يدر القطاع غير المهيكل 280 مليار درهم سنويا، وهو يغري الكثيرين بالانضمام، مادامت صفوفه تتعزز سنويا ب 40 ألف مقاولة .. عمله في الظل يحرم المغرب من ملايير الدراهم من العائدات الجبائية، لكنه في ذات الوقت قطاع يوفر الكثير من مناصب الشغل و يساهم في امتصاص الأزمات. ذلك القطاع شغل كثيرا الباطرونا المغربية عبر الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي دعا قبل سنوات إلى تبني ميثاق لفائدة المقاولات الصغرى و المتوسطة، وهي الفكرة ذاتها التي تضمنها الكتاب الأبيض الذي قدمته الباطرونا للحكومة، حيث دعا إلى جباية ملائمة لذاك الصنف من المقاولات.. غير أن عدم تجاوب السلطات العمومية مع انتظارات رجال الأعمال، لم ينل من سعيهم الدؤوب من أجل إيجاد حل لذلك القطاع، إذ أن محمد حوراني، الرئيس الحالي للباطرونا المغربية، لا يخفي انزعاجه من حجم « البزنس» الذي يتم في الظل، فهو يضر كثيرا بالمقاولات المغربية. وحوراني لا يدعو إلى استئصال شامل لذلك القطاع، على اعتبار أنه يعي وجود « قطاع غير مهيكل اجتماعي» يلبي حاجيات بعض الفئات الفقيرة، لكنه يلح على ضرورة البحث عن بعض الحلول، من قبيل التحفيزات الجبائية .. فهل تستجيب الإجراءات التي تضمنها مشروع قانون مالية السنة القادمة لانتظارات الباطرونا المغربية؟ ضعف السياسة الجبائية عند تقديمه قبل سنة تقريبا للدراسة التي أجرتها المندوبية السامية للتخطيط حول القطاع غير المهيكل في المغرب، لاحظ أحمد لحليمي، أن ذلك القطاع يستدعي سياسة خاصة من أجل دعمه وترقيته، بالنظر للدور الذي يضطلع به، فهو يعتبر أن الشركات المكونة لهذا القطاع ليست سرية أو خارجة عن القانون، بل هي شركات تعيش ظروفا خاصة بسبب عدم اكتمال نضجها، الشيء الذي يجعلها على هامش الاقتصاد المهيكل، وهذا ما يجعل الحليمي يدعو إلى تقديم يد المساعدة لتلك الشركات في سبيل تأهيلها والرقي بها، عوض محاربتها أو التضييق عليها. وخلافا لما قد يعتقد البعض، فالعمل في القطاع غير المنظم لايعني، في تصور المندوب السامي، التهرب من الضرائب، فتلك شركات تعمل في واضحة النهار ومديرية الضرائب تتعامل معها بشكل طبيعي، وإذا كان المعيار الذي اعتمدته المندوبية في التمييز بين شركات القطاع المهيكل وشركات القطاع غير المهيكل، هوعدم توفرها على محاسبة مطابقة للمعايير الجاري بها العمل، فإن المندوب عند تقديمه لنتائج ذلك البحث الميداني، شدد على أن ضعف مساهمة تلك الشركات في الضرائب يشكل مؤشرا على ضعف السياسة الجبائية في استقطابها، وهو يلاحظ أن كثرة الأوراق الإدارية و تعقد الإجراءات تشكل أهم عامل ينفر تلك المقاولات الصغيرة من التعاطي مع الضرائب، ومن ثمة دعوته لوضع صيغة جبائية خاصة بهذا النوع من المقاولات وتبسيط الإجراءات من أجل استدراجها في القطاع المهيكل. بحث عن موارد جبائية الدروس التي استخلصتها قبل سنة من البحث الميداني الذي حاول الإحاطة بالقطاع غير المهيكل في الاقتصاد المغربي، يبدو أنها كان موضوع بحث و تمحيص من قبل مصالح وزارة الاقتصاد والمالية، وخاصة المديرية العامة للضرائب، التي يبدو أنها أدركت حجم تغلغل القطاع في الاقتصاد المغربي والإمكانيات الكامنة التي يتوفر عليها إذا ما أرادت السلطات العمومية إخضاعه للضريبة. وزير الاقتصاد والمالية، صلاح الدين مزوار، يفترض أنه في ظل الحاجة المتزايدة لتعبئة موارد الخزينة، يمكن أن يشكل إخضاع القطاع غير المنظم للضريبة مصدرا هاما للموارد الجبائية ويخفف العبء الجبائي على القطاع المنظم. هكذا تضمن مشروع القانون المالي للسنة القادمة إجراءات تروم إدماج القطاع غير المهيكل في الاقتصاد الوطني، وهو ما سيؤدي، حسب وزارة الاقتصاد والمالية، إلى عصرنة المقاولات و تنويع النسيج الإنتاجي الوطني ليصبح أكثر أداء واندماجا، وكي يقنع العاملين في القطاع غير المهيكل، تضمن مشروع قانون المالية، إجراء تحفيزيا، يشير إلى عدم إخضاع الدخول و العمليات المنجزة ما قبل عملية تحديد الملزمين، مما يعني استفادتهم من عفو جبائي. فالقبول بالخضوع للضريبة، يجب ما قبله. في نفس الوقت تشير وزارة الاقتصاد و المالية إلى أنه في سبيل تحسين مناخ الأعمال و تشجيع المقاولات على مزيد من الشفافية وتشجيع خلق فرص الشغل، تم اقتراح معدل يساوي خمسة عشر في المائة، يطبق على الشركات الخاضعة للضريبة على الشركات والتي تحقق رقم معاملات يقل عن مليوني درهم، حيث سيتعهد المستفيدون من هذا الأجراء المخفض بخلق ما لا يقل عن منصب شغل واحد كل سنة على مدى ثلاث سنوات انطلاقا من سنة الخضوع لهذا النظام الضريبي.. تلك إجراءات اعتبر وزير الاقتصاد و المالية، صلاح الدين مزوار أنها تسعى إلى مد جسور الثقة بين المشتغلين في القطاع غير المهيكل و الإدارة الضريبية، تلك الثقة التي تعتبر ضرورية من أجل دفع تلك الشركات إلى المساهمة في المجهود الجبائي للدولة. لكن كيف يمكن استدراج هذا القطاع كي يعمل في بشكل متوافق مع التوجه الجديد الذي يقترحه مشروع قانون مالية السنة القادمة، الشيء الذي يفترض الكثير من التواصل و القدرة على الإقناع، فالكثيرون يشيرون إلى أن هذا القطاع استفاد من نوع من «القبول» لدى السلطات العمومية، قبول نابع من تفهم يخفي في بعض الأحيان عدم القدرة على محاصرة الظاهرة بعد الحجم الذي اتخذته، على اعتبار أن الآلاف من الأسر أصبحت ترتهن لذلك القطاع. ناقوس الخطر في المناسبات القليلة التي تحدث فيها المدير العام للضرائب عبد اللطيف زغنون، حمل القطاع غير المهيكل المسؤولية عن ضياع المداخيل بالنسبة لميزانية الدولة ، مما يساهم في إخضاع القطاع المنظم لأسعار ضريبية مرتفعة، قبل أن يتطرق للطرق التي يفترض بها تنمية الموارد الجبائية، إذ اعتبر أن ثمة مدخلين لتحقيق ذلك، مدخل يقوم على تقليص النفقات وآخر يستند على محاربة الغش والتهرب الضريبيين، فهو يعتبر أنه من أجل التحكم في النفقات الجبائية يفترض اللجوء إلى الإلغاء التدريجي للإعفاءات والتخفيضات، في نفس الوقت الذي يتوجب تقييم التأثير الاقتصادي والاجتماعي للإجراءات الاستثنائية، وهو ما يفترض أن يتم بموازاة تحسين التشريع الجبائي عبر التبسيط و توضيح المساطر، لكن ما شدد عليه زغنون في إطار ما يدعوه المواطنة الجبائية يتمثل في محاربة القطاع غير المهيكل، الذي يحرم ميزانية الدولة من موارد جبائية مهمة، فزغنون يدق ناقوس الخطر، عندما ينبه إلى الخطر الذي يتهدد العائدات الجبائية الآتية من الضريبة على الشركات. هو يدفع بالحقيقة التي تشير إلى هشاشة بنية تلك الموارد، ف3 في المائة من الشركات المغربية تؤدي 80 في المائة من عائدات الضريبة على الشركات. وضعية مخيفة تطرح التساؤل حول الخطر الذي يهدد موارد الميزانية في حال معاناة تلك الشركات من تداعيات ظرفية اقتصادية صعبة. فالمكتب الشريف للفوسفاط مثلا ساهم بخمسة ملايير درهم برسم الضريبة على الشركات في 2009 بعد العائدات القياسية التي جناها على إثر ارتفاع أسعار الفوسفاط و مشتقاته في السوق الدولية في 2008، بينما ستحرم خزينة الدولة من تلك التحويلات الجبائية الآتية من تلك المؤسسة في السنة الجارية، بعدما تراجعت عائدات تلك المؤسسة على إثر تراجع سعر الفوسفاط و مشتقاته في السوق الدولية في السنة الفارطة. تلك إحدى مبررات جذب الشركات العاملة في الظل كي تساهم في تنمية الموارد الجبائية و تحقيقا لمطلبي الإنصاف و المواطنة الضريبية، ولكن زغنون يدرك جيدا أن الأداة الضريبية ليست كافية كي تقنع من اعتادوا العمل خارج القانون على الامتثال له وإن تم إغراؤهم بالعفو الجبائي، فهو يعتبر أنه لا بد من مساهمة متدخلين آخرين في مجهود الحد من توسع القطاع غير المهيكل في الاقتصاد المغربي. العمل في إطار القانون مكلف ذلك مطلب يشاطره فيه كريم التازي، مدير عام شركة ريشبوند، ورئيس الجمعية المغربية لصناعات النسيج والألبسة الأسبق. التازي يعتبر أن الأداة الضريبية ليست كافية لإقناع من ارتضوا العمل في القطاع غير المهيكل بأن يعملوا في إطار التشريعات و القوانين الجاري بها العمل، ففي حساب الربح والخسارة، سوف يدرك هؤلاء أن العمل في إطار القانون مكلف، على اعتبار أن تملصهم من أداء بعض الضرائب يمكنهم من توسيع هوامش الربح، وهي هوامش لا تتأتي لمن اختاروا الامتثال للتشريعات والقوانين الجاري بها العمل، فالذي يعمل في القطاع غير المهيكل، الراغب في الاستفادة من العفو المقترح، سوف يصبح معروفا لدى المصالح المختصة، وسيسهل استدراجه لأداء بعض الواجباب التي كان يتهرب منها عندما كان يشتغل في الظل والتي كانت تعطيه هامشا تنافسيا كبيرا لا يتوفر لمن يعمل في إطار القانون، لذلك يعتبر التازي أن المشكل يتعدى إخضاع القطاع غير المهيكل للضريبة، تحقيقا لمطلب المساواة أمام الضريبة، بل يتصل بالسياق الذي أتاح للقطاع التواجد في المغرب و أتاح له التوسع بشكل كبير، فهو يعتبر أن المدخل الضريبي لا يكفي، بل يفترض الأمر القطع مع نوع من الحكامة الذي يتيح للقطاع غير المهيكل الظهور والتوسع، فالتعاطي مع القطاع يجب أن يبدأ من السلطات المحلية في الدائرة الترابية التي تظهر فيها وحداته. لكن ثمة من يلح على أن الضغط الضريبي مكره في المغرب، فإدريس الفينا الباحث، في اقتصاد السكن، يلاحظ أن القطاع غير المهيكل يشكل 25 في المائة في قطاع البناء، فمن بين مجموع الاستثمارات التي ينجزها قطاع البناء والتي تصل إلى 104 مليارات درهم، يستثمر القطاع غير المهيكل 26.1 مليار درهم، و على مستوى القيمة المضافة، يمثل القطاع غير المهيكل 9.6 مليارات درهم، من مجموع 38.3 مليار درهم، ثم إنه يوفر 42 في المائة من مناصب الشغل في قطاع البناء، و هو يقدر العائدات التي تحرم منها ميزانية الدولة بما بين 3و4 ملايير درهم، غير أن الفينا يعتبر أن العفو الجبائي لا يشكل في نظره الحل المناسب من أجل محاربة القطاع غير المهيكل، فهو يشدد على ضرورة أن يتوجه الجهد إلى التخفيف من الضغط الضريبي حتى يصبح في مستويات معقولة، وسن قوانين تحرم القطاع غير المهيكل من الاستفادة من طلبيات الخواص والمقاولات التي تعمل في إطار القانون وتحريك آليات المراقبة المستمرة.
في الحاجة إلى استقرار سوق الشغل رأت بعض التقارير الاقتصادية في القطاع غير المهيكل، ضابطا لسوق الشغل في المغربRégulateur و مخففا من تداعيات الأزمات، هذا ما دفعها إلى الدعوة إلى إدماجه في الاستراتيجية الاقتصادية، مما يعني اتخاذ إجراءات جبائية لفائدته، ويبدو أن السلطات العمومية تسعى في ظل شح موارد الميزانية إلى البحث عن مصادر جديدة تخول لها مواجهة نفقات الميزانية المتنامية، لكن جميع أولئك الذين يقاربون دور القطاع في الاقتصاد المغربي يقرون بدوره الاجتماعي والاقتصادي كمصدر للشغل والدخل، لذلك وبما أن القطاع يبقى مصدرا مهما للشغل في المغرب، يفترض، حسب بعض الآراء، أن تحدد السلطات العمومية نسبا واضحة من الشركات العاملة في القطاع غير المهيكل التي يتوجب أن تنتقل إلى العمل في القطاع المنظم، فالمستوى الذي بلغه انتشار ذلك القطاع يدفع البعض إلى الدعوة إلى التحلي بالحذر، فهم يعتبرون أن تنظيم القطاع غير المهيكل سوف يساهم في معالجة مشكلة المنافسة غير المشروعة وفقدان الموارد الجبائية، لكن لا يغفلون أن سوق الشغل في المغرب يحتاج إلى استقرار، بما يسمح بامتصاص الأعداد من العمال الذي ينشطون في القطاع غير المهيكل.. فبعد أن بدا أن السلطات العمومية قررت، كما تجلى في مشروع قانون مالية السنة القادمة، استدراج القطاع غير المهيكل كي يساهم في موارد الميزانية، يبدي بعض رجال الأعمال بعض الشكوك في سهولة ذلك، بل إن أحد رجال الأعمال البارزين لم يستبعد أن يكون ذلك من ضمن الإعلانات التي يتقنها وزير الاقتصاد والمالية الحالي، دون أن تكون النتائج في مستوى الطموحات. لكن رغم تجاوز الحكومة للحاجز النفسي في التعاطي مع القطاع غير المهيكل على مستوى مشروع قانون المالية، يبدو أن اقتراحها القاضي بفرض الضريبة في حدود 15 في المائة على من يحققون رقم معاملات يقل عن مليوني درهم، سوف يثير نقاشا مهما داخل قبة البرلمان، فهل سيقبل البعض داخله بسقف مليوني درهم، فهناك من يعتبر أنه كان من الأجدر بوزارة الاقتصاد والمالية أن تخضع الأرباح للضريبة لا رقم المعاملات، على اعتبار أن هامش الأرباح قد يتسع أو يضيق حسب نوعية النشاط، تلك إحدى النقاط التي ستثار أثناء النقاش ناهيك عن نقاط أخرى من قبيل الضريبة على القيمة المضافة في القطاع غير المهيكل وآجال الأداء التي تظل مفتوحة في سوق تقوم فيها العلاقات على الثقة رغم كونها تتم في الظل.