بعد التغييرات التي شملت العبء الجبائي الخاص بالضريبة على الشركات والضريبة على الدخل، يتوقع أن يطرح بقوة بمناسبة إعداد مشروع القانون المالي وعبر جميع المراحل التي يقطعها قبل دخوله حيز التنفيذ الإشكال الضريبي الأكثر حساسية وهو إصلاح الضريبة على القيمة المضافة، إذ يرى العديد من المراقبين للعمل الحكومي أن نسبة الضغط الضريبي على العموم في المغرب مرتفعة قياسا بدول مماثلة للبلاد، بحيث بلغت 22 في المائة من الناتج الداخلي الخام، والمطلوب حسب هؤلاء هو إصلاح جبائي عادل سمته تخفيض أسعار الضرائب وتوسيع أوعيتها لحفز الاستثمار والنهوض بالتنافسية. تحدي التوافقات أمام وزارة الاقتصاد والمالية تحدي إيجاد التوافقات المناسبة للاستجابة لمطالب القطاعات الحكومية من جهة والباطرونا من جهة ثانية والقوى السياسية والنقابية من جهة ثالثة، ولكنها ستحرص كالعادة على المحافظة على التوازن بين المداخيل والنفقات في ميزانيتها، وسترفض كل تعديل يطرح في البرلمان من شأنه التأثير سلبا في نظرها على هذه التوازنات المالية. فعلى مستوى القطاعات الحكومية يتوقع أن تقترح وزارة الطاقة والمعادن لائحة جديدة من المعدات ووسائل الإنتاج التي تدخل في ميدان الطاقات المتجددة لكي تستفيد من امتيازات جبائية برسم ميزانية 2010، بعدما استفادت بعض المعدات والآليات الضرورية لإنتاج الكهرباء عبر الطاقة المتجددة من تطبيق رسم الاستيراد الأدنى عليها والمتمثل في نسبة 2,5 في المائة، وذلك بهدف تقليص تبعية المغرب للخارج في حاجياته الطاقية، وزيادة حصة الطاقات المتجددة في الموارد الطاقية الوطنية. كما يرجح أن يتضمن مشروع القانون المالي الجديد إجراءات لإنعاش القطاع العقاري الذي يعتبر المصدر الأساسي لتحصيل رسوم التسجيل والتنبر بعد التراجع المسجل في هذا القطاع في السنة الماضية، وبالنظر إلى الأزمة التي يعيشها قطاع السكن الاجتماعي في الشهور الأخيرة والركود بشكل عام في القطاع العقاري. من جانبها ترى الباطرونا أن الجانب الضريبي قضية مركزية في تنافسية الاقتصاد والمقاولات المغربية، ولهذا يمارس الاتحاد العام لمقاولات المغرب مع بدء الإعداد لكل قانون مالي عملية «لوبيينغ» لكي تستجيب الحكومة لمطالبها في شقها الجبائي، وبالنظر إلى المشاكل البنيوية التي تحد من تنافسية المقاولات المغربية في بعض الميادين وتداعيات الأزمة الاقتصادية التي عرت على ضعف العرض التصديري المغربي إزاء البلدان المنافسة، فإن كونفدرالية الباطرونا ستركز في مقترحاتها التي سترفعها للحكومة في منتصف شهر أكتوبر المقبل على الإجراءات التي تدعم تنافسية المقاولة. وسيدفع البرلمان بما يمثله من قوى سياسية ونقابية في اتجاه المزيد من الخفض على العبء الضريبي التي تتحمله الأسر والاقتصاد، خصوصا على صعيد الضريبة على القيمة المضافة، فقد لاحظ بعض النواب أن الرفع من معدل الضريبة على القيمة المضافة على بعض المواد الاستهلاكية في القانون المالي 2009 يعد ضربا للقدرة الشرائية للمواطنين، ونادوا بوجوب توسيع الوعاء الضريبي بدل الرفع من النسبة المطبقة، واعتبر بعض النواب أن الزيادة في الضريبة على الأعلاف يعد مساً بعيش نصف سكان المغرب وعيش مستهلكي الحليب واللحوم والدواجن، ويتجلى مطلب بعض الفرق النيابية في خفض الضريبة على القيمة المضافة من 20 إلى 18 في المائة. كما يطالب البرلمان بتطبيق نظام ضريبي لتشجيع الاندماج بين المقاولات الصغرى والمتوسطة، والتشجيع الضريبي للشركات الشخصية التي ترغب في تغيير شكلها القانوني، واقتراح إعفاء 50 في المائة من أرباح المقاولات الصغرى والمتوسطة من الضريبة، وتطبيق نسبة 15 في المائة على الشركات الصغرى والمتوسطة فيما يخص الضريبة على الشركات. التزام الحكومة بالإصلاح وتقول الحكومة من جانبها إنها ستباشر إجراءات إصلاح الضريبة على القيمة المضافة لتحسين مردوديتها وتعزيز حيادها وعدالتها، سواء تعلق الأمر بالمطبقة على المواد المنتجة محليا أو المستوردة، والاتجاه الذي تريد الحكومة السير فيه هو اعتماد سعرين فقط لهذه الضريبة عوض أربعة المعمول بها حاليا، وهما بنسبة 20 في المائة و10 في المائة، في أفق توحيدها ليصبح سعرا واحدا وتصير هذه الضريبة عنصرا جبائيا محايدا. إلا أن إصلاح هذه الضريبة يكتسي حساسية كبيرة بالنسبة للمداخيل المالية للدولة، والتي تعول كثيرا عليها لضمان توازنها المالي لأنها ضريبة محايدة وذات وعاء واسع، في حين أن وعاء الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل يبقى ضيقا. ومن أجل ضمان توزيع جيد للكلفة الجبائية، تعهدت الحكومة في السنوات القليلة الماضية باتخاذ تدابير لتوسيع الوعاء الضريبي بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الشركات والضريبة على الدخل حيث تشكل هذه الضرائب نواة الإصلاح الجبائي القائم. ومن التدابير المتخذة لتوسيع الوعاء الضريبي، تقليص النسب المعمول بها، بحيث تم حذف قابلية استخلاص مخصصات الاحتياطات غير الجارية في إطار قانون المالية لسنة 2008 وحددت سنة 2009 كآخر سنة للإعفاء الذي يستفيد منه المنعشون العقاريون عند بناء السكن الاجتماعي، كما وضعت مخططا للانتقال من النسب الضريبية المخفضة التي تستفيد منها بعض القطاعات والعمليات على مستوى الضريبة على الشركات والضريبة على الدخل إلى النسب العادية، وبالإضافة إلى إلزام أرباح مبيعات القيم المنقولة فيما يخص الضريبة على الدخل بنسبة 15 % عوض 10 في المائة من 2011 إلى 2015. ويتجلى إصلاح الضريبة على القيمة المضافة في توسيع الوعاء والحد من الإعفاءات الضريبية، وإعادة النظر في إخضاع بعض المواد والخدمات للضريبة. وهكذا، تم إخضاع بعض المواد والخدمات المعفاة للضريبة على القيمة المضافة خلال الفترة 2005 – 2008، وتم كذلك إخضاع عمليات الإيجار التمويلي للضريبة على القيمة المضافة بنسبة 20 % وكذلك الفوائد على القروض الممنوحة والمسلمة من لدن صندوق التجهيز الجماعي. وسيستمر إصلاح الضريبة على القيمة المضافة في اتجاه تبسيط مساطرها عبر اللجوء التدريجي لتطبيق نسبتين وتخصيص نسبة 0 % فقط للشركات المصدرة والنقل الدولي وتبسيط آليات استرجاع الضريبة على القيمة المضافة. ومن المنتظر كذلك أن يتم التنسيق فيما بين عتبات الخضوع بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة والضريبة على الدخل. كما ستتم بشكل تدريجي مراجعة للعبء الجبائي المتعلقة بالضريبة على الشركات في اتجاه تخفيض النسب في أفق المرور إلى نسبة 25 % على المدى المتوسط.