ذهبت مختلف القراءات للبرامج الاقتصادية التي قدمتها الأحزاب السياسية من أجل كسب أصوات الناخبين إلى أنها تكاد تكون نسخا متعددة لنفس البرنامج. فقد أثارت الأرقام التي وعد جميع الأحزاب بالسعي إلى بلوغها إذا ما آل إليها أمر الحكومة، حفيظة الكثيرين حيث اعتبرها أغلبهم أماني للاستهلاك الانتخابي سوف يتم تخفيض سقفها ما أن تشرع في تحمل مسؤولية الشأن العام.
أغلب الأحزاب وعدت بتحقيق معدل نمو اقتصادي يتراوح بين 6و7 في المائة من الناتج الداخلي الخام والتزمت بحصر العجز الموازني في حدود 3 في المائة و توفير مناصب بين 200 و250 ألفا في السنة. وبعضها بشر الباطرونا بخفض الضريبة على الشركات والتزم بخلق ضريبة على الثروة. ومن الأحزاب من أعلن عن نيته في رفع الحد الأدنى للأجر إلى 3000 درهم، والجميع أكد على تطلعه إلى إصلاح صندوق المقاصة وأنظمة التقاعد والانخراط في الإصلاح الضريبي، ولم تغفل تلك الأحزاب الإعلان عن العديد من الإجراءات التي ترمي من ورائها إلى دعم القطاعات الاجتماعية. بعد تشكيل الحكومة القادمة يفترض في مكوناتها أن تسخر إمكانياتها في سبيل الوفاء بما وعدت به الناخبين، غير أن العديد من الاقتصاديين الذين استطلعت «المساء» آراءهم يشيرون إلى أن الظرفية الدولية والداخلية لا تسعف الحكومة في بلوغ بعض من الأهداف، فهم يحيلون على الأزمة التي ما فتئت تتوغل في أوصال الاقتصاد الأوروبي، بما لذلك من انعكاسات على المغرب، كما أنهم لا يغفلون الصعوبات التي يعرفها الاقتصاد المغربي، سواء على مستوى الميزانية أو الميزان التجاري أو ميزان الأداءات، بل منهم من يتوقع أن تعاني بعض القطاعات من تراجع الطلب الخارجي مما يستدعي الأخذ بيدها. وينتظر الكثير من الخبراء الكيفية التي ستطبق بها الحكومة القادمة الوعود التي همت الضريبة، فتخفيف العبء عن الشركات سوف يفضي إلى نقص في مداخيل الخزينة، بينما سوف يصعب على الحكومة الإمعان في تضريب الاستهلاك. فهل ستنخرط في إصلاح ضريبي شامل أم تشن حربا على التهرب والتملص الضريبي وتتجه نحو إلغاء الإعفاءات غير المبررة اقتصاديا؟ فمسألة الموارد التي سوف ستمول بها النفقات والإجراءات التي ستعلن عنها، ستكون في صلب اهتمام المراقبين في الفترة القادمة. يفترض في الحكومة القادمة أن تنكب، حسب بعض الخبراء، على تصويب السياسات القطاعية، وتبني إجراءات لحماية سوق العقار من المضاربة والاحتكار، وإعادة النظر في دعامات الاقتصاد بما يتيح بث الروح في التصنيع، وتصحيح الاختلالات التي تعاني منها التجارة الخارجية وتحديد أولويات السياسة الفلاحية، والتفكير في سبل بث الروح في السوق المالي وتوجيه القطاع البنكي نحو المساهمة أكثر في تمويل الاقتصاد والسعي إلى معالجة الاختلالات في الأجور وتفعيل إجراءات لإعطاء دفعة قوية للتشغيل... ذلك غيض من فيض الانتظارات التي يفترض أن تسندها حكامة قوية قائمة على رؤية واضحة ترسي دعائم الشفافية والاحتكام للقانون. إدريس بنعلي، اقتصادي مغربي : النمو الاقتصادي .. التحكم في التوازنات الماكرواقتصادية و تبني سياسة للنمو القوي يجب أن ندرك أن الإكراهات الداخلية والخارجية لا تسمح بتحقيق معدل نمو مرتفع على الأقل في السنتين القادمتين. الدولة المغربية ستجد نفسها إزاء وضعية مالية صعبة بسبب الاختلالات الماكرواقتصادية التي تطل برأسها بقوة، مؤخرا، فالعجز الموازني يتجاوز 5 في المائة من الناتج الداخلي الخام والمديونية تتعدى سقف 50 في المائة ومخصصات صندوق المقاصة تفوق 45 في المائة واحتياطيات العملة الصعبة لا تغطي سوى 5 أشهر من الواردات، بينما كانت تصل إلى11 قبل ثلاث سنوات. وعجز الميزان التجاري ما فتئ يتفاقم مادامت الصادرات لا تغطي سوى 47 في المائة من الواردات. ثمة إذن وضعية صعبة أيا كان المسؤولون الذين سيتولون الأمر. وبجانب هذا هناك تراجع العوامل الثلاثة الذي ساهمت خلال العشر سنوات الأخيرة في أن يضطلع الطلب الداخلي بدور مهم في النمو الاقتصادي، أعني بذلك تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج والسياحة والاستثمارات الخارجية المباشرة . وعندما نلتفت للظرفية الخارجية في ظل انفتاح المغرب على الاقتصاد العالمي، نلاحظ أنها غير ملائمة. وإذا ما تمعنا في وضعية الاتحاد الأوروبي الذي انخرط معه المغرب في شراكة وثيقة، ندرك أن هذا الفضاء يدخل اليوم في أزمة عميقة، الجميع يعلم أن فرنسا وإسبانيا أول شريكين للمغرب يعانيان من صعوبات حقيقية، أضف إلى ذلك أن الناخبين الإسبان انتخبوا حكومة يمينية سوف يجد المغرب بعض الصعوبات في علاقته بها. يجب إدراك أن السنتين القادمتين ستكونان صعبتين، ولا يجب توقع معدلات نمو اقتصادي في حدود 6و7 في المائة، إلا إذا شهدنا سنة فلاحية استثنائية، وحتى في هاته الحال لا يمكن أن يتعدى معدل النمو 5 في المائة. ويجب أن نستحضر الانتظارات والإكراهات والإمكانيات، فالأحزاب تحدثت عن تطلعها لتقليص معدل البطالة و ثمة من وعد بخلق 250 ألف منصب شغل، و بعض الأحزاب التزمت بتقليص الفوارق الاجتماعية و الحال أن تحقيق هذا الهدف يستدعي سياسة اجتماعية وسياسة جبائية و سياسة للنمو وسياسة للتنمية. وأتصور أنه لا محيد عن الحفاظ عن التوازنات الماكراقتصادية، ما يعني عدم إطلاق العنان للعجز الموازني والمديونية والتضخم، يجب التحكم في هذا الثلاثي، لكن هذا لا يعني الانخراط في سياسة للتقشف، بل يجب الانخراط في سياسة للنمو القوي، لأن معدل نمو ضعيف سيفضي إلى ارتفاع معدل البطالة، مما يعني أنه يتوجب رفع معدل الاستثمار. وعلى هذا المستوى ثمة من دعا إلى معدل استثمار في حدود 25 في المائة من الناتج الداخلي الخام، الشيء الذي سيساعد على بلوغ معدل نمو اقتصادي يتراوح بين 6و7 في المائة. هل معدل استثمار في حدود 25 في المائة ممكن في الظرفية الحالية ؟ أتصور أن الدولة ليست لديها القدرة على ذلك، وهل القطاع الخاص قادر على ذلك؟ لا أعتقد ذلك، وهل الاستثمار الأجنبي المباشر يمكنه أن يساعد على ذلك؟ الظرفية الدولية لا تدعم ذلك. و أمام هذه الظرفية يفترض أن تتوفر حكومة ذات شرعية قوية تستطيع أن تقول الحقيقة للناس الذين لا يجب احتقار ذكائهم. محمد بوستى، اقتصادي وعميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية القنيطرة : المالية العمومية .. القيام بدراسة معمقة لوضعية الميزانية يجب على الحكومة القادمة أن تقوم بدراسة معمقة وشاملة لوضعية الميزانية العامة والمشاكل المطروحة، التي ستثور في الأشهر القادمة، بما يسمح ببلورة استراتيجية انطلاقا من تشخيص واقعي يطال جميع مكونات الميزانية، أي الموارد الجبائية والنفقات والمديونية العامة والعجز المالي. وبناء على هذا التشخيص يمكن اقتراح استراتيجية لتقوية التوازن المالي فيما يخص الميزانية العادية والميزانية الشاملة والتوجه نحو توسيع هامش المناورة ونهج سياسة ناجعة من أجل تمويل العجز المالي. ويفترض في الحكومة القادمة أن تركز على ثلاثة محاور أساسية على المدى القصير والمتوسط فيما يتعلق بالمالية العمومية، يهم المحور الأول تمتين التوازن المالي فيما يخص ميزانية الدولة من أجل صيانة التوازنات الماكرواقتصادية العامة، لأن توازن المالية العامة شرط أساسي لتحقيق التوازنات الماكرواقتصادية. ويجب أن يهم ذلك جميع مستويات الميزانية، أي التوازن بين الموارد العادية والنفقة العادية وكذلك بين الموارد العامة والنفقات العامة ككل، بما في ذلك الحسابات الخاصة للخزينة والميزانية الملحقة. ويتوجب كذلك الانكباب على إيجاد توازن بين وسائل تمويل العجز، لأنه يجري اليوم التركيز على الدين الداخلي على حساب الدين الخارجي والوسائل النقدية، بما يشكل ذلك من عامل إزاحة بالنسبة للقطاع الخاص. ويهم المحور الثاني ترشيد النفقات وزيادة الموارد، ففيما يتعلق بالنفقات لا بد أن تتبع سياسة صارمة هدفها الحد من التبذير وهدر المال العام على مستوى نفقات التسيير والاستثمار، وعلى مستوى الموارد يفترض توسيع الوعاء الضريبي بفرض ضريبة على القطاعات غير المشمولة بالضريبة أو التي تستفيد من خصومات مهمة، وفي هذا الإطار يتوجب إعادة النظر في الإعفاءات الجبائية التي تعطي بدون نتيجة في أغلب الأحيان. ويفترض الاهتمام بالموارد غير الجبائية، خاصة الآتية من المقاولات العمومية. ويتوجب أن يتناول المحور الثالث البحث عن وسائل ناجعة لتمويل العجز المالي إن على المستوى الداخلي أو الخارجي، حيث يفترض الانشغال أكثر بكلفة التمويل والمدة الزمنية. ويمكن للحكومة في هذا المجال التعاطي مع جميع الوسائل وخلق تنافسية بينها. فالتركيز يتم اليوم على الدين الداخلي دون النظر في الإمكانيات التي تتيحها الوسائل الأخرى. في ذات الوقت متابعة سياسة التدبير المعقلن والإيجابي للمديونية لخفض مستواها. وأتصور أن هامش المناورة ضيق بالنسبة للحكومة القادمة على صعيد سياسة الميزانية بالنظر لارتفاع نفقات المقاصة وزيادة الأجور التي سوف تنتقل تحملاتها من سنة إلى أخرى، وهذا ما يعني ضرورة إعادة بناء هامش المناورة عبر ترشيد النفقات والبحث عن وسائل لزيادة الموارد، وهذا ما يستدعي القيام بتلك الدراسة التي ستمكن من تشخيص الوضعية ووضع الاستراتيجية الملائمة. مصطفى ملكو، متخصص في تدبير مخاطر الائتمان : القطاع البنكي.. وضع الآليات التمويلية لفائدة المقاولات الصغرى والمتوسطة قبل إبداء الرأي حول ما يمكن أن يكون عليه القطاع البنكي في السنوات الخمس المقبلة، يتوجب أن ندرك أن القطاع البنكي رافعة لا محيد عنها للتنمية الاقتصادية في بلدنا، لذلك يطرح التساؤل حول سبل الرقي بالقطاع من أجل تأمين محيط ضامن للنجاح؟ و أتصور أن ثمة أربعة متدخلين يفترض أن تتضافر جهودهم من أجل بلوغ هدف قيادة القطاع البنكي للتنمية الاقتصادية في البلد: الدولة: يعود لها التفكير في وضع الآليات التمويلية التي تستجيب لانتظارات المقاولات الصغرى والمتوسطة من أجل إتاحة ولوجها بسهولة للقروض البنكية بمعدلات فائدة تفضيلية وبضمانات مخففة. إضافة إلى ذلك يحتاج المغرب اليوم إلى الدولة المقاولة في غياب الدولة التي تنشغل بالاستراتيجية من أجل التأسيس لبنيات تمويل موجهة بدقة للمستهدفين بها. وأتصور أن التعويل على البنوك التجارية وحدها من أجل قيادة التنمية الاقتصادية في البلد محفوف بالكثير من المخاطر. للتذكير لقد اقترفت الدولة خطأ فادحا عندما فككت قبل سنوات البنك الوطني للتنمية الاقتصادية، الذي كان دعامة أساسية للاقتصاد المغربي وقناة لا محيد عنها لتنمية الاستثمارات. فقد تمت التضحية بذلك البنك على مذبح اللاعقاب. بنك المغرب: يجب على البنك المركزي مراجعة معدل الفائدة المديري نحو الانخفاض، على اعتبار أن المعدل الحالي المحدد في 3.25 في المائة كتكلفة للموارد الأساسية من أجل إعادة تمويل البنوك، يشكل عائقا أمام النمو الاقتصادي. المقاولة: يفترض في المقاولة أن تؤهل وضعيتها المالية وتسلك سبيل الشفافية في تدبير أصولها وتحدث هياكلها التنظيمية من أجل الولوج بسهولة للقروض. فمقتضى « بال2» يسهل على المقاولات الولوج للقروض وبمعدلات فائدة تفضيلية ما دامت لا تمثل مخاطر كبيرة على مستوى وضعيتها المالية وقدرتها على الوفاء مستقبلا بما في ذمتها. الأبناك: لا يتوجب على الأبناك أن تظل محصورة في التمويلات ذات المدى القصير، أي قروض الاستغلال، بل يفترض فيها أن تبذل الكثير من الجهود، في سبيل تشجيع الاستثمارات التي تقتضي تعبئة موارد على المدى المتوسط والمدى الطويل. فالثابت أن مردودية الأموال الذاتية مرتفعة كفاية كي تقوم بتضحيات على مستوى هوامشها. وعلاوة على دور الوساطة الذي تضطلع به، لا يجب أن تغفل الأبناك أن لها وظيفة اقتصادية، أي المساهمة في تمويل المخططات الاقتصادية في البلد الذي تنشط فيه. محمد الشيكر، اقتصادي مغربي ومسؤول سابق بال «سي دي جي» : الصناعة.. إعادة النظر في النمط الاقتصادي وإعطاء الأولوية للتصنيع النمط الاقتصادي المتبع يضحي بالتصنيع الذي يجب أن نميزه عن الصناعة، إذ يمكن أن تكون لبلد ما صناعة أي مجموعة من المقاولات والشركات الصناعية دون أن يكون له تصنيع. التصنيع يفترض من بين ما يفترضه البحث العلمي الذي يتطلب تعليما ذا جودة. وإذا أخذنا أزمة المدرسة العمومية يمكن أن نعتبرها أحد تمظهرات تراجع الصناعة في المغرب، فما دمنا لم ننخرط في مسلسل للتصنيع فنحن لسنا في حاجة إلى المادة الرمادية وحاملي الشهادات. وأنا أعتبر أن التصنيع مرتبط ارتباطا عضويا بالبحث العلمي والتعليم. ونلاحظ أن البلدان الصاعدة هي بلدان في طريق التصنيع. وفي إطار التوزيع العالمي للعمل، سوف تتكون أربع كتل. كتلة تضم البلدان التي تعيش وضعية ما بين الصناعية مثل أمريكا الشمالية وأوروبا، وكتلة تضم البلدان الصاعدة التي توجد في طريق التصنيع. وسوف نشهد كتلتين من البلدان المتخلفة، إحداهما ستعيش تخلف الجيل الأول المرتبط بالمجتمع الصناعي، والثانية سوف تؤهل تخلفها من أجل مسايرة المجتمع التكنولوجي، وتضم هاته الكتلة بلدانا مثل المغرب وتونس ومصر. يجب أن ننتبه إلى أن الصناعة كانت تمثل في المغرب 18 في الناتج الداخلى الخام في سنة 2000، بينما لم تعد تمثل سوى 13 في المائة حاليا، وترتب عن تفكيك الصناعة أنها لم تعد تتدخل على مستوى التشغيل سوى ب 13 في المائة، حيث إن القطاعات التي تشغل أكثر هي قطاعات مثل الفلاحة والخدمات التي تستدعي يدا عاملة غير مؤهلة. وأنا أظن أنه إذا أردنا أن نستفيد مما يعرفه العالم من تغيرات على مستوى النظام العالمي، لا بد من إعادة النظر في النمط الاقتصادي المتبع بما يسمح بإعطاء الأولوية للتصنيع وليس فقط للصناعة، لأن التصنيع سوف يدفعنا للاهتمام بالبحث العلمي والتعليم، وبالتالي بالإنسان وحل مشاكل البطالة. إذن يجب مراجعة النمط الاقتصادي، بما يجعل التصنيع في مقدمة الأولويات. هذا توجه أساسي يفترض أن يسار إليه على مستوى المنظور السياسي والإرادة السياسية، ثم العمل على توفير جميع الشروط التي تسمح بالاستثمار في الصناعة، والقيام بدراسة معمقة لتحديد القطاعات التي يمكن أن تكون لها الأولوية، والتي يمكن أن يكون للمغرب امتيازات مقارنة بالبلدان الأخرى، ويقتضي ذلك ربط الصناعة بالفلاحة وتنمية الصناعات ذات الصلة بالصيد البحري على مستوى تثمين المنتوج البحري وصناعة السفن وتطوير النقل البحري. مصطفى بلخياط، خبير في الأسواق المالية والمواد الأولية : السوق المالي .. إحداث صندوق سيادي للاستثمار والانفتاح على التمويل الإسلامي أتصور أن ثمة خمسة أوراش تهم السوق المالي في المغرب يمكن أن تدرسها الحكومة القادمة لما يمكن أن يكون لها من انعكاسات مهمة على الاقتصاد الوطني: أتصور أن التمويل الإسلامي مهم بالنسبة للمغرب، ليس التمويل الموجود في بلدان أوروبية و دول الخليج، بل ذلك الذي تعمل به إيران التي تتوفر على أقوى نظام بنكي إسلامي في العالم، لأنه مبني على أشياء ملموسة، ففي هذا البلد توجد سبعة أبناك يدبر كل واحد منها حوالي 50 مليار دولار، بينما لا يدبر أكبر بنك سعودي أكثر من 30 مليون دولار. وأعتقد أن النموذج الإيراني يستحق أن يدرس. في نفس الوقت يجب تفادي التعاطي للمنتوجات التي تقوم على وعود على المدى الطويل للتغطية والارتكاز على ما هو ملموس، الذي يدعمه التمويل الإسلامي الحقيقي. والمغرب بين أنه متقدم على العديد من البلدان العربية الإسلامية ، لكنه متأخر على مستوى التمويل الإسلامي، علما أن لدينا خبراء كبار في هذا المجال. وأنا أدعو إلى تنظيم مؤتمر حول التمويل الإسلامي يحضره خبراء مغاربة وأجانب من بينهم الإيرانيون. في النظام البورصوي المغربي لا توجد إمكانية لشراء الذهب، والحال أنه من الثابت في جميع الأسواق المالية العالمية أن مقصورة الذهب لا محيد عنها، لأنه لا يمكن إطلاق سوق مالي دون إتاحة الفرصة للمؤسساتيين والمستثمرين الخواص وشركات التأمين، كي يتوفروا على ما بين 10 و 15 في المائة من الاستثمارات في الذهب المادي الذي يملكه البنك المركزي. وقد دعوت دائما إلى صندوق للاستثمار في الذهب. أوصي بإحداث صندوق سيادي موجه للاستثمار في الخارج والمغرب، وهذا أمر جد مهم بالنسبة للبورصة في المغرب، فإذا نظرنا إلى الصندوق السيادي القطري، نلاحظ أنه انطلق بما بين 30 و 40 مليار دولار، وهو المبلغ الذي وصل اليوم إلى أكثر من 100 مليار، لأن الخبراء القائمين عليه استثمروا في الخارج. والثابت أن الخبراء المغاربة الذين يعملون لدى أكبر شركات الاستثمار في العالم يمكنهم أن يشكلوا نخبة تتولى تدبير الصندوق، يكفي دعوتهم من أجل ذلك. وهذا الصندوق الذي يفترض أن يتدخل في سوق السندات الأمريكية أو الأوروبية أو أسهم الشركات أو عمليات الإندماج بين الشركات، يمكنه أن يدر على المغرب أكثر مما تجلبه الشركات الخاصة أو العامة الكبرى. ويمكن أن ينجز الصندوق استثمارات في الخارج والمغرب، حيث يمكنه المساهمة في إعادة توزيع الثروة على صعيد المغرب عوض أن يستفيد منها أصحاب الامتيازات فقط. ويكفي دراسة هاته الفكرة. يبدو أن تحويل الدرهم أصبح أمرا ملحا اليوم، لأن المغرب سائر في مسار الانفتاح. ونحن إذا نظرنا إلى حقيقة الأمور ندرك أن الثروات الكبرى في المغرب تتوفر على حسابات في سويسرا و موناكو، هذا أمر لا يجب أن نخفيه، و لا جدوى من السعي إلى الحيلولة دون خروج الأموال من المغرب. واليوم إذا أطلقنا مشروع تحويل الدرهم سوف نشجع تلك الأموال على العودة إلى المغرب. وأنا أتصور أن ذلك ينطوي على فوائد جمة بالنسبة للسوق المالي المغربي. ومن أجل المرور إلى التحويل يجب إنجاز دراسة حول سلة العملات للدرهم المكون من الدولار واليورو، حيث أدعو إلى عدم الاقتصار على تلك العمليتين والتفكير في الذهب المادي الإسلامي. ويجب التفكير في الشروط الذي تجعل من الدرهم المغربي درهما إسلاميا. أدعو إلى تحويل المغرب إلى فردوس ضريبي، حيث يمكنه آنذاك أن يستقطب العديد من الشركات الأوروبية خاصة، يكفي أن يتخلى المغرب عن الضرائب المباشرة التي يفرضها على هاته الشركات وأن يكتفي بالضريبة على القيمة المضافة التي يمكن أن تتضاعف عائداتها آنذاك بخمس مرات أو عشر مرات. أنا لا أنصح بأن يتحول المغرب إلى فردوس بنكي، بل إلى فردوس ضريبي يمكنه أن يغري الشركات الأجنبية بنقل نشاطها إليه، بما لذلك من تداعيات على الحركية الاقتصادية ودور في خلق مناصب شغل جديدة. محمد الرهج، خبير جبائي وأستاذ بالمعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات : الضريبة.. شن حرب شرسة على التهرب الضريبي أتصور أن هامش المناورة محدود في المجال الجبائي. فإذا نظرنا إلى النظام الضريبي الحالي من الزاوية التقنية المحضة، نلاحظ أنه مبني على ثلاث ضرائب تتمثل في الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة، و إلى جانب هاته الضرائب ثمة ضرائب لا يوليها المغاربة اهتماما كبيرا، لكنها مهمة من حيث المداخيل التي تدرها على خزينة الدولة، خاصة الضرائب الداخلية على الاستهلاك، و التي تهم أساسا المواد البترولية والتبغ والذهب والتسجيل والتنبر ورسوم الجمرك. إذا نظرنا إلى هاته الضرائب المباشرة منها وغير المباشرة نجد أن الهامش يبقى محدودا لإضافة ضريبة جديدة اللهم إلا إذا كانت السلطات العمومية تريد سن الضريبة على الثروات التي هي في الحقيقة ضريبة أخلاقية، لا تدر عائدات مهمة، وهذا ما هو ثابت في التجارب التي عملت بهاته الضريبة، حيث اعتمدت لتخليق السياسة الجبائية، فوعاؤها لا يشمل وسائل الإنتاج وهناك حد أدنى يخضع للضريبة و الأسعار المطبقة هزيلة جدا، حيث تتراوح بين 0.5 و 3 في المائة. ما الهامش الذي يتبقى أمام الحكومة؟ يمكن للسلطات العمومية أن تزيد في أسعار بعض الضرائب، والحال أن الضريبة على القيمة المضافة وصلت إلى أقصى مدى لها في المغرب على اعتبار أن أغلب الاستهلاكات تخضع للسعر الأعلى 20 في المائة. و يظل الهامش الخاص بالنسبة لزيادة أسعار الضرائب على الواردات محدودا منذ أن امتثل المغرب لقواعد منظمة التجارة العالمية. عندما يقترح البعض تخفيض سعر الضريبة على الشركات إلى 25 في المائة، أتساءل عمن يؤدي تلك الضريبة الآن، فالإحصائيات التي تشير إلى أن 20 في المائة تؤدي الضريبة والباقي يعلن سنويا عن خسارة، وإذا قامت الحكومة القادمة بخفض تلك الضريبة، من أين ستعوض ذلك النقص، علما أن 80 في المائة من تمويل الميزانية يقوم على الموارد الجبائية، لأن الموارد التي تأتي من شركات الدولة تقلصت بفعل الخوصصة. أنا لا أمانع في خفض تلك الضريبة، لكن هل ستتم الزيادة في أسعار بعض الضرائب، مثل الضريبة على القيمة المضافة كما في السنوات الأخيرة، علما أن الزيادة في تلك الضريبة بلغت حدودها القصوى. وبالنسبة لي إذا أراد المغرب أن يرفع العائدات الجبائية دون إضافة ضرائب جديدة، يفترض، أولا، في الحكومة المغربية أن تخوض حربا شرسة على التملص والتهرب الضريبي، الذي يتجاوز حسب بعض المعلومات المستقاة من وزارة الاقتصاد والمالية، 24 مليار درهم سنويا، ويتوجب، ثانيا، على الحكومة القادمة، انطلاقا من الدستور الجديد الذي يقر المساواة أمام الضريبة، أن تحارب القطاع غير المهيكل، أنا أقصد بذلك مقاولات منتجة في الصناعة أو التجارة، لكنها لا تخضع للضريبة، ويفترض في الحكومة، ثالثا، إخضاع القطاع الفلاحي للضريبة. يمكن أن أتفهم ألا يخضع الفلاحون الصغار للضريبة، لكن ثمة قطاع عصري مصدر يجب أن يساهم في النفقات العمومية للدولة، وأخيرا، هناك ميثاق الاستثمار أو القوانين الخاصة الذي يهم مجموعة من الامتيازات التي تعطى لبعض القطاعات، وحان الوقت أن يوقف هذا النوع من الامتيازات الجبائية التي تأتي في إطار ميثاق الاستثمار أو القوانين الخاصة، خاصة لبعض الشركات الأجنبية، وأنا أعتبر أن هاته الامتيازات لا فائدة منها من الزاوية الاقتصادية. أحمد أوعياش، رئيس الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية : الفلاحة .. تحديد الأولويات لبلوغ هدف الأمن الغذائي في السياسة الفلاحية أتمنى أن يسترعي الأمن الغذائي اهتمام الحكومة القادمة، على اعتبار أن الأمن الغذائي هو جزء من أمن البلد بشكل عام. ونحن نرى أن العالم يعاني من أزمة غذائية يغذيها ارتفاع أسعار المواد الأولية الفلاحية في العالم واحتكار بعض الدول لما يسمى ب«القنبلة الخضراء»، مما يستدعي المضي في ما جاء به المخطط الأخضر مع إعطاء أهمية خاصة لتوفير المواد الأساسية التي تدخل في تغذية الساكنة التي ما فتئ يرتفع تعدادها. والمأمول من الحكومة القادمة بعد الاستثمارات المهمة التي تتوفر اليوم في ظل المخطط الأخضر، أن تعمل على تحديد الأولويات بما يسمح ببلوغ هدف الأمن الغذائي، مما سينعكس بشكل إيجابي على العالم القروي، علما أن نسبة جد مهمة من المواد الأساسية ينتجها الفلاحون الصغار. ويفترض الأمن الغذائي التركيز على المواد الأساسية التي تتمثل أساسا في الحبوب والحليب واللحوم والزيوت والسكر، إضافة إلى بعض الخضر والفواكه، ويستدعي الأمن الغذائي تغطية الحاجيات من تلك المواد الأساسية وإدراك أن تلبية الطلب تختلف عن تلبية الحاجيات التي تستند على معايير منظمة الصحة العالمية التي توصي بضرورة إتاحة كميات من البروتينات. فالأمن الغذائي يوميا لا يقصد به الإنتاج فقط، بل كذلك توفير حاجيات المواطنين بالكمية والجودة المطلوبة مع أخذ بعين الاعتبار قدرتهم الشرائية. وأتصور أن كل مشروع يراد تجسيده يجب أن يكون مبنيا على دراسات وخلايا للتفكير من أجل إعادة تصويب بعض السياسات، خاصة في ظل الهزات التي يعرفها الاقتصاد العالمي والتي يغذيها استغلال المنتوجات الفلاحية في إنتاج الطاقة، مما يفضي إلى إذكاء التوترات في الأسواق، ناهيك عن المضاربة التي تلجأ إليها صناديق الاستثمار في البلدان المتقدمة. مما يعني أنه يتوجب على المغرب، الذي لا يتحكم في بعض المتغيرات التي تتحكم في الأسواق، أن يستحضر باستمرار التطورات والتقلبات التي عرفناها في السنوات الأخيرة. وفي البعد الذي يهم التنمية القروية نتمنى أن تتدارك الحكومة الخطأ الذي ارتكب في السابق بحذف وزارة التنمية القروية التي تعتبر وزارة مهمة، فلا يمكن أن نتحدث عن تنمية فلاحية دون تنمية قروية في المغرب. ويجب أن ندرك أن مشاكل المدن تأتي من العالم القروي نتيجة الهجرة، مما يستدعي خلق ظروف عيش محترمة في العالم القروي، لذلك نتطلع إلى أن تعمل الحكومة القادمة على تعزيز التضامن عبر نوع من الإجراءات الاجتماعية التي تهم جميع الشرائح في العالم القروي، خاصة الشباب والمسنين الذين لا يتمتعون بتقاعد في العالم القروي. ونحن نرنو إلى برنامج خاص بالعالم القروي يهم البنيات التحتية والسكن والتعليم والتغطية الصحية و المضي في تحويل العالم القروي إلى مدن حقيقية بجميع المقومات، خاصة في ظل الصعوبات التي تواجهها العديد من القرى بسبب الظروف المناخية. في الشق المتعلق بالضريبة، تعلمون أن تعليق شمول القطاع الفلاحي بالضريبة جاء في الثمانينيات، وكان الخطاب الملكي حدد سنة 2013 أفقا لمساهمة القطاع في المجهود الضريبي. أتصور أن كل من يجني أرباحا من نشاط ما عليه أن يؤدي الضريبة. ونحن نتطلع في إطار التضامن إلى مراجعة المنظومة الضريبية ككل، نحن لا نتهرب من أداء الضريبة الفلاحية، بل يجب أن تهم الذين يربحون من النشاط الذي يمارسونه، لكن لا بد أن يكون ذلك مبنيا على دراسة، بما أن الإعفاء سوف ينتهي في 2013، مما يعني أن الضيعات سوف تخضع للضريبة ونحن مستعدون لدراسة الأمر مع المصالح التي يهمها الأمر حتى تكون ضريبة عادلة، ونحن نشدد على أّن تراعي الضريبة هدف تنافسية القطاع ومردودية بعض الفلاحات وتستحضر البعد الجهوي.
إدريس الفينا، خبير في قطاع العقار : السكن.. حماية سوق العقار من المضاربة والاحتكار تحتاج سياسة السكن في المغرب إلى جيل جديد من الإصلاحات لتلبية الحاجيات المتجددة للأسر، ومواجهة العجز المتراكم وكذا تطوير سياسة سكنية جديدة لفائدة الطبقات الوسطى، وتحسين مناخ الاستثمار داخل قطاع السكن والرفع من مهنيته والرقي بجودة السكن والتعمير داخل المدن. فعلى مستوى سياسة السكن الاجتماعي، يجب الاستمرار في رفع وتيرة إنتاج السكن الاجتماعي، بتشجيع الاستثمارات الخصوصية عن طريق تشجيع خلق صناديق للاستثمار في مجال السكن الاجتماعي، ومراجعة النظام الجبائي المعتمد لتحفيز السكن الاجتماعي لجعله أكثر جاذبية للاستثمارات، ويتلاءم وحاجيات الجهات مع تعميم الاستفادة من استرداد الضريبة على القيمة المضافة لتشمل المنعشين الصغار، الذين ينتجون أكثر من 10 مساكن في السنة. وجعل الجودة والسلامة عناصر أساسية للاستفادة من التحفيزات الجبائية، وتحفيز الجماعات المحلية على تطوير سياسات محلية للسكن الاجتماعي وفقا لحاجياتها بتمكينها من التمويل والعقار في إطار جيل جديد من التعاقدات. بالنسبة لسكن الطبقات الوسطى يجب تقديم تحفيزات ضريبية للاستثمارات التي تهم المساكن التي لا تتعدى قيمتها العقارية 500 ألف درهم مع إعفاء جزئي من الضريبة على الأرباح لفائدة الاستثمارات، التي تهم إنتاج 10 شقق أو أكثر خلال سنة على الأكثر. وتقديم تحفيزات عقارية وجبائية للتعاونيات السكنية وخلق إطار جديد لتنمية العمل التعاوني في مجال السكن. إنعاش قطاع الكراء السكني من خلال الرفع من الاستثمارات داخل هذا القطاع عن طريق تقديم تحفيزات ضريبية جديدة، سواء للشركات أو للأفراد، ومراجعة الإطار القانوني المنظم لهذا القطاع مع الفصل بين الكراء السكني والمهني. ووضع آليات جديدة تساهم في تنشيط القطاع : قانون لشركات الوساطة والتأمين الكرائي. بالنسبة للسكن غير اللائق يجب وضع مقاربة جديدة لمعالجة هذه الظاهرة تعتمد بالأساس على خلق مناطق التهيئة التدريجية تستفيد منها الأسر، التي تقطن دور الصفيح أو محدودة الأجر مع التركيز على المدن التي تعرف انتشارا واسعا للظاهرة، مع جعل ملف محاربة السكن غير اللائق شأنا محليا ودعم الجماعات المحلية على أساس مجهودها في مجال مراقبة ومحاربة السكن غير اللائق على ترابها في إطار جيل جديد من التعاقدات. وإناطة الوكالات الحضرية بمشاريع إعادة هيكلة الأحياء ناقصة التجهيز بتمويل من الجماعات المحلية، كما تتكلف بالأنسجة القديمة والمساكن الآيلة للسقوط وبإعادة التأهيل الحضري. تحويل صندوق التضامن السكني لوكالة للتضامن السكني تستفيد من الضريبة على الإسمنت ومن تمويلات أخرى، منها الضريبة على المساكن المغلقة وبعض الضرائب المحلية. يشكل هذا الصندوق رافعة لتمويل برامج السكن غير اللائق، وتطوير سياسة السكن الاجتماعي خصوصا دعم السكن منخفض الكلفة. بالنسبة للعقار يجب وضع آليات جديدة لضبط سوق العقار وحمايته من كل أشكال المضاربة والاحتكار، وخلق وكالة وطنية لتدبير شفاف وعقلاني للعقار العمومي، وخلق شركات جهوية تتكلف بتهيئة العقارات لفائدة الجماعات المحلية مع تعميم نظام التحفيظ العقاري وتبسيط مساطره. بالنسبة للسكن القروي يجب تعميم فروع الوكالات الحضرية لتشمل كل المراكز القروية، التي تعرف دينامية عمرانية متسارعة وتكثيف التجزئات العقارية بالمراكز القروية الصاعدة. وبالنسبة للمساكن المغلقة، والتي يناهز عددها اليوم مليون وحدة، يجب سن ضريبة جديدة تحد من ظاهرة تنامي المساكن المغلقة على غرار ماهو معمول به في عدد من الدول. العمل على ملاءمة قوانين التعمير لتصبح أقل كلفة ومحفزة للاستثمار وتعميم وتحيين مخططات التهيئة الحضرية مع تبسيط مساطر المصادقة، ومراجعة وثائق التعمير وجعله شأنا محليا لا يخضع لأي نظام مركزي. مراجعة النظام الضريبي المعمول به في قطاع العقار بهدف جلب المزيد من الاستثمارات، خصوصا الأجنبية وتخفيض العبء الضريبي في حدود 20% من كلفة الإنتاج، سواء من جانب الأسر أو المنعشين العقاريين. وخلق ضرائب متخصصة تبعا لمجالات التدخل : السكن الاجتماعي، الكراء، السكن السياحي، الأنسجة القديمة، وخفض كلفة نقل الملكية لأقل من %1 من قيمة العقار. تبسيط مساطر الاستثمار العقاري وجعلها أكثر شفافية تساهم في خلق التنافس الشريف بين المستثمرين، مع تحميل الجماعة المحلية كامل المسؤولية في تدبير التراخيص والتعمير بمساعدة من الوكالات الحضرية، هذه الأخيرة يقتصر دورها على التخطيط والإشراف والتدبير الحضري ومشاريع التأهيل الحضري. مراد النوحي، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس أكدال الرباط : الاستثمارات الخارجية.. وضع الإجراءات التي ترسي دعائم الشفافية تتمثل التحديات التي ستواجهها الحكومة المقبلة على مستوى الاستثمارات الأجنبية في الأزمة المالية العالمية التي ترخي بظلالها على المساعدات الأوروبية، وفي الحراك السياسي العربي الذي ينجم عنه نوع من التردد لدى المستثمرين، إذ رغم الاستقرار الذي يطبع المغرب على المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، سوف يتحكم هاجس الخوف في سلوك المستثمرين الأجانب. وثمة تحد آخر يواجه المغرب مرتبط بطبيعة التشكيلة الحكومية المقبلة، خاصة في ظل الدستور الجديد الذي منح للجهاز التنفيذي صلاحيات واسعة، مما يعني أنه يفترض في الحكومة المقبلة أن تعطي إشارات قوية عبر برامجها والإجراءات التي تنوي اتخاذها لمواكبة العملية الاستثمارية. وعموما يتوقف جذب الاستثمارات الأجنبية على طبيعة التركيبة الحكومية القادمة ومن سيقودها وطبيعة المفاوضات بين الأحزاب المشاركة في صياغة البرنامج الحكومي. الدستور يضمن الحرية الاقتصادية، بمعنى أنه لا يمكن لأي حكومة قادمة أن تضع مقتضيات تمس بحرية الاستثمارات الأجنبية، لذلك يفترض في البرنامج الحكومي أن يشير إلى الاستثمارات الأجنبية كخيار أساسي وأن يتضمن الإجراءات الجاذبة لذلك النوع من الاستثمارات، خاصة الإجراءات التي ترسي دعائم التخليق والشفافية. ويتوجب على المغرب أن يضبط القواعد الأساسية لتخليق الحياة الاقتصادية عبر التأكيد على الحفاظ على الحرية الاقتصادية والتأكيد على محاربة الرشوة وشفافية الأعمال. ويجب أن يترجم التوجه الداعم للاستثمارات الأجنبية على مستوى مشروع قانون المالية الذي ستضعه الحكومة، خاصة على مستوى المادة الضريبية في ظل تضارب الوعود بين البرامج الانتخابية التي تقدمت بها الأحزاب السياسية، التي تراوحت بين الوعد بخفض الضريبة على الشركات إلى 25 في المائة والتعبير عن النية برفع ذلك المعدل إلى 35 في المائة بالنسبة للشركات الكبرى. تقليديا يعول المغرب على المستثمرين الأوروبيين، خاصة الفرنسيين والإسبان منهم، إضافة إلى المستثمرين الأمريكيين والمستثمرين المنحدرين من دول الخليج. وأتصور أنه يفترض في المغرب أن يعمل على الحفاظ على المكتسبات، خاصة في علاقته بأوروبا، والسعي إلى الاستفادة من الاستثمارات العربية، والتوجه نحو البلدان الصاعدة، خاصة في ظل توقيع الولاياتالمتحدة على اتفاقية للتبادل الحر مع مجموعة دول من المحيط الهادي، علما أن المغرب يرتبط باتفاقية للتبادل الحر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. والثابت أن المغرب انفتح منذ الستينيات على الاستثمارات الخارجية، غير أن ثمة معيقات تتمثل في وضعية اتحاد المغرب العربي الذي لم يتشكل كسوق جاذبة للمستثمرين الأجانب. وأتصور أنه يتوجب على الحكومة القادمة إعادة النظر في منظومة التربية والتكوين ووضع رؤية واضحة للديبلوماسية الاقتصادية. ويمكن للمغرب أن يستغل البعد الجهوي في إطار الأقطاب الاقتصادية من أجل جذب الاستثمار مع ضرورة استمرارية الإصلاحات السياسية المطمئنة للاستثمارات الأجنبية. نبيل بوبراهيمي نبيل، أستاذ الاقتصاد بجامعة العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية ابن طفيل بالقنيطرة : التجارة الخارجية.. تكييف العرض مع حاجيات الأسواق الخارجية أعتقد أنه يجب على الحكومة القادمة تخصيص حيز مهم للتجارة الخارجية في تصريحها الحكومي، وأتصور أنه من الضروري أن تبني الحكومة على ما تم تحقيقه من قبل الحكومة التي سبقتها التي عبأت موارد وطاقات من أجل الوصول إلى القطيعة. أفكر هنا في إجراءات الترويج التي أطلقت في مجال التسويق التجاري والدراسات الاستراتيجية التي تستدعي تسريع وتيرة التنفيذ. وأعتبر أن من بين الإجراءات المهمة التي يتوجب على الحكومة البدء بها، تلك التي تهم بث نوع من النظام في الحكامة بين مختلف الاستراتيجيات القطاعية الرامية إلى تحسين القدرة الإنتاجية للبلد والعرض في المهن الاستراتيجية للمغرب. فجميع الدراسات المنجزة إلى حدود الآن أكدت على حقيقة هيكلية تتمثل في عدم كفاية عرض الإنتاج الذي يؤثر على مستوى صادراتها مقارنة بالارتفاع الكبير للواردات. ذلك خلل يتجه إلى أن يصبح هيكليا ويؤشر عليه تفاقم العجز التجاري. ويجب في الإجراءات التي ستتخذها الحكومة المقبلة أن تأخذ بعين الاعتبار بنية الواردات التي تهيمن على المنتوجات الطاقية و الحبوب و مواد التجهيز والمنتوجات نصف المصنعة بنسبة 70 في المائة. صحيح أن ارتفاع أسعار البترول والمواد الأولية يعتبر مصدرا مهما للعجز التجاري، تبقى تلك متغيرات خارجية يجب أن تتعاطى معها كل حكومة، غير أنه يمكن أن يتجه عملها نحو التأثير على المتغيرات الداخلية التي يمكنها التأثير عليها من قبيل: 1 - إعادة توجيه محاور استراتيجية تنمية وإنعاش الصادرات بأخذ بعين الاعتبار التطور السريع للأسواق الخارجية والتغير المستمر في عادات وحاجيات الاستهلاك. 2 - تدعيم تدبير تدفق الواردات بالتطبيق الصارم لمعايير الجودة وتحسين القوانين حول الواردات مع احترام التزام المغرب تجاه شركائه الدوليين. 3 - تحسين أدوات المراقبة وتتبع الأسواق الخارجية وتطوير نوع من اليقظة الاقتصادية حول الأسواق والمنتوجات الموجهة للتصدير. 4 - تكييف القوانين وسلاسة سلسلة اللوجستيك، وأساليب العمل في كل سلسلة التجارة الخارجية من أجل تحسين التنافسية وتشجيع الاستثمارات المباشرة الخارجية ذات العلاقة بأرضيات التصدير، 5- مواصلة ورش تسهيل مساطر التجارة الخارجية من أجل جعل سلسلة التصدير والاستيراد أكثر سلاسة وتنافسية. 6 - مواصلة تبني مقاربة نشطة في الأسواق الخارجية عبر عمليات تستهدف مقدمي الطلبيات المهمين في مجال النسيج وصناعات الطيران. 7 - الاستفادة من اتفاقيات التبادل الحر الموقعة من قبل المغرب والقيام بتحليلات عميقة لطلب الاستهلاك وتكييف عرض الإنتاج تدريجيا مع هاته الحاجيات. ويتوجب على الحكومة أن تتخذ إجراءات دقيقة من أجل تجسيد مختلف العمليات والعمل على أن تكون مواكبة المقاولات عند التصدير همها الأساسي وعملية مربحة بالنسبة للجميع عبر تعبئة كل الوسائل البشرية والمالية الضرورية التي بإمكانها تحسين العملية التجارية والتسويقية والترويج للمنتوج المغربي. من أجل ذلك يفترض توفير وسائل أكثر ودعم اختصاصات الوزارة المكلفة بالتجارة الخارجية و كذلك جميع المؤسسات المكلفة بالترويج التجاري واليقظة الاستراتيجية. ويجب أن تحتل هاته البنيات مكانة أساسية لدى الحكومة القادمة من أجل تجاوز القصور البنيوي الذي حد خلال سنوات من العمليات والمؤسسات المكلفة بالترويج. ويجب على الحكومة أن تجد الوسائل الملائمة من أجل تحويل التمثيليات القنصلية والمستشارين الاقتصاديين في السفارات إلى مصدر مستمر للمعلومة وعنصر رئيسي بإمكانه أن يضطلع بدور حاسم في تتبع الأسواق. محمد موساوي، خبير ، باحث سابق بالمعهد الوطني للبحث الزراعي : الأجور.. الحيلولة دون تحقيق التنافسية عبر الأجور في ظل العولمة المالية التي ترتب عنها تحالف بين الأبناك مع بعض الشركات الكبرى، أصبحت المنافسة لا تركز على ثمن المنتوج، بل تنصب على السياسة التي ستضمن للشركات أداء أدنى أجر ممكن، ومن ثمة البحث عن البلدان والقطاعات التي تسمح بتحقيق ذلك الهدف. وأتصور أن من مهام الدولة التدخل من أجل الحيلولة دون تحقيق تلك الشركات لذلك الهدف دون حسيب أو رقيب. وأعتبر أن الاتجاه نحو المرونة في سوق الشغل وإعادة النظر في عقدة العمل أمر غير ذي معنى. ونحن لاحظنا أن خطاب الأحزاب اتجه نحو طمأنة الباطرونا. ونحن نعتقد أنه يفترض في الشركات أن تدعم الإنتاجية، والحال أنه تم في المغرب تفكيك ما يعرف بسلم الإنتاجية الذي كانت تحدد على أساسه الأجور، وهو المعيار الذي كان يؤطر المفاوضات بين الباطرونا والنقابات، غير أن هذا التوجه تم التخلي عنه. والظاهر أن المستثمرين أصبحوا ينظرون إلى السياسات الحكومية التي تضمن لهم خفض التكلفة، وكلما كان الأجر منخفضا كلما تهافتوا على القطاعات التي تخول لهم ذلك، وأظن أن الحفاظ على العيش الكريم لليد العاملة يفترض عدم إطلاق يد الذين يسعون إلى تحقيق تنافسيتهم عبر الأجور، نحن نتساءل عما كان سيحدث لو كان لمغرب استثمر كل الموارد البشرية الكفأة التي يعاني بعضها من العطالة. وأتصور أن ثمة قطاعات حيوية بالنسبة للبلد يتوجب أن تتدخل فيها الدولة كي تضمن حدا أدنى للأجر يحفظ كرامة العاملين ويؤمن استمرارية الإنتاجية في تلك القطاعات، ويفترض في المعنيين بالأمر أن يحددوا الحد الأدنى للأجر الذي يحفظ كرامة العامل في الظروف الحالية. والتساؤل الذي يطرح يتمثل في مدى توفر الدولة على النية من أجل فرض توجهاتها على بعض القطاعات التي فوتت والتي أطلقت فيها يد الخواص كي تفعل فيها ما تشاء. ويجب على التصريح الحكومي أن يتناول مسألة الأجور وينبه إلى الكف عن السعي إلى تحقيق التنافسية على حساب اليد العاملة ولا بد أن يفصح أصحاب الرأسمال عن احتياجاتهم من اليد العاملة عوض الإمعان في الحديث عن عدم ملاءمة التربية والتكوين لاحتياجات السوق. وأنا أتساءل لماذا لا يقوم أصحاب الرأسمال بتحقيق تنافسيتهم عبر البحث والإبداع. والمعروف أن الشركات الكبيرة التي لا تعيش على الريع تؤسس مراكز للبحث والتنمية ومراكز التكوين المتخصص من أجل دعم تنافسيتها.