الجارية حوالي 10 ملايير درهم إضافة إلى 5.7 مليار درهم التي وفرتها الزيادة في أسعار المحروقات. وبوضوح أكثر، لا بد من الإشارة إلى أن نفقات صندوق المقاصة تبقى مرتبطة بشكل كبير بتقلبات السوق الدولية، فسعر البترول اليوم يفوق 116 دولارا للبرميل. - لكن، ألا تعتقدون أن إجراءات التقشف التي تنهجها الحكومة وكذا لجوء المغرب إلى صندوق النقد الدولي للاستفادة من خط ائتماني، يمكن أن يعيد المغرب إلى حقبة التقويم الهيكلي؟ لا بد من التوضيح، أولا، أن استفادة المغرب من الخط الائتماني لصندوق النقد الدولي هو عنصر ثقة في الاقتصاد الوطني، لأن صندوق النقد الدولي لا يمنح هذا الخط الائتماني إلا للدول التي تنعم بالاستقرار السياسي، وتتوفر على إطار ماكرو اقتصادي متحكم فيه وسياسة اقتصادية ناجعة. وينبغي الإشارة إلى أن الخط الائتماني الذي استفاد منه المغرب غير مشروط ببرنامج التقويم الهيكلي، على عكس القروض التي استفادت منها بلدان عربية أخرى، مثل مصر والأردن. كما أن الخط الائتماني ليس قرضا، بل هو ضمانة يمكن اللجوء اليها في حالة لا قدر الله ما كانت هناك صدمات اقتصادية قوية قد تؤدي إلى تراجع كبير في الموجودات الخارجية. وللتذكير، فإن المغرب يتوفر حاليا على احتياطي من العملة يغطي أكثر من 4 أشهر من الاستيراد، لكن حينما اضطرت الحكومة في سنة 1983 إلى تطبيق برنامج التقويم الهيكلي لم يكن هذا المخزون يتعدى يومين. وهذا يعني أن المغرب، حاليا، بعيد جدا عن برامج التقويم الهيكلي، مع مواصلة اليقظة واتخاذ التدابير الاستباقية، وهو الشيء الذي جاء في المنشور التوجيهي لمشروع قانون المالية لسنة 2013 الذي توصل به الوزراء من رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، والذي ركز فيه على نقطتين أساسيتين، أولا، التشغيل، والذي حينما نتحدث عنه فإننا نتحدث كذلك عن الاستثمار وعن التكوين وعن تحسين ولوج الشباب إلى سوق الشغل، ثم ثانيا، التنافسية التي ستحسن من ولوجنا إلى الأسواق الأجنبية ومن تطوير الصناعة في بلادنا حتى نتمكن من تأهيل وتطوير المنتوجات ذات القيمة المضافة العالية التي هي مفتاح النمو الاقتصادي ومفتاح تقليص العجز التجاري وعجز ميزان الأداءات. - حينما تتحدثون عن التشغيل كآلية من الآليات الاستباقية لمواجهة الأزمة، يظل هناك نوع من اللبس، فالتشغيل كما نعرف هو نتيجة للنمو الاقتصادي، ما تفسيركم لذلك؟ صحيح، وهذا ما يجعلنا نعتبر أن التشغيل هو محرك للنمو الاقتصادي وهدف للسياسات الحكومية التي ترتكز على إنعاش وتحسين الاستثمار في بلادنا، ومن أجل ذلك من الضروري أن نحافظ على التوازنات الماكرو اقتصادية لبلدنا، ومن الضروري، كذلك، أن نسرع وتيرة إنجاز الاستراتيجيات القطاعية وأن نوسعها لتشمل قطاعات جديدة، خاصة في المجال الصناعي، وأن نعمل كذلك على تحسين مردودية الاستثمارات العمومية، خاصة على مستوى المناطق الصناعية والمناطق الفلاحية والتجهيزات التحتية. ورغم أن نسبة الاستثمار في المغرب تفوق 36 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي، فإن مردودية هذه الاستثمارات لاتزال ضعيفة مقارنة ببعض البلدان الأخرى في نفس مستويات نمو بلادنا. - ما السبب في ذلك؟ السبب في ذلك هو أن نسبة مهمة من هذه الاستثمارات هي استثمارات عمومية، وكما تعلمون فإن هذا النوع من الاستثمارات لا يكون له وقع فوري وسريع، بل تقاس نتائجه على الأمد الطويل. وعلى العموم، فإنه من الضروري تحسين جاذبية الاستثمارات في المغرب، كما ينبغي، كذلك، أن تكون هناك استفادة أحسن من الاستثمارات العمومية التي تم إنجازها أو التي سيتم إنجازها مستقبلا. - لكن ما هو وضع المقاولات الصغرى والمتوسطة في هذه العملية، حيث كما تعلمون أن هذه الأخيرة تعتبر محورا أساسيا في التنمية الاقتصادية وفي عملية التشغيل؟ صحيح، تعتبر المقاولات الصغرى والمتوسطة ركيزة الاقتصاديات الناجحة، ولذلك، فقد عملت الحكومة على وضع استراتيجية واضحة المعالم في هذا المجال، وتقوم هذه الاستراتيجية أساسا على منح الأولوية لهذه المقاولات في الصفقات العمومية، حيث تم وضع مشروع مرسوم جديد يوجد حاليا في الأمانة العامة للحكومة يعطي الحق في نسبة 20 في المائة من الصفقات العمومية، كما أن أي شركة كبرى تحصل على صفقة عمومية عليها أن تشغل مقاولة صغيرة أو متوسطة وطنية، ثم، كذلك، تم فتح مجال الاستفادة من الصفقات العمومية أمام المقاولات الصغرى والمتوسطة الجديدة .... ولا بد من الإشارة كذلك إلى أن الحكومة تشتغل على جعل الصفقات العمومية آلية لتطوير الصناعات المحلية، ومن ثم تطوير المقاولات الصغرى والمتوسطة، هذا بالإضافة إلى تحسين ولوج هذه المقاولات إلى التمويل، من خلال حث البنوك المغربية على منحها التمويل اللازم، ووضع صندوق ضمان تحت اسم «ضمان إكسبريس» يتيح للمقاولات الاستفادة من ضمانة للدولة تصل إلى 70 في المائة من قيمة القروض الموجهة للاستثمارات والتسيير التي لا تفوق مليون درهم. كما قمنا، كذلك، بإعطاء الأولوية في استرجاع الضريبة على القيمة المضافة للمقاولات الصغرى والمتوسطة، حيث تم اليوم استرجاع 1.5 مليار درهم، حوالي 90 في المائة منها للمقاولات الصغرى والمتوسطة. هذا بالإضافة إلى حل إشكالية آجال الأداءات، حيث تم إقرار مرسوم تم التوقيع عليه من طرف وزارتي المالية والصناعة، سيمكن المقاولات من الاستفادة من نسبة 10 في المائة من قيمة الفواتير في حالة التأخر عن أداء مستحقاتها. وقد وضعنا، كذلك، لجينة في هذا الإطار من أجل تحسين مسألة الأداءات بالنسبة إلى المقاولات الصغرى والمتوسطة. - بالعودة إلى مسألة الميزانية والأرقام المتعلقة بها، اتهم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران وزير المالية السابق، صلاح الدين مزوار، بتزوير المعطيات المتعلقة بالعجز في الميزانية، ما تعليقكم على ذلك؟ أولا، لا بد من الإشارة إلى أن الأرقام المعتمدة من طرف وزارة الاقتصاد والمالية تحترم الضوابط المالية العالمية في هذا المجال، وصندوق النقد الدولي صنف المغرب مرارا في مراتب متقدمة جدا بخصوص صحة الأرقام والمعطيات والإحصائيات التي يقدمها. لذا فالأرقام المقدمة من طرف وزارة المالية منذ سنين هي أرقام مضبوطة. غير أننا يجب أن نوضح أن النقاش الذي دار حول الأرقام المتعلقة بعجز الميزانية كان حول التفاوت المهم بين التقديرات الأولية لقانون المالية والنتائج الأخيرة التي تم تسجيلها، فعجز الميزانية الذي كان مبرمجا في قانون مالية 2011 لم يكن يتجاوز 3.5 في المائة من الناتج الداخلي الخام، في حين قفز العجز إلى 6.1 في المائة مع نهاية السنة. طبعا كانت هناك التطورات الخاصة التي شهدتها أسعار المواد الأولية في السوق الدولية، والتي جعلت نفقات صندوق المقاصة تتجاوز 48 مليار درهم، وكان هناك الحوار الاجتماعي الذي ساهم في ارتفاع نفقات الدولة بحوالي 13 مليار درهم، جزء منها تم إدراجه في السنة المالية 2011 والباقي أدرج في السنة المالية 2012 ... وبتزامن مع ذلك، وعند تقديم المشروع الأول لقانون مالية 2012 الذي تم إيداعه بالبرلمان في السنة الماضية، تم الاعتماد على تقديرات تفيد بأن عجز الميزانية برسم سنة 2011 سيستقر في حدود 4 في المائة. إذن، فالإشكال يتعلق بتقديرات عجز ميزانية 2011 وبالتفاوت بينها وبين تتبع تطورات الظرفية والنتائج المحققة فعلا في نهاية السنة، ولا مجال هنا للحديث عن تزوير أرقام الميزانية. - لكن، ألا ترون أنه كان بالإمكان تقبل هذا النقاش في حالة ما إذا كان صادرا عن مواطنين عاديين أو باحثين اقتصاديين، لكن أن يصدر عن رئيس الحكومة فهو غير مقبول، لأن من المفروض أن يكون عبد الإله بنكيران أكثر الناس فهما واطلاعا على الأرقام المتعلقة بالميزانية؟ المعطيات هي كما ذكرتها سابقا، ورئيس الحكومة تحدث فقط عن أرقام غير صحيحة وطرحَ الإشكال المتعلق بهذا التفاوت المهم المسجل بين التقديرات المعلنة والمستوى الذي وصلنا إليه بخصوص العجز سنة 2011.
ليس هناك تناقض بيني وبين الأزمي - لاحظنا في بعض الفترات ارتباكا وتناقضا في المعطيات التي تدلون بها بصفتكم وزيرا للاقتصاد والمالية، وتلك التي يدلي بها الأزمي الإدريسي الوزير المنتدب لدى وزير المالية والاقتصاد المكلف بالميزانية٬ ما السر وراء ذلك؟ لا يمكنني أن أدخل في هذا النقاش، غير أنني أؤكد أننا... في الحكومة مقتنعون ومتفقون على أنه يجب أن نواجه الرأي العام الوطني بالوقائع والحقائق وأن نكون صرحاء مع الجميع. ومن ثم فنحن نقول في الحكومة إن هناك أزمة قوية في الاتحاد الأوربي الذي يعتبر شريكنا الاستراتيجي، ورغم أن الاقتصاد الوطني صمد أمام هذه الأزمة، فإن هناك بعض الانعكاسات التي لا يمكن أن ننكرها، وقد تطرقت إليها سابقا، و... هناك تحديات ناتجة عن تدهور التوازنات الماكرو اقتصادية، وإنه من الضروري أن نواجه هذه التحديات بدءا بإخبار الرأي العام الوطني بحقيقتها وتداعياتها. وما صرح به زميلي السيد الأزمي، الوزير المكلف بالميزانية، لا يخرج عن هذا الإطار، فقد أكد أن هناك عوامل ظرفية هي التي تعمق العجز الهيكلي، وخاصة منها أسعار النفط والمواد الأولية، وأنا أتفق معه في هذا الرأي.